725 مليون دولار يوميا.. فاتورة الحرب المباشرة الباهظة على إسرائيل.. من المستفيد من استمرارها؟

كتب: ربيع السعدني 

مع دخول التوتر العسكري بين إيران وإسرائيل مرحلته الأكثر تكلفة، قدر محلل إخباري جيوسياسي أن الحرب تكلف تل أبيب مئات الملايين من الدولارات يوميا، وهو رقم زاد من المخاوف بشأن العواقب الاقتصادية للصراع.

وخلافا للتقديرات الأولية لتل أبيب، لم تفشل الحرب العسكرية الجارية فقط في تحقيق الأهداف العسكرية المزعومة للنظام، بل تحولت أيضا إلى أزمة اقتصادية لإسرائيل، حيث فرضت تكلفة مباشرة تقدر بنحو مليار دولار يوميا وتسببت في أضرار واسعة النطاق للبنية التحتية الحيوية مثل المصافي ومحطات الطاقة وحقول الغاز، واستمرارها قد يعرض وجود هذا النظام للخطر بشكل أكبر.

وبحسب وكالة تسنيم للأنباء، فإن محللا إخباريا على صفحة “Sprinter Observer” عبر منصة إكس التي تغطي الأحداث الجيوسياسية والعسكرية، قدر تكلفة الحرب المستمرة مع إيران على إسرائيل بنحو 725 مليون دولار يوميا.

ووفقا لهذا التقييم، بلغت التكاليف المباشرة لإسرائيل 1.45 مليار دولار في اليومين الأولين من الصراع وحدهما خُصص جزء كبير من هذا المبلغ، أي ما يعادل 593 مليون دولار، لأول عملية إسرائيلية لشن هجوم واسع النطاق على الأراضي الإيرانية.

فاتورة الحرب 

وبحسب تقرير وكالة إرنا للأنباء مساء الاثنين 16 يونيو/حزيران 2025، ونقلا عن قناة الجزيرة، قال أحد المستشارين الماليين لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مقابلة مع مجلة الإيكونوميست، إن تكاليف الوقود والذخيرة في تل أبيب في الحرب الحالية مع إيران تقدر بنحو 300 مليون دولار يوميا.

في وقت سابق، نقل موقع Ynet عن المستشار المالي العسكري الإسرائيلي السابق ريم أميناش قوله إن التكاليف موزعة بالتساوي بين العمليات الهجومية والدفاعية، وإن الأضرار الاقتصادية غير المباشرة لم تُقدّر بعد، ووفقا لمسؤولين ماليين في تل أبيب، فإن الحرب المستمرة قد تُثقل كاهل ميزانية حكومة نتنياهو، التي تعاني أصلا من ضغوط من جراء حرب غزة، ووفقا لتقرير صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، ونقله موقع “اقتصاد معاصر” قال الجنرال المتقاعد أميناش، إن إسرائيل تُنفق يوميا نحو 725 مليون دولار (ما يعادل 2.75 مليار شيكل) على نفقاتها العسكرية المباشرة.

ويشمل ذلك العمليات الهجومية للنظام، إضافة إلى التدابير الدفاعية كالصواريخ الاعتراضية وتعبئة قوات الاحتياط، وفي اليومين الأولين من الحرب فقط، يُقدر إنفاق إسرائيل بنحو 1.45 مليار دولار، مُقسّما بالتساوي تقريبا بين الإنفاق الهجومي والدفاعي.

هذه الأرقام لا تشمل سوى التكاليف العسكرية المباشرة؛ أما التكاليف غير المباشرة، مثل التأثير على الناتج المحلي الإجمالي والاضطراب الاقتصادي في القطاع المدني، فهي غير قابلة للقياس الكامل بعد ولكن من المتوقع أن تكون كبيرة، كما خفّضت وزارة المالية الإسرائيلية توقعاتها للنمو الاقتصادي لعام 2025 من 4.3% إلى 3.6%، مما يعكس الضغط الاقتصادي الناجم عن الحرب وقد يُحمّل استمرار الحرب النظامَ الإسرائيلي تكاليفَ أكبر.

يبلغ سقف عجز ميزانية النظام للسنة المالية الحالية حوالي 27.6 مليار دولار، وقد استُنفدت احتياطيات الطوارئ بشكل كبير في الحروب السابقة،  كل هذا يُشير إلى القيود المالية الخطيرة التي يواجهها النظام، وتشمل هذه التكاليف، تكلفة الذخيرة والرحلات الجوية القتالية وغيرها من التكاليف المباشرة للعمليات الهجومية والدفاعية، ووفقا للقائد العسكري المتقاعد، ريم أميناش تُقسّم التكاليف الإجمالية بالتساوي بين الإجراءات الهجومية والدفاعية، إلا أن الخسائر الاقتصادية غير المباشرة، مثل الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والممتلكات المدنية، لم تُحسب بعد.

وإضافة إلى هذه الأرقام، فإن نشر صور الدمار الواسع النطاق في المناطق السكنية الإسرائيلية، خاصة المباني والمركبات المدمرة، لفت انتباه الرأي العام بشكل أكبر إلى التكاليف البشرية والاقتصادية لهذه الحرب.

285 مليون دولار يوميا

تقرير حديث لصحيفة واشنطن بوست تناقله موقع “نور نيوز”، كشف تكلفة الدفاع الصاروخي الإسرائيلي يوميا نحو 285 مليون دولار، بينما عاد دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي الحالي، إلى البيت الأبيض بشعار “القوة بلا حرب”، ويواجه ترامب الآن أحد أكثر التحديات الجيوسياسية تعقيدا في عصره.

ووفقا للتقرير، وهو رقم ضخم يكاد يكون من المستحيل تحمله دون دعم لوجستي وتسليح أمريكي مباشر وقال مسؤول أمني أمريكي لم يُكشف عن هويته: “بدون إعادة إمداد أو تدخل عملياتي، لا يمكن لإسرائيل الحفاظ على دفاعها إلا لمدة 10 أو 12 يوما أخرى”.

وقال المصدر إنه بحلول نهاية هذا الأسبوع، من المرجح أن يتم تقنين أنظمة الاعتراض الإسرائيلية واعتراض جزء صغير فقط من الصواريخ، “هذا يعني أن عليهم أن يقرروا أي الصواريخ يسقطونها وأيها لا يسقطونها؛ وهذه علامة على الانهيار التدريجي لمظلة الدفاع في تل أبيب”.

من الناحية العملية، يعود ضعف إسرائيل الكبير في مواجهة حرب استنزافها مع طهران إلى عاملين رئيسيين: 

  • أولا، صغر حجمها وكثافتها السكانية العالية، مما جعل من الصعب على المدنيين الإخلاء إلى مناطق آمنة وقلل بشدة من قدرة المدنيين على الصمود. 
  • ثانيا، القوة التدميرية العالية للصواريخ الإيرانية، والتي، برؤوسها الحربية التي يصل وزنها إلى 1.5 طن وتستخدم تقنيات قابلة للمناورة ومتعددة المراحل، جعلت أنظمة الدفاع الجوي عاجزة، هذه الصواريخ لا تُقارن بالصواريخ محلية الصنع للجماعات الفلسطينية أو اللبنانية، وللمرة الأولى، يواجه أمن المواطنين الإسرائيليين في تل أبيب وحيفا وهرتسليا وبئر السبع وغيرها تهديدا حقيقيا.

إنقاذ تل أبيب أم الحفاظ على شعار “لا تقاتلوا”؟

في هذه الأثناء، يواجه ترامب، الذي تجنب الحروب المكلفة في ولايته الأولى وسعى إلى انتصارات رخيصة من خلال الضغط والتهديدات والعقوبات، الآن مشكلة لا يمكن حلها بسهولة بالتغريدات أو التهديدات.

من ناحية، يطالب اللوبي الإسرائيلي في واشنطن بدعم فوري وغير مشروط؛ ومن ناحية أخرى، لا يريد ترامب الدخول في حرب ستعيد النعوش الأمريكية إلى واشنطن وتؤدي إلى انهيار اقتصاده الإقليمي في الشرق الأوسط.

في هذا الجو الغامض، ألقى استمرار الهجمات الصاروخية الإيرانية بظلال من الشك على حسابات ترامب، إذا لم يتجاوز الرئيس الأمريكي الخط الأحمر العملياتي في دعم إسرائيل، فإن الفشل الدفاعي لتل أبيب سيصبح أيضا فشلا رمزيا لإسقاط قوة واشنطن، لكن إذا دخل مرحلة التدخل المباشر، فقد يدخل ساحة مكلفة ومستقبلها غير واضح تماما، وقد يدمر شعاراته الانتخابية ومستقبله السياسي من خلال تشكيل كارثة لا يمكن التنبؤ بها.

لكن هشاشة دفاعات إسرائيل، وتكاليف الحرب، وتصميم إيران على مواجهة العدوان الإسرائيلي بالاعتماد الكامل على الأسلحة المحلية، كل ذلك اجتمع ليقدم لإدارة ترامب اختبارا معقدا؛ وهو اختبار قد تؤدي إجابته إلى تغيير مستقبل النظام الأمني ​​في غرب آسيا بشكل جذري لسنوات قادمة.

ونتيجة لهذا، يعتقد المراقبون أنه، على الأقل في ظل شدته الحالية، قد لا يكون من الممكن اندلاع حرب استنزاف طويلة الأمد بين إسرائيل وإيران.

وقال أحد الأشخاص المطلعين على الأمر: “تشير بعض التقييمات إلى أنه بدون إعادة الإمدادات من الولايات المتحدة أو مشاركة أكبر للقوات الأمريكية، فإن إسرائيل لن تتمكن من الحفاظ على دفاعها الصاروخي إلا لمدة 10 أو 12 يوما أخرى”.

منظومة بايكان

ومن جانبه قال تال إنبار، خبير الصواريخ الإسرائيلي في تحالف الدفاع الصاروخي بولاية فرجينيا، إن إسرائيل سعت عام 2014 إلى وقف إطلاق النار مع حماس قبل أيام قليلة من نفاد صواريخها الاعتراضية للدفاع الجوي.

وأضاف إنبار حسبما نقل موقع “دنياي اقتصاد” أن مستوى مخزون الصواريخ الاعتراضية الإسرائيلي مسألة حساسة، لكنه قد يكون هذه المرة عاملا مؤثرا في وقف إطلاق النار، وأضاف أن إحدى مشاكل إسرائيل هي اعتمادها بشكل كبير على منظومة “بايكان” الباهظة الثمن نسبيا، والتي تبلغ تكلفتها ثلاثة ملايين دولار للصاروخ الواحد، هذه المرة.

كما أوضح إنبار في حين أن صواريخ القبة الحديدية الاعتراضية رخيصة ومنتجة بكميات كبيرة ومفيدة ضد الصواريخ الأولية التي كانت تطلقها حماس، فإن صواريخ القبة الحديدية تشبه “طلقة مسدس عيار 9 ملم” ضد الصواريخ الإيرانية الثقيلة التي تنطلق نحو أهدافها من خارج الغلاف الجوي بسرعة تفوق سرعة الصوت عدة مرات وبالتالي فهي غير فعالة.

على الأقل مليار يوميا

تتكبد إسرائيل ما يقارب مليار دولار من التكاليف العسكرية المباشرة يوميا، إضافة إلى أضرار جسيمة ناجمة عن الهجمات الصاروخية على بنيتها التحتية الكهربائية ومناطقها السكنية، إضافة إلى إغلاق حقول الغاز الرئيسية. 

وقد قُدِّرت التكاليف العسكرية المباشرة بشكل موثوق بنحو 725 مليون دولار يوميا، أما التكاليف غير المباشرة (مثل انخفاض النمو الاقتصادي، وانخفاض الإنتاجية، وإغلاق الشركات) فكانت كبيرة، ولكن لم يتم تقديرها بدقة بعد، كما قُدِّرت أضرار البنية التحتية بمئات الملايين من الدولارات يوميا. 

وتزداد هذه التكاليف، لا سيما خلال فترات الهجمات الصاروخية المكثفة، ويمكن لإيران أن تزيد من هذا الجزء من إنفاق النظام إذا اختارت ذلك.. كل هذا لا يشمل تكلفة تفكيك طائرات إف-35 الأربع، وحسب التقارير، يبلغ سعر كل طائرة إف-35 بحوزة النظام نحو 110 ملايين دولار؛ لذا، ينبغي إضافة هذا المبلغ إلى الإنفاق العسكري الإسرائيلي المباشر.