- زاد إيران - المحرر
- 26 Views
ترجمة: دنيا ياسر نور الدين
أجرت صحيفة “همشهري أونلاين” الإيرانية، الأحد 13 أبريل/نيسان 2025، ندوة تحليلية بثها تلفزيون “همشهري”، بحضور محسن باكآيين الدبلوماسي والسفير الإيراني السابق في أذربيجان، ومصطفى نجفي الخبير البارز في الشؤون الدولية، حول مفاوضات إيران غير المباشرة مع الولايات المتحدة في مسقط، وتناولا خلفيات هذه المفاوضات، واستراتيجيات الطرفين، وتأثيراتها على العلاقات الإقليمية والدولية.
ذكرت الصحيفة أن يوم السبت 12 أبريل/نيسان 2025، تركزت أنظار الجميع نحو العاصمة العمانية مسقط؛ حيث اجتمع كل من عباس عراقجي نائب وزير الخارجية الإيراني، وستيف ويتكوف المبعوث الخاص لرئيس الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط، لقيادة جولة جديدة من المحادثات غير المباشرة بين إيران وأمريكا. هذه المفاوضات تلعب دورا محوريا في رسم مسار العلاقات المستقبلية بين الطرفين، كما سيكون لها تأثير بالغ في التطورات الإقليمية والدولية.
وتابعت: لم تكن أهمية هذه المحادثات حكرا على إيران والولايات المتحدة فقط، بل امتدت لتشمل دول المنطقة كافة؛ نظرا إلى حساسيتها العالية.
وقد انطلقت هذه المفاوضات في ظل أجواء مشحونة، حيث شهدت الأيام الماضية حملة إعلامية مكثفة تهدف بشكل استراتيجي إلى ممارسة ضغوط على إيران؛ بدءا من مزاعم بوجود خلافات داخل القيادة الإيرانية، وصولا إلى إطلاق تهديدات متعددة بشأن مآلات المفاوضات.

ومع ذلك، لم تؤثر هذه الحملات على مواقف إيران التفاوضية، بل أكد المراقبون الدوليون أن موقف إيران في مفاوضات مسقط قوي ومتماسك.
في ما يلي نص الحوار:
في الأيام الأخيرة، تعددت المواقف الأمريكية تجاه موضوع التفاوض مع إيران، خاصة حول الإطار العام للمفاوضات. كيف يمكن تحليل هذا التوجه؟ هل الهدف منه مجرد شن حرب نفسية أم أن هناك غايات أخرى يتم السعي لتحقيقها؟
قال محسن باكآيين:
الرئيس الأمريكي بدأ ولايته الثانية بنزعة عدائية واضحة. هذا النهج لم يقتصر على التعامل مع إيران فقط، بل شمل كثيرا من الدول الأخرى، إذ لم تسلم أي دولة تقريبا من عدوانية ترامب .
وبالنسبة لإيران، فقد كان البعض يتوقع أن يعتمد في ولايته الثانية مقاربة أكثر إيجابية مقارنة بالأولى، إلا أن أول إجراء اتخذه كان توقيع مذكرة تنفيذية ضد إيران.
وأشار منذ اللحظة الأولى، اعتمد ترامب على سياسة الضغط والمواجهة، محاولا إخضاع إيران عبر أسلوب متغطرس، غير أن إيران أكدت بشكل قاطع أنها لا تدخل في مفاوضات تحت الضغط، ولن تشارك في أي “مفاوضات مباشرة”.
وأضاف أن إيران، وعلى مدى نحو خمسة عقود، أثبتت مرارا أنها لا تمانع التفاوض. بعد انتصار الثورة الإسلامية، خاضت إيران محادثات في مراحل متعددة، أبرزها ما أدى إلى اتفاقية الجزائر، والتي أخل الأمريكيون ببنودها لاحقًا.
ثم جاءت قضية “ماكفارلين”، حيث نكث الطرف الأمريكي بوعوده مجددا. وفي الملف الأفغاني بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، جرت مفاوضات حينما تلاقت مصالح الطرفين مؤقتا، وقد اعترف كبار المسؤولين الأمريكيين بأنهم لولا معلومات إيران لما استطاعوا هزيمة طالبان.
لكن، وبعد سقوط طالبان وتولي حامد كرزاي الحكم، صنف الأمريكيون إيران ضمن “محور الشر” بذريعة واهية.
وفي عهد الإصلاحيين، طالب الأمريكيون إيران بتعليق برنامجها النووي، متعهدين بمساعدتها في تطوير الطاقة النووية، لكنهم عادوا وتراجعوا عن وعودهم.
أما في الملف العراقي، فرغم المفاوضات التي جرت، إلا أن الأمريكيين أخلّوا مجددا بالتزاماتهم. وآخر الأمثلة هو الاتفاق النووي (برجام) الذي انسحب ترامب منه فور توليه السلطة.
لذا، من الواضح أن إيران لا تنظر إلى التفاوض كـ”أمر محرم” بل إن ترامب هو من لا يجيد التفاوض؛ هو يريد أن يحصل على مكاسب فورية ويقدّم وعودا مؤجلة، لكن إيران لا تقبل بهذا النوع من الصفقات.
لماذا شهدنا حربا نفسية من الجانب الأمريكي قبل انطلاق المفاوضات؟ وهل هذا النموذج من الحروب النفسية خاص بترامب أم أنه من وحي مستشاريه؟ وفي هذا السياق، ما معنى إرسال حاملات الطائرات غير المسبوق إلى المنطقة؟ وما الذي يسعون إليه؟
في حين قال مصطفى نجفي: البرنامج الأمريكي للتفاوض مع إيران في الولاية الثانية لترامب يختلف عن فترته الأولى؛ إذ إن هذا الملف يُدار الآن في إطار سياسة “الضغط الأقصى، ولكن بشكل أشمل. النقطة الأساسية هنا أن حزمة السياسات التي انتهجها ترامب في فترته الأولى لم تأتِ بنتيجة، لأنها فشلت في تغيير سلوك إيران. لذلك، أضيف إلى الضغوط الاقتصادية، ضغط عسكري واضح. ولهذا نرى بالتوازي مع إصدار مذكرات تنفيذية ضد إيران من قِبل ترامب، حشدا واسعا للمعدات العسكرية الثقيلة والاستراتيجية في المنطقة”.
هل يمكن اعتبار هذا النهج مجرد “تهويش” أم أنه ينطوي على سياسة خاصة؟
هذا النهج هو في الواقع استراتيجية تقوم على خلق “ظل الحرب” بهدف انتزاع تنازلات من إيران على طاولة المفاوضات، ويُعد نوعا من “الدبلوماسية القسرية”. وفي المقابل، وعلى خلاف ما كان في الولاية الأولى، فقد انطلقت الدبلوماسية كذلك؛ أي أن المجال الدبلوماسي مفتوح، وفي الوقت ذاته احتمال المواجهة قائم أيضا. وبالتالي هناك احتمال لسيناريوهين، والطرفان يستعدان لكليهما.
في الأيام الأخيرة، صدرت تقارير من وسائل إعلام غربية، منها “رويترز”، تتحدث عن موقف إيران من المفاوضات، وقد تم تكذيب هذه المزاعم.. ما الهدف من نشر مثل هذه التقارير؟
في حين قال محسن باكآيين:
من السمات اللافتة لهذه الجولة من المفاوضات النووية وجود إجماع داخل جميع مؤسسات الدولة حول خيار “التفاوض غير المباشر” مع الولايات المتحدة عبر وزارة الخارجية. كما أن جميع السلطات، والقوات المسلحة، والنخب، والتيارات السياسية بمختلف مشاربها، تدعم هذا الخيار.
وفي ظل هذا الإجماع، تسعى الولايات المتحدة إلى كسره عبر الترويج لوجود انقسام داخلي، وتحاول بثّ الانقسام حتى على مستوى رؤساء السلطات الثلاث.
لكن الواقع مغاير تماما، فالقرار المتخذ بشأن المفاوضات تمّ على أساس دراسة دقيقة، والنقطة المهمة أننا ندخل المفاوضات من موقع قوة. أولا، لأننا أكدنا أن المفاوضات ستقتصر فقط على الملف النووي. ثانيا، لأننا أصررنا أن تكون المفاوضات “غير مباشرة” فقط. وهذا النمط من التفاوض مارسته إيران في السابق أيضا، ولم تتنازل عن موقفها هذا نتيجة لعدم الثقة في الطرف الأمريكي.
أما النقطة الثالثة، فهي أن “مكان التفاوض” من اختيارنا. فقد أرادوا أن تُعقد المفاوضات في الإمارات، لكن في النهاية تمّ اعتماد الخيار الذي طرحته إيران، وهو سلطنة عُمان. لذلك، من المهم الإشارة إلى أن ما نشهده اليوم مثال حقيقي على التناغم بين “الدبلوماسية” و”الميدان”، وهذه من الخصائص المميزة لهذه الجولة من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة.
بعيدا عن نتائج مفاوضات عُمان، ما الرسالة التي توجهها مشاركة إيران في مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة إلى المجتمع الدولي؟
في حين قال نجفي إن السياسة الدولية مجال متغير باستمرار. النقطة الجوهرية أن السياسات، بمعزل عن الشعارات، تتبدل بحسب تغيرات المشهد العالمي.
يرى البعض أن موقف إيران قبل رسالة ترامب كان “رفض التفاوض”، لكن هذا الموقف تغيّر لأسباب مختلفة. من بين هذه الأسباب، المشاورات السياسية الداخلية، التي تُعد بالغة الأهمية، بالإضافة إلى رغبة الجانب الأمريكي في التفاوض.
هم من بادر بإرسال رسالة إلى إيران يطلبون فيها التفاوض. وإيران ردّت على هذه الرسالة بالموافقة، لكن ليس ضمن الإطار الذي أرادته واشنطن. ووفقا لما تسرب، فقد حددوا مهلة شهرين لإيران، لكن إيران، مستندة إلى إجماع داخلي، ردّت على الرسالة بطريقة أدّت في النهاية إلى بدء المفاوضات.
النقطة المهمة هنا أنه بخلاف ما تروج له بعض الجهات، فإن التفاوض مع أمريكا ليس أمرا استثنائيا. فجميع حكومات الجمهورية الإسلامية تفاوضت مع الأمريكيين، ولم يكن التفاوض يوما من المحرمات.
لطالما خاضت إيران المفاوضات بما يتماشى مع مصالحها الوطنية، وفي بعض الفترات ساهمت هذه المفاوضات في تخفيف الضغوط. ومع ذلك، فإن نكث العهود من جانب الأمريكيين كان دوما نقطة سلبية في كل جولات التفاوض السابقة.
أما النقطة الاستراتيجية الحاسمة فهي أن الحوار يجب أن يكون في إطار المصالح الوطنية الإيرانية.
لماذا تم اختيار عباس عراقجي، وزير الخارجية، في الوقت الراهن كرئيس لوفد المفاوضين الإيرانيين؟
أضاف باكآيين أنه يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن عراقجي، إلى جانب كونه وزير خارجية لإيران، يُعدّ من الكوادر المتخصصة في الجهاز الدبلوماسي، ويتمتع بخبرات واسعة في هذه الوزارة. هو ملمّ بملف التفاوض، وكان له دور نشط في مفاوضات الاتفاق النووي السابق (برجام)، حيث شارك بعمق في تلك المباحثات، ويمتلك إلماما كاملا بتطورات هذا الملف.
ومن ناحية أخرى، يرأس الفريق الأمريكي المفاوض “ستيف وِتكوف”، وهو من الشخصيات التي تُبدي ميلا أكبر نحو التفاوض؛ فعلى سبيل المثال، لو جاء “ماركو روبيو”، وزير الخارجية الأمريكي، إلى عُمان للتفاوض مع إيران، لما كان واضحا ما ستؤول إليه الأمور؛ نظرا إلى مواقفه المتشددة. لذلك، يُعدّ وِتكوف شخصية مناسبة للمفاوضات، وتركيبة عراقجي – وِيتكوف تُعدّ تركيبة إيجابية يمكن أن تمهد الطريق نحو تقدم في المباحثات.
بعيدا عن النتائج المحتملة للمفاوضات، ما هو أصل الرسالة التي يحملها قبول إيران بالمفاوضات؟
قال باكآيين:
في رأيي، الرسالة الأهم هي أن إيران دولة مسالمة، وترحّب بالحوار، لكنها تدخل المفاوضات بنوع من الحذر وانعدام الثقة تجاه الطرف المقابل، وذلك نتيجة لتجاربها السابقة مع نكث الولايات المتحدة لتعهداتها، وهو ما يدفعنا نحو مزيد من الحذر. نحن لا نرحب بالتوتر رغم قوتنا واقتدارنا.
أما النقطة الأخرى، فهي أن إيران تدخل هذه المفاوضات من موقع قوة؛ نحن لا نسعى لامتلاك القنبلة النووية، فهذا النوع من السلاح لا مكان له في عقيدتنا الدفاعية. وفي المقابل، المطلب الجوهري لإيران هو رفع العقوبات. ومن هذا المنطلق، بإمكاننا أن نشارك في المفاوضات بثقة عالية بالنفس.
يرى البعض أنه إذا كنا نريد اتفاقا، فعلينا أن نستقطب الاستثمارات الأمريكية. هل هذا الرأي صائب؟ وهل من الممكن أن نشهد نوعا من التبادلات الاقتصادية بين الجانبين، أم أن هذا الرأي فيه قدر من التفاؤل المفرط؟
ذكر باكآيين أن المسألة هنا أننا لم نضع قط أي مانع من جانبنا في هذا الشأن، لكن الأمريكيين لم يُبدوا أي رد فعل إيجابي حتى الآن. وإذا كان ترامب يتصرف بعقلانية، فعليه أن يسعى إلى تقليص الضغوط وتهيئة أرضية مناسبة للتعاون، مما يفتح المجال أمام دخول المستثمرين الأمريكيين إلى إيران.
غير أن تحقق هذا الأمر مشروط بعملية بناء الثقة ورفع العقوبات.
بعيدا عن التحليلات المختلفة، ما هي الملفات التي تُطرح أساسا على طاولة التفاوض؟
قال نجفي:
في اعتقادي، ما يُناقش في هذه الجولة من المفاوضات يدور حول مضمون الرسائل المتبادلة بين طهران وواشنطن. فقد طرح ترامب في رسالته مجموعة من المطالب دون أن يتطرق إلى مسألة تقديم “تنازلات”.
وأرى أن جوهر المفاوضات يتركز على تقليص سقف هذه المطالب، ووضع المحادثات على مسار واضح ومنظم.
لطالما أثار الأمريكيون قضايا متعددة مثل النشاط النووي الإيراني، والبرنامج الصاروخي، والأوضاع الإقليمية، غير أن هذه المواضيع لا تتوافق مع الموقف الإيراني.
ولهذا، فإن الوفد الإيراني يسعى، من جهة، إلى حصر النقاش في الملف النووي فقط، ومن جهة أخرى، إلى معالجة قضية المهلة الزمنية التي حددها الأمريكيون بشهرين.
وبالنظر إلى الوضع الحالي، هل يمكن القول إننا نقترب من التوصل إلى اتفاق؟
ذكر نجفي أنه علينا أن ننتظر لنرى ما الذي سيحدث في مفاوضات عُمان. ما سيُقال بعد المفاوضات سيكون بالغ الأهمية.
النقطة اللافتة أن ترامب، في ولايته الرئاسية الحالية، دخل ملف التفاوض مع إيران بذهنيّة مختلفة عن تلك التي كانت في ولايته الأولى، حيث تأثر آنذاك بمستشاريه المتشددين أمثال “بولتون”. أما الآن، فقد اختار بنفسه الشخصية التي يثق بها لقيادة الحوار مع إيران، وأبقى فريقه للأمن القومي في موقع خلفي، غير متصدر للمشهد.
من ناحية أخرى، فإن وجود ويتكوف له أهمية كبيرة. لكن إذا لم يُحقق نتائج ملموسة، فهناك احتمال أن تعود شخصيات أكثر تشددا إلى واجهة المشهد، وهو أمر لا يخدم سير المفاوضات.