السعودية وإيران.. هل تستمر تحولات الإقليم في دفع تقارب الطرفين؟

المرشد الإيراني علي خامنئي- منصات التواصل

مرت العلاقات السعودية الإيرانية بعدة محطات من التقارب والتباعد، انعكاساً لأوضاع سياسية داخلية أو تطورات إقليمية في محيطهما الجغرافي، أو لصدامات تنوعت شدتها بين الطرفين.

فرض الموقع الاستراتيجي المهم لكل من السعودية وإيران، في الخليج والشرق الأوسط، اشتباكاً لهما وتداخلاً في إقليم مضطرب شهد العديد من التحولات منذ الثورة الإسلامية التي أطاحت بنظام الشاه الإيراني عام 1979، في وقت كانت علاقات الدولتين الدبلوماسية تصنف بمستوى الحليف.

تقاطعات في السياسة بين السعودية وإيران

تحديات عديدة وتقاطعات في السياسات بسبب تحولات الإقليم، دخلت فيها الدولتان، أبرزها حرب الخليج الأولى (1980-1988) وحرب الخليج الثانية (1990-1991)، والاحتلال الأمريكي للعراق (2003)، والموقف من الربيع العربي (2010-2013)، وحرب اليمن (2014-..)، هذه التحديات زادت مستوى التوتر بين الدولتين، على الرغم من أنها لم تمنع وجود سنوات من الوفاق بين الطرفين، خصوصاً في فترة حكم الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، قبل أن يعود التوتر مرة أخرى بوصول أحمدي نجاد للرئاسة في إيران.

تصاعَد منحنى التوتر بين السعودية وإيران بسبب تحولات الإقليم، وصولاً إلى قطع العلاقات بالكامل بين البلدين، نتيجة لزيادة مستوى التوتر على خلفية سيطرة الحوثيين المدعومين إيرانياً، على السلطة في العاصمة اليمنية صنعاء، وقصفهم النيراني للأراضي السعودية، وصولاً إلى مرحلة القطيعة الكاملة بين البلدين، عقب هجوم إيرانيين على السفارة السعودية في طهران؛ احتجاجاً على إعدام رجل الدين السعودي (الشيعي) نمر النمر.

في ذروة تصاعد منحنى التوتر بين السعودية وإيران، فاجأ الطرفان وبصحبتهما الصين العالم، بإعلان اتفاق ثلاثي لعودة العلاقات الدبلوماسية وفتح السفارات، ليعلن الجميع من العاصمة بكين “بذل الجهود كافة لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي” (مارس/آذار 2023).

لم يكن الاتفاق الذي تم برعاية صينية، سوى حلقة أخيرة في سلسلة سبقته من جولات التفاوض واللقاءات المباشرة بوساطة تقاسمها العراق وعمان، توجت بإعلان الاتفاق من بكين.

دوافع داخلية ومنافع متبادلة

دوافع داخلية ومنافع متبادلة دفعت السعودية وإيران إلى استئناف العلاقات والتجاوب مع المبادرة الصينية، فبحسب دراسة لوليد ربيع نشرت في المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، تنوعت دوافع السعودية في إطار تحقيق طموحات رؤية 2030 واقتصاد ما بعد النفط، كما أن السعودية تنظر إلى التعاون مع إيران باعتباره وسيلة لتسوية الصراعات والأزمات في اليمن وسوريا والعراق، ما يؤدي إلى الاستقرار والأمن في المنطقة، ويصب في النهاية كدعم لرؤية 2030 التي تعتمد اعتماداً كبيراً على الاستثمارات الأجنبية واستقطاب رؤوس الأموال، وهي بالتأكيد تحتاج إلى استقرارٍ وأجواء خالية من التنافر والتوتر السياسي.

وبحسب الدراسة نفسها، فإن الاقتصاد هو الدافع الإيراني الأساسي إلى التقارب مع السعودية، بعد أن عانت إيران من العقوبات الاقتصادية، في اقتصاد يعتمد بشكل رئيسي على تصدير النفط، كما ينظر إلى التقارب مع السعودية باعتباره تبريداً للداخل الإيراني الذي تعلو فيه أصوات الاحتجاج والرفض لسياسات النظام الإيراني، كما ينظر إلى استعادة العلاقات مع السعودية باعتبارها محفزاً لإحياء الاتفاق النووي الإيراني.

فيما تذهب رانيا مكرم، الخبيرة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في دراسة نشرها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، إلى أن هناك رغبة إيرانية في استثمار التطلع السعودي إلى دور مختلف بعيداً عن الارتباط الوثيق بأمريكا، وتهيئة الأجواء وخلق بيئة إقليمية مواتية لتنفيذ رؤية 2030 التي تستلزم استقرار المنطقة وإنهاء التوتر.

حلفاء وضغوط

كما تحاول إيران، بحسب مكرم، كسر العزلة وتخفيف الضغوط الدولية عليها، خصوصاً بعد انخراطها في الحرب الروسية الأوكرانية، وتصفير المشكلات مع الجوار بعد أن أدركت مدى التأزم الواقعة فيه وحلفاؤها بالمنطقة في ظل منظومة العقوبات الدولية المفروضة عليها، والتي تزيد الأوضاع قسوة في الداخل الإيراني.

في الخلفية يبدو أن حلفاء إيران في المنطقة وتزايد الضغوط عليهم، كانوا سبباً رئيسياً في دفع إيران نحو تهدئة الأجواء والمصالحة مع السعودية، حيث يعاني حلفاء إيران، سواء في العراق أو سوريا أو اليمن أو لبنان، تراجعات اقتصادية وفراغاً سياسياً وتقويضاً للنفوذ الإيراني في الساحات الإقليمية.

تصريحات إيجابية من الطرفين

عودة العلاقات الدبلوماسية صاحبتها تصريحات دبلوماسية ترسخ الحوار واستقرار المنطقة، حيث أعلن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، أن “استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة وإيران، جاء انطلاقاً من رؤية المملكة القائمة على تفضيل الحلول السياسية والحوار، وحرصها على تكريس ذلك في المنطقة. يجمع دول المنطقة مصير واحد، وقواسم مشتركة، تجعل من الضروري أن نتشارك معاً لبناء أنموذجاً للازدهار والاستقرار لتنعم به شعوبنا”.

تصريح مماثل لوزير الخارجية الإيراني، قال فيه إن “عودة العلاقات الطبيعية بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والسعودية يضع إمكانات كبيرة في متناول يد البلدين، وكذلك المنطقة والعالم الإسلامي، وإن سياسة الجوار وباعتبارها محوراً أساسياً للسياسة الخارجية للحكومة الإيرانية الحالية، تمضي بقوة في مسارها الصحيح، وإن الجهاز الدبلوماسي يمضي بشكل نشط للتمهيد لخطوات إقليمية أخرى”.

وفي تصريح للرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، بعد المصالحة مع السعودية، نقلته وكالة الأنباء السورية “سانا”، قال إن “إيران والسعودية دولتان كبيرتان، وعودة العلاقات بينهما ستغير المعادلات في المنطقة وتنظمها، فالشعوب المسلمة في المنطقة تتجه نحو دعم المقاومة ودعم العدالة، النقطة المهمة هي أنه في ذروة الخلاف بيننا وبين السعودية كان سماحة السيد قائد الثورة يؤكد دائماً أنه لا يجب أن يغيب عن الذهن أن العدو الرئيسي هو الولايات المتحدة وإسرائيل”.

وأضاف: “نحن نرفض ولا نقبل أن تعدّ السعودية عدواً لنا، أو نكون عدواً لها أبداً، واليوم اتضحت الحقائق لكثير من دول المنطقة، وإيران فوبيا التي كان يتحدث عنها العدوّان الأمريكي والإسرائيلي كانت فقط لبثِّ الرعب في المنطقة، هذه هي الآلة الإعلامية الشريرة للعدو”.

انعكاسات التصالح السعودي الإيراني على الإقليم

فيما يقسم السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، في مقال نشره بجريدة الشروق المصرية، آثار المصالحة السعودية إلى آثار مباشرة وغير مباشرة، تنعكس على الأوضاع في اليمن، والعمل على تسوية سياسية للازمة في سوريا، وتخفيف حدة الاحتقان السياسي والمذهبي في العراق، وكذلك انعكاس إيجابي على الأزمة في لبنان والعلاقة مع حزب الله.

رغم تحسن العلاقات وإعادة فتح السفارات، فإن حدثين مهمَّين أثبتا أن الطريق ما زال طويلاً أمام عودة العلاقات بين البلدين، حيث تسببت صورة لقاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني الراحل، في طلب المملكة تغيير مكان اجتماع صحفي مشترك بين البلدين في يونيو/حزيران 2023، وهو ما تكرر مرة أخرى بانسحاب فريق الاتحاد السعودي من الملعب بسبب وجود صورة مجسمة لسليماني.

الحدثان السابقان وتأثيرهما على العلاقة بين البلدين، تقرأهما فاطمة الصمادي، الباحثة بمركز الجزيرة للدراسات، في دراسة نشرت على موقع مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، بأنّ تصاعد خلاف رياضي ليصل إلى نزاع دبلوماسي، والاحتكاك المستمرّ بعد اتفاق مارس/آذار 2023، يشيران إلى أن نجاح العلاقة السعودية الإيرانية يحتاج إلى أكثر من مجرّد نوايا حسنة، حيث لا تزال طبيعة العلاقة التنافسية والصراعية بين البلدين تلقي بظلالها، وتشمل نزاعاتهما التنافس الإقليمي على المكانة والنفوذ على مستوى العالم الإسلامي،

ملفات عالقة رغم التصالح

حتى بعد المصالحة وإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ما يزال هناك عدد من الملفات، تمثل عقبات كبرى في طريق المصالحة بين البلدين، وعلى رأسها البرنامج النووي الإيراني، حيث يعد محوراً مهماً في رسم علاقات إيران مع خصومها وحلفائها.

ويأتي التطبيع مع إسرائيل على رأس العقبات بين الطرفين، خصوصاً بعد ما شهدته المنطقة من عدوان إسرائيلي على غزة بعد أحداث “طوفان الأقصى”، في حين تأتي العلاقات مع الولايات المتحدة والوجود الأمريكي في الخليج العربي كمحددَين بارزَين يحكمان تطور العلاقة بين السعودية وإيران.