أستاذ علم اجتماع سياسي إيراني:المفاوضات النووية صنعت مناخا ايجابيا داخل المجتمع الإيراني 

ترجمة دنيا ياسر نورالدين 

أجرت وكالة  أنباء “خبر أونلاين” المحافظة،المحسوبة على مكتب علي لاريجاني مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي، الثلاثاء 22 أبريل /نيسان 2025، حوارا مع أستاذ علم الاجتماع والمحلل السياسي، إبراهيم فياض حول تأثير المفاوضات الإيرانية الأمريكية على المجتمع الإيراني وأهمية الفهم الإعلامي في مواجهة التحديات القادمة.

ذكرت الوكالة أن إبراهيم فياض،  يرى أنه لا مفر من المفاوضات الجارية بين إيران والولايات المتحدة ، غير أنه يشدد على ضرورة الانتباه للجوانب الأمنية فيها وتجنب التراخي، محذرا من أن التراخي سيؤدي إلى الانهيار الاجتماعي والسياسي.

وأشارت إلى أن الجولة الثانية من المحادثات بين إيران والولايات المتحدة  عُقدت في العاصمة الإيطالية روما. وقد استمرت المفاوضات على المستوى الفني منذ يوم الأربعاء 16 أبريل /نيسان 2025 ، على أن تُستأنف المحادثات الرئيسية بين كبار المفاوضين يوم السبت 26 أبريل /نيسان 2025.

وتابعت أنه قد تناول عدد من المحللين الاقتصاديين والسياسيين هذه المفاوضات من زوايا مختلفة، حيث أعرب كثيرون منهم عن أملهم في استمرار مسار التفاوض، معتبرين أنه قد يؤدي إلى حل الخلافات بين البلدين.

وذكرت الوكالة أن إبراهيم فياض، قد تناول المفاوضات من زاوية  حيث رأى أن لا مهرب من التفاوض مع الولايات المتحدة في الوضع الراهن، لكنّه في الوقت نفسه حذر من التراخي، مشددا على أن التراخي والانبهار قد يؤديان إلى الانهيار السياسي والاجتماعي.

وتابع فياض أن النموذج الذي تسعى الولايات المتحدة إلى فرضه هو تفكيك الدول إلى كيانات بلا حكومات مركزية.

وفيما يلي نص الحوار 

بدأت المفاوضات بين طهران وواشنطن؛ كأستاذ في علم الاجتماع، كيف تقيّم هذه المفاوضات وتأثيرها على المجتمع؟

المجتمع الإيراني، وخاصة السياسة في إيران، قد شهد تطورا ملحوظا. لم نكن نملك مثل هذا التاريخ سابقا. نعم، خضنا مفاوضات في السابق، لكنها كانت دوما من طرف واحد وبشكل حاد. بل إننا لم نكن نعرف كيف نتفاوض أصلا. أما الآن، فنحن نمتلك هذه المعرفة وندرك تماما مفاهيم الدبلوماسية. وأريد أن أقول إن الوصول إلى هذا المستوى ليس أمرا متاحا لأي مجتمع. مثلا، التفاوض الذي تُجريه الصين وروسيا مع الولايات المتحدة ، لم نكن نمتلك هذه المهارة سابقا.

لكننا الآن بدأنا باكتسابها. وفي ذات الوقت، نعيش حالة من التوازن الإقليمي بين الصين وروسيا وإيران في آسيا، وبين الغرب وتحديدا الولايات المتحدة. هذا التوازن أصبح واقعا، وانعكاساته الاجتماعية ستكون كبيرة جدا، وستؤدي إلى تطور كبير في مجتمعنا.

نرى حتى بين الإيرانيين المقيمين في الخارج أنهم يشعرون بالفخر لأن بلادهم تتفاوض مع الأمريكيين على قدم المساواة وفي أجواء إيجابية. ولو لم نصل إلى هذا المستوى، لما وافق الأمريكيون أصلا على التفاوض معنا، ولما أرسلت السعودية ممثلها الثاني إلى طهران للحوار. لقد حققنا تقدما كبيرا. ولو كان الوضع على غير هذا النحو، لكنا الآن في حالة حرب. 

فالعالم الاجتماعي الشهير هربرت سبنسر يقول: “المجتمع إما أن يكون عسكريا أو صناعيا”. أي أننا لو كنا مجتمعا عسكريا، لما بقي أمامنا سوى الحرب، ولأصبحت الحرب هي المعادلة الوحيدة المتاحة. لكننا الآن دخلنا معادلة التفاوض، وهي معادلة خالية من الحرب.

ولو عدنا إلى الفلسفة، نجد أن الفيلسوف النمساوي  فيتكنشتاين تحدث عن “الألعاب اللغوية”، وهي مسألة بالغة الجدية. منذ عهد حكومة الاعتدال وبدء التفاوض، كنت دائما أقول للمقربين من الحكومة، بصفتي خبيرا، إنه لا ينبغي أن نغفل عن هذه الألعاب اللغوية. فمن يمتلك هذه المهارة يستطيع أن يتفاوض، ويحقق مكاسب دون أن يتحمل تكاليف الحرب. ونحن بالفعل حققنا مكاسب. فبالنهاية، لم يكن أمامنا سوى خيارين: الحرب أو التفاوض.

صحيح أننا لم نكن نملك المهارات سابقا، ولم نكن ندرك معنى الألعاب اللغوية، لكن هذه البداية، وككل بداية، تكون صادمة. أما في المرحلة التالية فالوضع يختلف. انظر إلى فترة ترامب الأولى مقارنة بالفترة الحالية؛ الرجل نفسه الذي مزّق الاتفاق النووي هو الآن من يدعو بجدية إلى التفاوض.

أعتقد أن المجتمع أيضا بدأ يتجه نحو هذا المسار. وكنت قد قلت سابقا إن القضايا السياسية تحولت إلى قضايا اجتماعية، وبالتالي لم تعد الحروب موجودة بالشكل التقليدي. الآن، هناك حروب بالوكالة، مثل الحرب في أوكرانيا أو تلك التي تشنّها إسرائيل بالوكالة عن الغرب في الشرق الأوسط. لكن النزعة الحربية الإسرائيلية على وشك الانهيار.

بناء على ذلك، فإن التفاوض في عالم اليوم أمر في غاية الأهمية، خاصة وأن الفلسفات العالمية ما بعد الحداثة وما بعدها قد تمحورت حول هذا المفهوم. في رأيي، يجب أن تتراجع الحروب من الآن فصاعدا، وتتجه البشرية نحو التفاوض في إطار اجتماعي مشترك ومتكافئ. وأساس هذا كله هو الحياة اليومية والاجتماعية.

 ولو أردت أن أكون أدق، فعليّ أن أعود مرة أخرى إلى أفكار فيتكنشتاين. لدينا الآن جبهتان عالميتان واضحتان: الأولى هي جبهة الناس وحياتهم اليومية، والثانية جبهة المصالح والسلطة وأصحاب رؤوس الأموال والنفوذ. نلاحظ أن الشعب الأمريكي، رغم امتلاكه للإعلام، أصبح يدرك حقيقة الأمور، وبدأ يتخذ مواقف أكثر حدة تجاه إسرائيل والحرب التي تشنّها.

ما تأثير جولات المفاوضات التي تمّت على المجتمع الإيراني من وجهة نظرك؟

المفاوضات نفسها مهمة. هي بمثابة “لعبة لغوية”. ما سيتحقق من نتائج غير واضح في الوقت القريب. ولكن هذا بحد ذاته يؤثر على الحياة اليومية للمجتمع الإيراني. إذا دققت النظر، سترى أن الناس يقولون إن الحكومة الإيرانية ليست حربجية. هذا يعني أنها ترغب في السعي للسلام وبناء المستقبل في إطار تواصل عالمي.

كما قال الرئيس، نحن نريد التواصل مع العالم كله. فقط إسرائيل هي المسألة التي ما زالت قيد البحث. ما أريد أن أقوله هو أنه إذا كانت إيران تتفاوض الآن، فالصين وروسيا أيضًا موجودتان. في المجتمع الإيراني، كوننا نتفاوض في الساحة العالمية له تأثير كبير.

نحن الآن نتحدث في فضاء عالمي يمنحنا راحة داخلية كبيرة. من أجل دخول العديد من الأسواق العالمية، يجب أن نكون مستعدين. لم نكن نمتلك هذه الأسواق في الماضي، وكان معادلة النفط وبيعه هي الأمر الوحيد الذي كنا نركز عليه من أجل الاستيراد. 

النقطة المهمة جدا في المجتمع الإيراني هي أنه يجب على صدا وسيما أن تبيّن هذا البعد الاجتماعي في القضية، وأننا في مرحلة نمو. إذا لم نستطع طرح هذا البعد الاجتماعي والتعليم الاجتماعي لهذه القضية، قد يصبح الأمر خارجيا كما في أزمة البلوغ، ويصبح الأزمة غير متوقعة. 

مثل الأزمة التي يعاني منها الطفل في مرحلة البلوغ، وإذا لم يتم فهم مكانتنا في هذا الفضاء العالمي، قد نواجه أزمة غير متوقعة. لأن نمو نظامنا العسكري والأمني هو ما جعلنا ندخل في المفاوضات العالمية، وهذا هو السبب الذي جعل الولايات المتحدة تعترف بمصداقيتنا. انظر فقط إلى تصريحات الأمريكيين سابقا مقارنة مع الآن.

هذه ليست المرة الأولى التي تتفاوض فيها إيران مع  الولايات المتحدة، ما الفرق بين هذه المفاوضات والمفاوضات السابقة؟

في الماضي كنا غير ناضجين، أما الآن فنحن أكثر نضجا. المفاوضات التي أجريناها من أجل تحرير الرهائن لم تثمر. كنا نرسل الرسائل باستمرار، وكان الناس يعتقدون أن المعادلة سهلة كما في ذهنهم. نفس الشيء حدث في مفاوضات الاتفاق النووي (برجام) حيث كانت هناك نضج غريب وثقة مفرطة في الغرب. 

كان هناك ثقة كبيرة بالأمريكيين لدرجة أن الأمريكيين أنفسهم لم يثقوا في أنفسهم. وكان هذا نتيجة بداية العمل والصدمة التي نتجت عنها. كانوا متفائلين للغاية.

منذ بداية مفاوضات إيران والولايات المتحدة في إطار الاتفاق النووي، كنت موجودا في مكتب الرئاسة. وقال لي أحد مستشاري الرئيس: “هل تعتقد أن المفاوضات ستثمر وسيتم رفع العقوبات؟” فأجبت: “أبدا”. قال بدهشة: “كيف؟” فقلت له: “السوق العالمي لن يسمح بذلك”. هم يعتقدون أنه يمكنهم دخول السوق العالمي عبر التفاوض. لكن يجب أن ندخل إليه بقوة. وكل من في أمريكا يقول إننا يجب أن ندخل إلى السوق العالمي بقوة.

في بداية حكومة الإصلاحات، ألقى أحد أساتذة جامعة بنسلفانيا محاضرة في جامعة في طهران وقال إنه يجب تنشيط القطاع الخاص. فقلت له: “إذا أردنا تصدير السلع، هل يمكننا فعل ذلك في ظل الأسطول الأمريكي في الشرق الأوسط والخليج العربي؟”

فأجاب: “هذه مسألة اقتصادية سياسية، ولا أعرف”. وهذا نفس الأمر. الآن مجتمعنا معترف به عالميًا. لقد حدث نضج كبير بين الجميع، وخرجنا من حالة الخام والصدمة التي كانت في فترة الاتفاق النووي (برجام). نحن الآن ندخل في فترة نضج جديدة. الروس لم يبخلوا علينا في تعليمنا كيف ندخل المفاوضات على المستوى العالمي.

لكن الصينيين لم يشاركوا بجدية في المفاوضات. أما الروس، فقد علمونا كيف يجب أن ندخل المفاوضات، سواء عبر تحركات مباشرة أو غير مباشرة. الروس ساعدونا كثيرا في هذا المجال.

كيف يمكن أن تؤثر هذه المفاوضات والتوصل إلى اتفاق على مؤشرات الأمل الاجتماعي؟

في سوريا، قال الجميع إن “الأسد إذا ذهب، سيتحقق الازدهار”. لكن هذا اليأس الاجتماعي في الواقع هو رأس المال الاجتماعي الذي ضاع. الإصلاحات القسرية من قبل الحكومة والعقوبات قد تسببت في تدمير رأس المال الاجتماعي. ولهذا السبب، فإن الأمل الاجتماعي والمعاني الاجتماعية قد اختفت.

 لذا، هذا الموضوع الذي تتحدث عنه يرتبط بالإصلاحات القسرية ولا يمكن الحصول عليه من خلال المفاوضات. الآن، عندما حصل التفكك في سوريا، واحتلت إسرائيل سوريا لأول مرة، هل أدى ذلك إلى تجديد الأمل الاجتماعي؟ في ليبيا، قتل الشعب الليبي القذافي، وقال القذافي: “لا تقتلوني، إذا قتلتموني ستدمر ليبيا”. لقد قتلوا القذافي، وفي الواقع، كل ما قاله القذافي حدث.

الأمل الاجتماعي لا يمكن أن يُبنى من خلال المفاوضات. هناك نظرية تتطلب الاستعداد الكامل لما بعد المفاوضات. بعد المفاوضات، سيكون هناك أمل زائف سيظهر من خلال وسائل الإعلام، لكنه سيتفكك. وقد فهمت كوريا الشمالية ذلك. 

كل تلك الدعاية في كوريا الشمالية، والزعيم الصغير” الزعيم الحالي لكوريا الشمالية، كيم جونغ أون” الذي يهدد بإطلاق الصواريخ، فما الذي تحقق منها؟ لا شيء. على العكس، فهمت كوريا الشمالية بسرعة واستطاعت أن تحافظ على استقرارها ولم تنهار.

بالطبع، لأن الصين كانت وراءها وقدمت لها الوعي اللازم. يجب أن نكون مستعدين لما بعد المفاوضات كي لا نواجه أزمة مفاجئة. المجتمع في طريقه إلى النضج. بدلا من أن يقوم هذا “المراهق” بالانتحار أو قتل الآخرين ويواجه أزمة، يجب أن يستعد لهذا التحدي. علينا أن نعمل على تحضيره. هذا النموذج البرمجي لما بعد المفاوضات في المجتمع مهم جدًا. لا يجب أن نسمح بوعد زائف يؤدي إلى انهيار مفاجئ.