جدل داخل البرلمان الإيراني بعد “اتهامات” لمحتجين بتلقي أموال لدعم إقرار قانون الحجاب 

ترجمة: يارا حلمي

نشر موقع “سازندكي” الإيراني الإصلاحي، 12 مارس/آذار 2025، تقريرا تناول فيه الاحتجاجات أمام البرلمان الإيراني بشأن قانون الحجاب، وقد رصد في تقريره العديد من اراء الخبراء الإيرانيين حول الأمر.

حيث أفاد الموقع في تقريره، بأنه في أحد أكثر فصول النقاشات السياسية والاجتماعية سخونة في إيران، عاد موضوع التجمعات أمام البرلمان بشأن قانون الحجاب  ليصبح الموضوع الرئيسي في الفضاء العام للبلاد. 

وأوضح أن هذه المرة، لم يكن فقط بسبب الحساسية الذاتية لموضوع الحجاب، بل بسبب الادعاءات المثيرة التي تم طرحها بشأن مصادر الدعم المالي للمشاركين في التجمعات، حيث أصبح هذا الموضوع أحد أكثر النقاشات الداخلية إثارة للجدل. 

كما تابع التقرير أن كل شيء بدأ عندما أعلن جواد نيك بين، ممثل مدينة كاشمر (التي تقع بمحافظة خراسان الرضوية)، في الجلسة العلنية للبرلمان، قائلا: “سمعت أن الأشخاص الذين تجمعوا أمام البرلمان من أجل تنفيذ قانون الحجاب يتلقون أموالا!”، هذه التصريحات، التي تم التعبير عنها بنبرة حاسمة وانتقادية، لم تؤثر فقط على مكانة البرلماني الإيراني جواد نيك بين في البرلمان، بل أثرت بشكل كامل على الأجواء السياسية والعامة. 

وذكر أنه في استكمال لهذه الادعاءات، طالب “نيك بين” بضرورة تحقيق دقيق من قبل وزارة المعلومات والأجهزة الأمنية، مؤكدا ضرورة تحديد مصدر هذه الأموال، هذه التصريحات أثارت ردود فعل متعددة من النواب، تراوحت بين الدعم والانتقاد.

رد فعل

كان أول رد فعل من حميد رسايي، ممثل طهران، كتب رسايي في إحدى تغريداته: “هذا الشخص الذي يرتدي زيّ رجل الدين قد كرر مرتين أنه (سمع)! حسنا، ليس من اللائق أن تروي ما سمعته من على المنبر المقدس في البرلمان”. 

وذكر الموقع أن هذا الرد كان بداية لسلسلة من النقاشات الساخنة داخل البرلمان، ولكن نيك بين، في رده على هذه الانتقادات، قال في الجلسة التالية: “بعض الناس في الزوايا وعلى وسائل التواصل الاجتماعي يقولون لي إنك أخطأت عندما قلت هذا الكلام، لكن يجب أن تعلموا أن البرلمان هو مكان تبادل الآراء والخبرات، لن أتراجع عن أي موقف يصب في مصلحة حقوق الشعب”. 

وتابع “نيك بين” حديثه: “أعتقد أنه في سبيل الدفاع عن حقوق الشعب وكذلك في موضوع الحجاب، يجب أن نكون مستعدين للتضحية بحياتنا”، ومن بعد هذه الجلسة، أوضح نيك بين في مقابلة تلفزيونية أنه كانت هناك تفسيرات خاطئة لكلامه.

حيث قال: “أنا ومثلي مئتا شخص مستعدون للتضحية بشعر من حجاب النساء المحجبات، لكن تم إرسال أكثر من أربعة آلاف رسالة تهديدية مليئة بالشتائم والإهانات لي، ولكن النقطة المهمة هي أن هؤلاء ليسوا مدافعين عن الحجاب، هل يمكن أن يكون المدافع عن الحجاب شخصا لا يملك عفة اللسان؟”.

وذكر الموقع أنه في نهاية هذه المقابلة، أكد أنه على الرغم من ذلك، يوجد عدد قليل ممن يتلقون المال للمشاركة في التجمعات، وأوضح أن لديه مستندات تثبت هذا الموضوع، هذه التصريحات أثارت النقاشات بشكل كبير وجعلت وسائل الإعلام والجمهور يبحثون عن إجابة لهذه الادعاءات.

وتابع أن الأمر وصل إلى حد أن صادق كوشكي، أستاذ الجامعة الداعم لتنفيذ قانون الحجاب، ألقى خطابا في التجمع الذي أقيم أمام مجلس النواب، مخاطبا مسعود بزشكیان، رئيس الجمهورية، قائلا: “يا من تقرأ القرآن ونهج البلاغة؛ ليس أول مرة يُرفع فيه القرآن ونهج البلاغة على السيوف!”.

وأضاف: “مجاهدو خلق أيضا كانوا يحفظون نهج البلاغة، لا أحد يخدع بحفظك للقرآن ونهج البلاغة، إذا كنت تؤمن بالقرآن، فلا تعق تنفيذ حكم الله!”.

أصوات متباينة من المعتصمين

وأفاد الموقع بأنه في هذا السياق، زار أحد المواقع الإخبارية باسم “فراز” (موقع إيراني مستقل) مكان التجمع وأجرى مقابلات مع بعض المعتصمين، وأحد هؤلاء الأشخاص قال: “نحن تماما عفويون، لكن هناك أشخاص وكيانات عرضت تقديم المال والطعام لنا، لكننا رفضنا هذا العرض”. 

وتابع أن هذه التصريحات تشير إلى أن ادعاء النائب عن كاشمر قد يكون صحيحا إلى حد ما، ويجب على الجهات الأمنية إجراء مزيد من التحقيقات في هذا الشأن. 

من جهة أخرى، قال أمير حسين بانكيبور (عضو البرلمان الإيراني)، أحد الذين أشرفوا على كتابة بنود  قانون الحجاب، إن هذا القانون قد تم تعليقه بسبب رسالة من المجلس الأعلى للأمن القومي، وأضاف أنه في جلسة اتخاذ القرار لوقف إبلاغ قانون الحجاب، لم يكن هناك أي معارض.

كما أوضح أن هذه الخطوة دفعت بعض النواب، الذين ينتمون غالبا إلى جبهة بايداري (تيار سياسي أصولي متشدد)، إلى التحدث بشكل متكرر ضد هذا القرار، وما زال بعض النواب يعلقون على هذا الموضوع، كما أن تجمع المتظاهرين أمام البرلمان والادعاءات حول تلقي الأموال قد أثارا ردود فعل واسعة بسبب حساسية موضوع الحجاب.

ذكر الموقع أنه من جهة، قد تشير هذه الادعاءات إلى وجود أشخاص يستخدمون هذا الموضوع كفرصة لتحقيق مكاسب مالية، ومن جهة أخرى، قد تكون هذه الادعاءات أداة لتقويض الحركة الشعبية المطروحة، وبالتالي، يُعتبر من الضروري أن تقوم الجهات الأمنية بفحص دقيق لهذا الموضوع.

وتابع أن مجموعة من المحتجين أمام البرلمان نظموا تجمعا واعتصاما مطالبين بتطبيق القانون على الفور، كانت لافتاتهم تحمل شعارات مثل “أهلا بكم في الخط الأمامي للجبهة”، التي يبدو أنها صممت بهدف مقارنة الوضع الاجتماعي بـ”جبهة الحرب”.

تأخير القانون 

 أفاد الموقع بأنه في السياق نفسه، رد محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان، على الانتقادات المتزايدة بشأن التأخير في تنفيذ القانون، حيث قال في تصريحات له في 14 فبراير/شباط 2023: “قرارات المجلس الأعلى للأمن القومي، بعد تأكيد القيادة، يمكن تعليقها من قبل أمانة المجلس في حال حدوث تحديات أو توترات”. 

وأكد قاليباف أنه يتبع قرارات المجلس الأعلى للأمن القومي، مما يعني أن المسؤولية عن عدم تنفيذ القانون تعود إلى هذه الجهة.

كما أوضح أنه منذ بضعة أيام، وبعد أن قام المرشد الأعلى (علي خامنئي) مؤخرا بتكريم جوادي آملي، قاموا بتنظيم تجمع أمام مكتبه، حيث أساءوا الأدب، ووفقا لرواية “نيمروز 24” (موقع إخباري إيراني مستقل)، فإن المتشددين، في إطار حملاتهم الهجومية على مؤسسات الدولة، أساءوا هذه المرة إلى جوادي آملي تحت ذريعة قانون الحجاب. 

وذكر الموقع أنه بالإشارة إلى الماضي والمسار الذي سلكه هذا المشروع، يجب أن نروي القصة على النحو التالي، إذ “تعود قضية دراسة مشروع قانون الحجاب إلى يونيو/حزيران 2022. كان مشروعا أعدته السلطة القضائية وتم إرساله إلى حكومة إبراهيم رئيسي”.

وتابع أن مجلس الوزراء وافق في فترة قصيرة على المشروع وأرسله إلى البرلمان، في يونيو/حزيران 2024، وافق النواب في البرلمان على مشروع قانون الحجاب كإجراء عاجل، حيث حصل على 185 صوتا مؤيدا و30 صوتا معارضا و7 أصوات ممتنعة من أصل 227 نائبا حاضرين في الجلسة.

كما أوضح أنهم وافقوا في سبتمبر/أيلول 2022 على أن يتم تنفيذ هذا القانون بشكل تجريبي لمدة ثلاث سنوات، كان هذا المسار يحظى بدعم كبير من حكومة رئيسي، ولكن، بسبب وجود بعض الغموض في بنود المشروع، أعاده مجلس صيانة الدستور إلى البرلمان، وقبل ذلك، اعتبر مجمع تشخيص مصلحة النظام أن بعض بنود المشروع مخالفة لـ”السياسات العامة للتشريع في النظام”.

وأفاد بأنه في النهاية تم إرسال هذا المشروع بعد التصديق عليه إلى مجلس صيانة الدستور، وأعلن هادي طحان‌نظيف، المتحدث باسم المجلس، في 28 أكتوبر/تشرين الأول من هذا العام، أن مشروع قانون دعم الأسرة من خلال تعزيز ثقافة الحجاب قد تمت الموافقة عليه من قبل مجلس صيانة الدستور. 

كما أوضح أنه وفقا لما ذكرته الحكومة، تم تعليقه، بعد ذلك، مارس أنصار جبهة الثبات الضغط على رئيس البرلمان وأجبروه على إعلان تاريخ إبلاغه للحكومة من أجل تنفيذه، وفي النهاية، كما تم ذكره، تم تعليق تنفيذه من قبل المجلس الأعلى للأمن الوطني في الوقت الحالي.

وتابع أن ملف قانون الحجاب في مجلس الشورى الثاني عشر، إضافة إلى انعكاس الخلافات الداخلية في البلاد، يظهر جهود النواب لتحويل هذا الموضوع إلى أولوية وطنية، ومع ذلك، فإن الغموض في أسباب توقف تنفيذه من قبل المجلس الأعلى للأمن الوطني وعدم تقديم الحكومة برنامجا بديلا، قد وفرا الأرضية لاستمرار التوترات. 

وقال الموقع إن هذه التوترات تستمر في وقت يواجه فيه المجتمع تحديات اقتصادية ومعيشية متعددة، ويبدو أن إعادة تعريف الأولويات في تنفيذ القوانين أصبحت أمرا ضروريًا.

قانون الحجاب: التوقف والردود

أفاد موقع سازندكي بأنه بشكل عام، النقاشات الأخيرة في البرلمان والفضاء العام تشير إلى أن موضوع الحجاب لا يزال أحد أهم القضايا في المجتمع الإيراني، كما أن التصريحات التي أدلى بها البرلماني “نيك بين” والردود اللاحقة، وكذلك دور المتظاهرين ووضع قانون الحجاب، جميعها تدل على تعقيد هذه القضية. 

وتابع أنه في هذا السياق، فإن فحص الادعاءات بجدية وشفافية حول مصادر الدعم المالي للمتظاهرين يمكن أن يساعد في تقليل الشكوك وزيادة الثقة العامة، هذه القضية تتطلب اهتماما جادا من قبل الجهات المعنية لمنع الاستغلال المحتمل ولضمان سير الحركة الشعبية في هذا المجال بصدق ودون تلوث.

وذكر في نهاية التقرير، أن هناك سؤالا يُطرح: هل تتحول الحركة الشعبية بشأن الحجاب إلى سياسة وتصبح أداة لمصالح خاصة؟ أم أن هذه القضية لا تزال حركة صادقة وشعبية تحتاج إلى الدعم والتقوية؟