يوسف بدر لـ” زاد إيران” : وفاة رئيسي لن تؤثر على مسيرة الجمهورية الإيرانية

يوسف بدر - الأكاديمي المصري

أجرى الحوار: محمد عبدالسلام

مستقبل العلاقة بين إيران وحلفائها في المنطقة بعد وفاة الرئيس الإيراني ووزير خارجيته، ومَن الرابحون والخاسرون في الإقليم بخروج رئيسي من المشهد الإيراني، وهل بدأت إيران طريقها نحو نقل السلطة إلى الجيل الثاني من أبناء الثورة.. أسئلة حملها “زاد إيران” إلى الدكتور يوسف بدر، الخبير في الشؤون الإيرانية، ليجيب عنها وغيرها، في هذا الحوار.

بداية، هل ستكون هناك تداعيات لرحيل الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية أمير عبد اللهيان على حلفاء إيران في الإقليم؟

طبيعة النظام الإيراني مختلفة، فرأس السلطة ليس رئيس الجمهورية ولا الحكومة التنفيذية، رأس السلطة هو مرشد الثورة، أما الرئيس والحكومة فيمكن اعتبارهما وجوهاً لتنفيذ استراتيجيات نظام المرشد، وكيفية تنفيذه.

إيران وضعت استراتيجية لها بالمنطقة وستستمر في تنفيذها سواء بوجود رئيسي أو من غيره، ستمضي الاستراتيجية في طريقها. لكن بالقطع هناك تباينات في آليات ووسائل تنفيذ هذه الاستراتيجية، ضمن عدة عوامل، من بينها عناصر وظروف اللحظة الراهنة، فعلى سبيل المثال كان هناك توجه لرئيسي بالاتجاه نحو أفريقيا، عكس الحكومات السابقة، وهو ما يصحبه بالضرورة اهتمام بالقوى الناعمة ودعم وترويج التشيع وما إلى ذلك.

وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، كان محسوباً بقوة على أنه من الشخصيات الداعمة لفكرة محور المقاومة، لذلك في فترة الرئيس الأسبق، حسين روحاني، تم عزل عبد اللهيان بتعيينه مستشاراً لرئيس البرلمان، بحيث يكون ضمن دوائر السلطة، لكنه بعيد عن الحكومة وغير متداخل معها.

رئيسي وعبد اللهيان يمكن اعتبارهما داعمَين ومنشطَين لهذه الاستراتيجية الخارجية في التعامل مع القوى والفصائل الإقليمية، وهو ما يمكن أن نسميه “دبلوماسية الضغط في الميدان” بما يعني أن هناك قوى ضاغطة مشتبكة عسكرياً على الأرض، وفي الوقت نفسه قوى الدبلوماسية تمارس عملها، وهو ما نجحت فيه إيران بعد “طوفان الأقصى”، بأن استغلت الحدث بقوة للتقارب مع قوى إقليمية عربية مثل مصر، خصوصاً مع تفاعل الحوثيين مع “طوفان الأقصى” وما يرتبط بأمن البحر الأحمر ذي الأهمية الاستراتيجية لمصر.

ومن ثم، فإن رحيل رئيسي وعبد اللهيان سيكون له تأثير على فكرة محور المقاومة، هل التأثير سلبي أم إيجابي؟ لم يتضح حتى الآن وبانتظار من سيأتي بعدهما.

من المهم التذكير بأن استراتيجية إيران ثابتة برئيسي أو غيره. في يوم العزاء كانت هناك وفود كثير حاضرة للعزاء، وإيران بارعة في التقاط الصور والترويج الدبلوماسي لها، ومن ثم فالاجتماع الذي حصل لقيادات من حركات حماس والجهاد وحزب الله والحوثي، هو رسالة إيرانية بأنها مستمرة في نفس المسار والاستراتيجية دون تغيير.

هل يستمر التقارب الإيراني والتفاهمات مع دول الخليج والمنطقة العربية؟

هناك شيء إيجابي جداً لرئيسي، ووزير خارجيته عبد اللهيان، وهو استراتيجية الأولوية لدول الجوار، حيث تمت المصالحة والتقارب مع السعودية في عهدهما، واستُكمل الانفتاح مع دول الخليج.

حكومة رئيسي عملت على التقارب مع دول الخليج، ورغم أنه تقارب بطيء فإنه لا ينفي التوجه الاستراتيجي لها، وهو ما تجلى في تصريحات حمد بن خليفة، ملك البحرين، قبل يومين بانتهاء المشاكل مع إيران، وعدم وجود أسباب لتأجيل تطبيع العلاقات معها، ورغم أن هناك مشاكل أمنية كبيرة للبلدين، فإن رئيسي بدأ في استراتيجية “الأولوية لدول الجوار” حتى مع عدم إنجازها بشكل كامل.

إيران الرسمية وعلى لسان القائم بأعمال وزير الخارجية، علي باقري، أكد المعنى نفسه بأنهم باقون على الاستراتيجية نفسها، لأنه أولاً وآخراً، هذا هو توجه السلطة الأعلى في البلاد، وهو المرشد علي خامنئي.

الإيرانيون لهم تكتيك معين يجيدون استخدامه، هو “خطوة مقابل خطوة”، وهو ما يعطي إشارات بوجود مسار بطيء، لكنه مطمئن. على سبيل المثال، التقارب مع السعودية لم يتجاوز الخطوات الدبلوماسية، رغم الحديث المتكرر عن إنشاء غرف مشتركة تجارية واستثمارية.

وكذلك، الحديث عن التقارب في العلاقات مع مصر، هناك لقاءات تمت بين الدبلوماسية المصرية والإيرانية، واتصالات مستمرة لكنها لم تنتقل إلى مستوى الاتصالات المتقدمة.

حتى بعد رحيل رئيسي، هذه الخطوات مستمرة ولن تنقطع، وستظل إيران تتعامل بالآلية نفسها.

لذلك، جزء من فشل الاتفاق النووي، هو أن الحكومة الإصلاحية التي كانت موجودة في ذلك الوقت، وصلت إلى اتفاق كامل بدون أن تمر ضمن العديد من المحطات التي يعتمدها النظام في إطار خطوة مقابل خطوة، لذلك السؤال الآن هو: هل الانفتاح والتواصل مع دول الجوار سيستمران أم سينقطعان؟ الجواب: سيستمران لأنهما مهمان لإيران في المنطقة ومهمان لاستراتيجياتها الأمنية والسياسية في المنطقة، ويدخلان كذلك ضمن محاولات معالجة الأزمات الإيرانية مع أمريكا، باعتبار أن معالجة الملفات الإقليمية الإيرانية، خطوة نحو معالجة الأزمات الأكبر مع أمريكا.

كيف دفع الوجود الإسرائيلي في الخليج إلى تحسين علاقات إيران بجيرانها؟

سبب آخر دفع الإيرانيين نحو تعزيز العلاقات وتحسين البيئة السياسية مع جوارهم الإقليمي هو الوجود الإسرائيلي في الخليج، بعد الإتفاق الإبراهيمي الذي نقل إسرائيل للخليج، توجه الإيرانيون نحو الخليج في إطار استراتيجية دول الجوار.

سأل كثيرون عن سبب تخلُّف الرئيس السوري بشار الأسد عن حضور جنازة الراحل رئيسي، هل لهذا الغياب دلالة سياسية، أم انشغال بملفات داخلية سورية؟

بشكل عام، إشارات التوتر بين نظام الأسد، والنظام الإيراني سابقة لمرحلة ما قبل وفاة رئيسي، الأسد وبشكل ما، خصوصاً في الفترة الأخيرة، حريص على معالجة أزماته ومشاكله مع الدول العربية، خصوصاً مع مشاركته في القمم العربية، هناك هدوء لافت في التصريحات السورية يصل أحياناً إلى حد أن يكون الرئيس السوري “مستمعاً” مشاركاً في القمم، وهو ما ظهر في القمة العربية التي عُقدت بالبحرين.

وسبق القمة تقاربٌ بين الأسد والسعودية والإمارات، وهو ما يمكن قراءته بمحاولة من الأسد لتثبيت توازن أمام إيران ناحية الدول العربية، وتخلُّف الأسد عن جنازة رئيسي يمكن قراءته في هذا الاتجاه.

هل يمكن رصد تفاعلات داخلية إيرانية بعد رحيل رئيسي؟

عملية سقوط/إسقاط الطائرة ما زال الحديث عنها داخل إيران بأن هناك قوى داخلية وخارجية تستفيد من الحادث، فرئيسي من الشخصيات المحسوبة على المعسكر المحافظ، القريب للمرشد، وكانت هناك رهانات داخلية عليه في مكافحة الفساد والإصلاح الاقتصادي، ورغم نجاح رئيسي في مكافحة الفساد، فإن هذا النجاح لم ينتقل للملف الاقتصادي الذي تراجع فيه أداء رئيسي، بسبب ارتباط الملف بالعقوبات المفروضة على إيران.

في الداخل الإيراني رئيسي ونتيجة لثقله ناحية المحافظين وقربه من المرشد، تواترت أنباء ترشيحه خليفة للمرشد، خصوصاً مع تقدم عمر المرشد والأمراض المصاحبة لمن هم في مثل عمره، ما يدفع في اتجاه محاولة استباقية لترتيب مرحلة ما بعد المرشد.

هناك عدة أسماء تواترت الأنباء عنهم، كمرشحين محتملين لخلافة المرشد، بينهم نجلا المرشد ذاته، مجتبى ومسعود، وكذلك آية الله عارفي، وآية الله توحيدي، والعديد من الشخصيات التي شكلت إزاحة رئيسي من السباق، زيادة في فرصهم وحظوظهم في سباق خلافة المرشد.

خارجياً، مَن المستفيد من رحيل رئيسي ومن الخاسر؟

في المنطقة العربية رأينا هناك حالة من الحزن على رحيل رئيسي؛ نظراً إلى خطوات التهدئة والتقارب مع الجوار التي اتبعها رئيسي، رغم أن وجوده أو عدمه لن يغير كثيراً من الاستراتيجية، لكن ربما وجوده كان عامل تنشيط للتقارب والتهدئة.

بايدن أيضاً أحد الخاسرين برحيل رئيسي، خصوصاً مع قرب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ومعركة كسر العظام بينه وبين ترامب والجمهوريين، واستغلال الملف الإيراني كأحد أهم عناصر النزال الانتخابي، خصوصاً مع خروج ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، حيث يمكن تصنيف البرنامج النووي الإيراني كإحدى أهم جولات المعركة الانتخابية الأمريكية، ما يؤيد هذا التحليل هو ما كشفته الشبكات الإعلامية الأمريكية عن وجود اتصالات بين أمريكا وإيران خلال الأسابيع الماضية، برعاية من سلطنة عمان.

إسرائيل أيضاً تتداخل وتتقاطع مع الانتخابات الأمريكية، حيث يبدو سيناريو خسارة بايدن الانتخابات أفضل السيناريوهات لها، مقارنة بين أداء ترامب وبايدن ناحية إسرائيل، تفضل ترامب، وحلفاءه من الجمهوريين.

دول الخليج خسرت برحيل رئيسي، لأن محصلة أداء بايدن وترامب والفارق بين التجربتين أن ترامب أراد من دول الخليج أن تكون حائط صد أوَّلي لإسرائيل في مواجهة إيران، وهو ما يعني أن يعمل الخليج حارساً لإسرائيل، وهو ما رفضته دول الخليج.

كما أن التوجه الخليجي الحالي ينحو ناحية الاستقرار، خصوصاً مع اعتمادها على مشاريع اقتصادية تعتمد على ضخ رأسمال كبير جداً عابر للأقطار، وأي توتر مصاحب قد يبعد المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال، وهو ما يعني أن دول الخليج تفكر في مصالحها أكثر من أمريكا..

تكرار رحيل مسؤولين إيرانيين في حوادث، بداية من قاسم سليماني والقنصلية في سوريا ورئيسي وعبد اللهيان.. هل هذا مؤشر على وجود اختلالات في المنظومة الأمنية والاستخباراتية الإيرانية؟

طبيعي أن يكون هناك خلل في المنظومة الأمنية والاستخباراتية الإيرانية التي تقدم نفسها كقوة عظمى، لكن الواقع يكشف أن هذا التقديم جزء من الدعاية والتسويق لأنفسهم.

رغم الوجود الإيراني في سوريا، فإنهم عاجزون عن تفعيل منظومة دفاع جوي لحماية قواتهم وقواعدهم على الأرض، لأن هناك فيتو من الروس أنفسهم على وجود مثل هذه المنظومة، وبما أن الروس يمثلون نقطة اتصال مع الإسرائيليين، فهناك اتهامات من الداخل الإيراني بأن الروس يسلمون الإيرانيين لإسرائيل، بالنظر إلى تكرار حوادث الاغتيالات الإسرائيلية لإيرانيين في سوريا.

المنظومة الأمنية والدفاعية الإيرانية فيها خلل نتيجة وجود الخطوط الحمراء للروس والفرنسيين حول منظومات الدفاع الجوي ليس فقط لإيران وإنما حتى حزب الله حليفها في لبنان، يعاني من الخط الأحمر نفسه، والدليل هو تكرار الغارات الإسرائيلية داخل لبنان، بمعنى آخر “ضهر حزب الله مكشوف”.

هل إيران بصدد انتقال الحكم من الجيل الأول إلى الجيلين الثاني والثالث من أبناء الثورة؟

تشير قراءة ومتابعة الأحداث حتى الآن إلى أن النظام حريص على البحث داخل الجيلين الأول والثاني عن الموالين للنظام وأنصار استراتيجياته، وهو ما يخلق مشكلة كبيرة في انتقال السلطة بإيران، حيث لا يريد النظام الانتقال إلى أفكار الجيلين الثاني والثالث، بل يبحث عن الموالاة فقط.

تظهر هذه المشكلة بوضوحٍ في نهج النظام نحو إقصاء الوجوه الإصلاحية، بعيداً عن الطرح الذي كان يقدمهم به سابقاً كوجوه مضيئة للنظام، خصوصاً مع ما يطرحه التيار الإصلاحي بشكل عام، من رغبة في تحولات داخل بنية النظام وشكله، وتحويل منصب المرشد إلى هيئة أو منظمة على غرار الحزب الشيوعي في الصين مثلاً، بعيداً عن فكرة وجود رجل واحد يتحكم في كل شيء، وهو ما قام عليه النظام الإيراني.

هل تدفع حوادث رحيل المسؤولين الإيرانيين إلى انكفاء إيران على نفسها؟

فكرة الانكفاء الإيراني غير مقبولة، ومتابعة الأحداث تكشف أن هناك ما يمكن أن نسميه انكماشاً وتمدداً، لكن الانكفاء لن يحدث طالما أن إيران مفتقدة لقوة الردع العسكرية الكافية لردع خصومها، ستلجأ إلى ما يمكن أن نسميه القنابل النووية البديلة، وهو الأذرع والفصائل الموالية لها، في منطقة شرق المتوسط والبحر الأحمر وغرب آسيا “الخليج”، وستظل إيران حريصة على وجود قوات وفصائل موالية لها، تسميها القنابل النووية البديلة.

لذلك، التحذيرات الإيرانية المستمرة من الهجوم الإسرائيلي على لبنان تأتي في هذا السياق؛ حتى لا تفقد إيران إحدى أذرعها الطويلة في المنطقة.