المفاوضات النووية الإيرانية بين التهديدات الأمريكية والثوابت الإيرانية

أجرت صحيفة فرهيختكان الأصولية، يوم الأحد 11 مايو/أيار  2025 ، حوارا مع خبراء الشؤون الدولية عليرضا كوهكن، وحسن بهشتي بور، وحميد رضا غلام زاده، ناقشوا فيه التصريحات الأخيرة لممثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في شؤون الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، حول البرنامج النووي الإيراني، وبالتحديد مطلبه وقف تخصيب اليورانيوم في إيران كشرط للتفاوض، مهددا باتخاذ مسار آخر إذا لم تتوقف إيران عن التخصيب. وفي ما يلي آراؤهم:

عليرضا كوهكن: الولايات المتحدة لا تستطيع أن تصنع حالة استثنائية من إيران

أشار كوهكن إلى أن ويتكوف عبّر فقط عن المطلب الحقيقي الوحيد للولايات المتحدة، وهو مطلب متعسّف ناتج عن تحليل خاطئ تمتلكه أمريكا بشأن إيران، وفي الواقع تحاول الولايات المتحدة أن تصنع من إيران حالة خاصة، إلا أن تحقيق ذلك على أرض الواقع غير ممكن.

ويتكوف عبّر عن المطلب الحقيقي للولايات المتحدة

قال كوهكن بشأن هدف الولايات المتحدة من طرح مطلب التخصيب الصفري في إيران: ينبغي النظر في أمرين أساسيين؛ أولا، أن المفاوضات باتت تنتقل من الإطار العام إلى الخوض في التفاصيل الدقيقة، ففي العادة، تبدأ جلسات التفاوض بمناقشة المبادئ العامة، وآلية الحوار، وتأكيد النوايا الإيجابية، وهي مرحلة غالبا ما تشهد تفاهما نسبيا بين الطرفين. لكن ما إن تُفتح الملفات التفصيلية، حتى تتبدّل الأجواء.

وأضاف أن ما “نشهده الآن يندرج ضمن هذا السياق؛ إذ يحاول الأمريكيون، بعد الدخول في التفاصيل، تقديم مواقفهم بشكل أكثر دقة وشمولا”.

وتابع بالقول إنه وإن كان هذا جزءا من عادتهم القديمة، حيث يطرحون خارج طاولة المفاوضات وقبل بدء المحادثات مطالبهم القصوى، حتى يتم التفاوض عليها لاحقا. والنقطة الثانية تتعلق برحلة ترامب إلى المنطقة، فقد لا يكون المقصود من بعض هذه التصريحات هو إيران أو المفاوضات نفسها، بل جمهور آخر. 

ومع ذلك، فإن ما قاله ويتكوف سبق أن طرحه آخرون في إدارة ترامب، وقد كرره هو نفسه بشكل غير مباشر، وهو يعكس ما تريده أمريكا فعلا، وما يطمحون إليه هو بالضبط ما يعلنونه، لكن تحقيق ذلك يعتمد على الظروف التي ستحدد إمكانيته.

أفاد كوهكن بأنه يعتقد أن الفريق الإيراني لن يقبل بهذه المطالب مطلقا، وإذا كانت الولايات المتحدة جادة في السعي لتحقيقها لا لمجرد التفاوض بل لتطبيقها فعليا، فإن المفاوضات لن يكون لها أفق واضح.

إذا واصلت الولايات المتحدة هذا المسار، فلن يكون هناك أي اتفاق

وصرّح كوهكن في ما يتعلق باحتمال أن تكون مفاوضات يوم الأحد 11 مايو/أيار 2025 هي الجولة الأخيرة من التفاوض بالنسبة لإيران: لا أعتقد أن هذه ستكون آخر جولة من المفاوضات، فالاحتمال ضعيف، لكن من الممكن أن تتعرض المحادثات لتوقف مؤقت، لا أن تنتهي بالكامل.

ووواصل حديثه بالقول: “نحن نواجه وضعا يتمثل في أن الأشخاص الذين نتفاوض معهم، مثل ويتكوف نفسه، ليست لديهم خلفية دبلوماسية قوية يمكن من خلالها التنبؤ بما ينون القيام به، هو، ورئيسه، وبقية الفريق المنخرط في هذا العمل، فيصعب التنبؤ بما سيقومون به لاحقا”.

 وأوضح أنه بخلاف الطرف الأمريكي، فإن موقف إيران واضح تماما، فإذا كانت الولايات المتحدة تسير على هذا النهج، فلن يكون هناك اتفاق، وقد تستمر المفاوضات بمعناها كحوار، لكن لن يكون هناك اتفاق تُفضي نتائجه إلى ما يطرحه ويتكوف، أو ما يقوله وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، أو ما يعلنه ترامب أحيانا.

وأكّد كوهكن أنه إذا كانت المطالب تتركز حول النقاط التي أكدها ويتكوف مرارا، مثل منع إيران من امتلاك سلاح نووي، أو إظهار اختلاف نهجهم عن الاتفاقات السابقة- مثل المطالبة بعدم وجود بند انقضاء- فإن هذه القضايا ليست إشكالية، ذلك أن التزام إيران بمعاهدة عدم الانتشار النووي لا يشمل أي بند زمني ينتهي العمل به.

وأضاف أن الامتناع عن السعي لامتلاك سلاح نووي ليس له تاريخ انتهاء، ويمكن التوصل إلى اتفاق حول هذه الأمور، ولا تشكل معضلة حقيقية.

وتابع قائلا: “إن محاولة الولايات المتحدة جعل إيران حالة استثنائية وطلب التخلي عن حقوقها المشروعة بموجب معاهدة عدم الانتشار- خاصةً إيران فقط- مع تكرار القول إنها الدولة الوحيدة التي تخصب دون امتلاك سلاح نووي، لن تكون مقبولة، وذلك ينبع من تحليل خاطئ يفترض أن قدرات إيران قد ضعفت، وهو تحليل غير دقيق وقد يؤدي إلى اتخاذ خطوات خاطئة”.

حميد رضا غلام‌ زاده: إلغاء التخصيب هو نقطة البداية لممارسة الضغط على إيران في المفاوضات

أكّد حميد رضا غلام زاده أن تغيير لغة ويتكوف مرتبط بالاتفاق بين بريطانيا وأمريكا، مشيرا إلى أن التوصل إلى هذا الاتفاق قد أتاح لترامب تحقيق إنجاز ضروري في سياسته الخارجية، وأضاف أن النقطة الأهم في هذا التغيير هي أن ترامب تمكن من تحقيق أول إنجاز له في السياسة الخارجية من خلال الاتفاق مع بريطانيا.

وواصل حديثه قائلا: “حتى الآن كان ترامب بحاجة ماسة إلى توقيع اتفاق خارجي وتحقيق إنجاز، ومنذ ذلك الحين لم يتحقق شيء في هذا الصدد، والآن، من خلال الاتفاق الذي أبرمه مع بريطانيا، تحقق هذا الإنجاز ولم يعد بحاجة إليه، وبالتالي أصبح لديه مجال أكبر الآن لزيادة الضغط على إيران في المفاوضات وللحصول على المزيد من الامتيازات بأقصى قدر ممكن”. 

وتابع غلام زاده قائلا: من الطبيعي أن يبدأ النقاش حول إيقاف تخصيب إيران ويبدأ الضغط من هنا للحصول على المزيد من الامتيازات مقابل التنازل، فلقد ذهبوا خطوة أبعد في هذا الموضوع وهم جادون في تحقيقه.

وأفاد غلام زاده قائلا: في الواقع، ليس هناك نقاش حول الرأي العام، بل هم يسعون بجدية لتحقيق هذا الهدف، لكن هذا لا يعني أنهم لن يقدموا أي تنازل على الإطلاق؛ فهي ليست خطا أحمر، لكنهم بالتأكيد سيستخدمونها كأداة ضغط ضد إيران. خاصة أنهم يعتقدون أن إيران لن تترك طاولة المفاوضات، مما يشكل سببا آخر لزيادة الضغط في المفاوضات.

وشدد غلام زاده على أن الخيار الوحيد هو رفض إيران لهذا الطلب تماما، لأنه يتناقض مع معايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث يحق لإيران كدولة عضو في الوكالة ممارسة التخصيب دون أن تكون ملزمة بالتنازل عن هذا الحق.

واستنادا لذلك، أوضح غلام زاده أنه يجب على إيران الوقوف في وجه هذه المطالب المبالغ فيها، لأنه إذا تم طرح هذا الموضوع وقررت إيران التفاوض بشأنه على طاولة المفاوضات، فسوف تضطر إلى تقديم المزيد من التنازلات، لذا يجب أن يتم ترسيخ هذا المفهوم في خطاب فريقنا، بأن الولايات المتحدة قد فشلت في المفاوضات بسبب مطالبها المبالغ فيها التي تتجاوز قواعد الوكالة، وأن المفاوضات توقفت بسبب ذلك.

صرّح غلام زاده أن الطرف الآخر يعتقد أن إيران إما ستقدم التنازلات، أو إذا امتنعت عن ذلك، سيحمّلونها مسؤولية فشل المفاوضات. من جهة أخرى، استخدموا سياسة الترغيب والترهيب في تصريحاتهم، حيث قال ويتكوف إن إيران ستتخذ مسارا آخر إذا فشلت المفاوضات، رغم أن هذا التهديد الذي يوجهونه إلى إيران غير واقعي ويمكن التعامل معه، إلا أنه يجب أن يكون هناك تهديد مضاد من الجانب الإيراني.

حسن بهشتی‌ بور: إذا كانت إيران ترغب في تعليق التخصيب، لكانت قد فعلت ذلك في عهد بوش الابن

أشار حسن بهشتی‌ بور، إلى أنه إذا كانت إيران ترغب في تعليق تخصيب اليورانيوم، لكانت قد أبرمت اتفاقا في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، وشرح هذا الموضوع قائلا: «الحقيقة هي أن فريق ترامب نفسه لا يعرف بالضبط ما الذي يريدون فعله، ويبدو أنهم مهتمون بتصميم عملية نفسية من خلال تصريحات متناقضة في الإعلام، بهدف تنظيم ضغط إعلامي قبل المفاوضات واستخدامه أثناء المفاوضات. 

وصرّح بهشتي بور بأنه ليس لديه أدنى شك أن ما يُقال من قبل ويتكوف على طاولة المفاوضات يختلف عن ما يُطرح في وسائل الإعلام، وأضاف أن ويتكوف، مثل روبيو، وترامب، لم يتخذوا مواقف ثابتة فقط بشأن إيران، بل أيضا في قضايا مثل أوكرانيا، وغزة، حيث كانت مواقفهم متناقضة ومتذبذبة.

وأكد بهشتي بور أنه يجب مراقبة ما إذا كان ويتكوف سيتبنى الموقف نفسه الذي طرحه في الإعلام خلال المفاوضات يوم الأحد 11 مايو/أيار 2025، أم سيقدم موقفا مختلفا، وأضاف أنه إذا كرر التصريحات نفسها، فهذا يعني أن الولايات المتحدة لا ترغب في التوصل إلى اتفاق مع إيران، وأوضح أنه لو كانت القضية تتعلق بوقف إيران للتخصيب، لكان قد تم التوصل إلى اتفاق مع جورج بوش الابن في ذلك الوقت، ولم تكن هذه القضية لتظل معلقة طوال هذه السنوات.

وأفاد بأن “كل باحث يعلم أن وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس، كانت تقول إنه يجب على إيران أن توقف التخصيب فورا، وإذا توقفت فإنني شخصيا مستعدة للتفاوض مع أي شخص في أي وقت وأي مكان، ولكن ما دام التخصيب مستمرا، فلن أكون مستعدة للتفاوض، ثم جاء الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما وتراجع عن هذا الموقف”. 

وأوضح أنه في عام 2011، كتب رسالة رسمية أكد فيها أن استمرار تخصيب اليورانيوم في إيران، حتى ولو بشكل محدود كان الموقف الذي ساعد أوباما على حل عقدة المفاوضات، مما أتاح لإيران الدخول في مفاوضات مباشرة مع أمريكا قبل حكومة الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني، وأضاف أنه إذا تبنى ويتكوف الموقف نفسه على طاولة المفاوضات، فإنهم يعلمون أن المفاوضات ستفشل.

وأردف أن الفكرة أو التصور بأن إيران قد تتراجع عن هذا بسبب الظروف الاقتصادية والمشاكل الداخلية، هي في رأيه بعيدة جدا، وأكد أن هؤلاء لا يدركون أن هذه المسألة تتعلق بالكرامة والأمن القومي والمصلحة الوطنية لإيران، كما أنها جزء أساسي من تعزيز العلم في إيران.

وفي الختام أبرز أن موضوع التخصيب ليس مجرد تخصيب، بل هو جزء من دورة الوقود النووي التي ساهمت في تعزيز العلم في مجالات مختلفة بإيران، وتعتبر إيران ذلك من مكانتها وترغب في الاستمرار في هذه السياسة، ويجب أن يفهموا أن هذه القضية هي مسألة كرامة واستقلال وهوية بالنسبة للإيرانيين.