التخصيب النووي محور أساسي في استراتيجية إيران النووية

الملف النووي الإيراني- منصات التواصل

نشر موقع ديده‌بان إيران الأصولي، الجمعة 23 مايو/أيار 2025، تقريرا أشار فيه إلى أنه، على الرغم من أن إيران والولايات المتحدة غالبا ما وصفتا جولات التفاوض الأربع غير المباشرة السابقة بأنها إيجابية وبنّاءة وتشهد تقدما، فإن قضية التخصيب تحوّلت منذ نحو أسبوعين إلى عقدة رئيسية في المفاوضات، يصعب تجاوزها بسهولة.

وأضاف الموقع: “فمن جهة، المسؤولون الأمريكيون الذين أعلنوا في البداية أن إيران يمكنها تخصيب اليورانيوم حتى مستوى 3.67% لأغراض إنتاج الطاقة النووية، أصبحوا الآن يصرّون على موقف واحد وهو أن إيران لا ينبغي لها بأي حال من الأحوال أن تقوم بأي عملية تخصيب، ولو بنسبة واحد في المئة، وأن عليها استيراد كل ما تحتاجه من اليورانيوم المخصب لبرامجها النووية السلمية من دول أخرى. وقد أكد رئيس وفد التفاوض الأمريكي، مؤخراً، ستيف ويتكوف، أن هناك خطاً أحمر واضحاً جداً جداً، وهو التخصيب. ونحن لا نقبل به حتى بنسبة واحد في المئة”.

وفي المقابل، أعلن المسؤولون الإيرانيون ضرورة استمرار التخصيب داخل إيران، ويصرّحون بشكل واضح بأنهم لن يقبلوا بأي اتفاق يُقيّد تخصيب اليورانيوم داخل إيران، حتى ولو بشكل مؤقت.

وقال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إن التخصيب سيستمر سواء باتفاق أو من دون اتفاق. ونحن بصدد دراسة ما إذا كنا سنشارك في الجولة القادمة من المفاوضات أم لا.

وأوضح الموقع أن الموقف الأبرز في هذا السياق صدر عن المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، الذي قال في تصريح له يوم الثلاثاء 20 مايو/أيار 2025: أوجّه تحذيراً للطرف المقابل؛ فعلى الجانب الأميركي، الذي يشارك في محادثات غير مباشرة، أن يتجنب التصريحات الفارغة.

وأضاف أن “الادعاء بعدم السماح لإيران بالتخصيب هو تجاوز غير مقبول. ففي إيران، لا أحد ينتظر إذناً من أي طرف؛ وإيران ماضية في سياستها وفي المسار الذي اختارته.

من الناحية التقنية، يمكننا تخصيب اليورانيوم إلى أي مستوى نريده”.

أبرز الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، فريدون عباسي، أن تمسّك إيران بعملية تخصيب اليورانيوم يعود إلى القيود المفروضة على البدائل الأخرى لإنتاج الطاقة النووية. فقد أشار إلى أن استخدام اليورانيوم الطبيعي عبر مفاعلات الماء الثقيل لا يتطلب التخصيب، لكنه محدود من حيث القدرة الإنتاجية التي لا تتجاوز 250 إلى 300 ميغاواط.

وتابع عباسي أن الاتفاق النووي (برجام) فرض قيوداً على إيران في استخدام هذا النوع من المفاعلات، مما يجعل من الصعب الاعتماد عليها في توليد كميات كبيرة من الكهرباء. ولهذا، يرى أن التخصيب داخل إيران ضرورة استراتيجية لتطوير مفاعلات نووية ذات قدرة إنتاجية عالية تصل إلى 1000 ميغاواط أو أكثر.

وأكد أن إيران تمتلك القدرة الفنية والتنفيذية لبناء مفاعلات الماء الثقيل، لكنها تحتاج إلى تخصيب اليورانيوم لتشغيل المفاعلات ذات القدرة العالية، لأن مفاعلات الماء الثقيل ذات القدرة المتوسطة فقط، ولا تصلح للطاقة العالية بدون تخصيب.

وأشار إلى أن مفاعلات بوشهر ودارخوين تعملان حالياً بوقود مخصب بنسبة تتراوح بين 3 إلى 5 بالمئة، مشدداً على أن إيران تمتلك اليوم القدرة على تخصيب اليورانيوم إلى أي مستوى تريده حسب الحاجة.

وأفاد بأن مفاعل طهران البحثي يعمل حالياً بيورانيوم مخصب بنسبة 20%، ويُستخدم بشكل رئيسي لاختبار الوقود النووي المنتج داخل إيران.

وأوضح أن هذا المفاعل، الذي تم تركيبه من قبل الأميركيين قبل الثورة، كان يحتوي سابقاً على يورانيوم مخصب بنسبة تزيد على 90%، ولكن بعد الثورة تم تخفيض نسبة التخصيب إلى 20%. كما أشار إلى وجود مفاعل صغير جداً في أصفهان تصل نسبة تخصيبه إلى نحو 90%، لكنه يحتاج فقط إلى نحو كيلوغرام واحد من الوقود ويُستخدم لأغراض صغيرة.

وأضاف أن الأمثلة السابقة توضح أن إيران يجب أن تقوم بالتخصيب لتتمكن من الاستفادة من الطاقة النووية، بحيث أننا بحاجة لتخصيب اليورانيوم سواء لإنتاج الكهرباء أو للأبحاث العلمية.

وبيّن أن “استخدام الوقود النووي في دفع السفن والغواصات هو من الأمور الأخرى التي تجعلنا بحاجة إلى التخصيب، بمعنى أنه إذا أردنا أن نمتلك قوة بحرية قوية ونكون قادرين على العمل دون الاعتماد على أي ميناء، فيجب علينا أن نوفر وقودنا بأنفسنا باستخدام الطاقة النووية”.

الأوروبيون بعد الثورة انسحبوا من الاتفاقيات المتعلقة بالأنشطة النووية المشتركة مع إيران
أوضح عباسي أن إيران قبل الثورة كانت تتمتع بشراكات في بعض مجالات الصناعة النووية مع الدول الأوروبية، مشيراً إلى أنهم كانوا شركاء في تخصيب اليورانيوم مع شركة فرنسية، وكانت فرنسا من المقرر أن تزود إيران بالوقود المخصب. لكنه أكّد أنه منذ نجاح الثورة، لم تُمنح إيران حتى غراماً واحداً من اليورانيوم المخصب.

وأفاد بأنه مع تغير النظام وخروج إيران من نطاق السيطرة الغربية، توقفت الدول الغربية عن تقديم أي دعم للصناعة النووية الإيرانية، وانسحبت من الاتفاقات الموقعة بين الطرفين.

نوَّه إلى أن الأمريكيين لم يكونوا راضين عن امتلاك إيران لمفاعل نووي، ولم يتعاونوا معها في هذا المجال حتى قبل الثورة. بالمقابل، بدأت الدول الأوروبية، خاصةً فرنسا وألمانيا، بالتعاون مع إيران، حيث استثمرت إيران في بناء مفاعل نووي داخل البلاد وفي منجم يورانيوم في الخارج.

وذكر أنه بموجب عقد مع شركة فرنسية، كانت إيران شريكة بنسبة 10% في منجم في ناميبيا وفي عمليات التخصيب هناك. إلا أنه بعد الثورة، منعت فرنسا إيران من الاستمرار في هذه المشاريع، ومنعتها من جلب خام اليورانيوم أو إنشاء مصنع للكعكة الصفراء في ناميبيا، كما حُرمت من استلام اليورانيوم المخصب.

التقدم في صناعة الطاقة النووية هو بوابة للدخول إلى الفضاء
أشار عباسي إلى أن التقدم في صناعة الطاقة النووية يُعد أساساً مهماً للتفوق في مجال صناعة الفضاء، موضحاً أن المفاعلات النووية تُستخدم لاختبار قطع الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية على الأرض. وهذا الاختبار ضروري لتعزيز قدرة هذه القطع على مقاومة الأشعة الكونية التي تواجهها في الفضاء، حيث لا يمكن إصلاحها بعد الإطلاق.

وأكد أن الدول المتقدمة التي تمتلك صناعة نووية متطورة، هي ذات القدرة الأكبر على الوصول إلى الفضاء، نظراً للعلاقة الوثيقة بين هذين المجالين الحيويين.

أورد أن القدرة على الوصول إلى الفضاء وإطلاق أقمار صناعية محلية أمر أساسي لتنفيذ إجراءات بيئية واكتشاف المناجم الجديدة. وأشار إلى أن عدم وجود صناعة فضائية وطنية يهدد قطاع الاتصالات والإذاعة، ويزيد الاعتماد على دول قد تتصرف بنزعة استكبارية. لذلك، لتحقيق الاستقلال الوطني والتقدم التقني، لا بد من تطوير الصناعات النووية والفضائية بشكل متقدم ومستدام.

لإنتاج الأدوية الإشعاعية نحتاج إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% أو أكثر
أوضح عباسي دور صناعة الطاقة النووية في إنتاج الأدوية الإشعاعية، وأورد أن المفاعل الذي ينتج الأدوية الإشعاعية يجب أن يكون له تدفق نيوتروني مناسب. فليس كل دواء إشعاعي يمكن إنتاجه باستخدام أي مفاعل، ولإنتاج بعض الأدوية الإشعاعية نحتاج إلى مسرّعات جسيمات مثل البروتونات.

وصرّح بأن “كل هذه الأعمال تُنجز في إيران، ونحن نسير تدريجياً نحو امتلاك مسرّعات طاقة عالية. ومع ذلك، من الضروري بناء مفاعلات ذات تدفق نيوتروني عالٍ كي نعتمد عليها على المدى الطويل”.

وأضاف أنه “في الماضي، عندما استُهلك وقود مفاعل طهران ولم نتمكن من تشغيله بسبب عدم ضمان السلامة وضرورة تغييره، استغل الغرب هذا الوضع ورفعوا أسعار الأدوية الإشعاعية إلى خمسة أضعاف السعر العالمي. وعندما لاحظوا تعثّر إنتاج هذه الأدوية في إيران، سرعان ما رفعوا الأسعار أكثر. ولكن بمجرد أن نجح خبراؤنا في تغيير وقود المفاعل وتشغيله قبل إنتاج الوقود الأساسي، عادوا فوراً إلى تسعير الأدوية وفق السعر العالمي”.

وأوضح أن “هذا المثال يبيّن أن التقدم في صناعة الطاقة النووية يؤثر حتى في الجانب الاقتصادي لإيران. ولإنتاج الأدوية الإشعاعية، نحتاج إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% أو أكثر، وبالطبع يجب أن يكون لدينا عدة مفاعلات في هذا المجال داخل إيران.

بمعنى، إذا بنينا مفاعلات أكثر لهذا الغرض، فإن المعرفة الفنية لإنتاج الأدوية الإشعاعية في إيران متقدمة إلى حد يمكننا من تصدير أدوية إشعاعية مصنّعة محلياً إلى دول المنطقة، بالإضافة إلى استخدامها داخليا”.

المشكلة الرئيسية لدى الغرب هي الثورة نفسها وليس نسبة التخصيب  

قال عباسي بشأن إمكانية نجاح المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، في ظل حاجة إيران لتخصيب اليورانيوم بنسبة لا تقل عن 20%، وإصرار واشنطن على التخصيب بنسبة صفر داخل إيران، إنه لم يكن يعتقد منذ البداية أن المفاوضات ستُفضي إلى نتيجة، نظراً إلى الفجوة العميقة بين المطالب الأميركية المبالغ فيها في القضايا الفنية النووية، وبين الاحتياجات الواقعية والخطوط الحمراء لإيران في هذا المجال.

وأضاف أن التجارب السابقة مع الأمريكيين والأوروبيين أظهرت بوضوح أنهم لا يرغبون إطلاقاً في أن تتحول إيران، بعد الثورة، إلى قوة علمية وتقنية وعسكرية معترف بها دولياً، ومتقدمة في الصناعات النووية والفضائية والبحرية والطبية.

وأكد أن المشكلة الأساسية التي لدى الغرب معنا، تكمن في أسس الثورة، وليس في تفاصيل مثل نسبة تخصيب اليورانيوم في إيران. وبما أن هذا الخلاف لم يُحلّ بعد، فمن غير المرجّح أن تؤدي المفاوضات إلى نتيجة. بالطبع، هم إلى حد ما اعترفوا بأن إيران تملك قوة في بعض المجالات، ولهذا جلسوا معنا على طاولة المفاوضات، ولو كنا دولة ضعيفة، لكانوا قد هاجمونا بالتأكيد.

وقال عباسي إن “النقطة المهمة هي أن شعبنا، عندما ثار، سار عملياً عكس مصالحهم، لأنهم كانوا يريدون بأي طريقة الحفاظ على الشاه، لكنهم فشلوا. ثم فرضوا علينا الحرب، ولكنهم لم يحققوا هدفهم، لأننا نحن اليوم موجودون وصدام قد انتهى. كما أن الغربيين في السنوات الأولى بعد انتصار الثورة قاموا بكثير من المؤامرات لتقسيم إيران، لكننا تمكنا من إحباط مخططاتهم”.

بعض التيارات السياسية ربطت القضايا الاستراتيجية للبلاد بحياة الناس اليومية


أفاد عباسي بأنه “عندما فشل الأعداء على مدى 47 عاماً في تحقيق أهدافهم للإضرار بإيران، بدأوا يخططون الآن لإضعاف قوتنا العلمية والفنية. ولحسن الحظ، لقد تغلبنا على هذه المؤامرة أيضاً، وحققنا تقدماً ملحوظاً في صناعة الطاقة النووية، والصناعة الفضائية، والمجالات الطبية، وإنتاج الأدوية، وكذلك في تقنية النانو، رغم كل العقوبات.

وبالطبع، الأعداء لن يتوقفوا عن عدائهم، وإذا تنازلنا قليلاً في المجال النووي، فإنهم سيتجهون حتماً نحو برنامجنا للصواريخ وصناعتنا الفضائية، لأنهم ببساطة لا يتحملون أن تكون إيران مركزاً علمياً وتقنياً عالمياً”.

وبيّن أنه “عندما يكون لدى أعدائنا مثل هذه الخطط، فلا يجب ربط القضايا الاستراتيجية بحياة الناس اليومية، أي أن التيارات السياسية لدينا لا ينبغي أن تستخدم هذه القضايا لتحقيق مكاسب انتخابية. لكن للأسف، بعض التيارات السياسية في بعض الفترات، بدافع قلة الخبرة، ربطت مصالحها بمسائل استراتيجية كبرى للدولة واستغلتها في الانتخابات، مما تسبب في مشاكل لإيران”.

وفي الختام، قال عباسي إن “مشكلاتنا تنبع من هذه القضايا، وإلا فإن الأميركيين والأوروبيين لن يكونوا قادرين على مجابهتنا. وإذا تحققت لدينا وحدة داخلية، فسنكون قادرين على تخصيب اليورانيوم إلى أي مستوى نريده، ولن يتمكن الغرب من اتخاذ أي إجراء ضدنا. وفي النهاية سيضطرون إلى التفاوض معنا”.