- زاد إيران - المحرر
- 46 Views
كتب- محمد علي
وفقاً لتقرير نشرته صحيفة شرق الإيرانية يوم الخميس 22 أغسطس/آب 2024، فقد كتبت هذه الجملة على إحدى اللافتات التي رفعها الممرضون المحتجون في الأيام الماضية، وهي “ساعة عمل في التمريض = ثمن عصا آيس كريم” وهو مجرد مثال يعكس حجم المعاناة التي يعيشونها.
هذا ملخص ما جعل الممرضين يصلون إلى حافة اليأس، وجعل الأمر يتخطى مجرد الاحتجاج المؤقت في هذا المشفى أو ذاك. احتجاجاتهم اليوم صارت على نحو أكبر تنظيمًا من أي وقت مضى، تجتاح المدن واحدة تلو الأخرى، وبحسب قول الأمين العام لهيئة التمريض، فقد تحول من مجرد احتجاج فئوي إلى قضية سياسية.
فحسب ما ذكره الأمين العام لهيئة التمريض، فإن هذه القصة قد بدأت من محافظة البرز ومدينة كرج، وحالياً هناك حوالي 50 مستشفى مشاركة في هذه الاحتجاجات. ولكن ممرضات شيراز أحدثن ضجة كبيرة وأعلن اعتراضهن في جميع المستشفيات الحكومية. امتدت الاحتجاجات إلى مدن ومحافظات أخرى مثل المحافظات المركزية، كهكيلويه وبوير أحمد، خراسان رضوي، وغيرها.
شكل سوء الأحوال المعيشية للممرضين هو السبب الرئيس وراء تلك الاحتجاجات. كذلك مثلت أسباب مثل غياب الأمان الوظيفي، وعدم احترام الكرامة والمكانة الاجتماعية للممرضين، والتهديدات من بعض مرافقي المرضى، عاملاً هاماً لزيادة الاستياء بين الممرضين في الأشهر الأخيرة. استياء رغم أنه موجود منذ سنوات، إلا أنه وصل ذروته في الأشهر الأخيرة، مما أدى إلى إضراب واسع النطاق للممرضين، حتى إن بعضهم في بعض المناطق تعرضوا لتهديدات بالفصل والتسريح، لكنهم يقولون إنهم لم يعودوا يخافون، بل باتوا مستعدين لتحمل الطرد إذا كان ذلك سيساعد في تحسين الوضع.
المشاكل الرئيسية
قبل فترة، أشار محمد شريفي مقدم، الأمين العام لهيئة التمريض الإيرانية، في مقابلة مع صحيفة “شرق” إلى المشاكل الرئيسية التي تواجه الممرضين: “أولاً، نحن في إيران نعاني من نقص في أعداد الممرضين. عالمياً يوجد معيار معين للتمريض. مثلاً في أوروبا، يوجد 10 ممرضين لكل ألف شخص. في بعض الأماكن يصل هذا العدد إلى 12، وفي أماكن أخرى يوجد 8 إلى 9 ممرضين لكل ألف شخص”.
وأضاف ” المتوسط العالمي هو 6 إلى 7 ممرضين. وقد حددت منظمة الصحة العالمية الحد الأدنى بـ 3 ممرضين، مما يعني أن وجود أقل من 3 ممرضين لكل ألف شخص يؤدي إلى تدهور الحالة الصحية للمرضى وزيادة في معدلات الوفيات، مما يعني أن هناك علاقة مباشرة بين عدد الممرضين وعدد الوفيات”.
محمد شريفي مقدم قال ” في بلدنا، يوجد فقط من 1.6 إلى 1.7 ممرض لكل ألف شخص، مما يعني أن عدد الممرضين في إيران يمثل نصف الحد الأدنى للمعيار العالمي. وبالتالي، فإن الناس يتلقون نصف الخدمات التي ينبغي أن يحصلوا عليها.” ويرى شريفي مقدم أن الممرضين الحاليين يفتقرون للحافز للاستمرار في العمل، فيقول: “في جميع دول العالم، يعتبر الممرضون من الفئات التي تتلقى أعلى الرواتب، لأن هذه المهنة صعبة، وخطرة، وذات مسؤولية عالية وتسبب توتراً كبيراً”.
وأضاف: ” ولهذا السبب، تهتم الحكومات في العالم بهذه المهنة ومزاوليها بطرق مختلفة لتخفيف صعوباتها، وأحدى هذه الطرق هي الحوافز المالية والرواتب. ففي أوروبا مثلاً، يتقاضى الممرضون بين 3000 إلى 4000 يورو، وفي أمريكا يبلغ متوسط راتبهم حوالي 5000 دولار، وفي الوقت نفسه، يتناسب عدد الممرضين مع المعيار العالمي في تلك الدول، مما يقلل من الضغط عليهم مقارنةً ببلدنا.”.
وأشار شريفي مقدم أيضًا إلى الفجوة في الرواتب بين الأطباء والممرضين، وقال “في جميع أنحاء العالم، يكون الفارق عادةً من مرتين إلى ثلاث مرات، لكن في إيران يصل هذا الفارق إلى مئة مرة”. كما ذكر وجود مافيا في النظام الصحي، واعتبر تدني مكانة الممرضين الاجتماعية، وساعات العمل الطويلة، والعمل الإضافي الإجباري، وخطورة هذه المهنة من بين العوامل التي تسبب فقدان الحافز لدى الممرضين ودفعهم لترك المهنة.
وأشار شريفي أيضًا إلى نوع آخر من المشاكل كالعنف الذي يتعرض له الممرضون من قبل مرافقي المرضى، حيث قال إنه وفقاً للإحصائيات فإن أكثر من 30% من الممرضين يتعرضون لعنف جسدي في مكان العمل، وأكمل: “كثيراً ما تحدث مشاكل في أقسام الطوارئ لا علاقة للممرضين لها كعدم توافر كراسي متحركة أو تأخر الطبيب في الوصول، فيكون الممرض كونه أقرب شخص من أفراد الطاقم الطبي للحالة في مواجهة عنف أسرة أو رفقاء المريض. الممرضون هم الأكثر تعرضاً للاعتداء من بين جميع أفراد الطاقم الطبي.”
وأشارت فاطمة بحريني، رئيسة مجلس إدارة شؤون التمريض في مشهد، إلى هذا الأمر قائلة: “الممرض المتخصص مسئول عن حياة المريض بين يديه، والجانب الروحي والنفسي للتمريض لا يمكن التعبير عنه بالكلمات. ولكن ممرضينا يتقاضون بين 20 ألف تومان (0.34 دولار تقريباً) و43 ألف تومان (0.73 دولار تقريباً) في الساعة دون خصم الضرائب. في بعض الإدارات يوجد فائض في العاملين، فلا يضطرون للبقاء لساعات إضافية، لكن الممرضين مجبرون على ذلك. وتكمل: لقد ضاعفنا أجور العمل الإضافي بموافقة مجلس الأمناء ودعم رئيس جامعة مشهد، لكن حتى مع ذلك، لا يكفي هذا المبلغ لتغطية تكاليف الحياة والإرهاق الجسدي. يجب أن نفهم سبب تعب الممرضين، لقد كانوا يحتجون لسنوات في السابق، كان الاحتجاج على عدم تطبيق نظام التعريفات، والآن يحتجون على طريقة تنفيذ هذا النظام.”
ارتفاع معدل الهجرة
ساهم الوضع السيئ الذي يعاني منه الممرضون في إيران إلى جانب المشكلات الكبيرة والصغيرة التي يواجهونها بشكل كبير في زيادة معدل هجرة الممرضين. ففي الشهر الماضي، صرح فريدون مرادي، عضو المجلس الأعلى لنظام التمريض، لوكالة مهر الإخبارية الإيرانية أن ما بين 150 إلى 200 ممرض يغادرون البلاد كل شهر وقال: “المشكلة الرئيسية التي يواجهونها هي عدم كفاية الدخل، على الرغم من أن الكثير منهم يرغبون في العمل داخل البلاد. يتم إنفاق ما بين 1.5 إلى 2 مليار تومان (بين 28 و38 ألف دولار تقريباً) على كل طالب تمريض لتغطية تكاليف التعليم والتدريب، ولكن للأسف نفقد بسهولة هؤلاء الشباب المدربين الذين يُعتبرون ثروة وطنية، حيث يذهبون للعمل في البلدان المجاورة.”
في الوقت الحالي، أصبحت مشكلة نقص القوى العاملة في مجال التمريض إحدى الأزمات الخطيرة. وقد صرح أحمد نجاتيان، المدير العام لهيئة التمريض حول هذا الأمر قائلاً: “في الوضع الحالي، هناك عدة مخاوف في مجال الصحة، وأهمها هو النقص الحاد في القوى العاملة، وخاصة في مجال التمريض حيث أصبحت الأزمة خطيرة للغاية. التعيينات الجديدة لم تحل مشكلة النقص في الكوادر التمريضية.” كما أشار إلى أن طلبات الهجرة من الممرضين قد تضاعفت في الفترة الأخيرة محذراً من أن هذا يعد ناقوس خطر لنظام الصحة في البلاد: “النقص في الممرضين يؤدي أحيانًا إلى أن يضطر ممرض واحد لرعاية ثمانية مرضى، وهو أمر ينطوي على مخاطر جمة سواء للممرض أو المريض. تشير الدراسات إلى أن الممرضين يعانون من آثار جسدية ونفسية بعد عشر سنوات من ممارسة المهنة بسبب صعوبة العمل، مما يستدعي إحالتهم للتقاعد.”
إلى جانب الهجرة، فإن تغيير الممرضين لوظائفهم يشكل أزمة جديدة في المستشفيات. وأوضح شريفي في تصريح لوكالة خبر آنلاين الإيرانية أن العديد من الممرضين يتجهون نحو العمل الحر ولسان حالهم يقول: “لقد ارتحت من مهنة التمريض.” وأضاف أن أسوأ ما يقوم به بعض الممرضين هو العمل كسائقين في “سناب” (خدمة سيارات أجرة)، حيث يكسبون ضعف ما يكسبونه من التمريض، حيث قال “إن الممرضين يتجهون إلى الوظائف الإدارية، مثل العمل في مجالات التأمين، التعليم، والبلديات، في حين يفضل بعض الممرضين البقاء في المنزل. يقول الممرض: في نوبة عمل إضافية، يدفعون لي 140 ألف تومان (3 دولارات تقريباً)، وهو مبلغ لا يغطي حتى تكاليف التنقل، حالياً يُدفع للممرض 20 ألف تومان (0.4 دولار تقريباً) في ساعة العمل الإضافي. حاولت الانتقال من مكان العمل إلى المنزل، وكانت تكلفة رحلة سناب 180 ألف تومان (3.01 تقريباً) في حين أن الممرض يتقاضى 12 مليون تومان (230 دولار تقريباً) شهرياً. فإذا أخذنا حالة أم لديها طفل واحد وتحتاج دفع 10 ملايين تومان (192 دولار تقريباً) شهرياً لرعاية طفلها في الحضانة، فمن الأفضل لها البقاء في المنزل وعدم العمل.”.
على أعتاب الحكومة الجديدة
ربما يكون أحد أسباب تصاعد احتجاجات الممرضين هو المرحلة الانتقالية من الحكومة الثالثة عشرة إلى الحكومة الرابعة عشرة. فمع تولي مسعود بزشكيان منصب رئيس الجمهورية الجديد في إيران، استغل الممرضون الفرصة لتقديم مطالبهم بشكل أكثر جديةً وتنظيمًا من ذي قبل، خاصةً أن بزشكيان نفسه ينتمي إلى المجال الطبي وليس غريبًا عن مشاكل نظام التمريض. لكن للأسف، لم تبدِ الحكومة أي ردِّ فعل بشأن هذه الاحتجاجات حتى الآن. وفي هذا السياق، ذكر الأمين العام لهيئة التمريض الإيرانية في حديثه مع وكالة خبر أونلاين الإيرانية أن الإضرابات والاحتجاجات بين الممرضين تتحول إلى قضية وطنية، وهذا ليس بالأمر الجيد للحكومة الرابعة عشرة في أيام عملها الأولى. صحيح أن حل مشكلة الممرضين وتلبية مطالبهم قضية قديمة ولها تاريخ ولا يمكن حلها في يوم واحد، ولكن من خلال التفاوض بين ممثلي الرئيس بزشكيان والممرضين، يمكن التوصل إلى اتفاقات تؤدي إلى عودتهم للعمل، مما يتيح وقتًا مناسبًا للتخفيف من حدة الأزمة.
ومن الجدير بالذكر أنه بالأمس وردت أنباء عن أن هيئة الرقابة، بناءً على مسؤولياتها في مراقبة سير الأمور وتنفيذ القوانين بشكل صحيح، استدعت جميع الأطراف المعنية في هذا المجال نظرًا لشكاوى الممرضين في مناطق مختلفة من البلاد خلال الأسابيع الماضية وناقشت الموضوع. وقد حضر هذا الاجتماع المسؤولون المعنيون، بما في ذلك وزارة الصحة والعلاج والتعليم الطبي، جامعة العلوم الطبية، هيئة التخطيط والميزانية، منظمة الشؤون الإدارية والتوظيفية، منظمة التأمين الصحي، ومنظمة الضمان الاجتماعي، حيث شرح ممثلو كادر التمريض مشاكلهم.
وفي النهاية، تقرر اتخاذ إجراءات لحل المشاكل على المدى الطويل، كما تقرر تشكيل لجان بإشراف هيئة الرقابة العامة في البلاد. وبالأمس، كان رئيس جامعة العلوم الطبية في مشهد قد صرح بأنه تم الحصول على تصريح لتوظيف حوالي 3000 ممرض للتعويض عن نقص الممرضين وتقليل عدد ساعات العمل الإضافي، ولكن مع تغيير الحكومة أرجئت العملية قليلًا، ووعد أنه سيتم متابعة هذا الموضوع بشكل جدي.