- زاد إيران - المحرر
- 58 Views
كتب- محمد علي
إن الأصوات التي سيحصل عليها عراقجي في البرلمان ستظهر الثقل السياسي الذي يتمتع به التيار الثوري الجديد – النقي داخل المجلس، وهو التيار الذي أثبت خلال جلسات منح الثقة لعراقجي أنه مستعد لتخطي كل الخطوط الحمراء والأعراف السياسية الداخلية في البلاد.
وفقًا لمقال نشرته وكالة تابناك الإخبارية الإيرانية، يوم الثلاثاء 20 أغسطس/ آب 2024، فإنه ومع انتخاب الدكتور مسعود بزشكيان كتاسع رئيس جمهورية لإيران في انتخابات رئاسية مبكرة جرت في شهر يوليو/ تموز من هذا العام، وذلك على إثر وفاة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي في حادثة سقوط طائرته، فإن الأجواء السياسية في البلاد قد دخلت طوراً جديداً، وفي الوقت نفسه هناك أقلية في البرلمان تسمي نفسها “الثوري الجديد النقي” تغرد خارج السرب.
في مارس من العام الماضي، وبمشاركة الحد الأدنى بنسبة بلغت حوالي 40% من الناخبين، تمكن الجناح المتشدد من التيار الأصولي ممثلاً بجبهة پایداری (الصمود) وقوائم مثل “الأمناء”، “صبح إيران” و “پایداری (الصمود)” من الاستحواذ على عدد من مقاعد البرلمان، خاصة في محافظات مثل طهران، قم، أصفهان، وخراسان.
على الرغم من أن هذا التيار قد دعم محمود جليلي في الانتخابات الرئاسية المبكرة التي عقدت في شهر يوليو/ تموز من هذا العام، نتيجة لغياب إبراهيم رئيسي، وسعت إلى تحقيق توحيد أكبر في النظام الحاكم، إلا ومع انتخاب الدكتور مسعود بزشكيان كتاسع رئيس جمهورية لإيران قد دخلت الأجواء السياسية في البلاد مرحلة جديدة.
فبالرغم من أن بزشكيان كان قد أعلن خلال فترة الانتخابات وما بعدها بأن النجاح في الحكومة يعتمد على التوافق والتكامل بين التيارات السياسية المختلفة، إلا أن عدم التنسيق أو الخلاف بين البرلمان والحكومة، بسبب الصخب الذي تحدثه جبهة الصمود (پایداری) في البرلمان، أدى إلى بروز هذه الخلافات خلال عملية التصديق على الوزراء المقترحين من قبل الرئيس، وخلال مفاوضات البرلمان بشأن تأكيد أهليتهم.
إن علاقة البرلمان الحالي بالحكومة ترجع إلى الأذهان الخلافات التي نشبت بين الحكومة الأولى لخاتمي والبرلمان اليميني الخامس، أو الخلافات التي وقعت بين الحكومة الأولى لروحاني والبرلمان المحافظ التاسع. رغم أن نواب البرلمان الخامس قد منحوا الثقة لجميع أعضاء الحكومة المقترحين من قبل خاتمي، إلا أنه في وقت لاحق تم استجواب وزيرين، هما عبد الله نوري، وزير الداخلية في الحكومة السابعة، و عطا الله مهاجراني، وزير الثقافة والإرشاد في الحكومة السابعة، من قبل البرلمان، حيث تم عزل عبد الله نوري واستمرار عطا الله مهاجراني في منصبه.
وفي البرلمان التاسع، كذلك، برزت الخلافات بين التيار المتشدد في البرلمان والحكومة بشأن الاتفاق النووي أو تأكيد صلاحية الوزراء، خاصة وزارة العلوم، والبحث والتكنولوجيا.
فبينما لم يكن حسن روحاني، الرئيس الإيراني الأسبق، قد أعلن بعد عن قائمة حكومته، ليصدر 80 من نواب البرلمان والمعروفين بتكتل المحافظين بيانًا يعلنوا فيه أن البرلمان لن يمنح الثقة لأولئك الذين لم يعلنوا معارضتهم الصريحة للأحداث التي تلت الانتخابات الرئاسية لعام 2009. وفي النهاية، لم يمنح النواب الثقة لثلاثة وزراء هم وزير الرياضة والشباب، ووزير التربية والتعليم، ووزير العلوم. ولكن وزارة العلوم ظلت واحدة من التحديات بين الحكومة والبرلمان حتى نهاية فترة الحكومة.
ففي وقت منح الثقة للوزراء، حذر آية الله صديقي، المقرب من جبهة الصمود، حسن روحاني في خطبة صلاة الجمعة من اختيار وزير العلوم أو رؤساء الجامعات الذين يشتبه في أنهم قد يكونون متورطين في الفتنة. وبعد عدم حصول جعفر ميلي منفرد على موافقة البرلمان كوزير مقترح، تم تقديم فرجي دانا كوزير بدلاً منه، والذي نال ثقة البرلمان.
ولكن هذه لم تكن نهاية القصة، فقد استمرت الثقة الممنوحة لـفرجي دانا أقل من عام، وبعد تسعة أشهر تم استجوابه وإقالته من قبل البرلمان. وكان من بين أسباب استجوابه هو تعيينه لأشخاص على صلة بالاحتجاجات الانتخابية لعام 2009 وعدم قبول المتفوقين في المنح الدراسية للدراسات العليا في عهد محمود أحمدي نجاد.
بعد ذلك، فشل محمود نيلي أحمد آبادي وأحمدي دانش آشتیاني أيضًا في الحصول على تأييد البرلمان. حتى أن معارضة البرلمان للوزراء المقترحين أدت إلى تمديد فترة تصريف الأعمال لمحمد علي نجفي بمرسوم حكومي من قبل قائد إيران. في النهاية، وفي 19 نوفمبر للعام 2014، قدم حسن روحاني محمد فرهادي كخامس وزير مقترح لوزارة العلوم، والبحث والتكنولوجيا إلى البرلمان، وتمكن فرهادي في النهاية من الحصول على تأييد البرلمان. وحتى مع وقوف فرهادي خلف منصة البرلمان، وضع أحد النواب كوفية حول عنق الوزير المقترح، ودافع روحاني عنه قائلاً إنه شخص ثوري ومؤمن ويعتقد بإحداث تحول في الجامعات.
وزراء في مهب الريح
وفقًا لما ذكره نواب وأشخاص مطلعون، فإن عملية تقييم صلاحية الوزراء المقترحين من قبل بزشكيان من قبل البرلمان ستكون مليئة بالتحديات. وفيما يلي سرد بالأفراد الذين يواجهون خطر عدم الحصول على الثقة في البرلمان، مع ملاحظة أن الخيارات الأربعة الأولى لديهم فرصة أقل مقارنةً بالأربعة الأخيرة في مسألة الحصول على التأييد من قبل البرلمان:
1. محسن باكنزاد، وزارة النفط
2. أحمد ميدري، وزارة التعاونيات والعمل والرعاية الاجتماعية
3. محمد أتابك؛ وزارة الصناعة والتعدين والتجارة
4. محمد رضا ظفرقندي؛ وزارة الصحة
5. فرزانه صادق مالواجرد؛ وزارة الطرق والتنمية الحضارية
6. محمد رضا صالحي أميري؛ وزارة التراث الثقافي والسياحة والصناعات اليدوية
7. عباس علي آبادي؛ وزارة الطاقة
الخط الأحمر لتيار “الصمود” بشأن وزير الخارجية
كما سبق الإشارة، فإن المحور الأساسي لرفض الثقة بالوزراء المقترحين من قبل التيار القريب من “الصمود” يرتكز على نقاط متعددة ومتنوعة داخل البرلمان الحالي. ففي جلسة المصادقة على وزير الخارجية، حاول نواب هذا التيار (أمير حسين ثابتي، نائب طهران، ظهوريان أبو ترابي، نائب مشهد، ومحمد رضا أحمدي سنجر، نائب رشت) طرح قضايا متعددة مثل عدم الامتثال لقانون الخطوات الاستراتيجية في مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، انسحاب أمريكا من الاتفاق بسبب عدم احترام الخطوط الحمراء وضعف الاتفاقية، تنفيذ الالتزامات النووية من جانب واحد دون إلزام الطرف الآخر، عدم رفع العقوبات مع تنفيذ الاتفاق النووي، عدم التنسيق وخلق ازدواجية بين الشأن العسكري والدبلوماسي، والتوقع الخاطئ بعدم انسحاب ترامب من الاتفاق.
لكن أقوى وأشد التصريحات جاءت من أمير حسين ثابتي، نائب طهران، خلال جلسة المصادقة على عراقجي في البرلمان. حيث أشار النائب الأكثر إثارة للجدل في البرلمان ومستشار جليلي في انتخابات رئاسة الجمهورية إلى مسألة التنسيق بين الرئيس والمرشد الأعلى لاختيار وزير الخارجية كأحد أسباب اعتراضه.
وفي هذا السياق، قال ثابتي: “بعض النواب يلعبون لعبة خطيرة لدعم انتخاب عباس عراقجي. المرشد الأعلى للثورة قال مرارًا إن البرلمان سلطة مستقلة ويجب أن يتخذ قراراته بشكل مستقل.” وأتبع: “ذهبنا بالأمس إلى شخص مهم، وقال لنا أن نصوت لجميع هؤلاء الوزراء؛ من أين تأتي هذه الفكرة؟ إذا كنتم تدركون عواقب هذا الموضوع، فعليكم أن تغلقوا البرلمان؛ المرشد الأعلى نفسه يعارض هذه الفكرة، لكن البعض يحاولون صنع مؤيدين بالقوة من خلال نشر شائعات تم نفيها مئات المرات.”
ففي خضم الصراعات السياسية حول المصادقة على الوزراء، زادت الشائعات حول تدخل أو استشارة القائد الأعلى في اختيار أعضاء الحكومة من حدة التوترات. فما هي حقيقة الأمر؟
أشار هادي طحان نظيف، المتحدث الحالي لمجلس صيانة الدستور، في مقابلة أجراها في 8 سبتمبر 2017 مع موقع “رجانيوز” (التابع لجبهة الصمود وجليلي) إلى أن التنسيق بين الرئيس والمرشد الأعلى في اختيار بعض الوزراء أصبح عرفًا في القانون الدستوري.
هذا العرف يعتبر أحد مصادر القانون الدستوري في البلاد، ولا يقتصر على إيران فقط بل هو معمول به في دساتير دول أخرى أيضًا.
فحسب قوله، هذا العرف يخص اختيار وزيرين أو ثلاثة من الوزارات، ويتمثل في التنسيق مع المرشد. وتحديداً، الوزارات التي تُعتبر أنشطتها فوق سلطات الدولة أو لها تأثيرات تتجاوز اختصاصات الحكومة، مثل وزارة الدفاع، وزارة الخارجية، ووزارة الاستخبارات. فهذه الوزارات ووفقًا للعرف السائد تتطلب التنسيق والتشاور مع المرشد عند اختيار وزرائها.
ويضيف: تنفيذ السياسات العامة للنظام في هذه المجالات لا يقتصر على السلطة التنفيذية فقط، بل يمتد ليشمل سلطات ومؤسسات أخرى. على سبيل المثال، السياسة الخارجية للبلاد تتصل بالمسائل الكلية للنظام، والسياسات الدفاعية والأمنية تتعلق بشكل مباشر بالكلية السياسية للدولة. فلا يمكن القول إن وزارة الاستخبارات تابعة فقط للسلطة التنفيذية، بل هي وزارة الاستخبارات لجمهورية إيران. وكذلك الحال مع السياسة الخارجية، فبعض جوانبها ليست في يد السلطة التنفيذية وحدها.
هذا النهج والعرف القانوني في اختيار بعض الوزراء تم التأكيد عليه مراراً من قِبل النواب والشخصيات السياسية. على سبيل المثال، علاء الدين بروجردي صرح قبل أيام أن الرئيس، في مشاوراته مع المرشد، يختار مرشحي بعض الحقائب الوزارية مثل وزارة الداخلية قبل تقديمهم إلى البرلمان.
تدخل القيادة الأعلى في إقالة وزير الاستخبارات من قبل أحمدي نجاد
لم تقتصر حدود تدخل القيادة في هذه الوزارات على المشورة والتنسيق في اختيار الوزراء، بل عكست حادثة بقاء أحمدي نجاد لمدة أحد عشر يومًا في بيته مدى توسع صلاحيات القيادة فيما يتعلق بوزير الاستخبارات.
ففي 17 إبريل/نيسان 2011 أقال الرئيس وزير الاستخبارات تحت غطاء الاستقالة وعينه مستشارًا له في شؤون الاستخبارات. في ذلك الوقت، زعمت وكالة “برلماننیوز” أن إقالة مصلحي جاءت بسبب إصراره على عزل أحد مديري وزارة الاستخبارات الذي كان يحظى بدعم من أسفنديار رحيم مشائي. كما أشارت بعض المواقع إلى أن مشائي كان يسعى للسيطرة على وزارة الاستخبارات واستخدام الوثائق السرية لأغراض سياسية.
وبعد يومين من انتشار خبر استقالة مصلحي، نشرت وكالات الأنباء نص رسالة من قائد الثورة إلى حيدر مصلحي تشير إلى استمراره في منصب وزير الاستخبارات. في هذه الرسالة، التي أُرسلت في 19 إبريل، طلب قائد الثورة من مصلحي أن يواصل عمله “بدعم من الحكومة الخادمة” بدون تهاون وبمزيد من الجدية. هذا القرار من القيادة أدى إلى خلافات مع أحمدي نجاد وانتهى ببقائه في منزله.
واليوم، ثابتي والتيار المقرب من حركة “الصمود” الذين كانوا يسعون في الماضي لتأكيد ضرورة المشورة مع القيادة لاختيار بعض الوزراء في النظام القانوني للبلاد، لا يمكنهم الآن التشكيك في نفس الأسس القانونية التي دافعوا عنها سابقًا. هذا التيار، بتجاهل ما كانوا يؤيدونه من قبل، لا يمكنه إنكار حقيقة الواقع السياسي في البلاد. ومع ذلك، هذا لا يعني تدخل قائد الثورة في التفاصيل التنفيذية للوزارات المعنية.
ثابتي يعلن معارضته الكاملة لعراقجي
في الجلسة التي عُقدت بالأمس، طرح ثابتي نقاطًا أخرى. حيث ادعى هذا النائب أن دبلوماسيين مثل عراقجي، صالحي، تخت روانتشي، وبعیدي نجاد حصلوا على سبائك ذهبية بعد الاتفاق النووي ثم أنكروا ذلك لاحقًا. هذه التصريحات تعيد إلى الأذهان تغريدة سابقة لأمير حسين ثابتي حول عراقجي، حيث قال:
“اللعنة على تلك الحدود والمعايير التي تجعلني ولمجرد أنني وُلدت في أرض وُلد فيها عراقجي، وظريف، وروحاني، وبني صدر… أخاهم في الوطن، بينما تُعد أبطال #فاطميون غرباء عني لأنهم وُلدوا على بعد عدة كيلومترات فقط”.
في سياق الجلسة الخاصة بمناقشة أهلية وزير الخارجية المقترح في البرلمان، قال ثابتي: “ماذا كانت نتيجة الاتفاق النووي؟ ماذا رأى الحاج قاسم في الاتفاق النووي الأول ليخشى من الثاني والثالث؟ ماذا رأى فخري زاده، (عالم نووي إيراني اغتيل في طهران) كعالم صناعي ونووي وصاروخي، في الاتفاق النووي ليقول إن هذا الاتفاق جعل دموعي تنهمر؟”
ثم عرض ثابتي مقطع فيديو لعراقجي أثار رد فعل من الأخير جعله يعلق قائلاً: “هذا الفيديو مدعاة فخر لي. قلت في الفيديو إن ترامب لن يستطيع القضاء على الاتفاق النووي، وهذا ما حدث بالفعل. أمريكا حاولت مرتين تدمير الاتفاق النووي ونقل القرار إلى مجلس الأمن وفشلت.”
وأردف عباس عراقجي، وزير الخارجية المقترح، على أمير حسين ثابتي قائلاً: “أنا لا أقول الموت لوطني لأن عراقجي هو زميلي في الوطن. أقول حياتي فداء لوطن يسمح لمنتقد الحكومة بالتحدث وحتى يشكك في التزام البرلمان بالولاية”.
كما أشار عراقجي إلى ادعاءات النائب ثابتي حول معارضة فخري زاده للاتفاق النووي وقضية السبائك الذهبية قائلاً: “لقد كنت في حداد لفترة طويلة بعد مقتل فخري زاده، وعملنا معًا عن قرب في الاتفاق النووي، ولا أحد كان على اتصال به مثلي. ولكن لا أريد الخوض في التفاصيل. نفس الوسام والميدالية التي حصلنا عليها حصل عليها فخري زاده أيضًا”.
على الرغم من أن أمير حسين ثابتي، النائب المقرب من جبهة “الصمود” والمستشار لجليلي في الانتخابات الأخيرة، وصف خطابه المعارض بأنه “تاريخي”، فإن هذه التصريحات الحادة التي تضمنت عرض فيديو تذكّر بمشاهد وتصريحات أحمدي نجاد في البرلمان ولا تحظى بتأييد شعبي أو نيابي. وبالتالي، يبدو أن ثابتي لن يحظى برد فعل إيجابي من البرلمان، وأن عزلة “الثوريون الجدد المتشددون” في البرلمان الثاني عشر ستزداد.
الأقلية التي كانت تعتقد أن “المهمة انتهت” وأنها ستفرض رؤيتها المتشددة على كامل النظام، تجرعت مرارة الهزيمة في الانتخابات الرئاسية. ومع الغياب المفاجئ لأحد قادتها، علي أكبر رائفي بور، تواصل هذه الأقلية جهودها عبر تحركات ثابتي شبه الفردية.
تصويت البرلمان على عراقجي يوم الأربعاء سيظهر مدى ثقل التيار “الثوري الجديد” (بعيدًا عن الضجيج الإعلامي وعلى شبكات التواصل) داخل البرلمان، وهو التيار الذي أظهر في التصويت على الثقة لعراقجي استعداده لتجاوز الخطوط الحمراء والأعراف السياسية داخل البلاد.