القصة الكاملة لهاشتاغ #خليج_فارس.. “شرارة الغضب” التي أشعلها ترامب في إيران؟

كتب: ربيع السعدني 

في لحظة تاريخية مشحونة بالتوتر، تحول هاشتاغ #خليج_فارس إلى رمز للوحدة الوطنية في إيران، حيث اندلعت موجة غضب شعبي عارمة في شتى أنحاء طهران ردا على تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي لمحت إلى إمكانية تغيير اسم الخليج الفارسي. 

هذه الكلمات، التي اعتُبرت تحرشا مباشرا بالهوية الإيرانية، أشعلت شرارة ثورة رقمية غير مسبوقة، جمعت مختلف الطوائف والقوميات الإيرانية تحت راية واحدة، من الأذريين إلى الكرد، ومن الفارس إلى البلوش، تحول الهاشتاغ إلى صرخة مدوية تعبر عن الفخر بالتاريخ والثقافة، وتتحدى أي محاولة خارجية، للمساس برمز وطني مقدس. 

موجة وطنية إيرانية ضد ادعاءات ترامب

منذ السابع من مايو/أيار 2025، أثارت تصريحات منسوبة إلى إدارة ترامب حول إمكانية تغيير اسم الخليج الفارسي للخليج العربي موجة استياء عارمة في إيران، هذه التصريحات، التي جاءت في سياق تصعيد التوترات بين طهران وواشنطن، اعتُبرت استفزازا مباشرا لهوية الأمة الإيرانية. 

الخليج الفارسي، الذي يحمل اسما يمتد لقرون في التاريخ، ليس مجرد مياه تمتد على الحدود الجنوبية لإيران، بل هو رمز ثقافي وحضاري يجسد فخر الإيرانيين بإرثهم، بحسب منشور على منصة إكس وصفت هذه التصريحات بأنها “حماقة العدو” التي أيقظت وحدة وطنية غير مسبوقة.

2. #خليج_فارس: من هاشتاغ إلى ثورة رقمية

ما إن انتشرت الأنباء عن تصريحات ترامب، حتى بدأ الإيرانيون بمختلف أطيافهم في استخدام هاشتاغ #خليج_فارس للتعبير عن غضبهم وفخرهم  الهاشتاغ، الذي بدأ كوسيلة للرد على الاستفزاز، تحول سريعا إلى منصة لتوحيد الشعب الإيراني. 

هذا وزعمت وكالة أسوشيتيد برس الأمريكية الأربعاء 7 مايو/أيار 2025، أن الرئيس الأمريكي بكلامه الثلاثاء 6 مايو/أيار 2025 بأنه سيبلغ عن إعلان هام خلال الأيام المقبلة أثناء جولته الخليجية القادمة إلى المملكة العربية السعودية، قصد أنه يريد إعلان تغيير الاسم التاريخي للخليج الفارسي بالخليج العربي أو خليج العرب.

وهذه ليست المرة الأولى التي يشير فيها مسؤول أمريكي إلى ترديد مسمى “الخليج العربي” بدلا من خليج فارس، حيث سبق أن أشار الجيش الأمريكي ومن جانب واحد إلى الخليج على أنه “الخليج العربي” في البيانات والصور التي يصدرها منذ عام 2024.

وحدة وطنية عابرة للحدود

منشورات على منصة X أظهرت تنوع المشاركين، حيث كتب أحد المستخدمين: “إيران يعني سراي ترك، فارس، لر، كرد، بلوچ، لك، گيلك، طبري، مازندراني، تركمان، تالش، عرب… إيران يعني خليج تا أبد فارس”، في إشارة إلى الوحدة العابرة للقوميات، هذه المنشورات لم تكن مجرد كلمات، بل كانت تعبيرا عن إرادة شعب رفض التفرقة وتمسك بهويته.

وجوه الوحدة الإيرانية

لم يقتصر الحراك على فئة معينة، بل شمل شخصيات من مختلف المجالات، في مقدمتهم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الذي نشر رسما للعلم الإيراني، ونص الخليج الفارسي عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي X، وكتب: “الخليج الفارسي سيبقى الخليج الفارسي”.

وقاد النشطاء الرقميون من الشباب الإيراني الحملة عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث نشر مئات الآلاف منشورات تحمل الهاشتاغ، مصحوبة بصور وفيديوهات تبرز جمال الخليج وتاريخه، ودوَّن حساب موثق يحمل اسم “بهمن أنصاري“: مع “مليون إعجاب” سنخبر العالم مرة واحدة وإلى الأبد أن هذا “الخليج” هو “فارسي” إلى الأبد ويجب عليهم أن يتعلموا استخدام الاسم الصحيح، مع تذييل التدوينة بهذه الإشارة (تمت ترجمة هذه التدوينة إلى جميع اللغات الحية في العالم).

كما نشر حساب على منصة إكس يحمل اسم “يسر نيجه“، ساخرا من مزاعم ترامب؛ بهذه الكلمات التي لخصت كل شئ: “إنهم يخططون لتغيير اسم الخليج الفارسي إلى الخليج العربي، ولكن شاهد قبر الجنود الأمريكيين يقول: “لقد قتلوا في حرب الخليج الفارسي”، وهو الخليج الذي سيظل يسمى دائما الخليج الفارسي”.

صوت السيادة الوطنية

كما انضم مسؤولون إيرانيون بارزون إلى الحملة، معتبرين أن الدفاع عن اسم الخليج جزء لا يتجزأ من السيادة الوطنية، تصريحات من قائد الحرس الثوري، اللواء حسين سلامي، الذي يُعتبر أحد أبرز الشخصيات العسكرية التي تُجسد الموقف الإيراني المتشدد تجاه القضايا الوطنية والإقليمية، عززت من زخم الحملة، حيث أدلى سلامي بتصريحات أكد فيها أن الخليج الفارسي هو “خط أحمر” بالنسبة لإيران. 

جاء ذلك عبر منشور على منصة X بتاريخ 8 مايو/أيار 2025، قال سلامي: “كل نقطة في أي أرض تصبح منطلقا للهجوم علينا، فستكون هي هدف هجومنا”، في إشارة إلى الدفاع عن الخليج الفارسي كجزء لا يتجزأ من الأراضي الإيرانية، هذه التصريحات جاءت خلال الكشف عن قاعدة مسيرات بحرية تحت الأرض تطل على الخليج، مما يعكس الربط بين الخطاب الوطني والاستعداد العسكري.

في تصريح آخر نُشر على منصة X في 8 مايو/أيار 2025، وجّه سلامي تحذيرا مباشرا للولايات المتحدة وإسرائيل، قائلا: “نقول للإسرائيلين وأمريكا بأننا سنفتح عليكم أبواب جهنم إذا ارتكبتم أي خطأ ضد بلادنا”.. هذا التحذير جاء في سياق الدفاع عن الخليج الفارسي، حيث أشار سلامي إلى القدرات الصاروخية الإيرانية، مضيفا: “الإسرائيليون لم يتحملوا إصابة صاروخ من اليمن لمطارهم، فكيف سيتحملون مئات الصواريخ الإيرانية؟”.

دوافع سياسية وعدائية

ومن جانبه وصف وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، خطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لاعتماد تسمية “الخليج العربي” بدلا من “الخليج الفارسي” بأنها خطوة لها دوافع سياسية وعدائية تفتقر إلى أي شرعية. 

وكتب عراقجي عبر منصة “إكس” الأربعاء 7 مايو/أيار 2025، أن “اسم الخليج الفارسي، مثل العديد من التسميات الجغرافية، له جذور عميقة في التاريخ البشري”، مشيرا إلى أنه “معترف بها من قبل جميع المؤسسات الدولية والخرائط العالمية، وقد استخدم في المراسلات الرسمية من قبل قادة المنطقة أنفسهم حتى أواخر الستينيات”.

وأضاف أن إيران لم تعترض يوما على استخدام أسماء مثل بحر عمان أو المحيط الهندي أو البحر العربي أو البحر الأحمر، حيث لا يعني استخدام هذه الأسماء ملكيتها من قبل أمة معينة، بل يعكس الاحترام المشترك للتراث الجماعي للبشرية”. 

وأفادت وكالة مهر للأنباء، بأن رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف نشر على حسابه عبر منصة X ردا على تقارير صحفية حول خطة إدارة الرئيس ترامب لاستخدام أسماء وهمية للخليج الفارسي: “طلبت من مكتبة البرلمان نشر بعض الخرائط التاريخية للخليج الفارسي الموجودة في الأرشيف.. قالوا لي إن عدد هذه الكتب والخرائط يكون كبيرا لدرجة أن كل واحد من السياسيين الوهميين سيحصل على عدة نسخ منها”.

ونشر قاليباف بعض هذه الخرائط على حسابه وأضاف: “ربما يمكن شراء الأحذية والملابس بالدولار والدراهم، لكن التاريخ والجغرافيا لا يمكن شراؤهما، بعملك هذا تذهب بماء وجهك وتزعجنا فقط “، ودعا إلى وحدة وطنية لمواجهة ما أسماه “الاستفزازات الخارجية”، مشددا على أن الشعب والحكومة يقفان معا في الدفاع عن الخليج.

خليج فارس للأبد

وأدلى عباس موسوي الذي شغل منصب المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية الإيرانية (2019-2020) وسفير إيران لدى أذربيجان حتى 2024، دعم حملة #خليج_فارس بتصريحات قوية موجهة إلى دونالد ترامب، قائلا: “السيد الرئيس! #الخليج_الفارسي ليس خليج المكسيك، بل هو #خليج_فارس_إلى_الأبد، وهذا نهائي!”. هذه التصريحات عززت الطابع الرسمي للحملة، مضيفة بعدا دبلوماسيا للحراك الشعبي.

وفي السياق ذاته شارك محمد جواد ظريف، المستشار السابق لرئيس الجمهورية  ووزير الخارجية الإيراني سابقا، في الحملة عبر منشورات دبلوماسية أكد فيها الأهمية التاريخية لاسم الخليج الفارسي، وكتب في منشوره على منصة إكس: “إن ما يُسمع عن استخدام اسم وهمي للخليج الفارسي يُثير غضب كل إيراني وطني من أي توجه، أما بالنسبة لإيران، فسوف نُظهر للعالم ولسكان البيت الأبيض أن الإيرانيين لن يتسامحوا مع هذه النزعة التجارية قصيرة النظر”، ودعا إلى “احترام الحقائق التاريخية”، مما عزز من الحملة على المستوى الدولي.

تصريحات المسؤولين الإيرانيين لم تكن موجهة فقط للخارج، بل كانت تهدف أيضا إلى تعزيز الوحدة الداخلية في إيران وقد ساهمت كلماته النارية في تعبئة الشعب الإيراني، حيث انضم ملايين الأفراد من مختلف القوميات – الأذريين في تبريز، الكرد في سنندج، البلوش في سيستان، والعرب في خوزستان– إلى حملة #خليج_فارس للتأكيد على هوية الخليج. 

كما نشرت الصفحة الرسمية للمنتخب الإيراني لكرة القدم عبر ستوري على مواقع التواصل الاجتماعي بصورة للخليج مكتوبا عليها باللغتين الفارسية والإنجليزية: “الخليج الفارسي إلى الأبد”.

إضافة إلى كتاب وشعراء وفنانون شاركوا بأعمال فنية ومقالات تؤكد العمق التاريخي لاسم الخليج الفارسي، مما أضاف بعدا ثقافيا للحملة، هذا الحراك عزز من موقف النظام الإيراني في المفاوضات الدولية، حيث أظهر وحدة وطنية في مواجهة الضغوط الخارجية.. شارك الجميع في رسالة موحدة: الخليج الفارسي هو خط أحمر.

تأثير الحملة.. تعزيز النظام وأوراق المفاوضات 

لم تكن الحملة مجرد رد فعل عاطفي، بل كانت لها أبعاد سياسية عميقة. بحسب منشور على منصة إكس، فإن هذه الموجة الشعبية عززت من موقف النظام الإيراني في المفاوضات الدولية، حيث أظهرت وحدة الشعب في مواجهة الضغوط الخارجية. 

الباحث الإيراني محمد قادري أشار إلى أن مثل هذه الحملات تحول الضغط الخارجي إلى فرصة لتوحيد الجبهة الداخلية، مما يمنح طهران قوة تفاوضية أكبر.

ردود فعل دولية.. صمت وتضامن 

على الصعيد الدولي، لم تصدر تعليقات رسمية كبيرة على الحملة، لكن بعض الدول المجاورة أبدت تضامنا ضمنيا مع إيران، خاصة تلك التي تشاركها الحدود البحرية في الخليج، في المقابل، حافظت الإدارة الأمريكية على صمتها إزاء الجدل، مما اعتُبر تراجعا تكتيكيا بعد رد الفعل الإيراني القوي.

خليج فارس.. اسم محفور في قلب التاريخ 

هاشتاغ #خليج_فارس لم يكن مجرد كلمات على منصة رقمية، بل كان صوت أمة رفضت المساس برمزها الوطني في مواجهة التهديدات، أثبت الشعب الإيراني أن وحدته هي السلاح الأقوى، وأن الخليج الفارسي سيظل، كما كان دائما، رمزا للفخر والصمود.. هذه الحملة، التي جمعت الملايين تحت راية واحدة، ليست فقط رد فعل على استفزاز، بل رسالة إلى العالم: إيران، بكل تنوعها وتاريخها، ستبقى صامدة كالجبال، وكما قال أحد المشاركين: “خليج تا أبد فارس”، سيظل هذا الاسم محفورا باسم الخليج الفارسي في قلب كل إيراني، وفي صفحات التاريخ إلى الأبد.

كلمات مفتاحية: