5 سيناريوهات ترسم ” رد فعل” الولايات المتحدة تجاه إيران على ضوء المفاوضات النووية

ترجمة دنيا ياسر نورالدين 

تناولت صحيفة “فرهيختكان” الإيرانية الأصولية في تقرير لها  الاثنين 21 أبريل /نيسان 2025 الاستراتيجيات الخفية التي تتبعها الولايات المتحدة في التعامل مع إيران، وخمسة سيناريوهات محتملة لذلك، كما تناولت  ردود فعل إيران وسبل مواجهتها لهذه السياسات.

ذكرت الصحيفة أن الجولة الثانية من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، التي أُجريت في روما، قد انتهت بتوصيف إيجابي من الجانب الإيراني. حيث وصف وزير الخارجية عباس عراقجي، المفاوض الإيراني البارز، هذه الجولة من المحادثات بأنها “تشهد تقدما”. 

في المقابل، تابعت الصحيفة، أن المسؤولين الأمركيين ، وعلى رأسهم الرئيس دونالد ترامب، التزموا الصمت ولم يبدوا أي تعليق على مجريات هذه الجولة، ما أثار تساؤلات حول حقيقة مواقفهم.

وأشارت إلى أن الأميركيين، وقبيل بدء الجولة الثانية، طالبوا بتفكيك البنية التحتية النووية الإيرانية بشكل كامل، ولكنهم بعد انتهاء المفاوضات لم يردّوا على وصف وزير الخارجية الإيراني للمحادثات بأنها “تسير إلى الأمام”، مما يُظهر، بحسب الصحيفة، وجود تباين بين الخطاب الإعلامي للوفد الأميركي وسلوكه على أرض الواقع.

احتمالات متعددة وراء صمت ترامب

أوضحت الصحيفة أنه لفهم هذا الصمت المريب من ترامب والتناقض بين المواقف الإعلامية والواقع التفاوضي، لا بد من استحضار خمس احتمالات، يمكن من خلالها تفسير هذا السلوك. وأكدت أن للولايات المتحدة تاريخا طويلا في توظيف أدوات الدبلوماسية والمناورات الميدانية لتحقيق أهدافها، مما يجعل تقييم هذه الاحتمالات ضروريا. 

وبينت أن هذا الصمت قد يعكس استراتيجية معقدة ذات أوجه متعددة، تتراوح بين الدبلوماسية، والضغط، ونصب الفخاخ، بما يخدم تحركات لاحقة محتملة. وأشارت إلى أن استمرار المفاوضات على مستوى الخبراء يمنح طهران فرصة ذهبية للدفاع بوضوح وحزم عن مصالحها، وتفادي تكرار تجربة الاتفاق النووي السابق (برجام).

السيناريو الأول: التوجه نحو اتفاق محدود

أفادت الصحيفة أن أحد السيناريوهات المحتملة يتمثل في عدول دونالد ترامب عن مطالبه القصوى، واتجاهه نحو اتفاق نووي محدود مع إيران. وأضافت أن ترامب قد يتراجع عن مطالبه السابقة، مثل التفكيك الكامل للبنية التحتية النووية الإيرانية، ويقبل باتفاق محدود شبيه بالاتفاق النووي السابق. 

وأشارت إلى أن هذا السيناريو ينسجم جزئياً مع تصريحات ویتکاف، ممثل ترامب، في مقابلة مع قناة فوكس نيوز، حيث ألمح إلى إمكانية قبول واشنطن بتخصيب محدود لليورانيوم من جانب إيران.

وتابعت أن العديد من التقارير الإعلامية تحدثت عن وجود اتفاق مبدئي بين الطرفين حول بعض المبادئ المتعلقة بتقييد التخصيب. مثل هذا الاتفاق قد يساهم في خفض التوتر الإقليمي وتفادي تصعيد المواجهة.

ورغم ذلك، أكدت أن هذا السيناريو لا يخلو من التحديات الكبرى، أولها أن ترامب لطالما وصف الاتفاق النووي السابق بأنه “أسوأ اتفاق في التاريخ”، وقد انسحب منه خلال ولايته الأولى، ما يجعل القبول باتفاق مشابه الآن مكلفا سياسيا له، خصوصا أمام قاعدته الداخلية المتشددة وحلفائه الإقليميين، وعلى رأسهم الإحتلال الإسرائيلي، التي تطالب بسياسة أكثر صرامة تجاه إيران.

 كما لفتت الصحيفة إلى أن التناقض في التصريحات بين ویتکوف والناطق ب اسم الولايات المتحدة، الذي شدد على ضرورة وقف كامل لبرنامج التخصيب الإيراني، يعكس انقساما واضحا داخل فريق السياسة الخارجية لترامب، ما يُضعف فرص تحقيق هذا السيناريو.

السيناريو الثاني: حاجة ملحّة لاتفاق لتعويض إخفاقات أخرى

الصحيفة قالت أن احتمالا آخر يتمثل في سعي ترامب لتحقيق إنجاز دبلوماسي مع إيران، بهدف التغطية على فشل إدارته في ملفات خارجية أخرى. وأوضحت أن الإخفاق في وقف الحربين في أوكرانيا وغزة، والعجز عن تنفيذ سياسات اقتصادية مثيرة للجدل، مثل فرض الرسوم الجمركية، فضلا عن فشل مبادراته المتعلقة بملكية أراض مثل غرينلاند أو الخليج المكسيكي، بالإضافة إلى التحديات الداخلية المتمثلة في تصاعد الاحتجاجات الاجتماعية، كلها عوامل قد تدفعه نحو التفاوض مع طهران بحثا عن مكسب سياسي سريع.

وأشارت إلى أن تصريحات ترامب الأخيرة حول “عدم الاستعجال في مهاجمة إيران” وتأكيده على أهمية المسار الدبلوماسي، تدعم هذا الاحتمال. وبينت أن استراتيجيته الحالية قد تقوم على مزيج من الضغط الاقتصادي والدبلوماسية، بهدف تحقيق مكاسب سياسية داخلية تعزز صورته أمام أنصاره وتخفف الانتقادات الموجهة إليه.

لكن في الوقت نفسه، رأت الصحيفة أن هذا السيناريو أيضا محفوف بالعقبات. فالمفاوضات مع إيران، بسبب تعقيداتها الفنية، مثل مستوى تخصيب اليورانيوم، والصعوبات السياسية الناجمة عن انعدام الثقة المتبادلة، لن تؤتي ثمارا واضحة للرأي العام الأميركي في المدى القصير. 

الصحيفة لفتت كذلك إلى الانقسام داخل فريق السياسة الخارجية الأميركي، وخاصة بين ویتکاف الداعم للدبلوماسية المحدودة، وشخصيات مثل والتز التي تصر على استمرار سياسة “الضغط الأقصى”، مما يكشف عن غياب التماسك اللازم لإنجاح أي اتفاق سريع. كما أن ضغوط الاحتلال الإسرائيلي لإبقاء موقف واشنطن متشددا تقلل من فرص نجاح هذا السيناريو في المستقبل القريب.

السيناريو الثالث :تهيئة الرأي العام لتفاهم غير قابل للرجوع

ذكرت الصحيفة أن الاحتمال الثالث يتمثل في أن الولايات المتحدة، من خلال التصريحات الإيجابية ومواصلة المفاوضات، تسعى إلى تهيئة الرأي العام الإيراني لتقبّل مزايا التوصل إلى اتفاق، بحيث تُصعّب أي تراجع من جانب طهران لاحقا. وأكدت الصحيفة أن هذه الاستراتيجية قد تتماشى مع التصريحات الإيجابية الأولية الصادرة عن ويتكوف والولايات المتحدة 

وتابعت  أن واشنطن تسعى من خلال خلق توقعات إيجابية داخل المجتمع الإيراني إلى زيادة الضغط النفسي على الفريق المفاوض الإيراني، لدفعه نحو تقديم تنازلات إضافية. وبيّنت أن هذا الأسلوب يندرج ضمن العمليات النفسية التي تستغل التصريحات الرسمية ووسائل الإعلام لتشكيل وعي الرأي العام الإيراني.

أضافت الصحيفة أن التناقضات في التصريحات الأميركية، مثل تباين نبرة الولايات المتحدة ووزارة الخارجية، قد تُضعف هذه الاستراتيجية على المدى الطويل، إذ تقلل من قدرتها على التأثير في الرأي العام. وشددت على أن بإمكان وسائل الإعلام الإيرانية والمسؤولين الرسميين التصدي لهذا التكييف النفسي من خلال تسليط الضوء على مخاطر الثقة بالولايات المتحدة.

وأشارت  إلى أن تركيز طهران على “رفع العقوبات بشكل فعّال” والحصول على ضمانات ملموسة، يعكس إدراكها لهذا النوع من الضغوط النفسية وسعيها للتعامل معه بحذر.

السيناريو الرابع: فخ دبلوماسي لتبرير التصعيد العسكري

أوضحت الصحيفة أن أحد أكثر السيناريوهات المحتملة في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، هو استخدام المسار الدبلوماسي كغطاء لتبرير إجراءات تصعيدية لاحقة، مثل شن هجمات على المنشآت النووية الإيرانية أو استهداف جماعات المقاومة، لا سيما في اليمن.

وأكدت أن التصريحات الإيجابية الأولية إلى جانب الصمت الاستراتيجي من قبل دونالد ترامب قد تكون جزءا من خطة مدروسة لتقديم الولايات المتحدة كطرف يتمتع بحسن النية في المفاوضات. ومع ذلك، قد يكون الهدف الحقيقي هو إفشال المفاوضات عبر طرح مطالب غير واقعية، ما يتيح لاحقا تبرير الخطوات العسكرية أو العقوبات الإضافية بحجة “عدم تعاون إيران”.

وأضافت أن شواهد عدة تدعم هذا الاحتمال، أبرزها التحول المفاجئ في موقف ويتكوف، المبعوث الأميركي للمفاوضات النووية، من القبول بالتخصيب المحدود إلى المطالبة بتفكيك كامل للبرنامج النووي الإيراني، وهو ما يُعد محاولة متعمدة لوضع عقبات غير قابلة للتجاوز.

كما تابعت الصحيفة بالإشارة إلى عقد غرفة الأزمات في البيت الولايات المتحدة لاجتماع بحضور شخصيات بارزة مثل مايك والتز وماركو روبيو، وهما من أبرز داعمي سياسة “الضغط الأقصى”، ما يعكس استعدادا أميركيا لخيارات عسكرية.

وأبرزت أن التهديدات المتكررة التي أطلقها ترامب ضد إيران في حال فشل المفاوضات، إضافة إلى مؤشرات الاستعداد لعملية عسكرية واسعة النطاق ضد اليمن، بوصفها خطوات تصعيدية تمهد لعمل هجومي.

ولفتت الصحيفة إلى أن هذه المقاربة تتوافق مع مصالح الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة، خاصة الاحتلال الإسرائيلي، التي طالب رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو مرارا بتدمير كامل للبرنامج النووي الإيراني، وقد يسعى لاستغلال المفاوضات الجارية للضغط باتجاه تحرك عسكري.

وحذّرت الصحيفة من أن هذا السيناريو ينطوي على مخاطر كبيرة، إذ إن أي هجوم على إيران قد يؤدي إلى تصعيد إقليمي واسع، يشمل ردودا انتقامية ضد القواعد الأميركية، مما يضع الدول المستضيفة لهذه القواعد في دائرة الخطر.

كما أضافت أن ردود فعل جماعات المقاومة في اليمن ولبنان قد تسهم في توسيع رقعة النزاع، وتُثقل كاهل الولايات المتحدة وحلفائها سياسيا واقتصاديا. ومع ذلك، نوهت الصحيفة إلى أن التجارب السابقة في السياسة الخارجية الأميركية تُظهر أن مثل هذه الاستراتيجيات، رغم مخاطرها العالية، سبق أن استُخدمت، ولا يمكن استبعاد تكرارها.

السيناريو الخامس :احتمال تقديم إيران لتنازلات كبرى

أشارت الصحيفة إلى أن الاحتمال الخامس يتمثل في أن تكون إيران قد قدّمت تنازلات كبرى للولايات المتحدة مقابل إقناع ترامب بالتزام الصمت، لكنها اعتبرت أن هذا السيناريو مستبعد للغاية.

وأوضحت أنه لا توجد تقارير موثوقة أو أدلة مؤكدة تشير إلى أن إيران قدّمت عروضا تتجاوز الأطر المُعلنة. وأضافت أن الموقف الإيراني الصارم الرافض لمناقشة البرنامج الصاروخي أو السياسات الإقليمية يعكس حدود ما يمكن لطهران التنازل عنه.

وبيّنت الصحيفة أن المعلومات المتوفرة لديها من مسار المفاوضات تشير إلى أن إيران تسعى لتحقيق مكاسب اقتصادية ملموسة من خلال التركيز على “رفع العقوبات الفعّال”، وهو توجه يهدف إلى تجنب تكرار تجربة الاتفاق النووي السابق الذي لم يُسفر عن نتائج عملية.

وتابعت موضحة أن هذه الاستراتيجية تُظهر أن مطالب إيران لا تتماشى مع تقديم تنازلات كبيرة يمكن أن تُغري الرئيس الأميركي بالصمت، بل تعبّر عن نهج حذر ومبدئي لا ينسجم مع فكرة الإغراء بتنازلات ضخمة.

وأكدت الصحيفة أن منطق المواقف الإيرانية الحالية لا يتوافق مع فرضية تقديم عروض كبيرة، بل يعزز التحليلات الواردة في الفقرات السابقة حول الأهداف الحقيقية من المسار التفاوضي.

تحميل إيران المسؤولية تمهيد للتصعيد

أشارت الصحيفة إلى أن الاحتمالين الثالث (تهيئة الرأي العام) والرابع (الفخ الدبلوماسي) هما الأقرب إلى الواقع من بين السيناريوهات المطروحة، مؤكدة أن صمت ترامب النسبي إلى جانب التصريحات المتناقضة من ويتكوف وغيره من المسؤولين الأميركيين قد يشكلان جزءا من استراتيجية مزدوجة.

وبيّنت أن هذه الاستراتيجية تسعى من جهة إلى دفع الرأي العام الإيراني نحو تأييد الاتفاق وزيادة الضغوط الاقتصادية والنفسية، ومن جهة أخرى، تمهيد الطريق لتبرير إجراءات تصعيدية في حال فشل المفاوضات.

وأضافت أن هذا النهج يتوافق مع سياسة “الضغط الأقصى” التي ينتهجها ترامب، وسعيه إلى تحقيق إنجاز سياسي أو عسكري في المنطقة.

وتابعت أن إيران، في المقابل، تُظهر التزاما باستمرار القناة الدبلوماسية من خلال تركيزها على “رفع العقوبات الفعّال” ومواصلة المفاوضات على المستوى الفني، لكنها تبقى حذرة تجاه نوايا واشنطن في ضوء تجربة الانسحاب من الاتفاق النووي والتصريحات الأميركية المتناقضة.

ودعت الصحيفة إيران إلى تنسيق مواقفها الداخلية بشكل أكثر وضوحا لمواجهة تأثير استراتيجية التهيئة النفسية من جانب الولايات المتحدة، والتصدي لمحاولات تحميل طهران مسؤولية فشل المفاوضات.

واختتمت الصحيفة بالتأكيد على أن تعزيز الشفافية وتقديم تقارير متواصلة عن مسار المفاوضات من شأنه أن يُفشل الرواية الأميركية ويُصعّب على ترامب إقناع الرأي العام الأميركي بجدوى التصعيد العسكري ضد إيران، مما قد يُسهم في ردع أي تحرك تصعيدي والحفاظ على الطاولة التفاوضية.