الإصلاحيون والأصوليون في إيران.. النشأة، الفروق والتشابهات

كتب: محمد بركات

بعد  فوز مسعود بزشكيان، الرئيس الإيراني الحالي، في الانتخابات الرئاسية الإيرانية على خصمه سعيد جليلي، بدأ صراع من نوع آخر في إيران، وهو صراع التيارات السياسية الداخلية، صراعاً شهدنا أول فصوله عندما حاول الأصوليون في البرلمان الإطاحة بجميع أعضاء حكومة بزشكيان المقترحة، ولكن النتيجة جاءت عكسية تماماً بنجاح كل المرشحين للحقائب الوزارية في مشهد لم تعتده الحياة السياسية في إيران، ونرى الآن فصلاً أخر فيه في محاولات الأصوليون التصدي لآراء وتصريحات بزشكيان ومحاولة تشويه صورته هو وحكومته، ولكن هذه الحالة لم تكن وليدة اللحظة في إيران، بل إن هذا الصراع قد عاشته إيران منذ نجاح ثورة الخميني في العام 1980، نشأ بين الفريقين الأصولي والإصلاحي، شهدنا فيه جولات فاز بها أحدهم تارة وفاز الأخر تارة أخرى، ولكن ما معني كلمة إصلاحي وأصولي، وما الفارق بين التيارين، وما هو انعكاس ذلك على سياسات إيران الداخلية والخارجية؟

بداية الحياة الحزبية بعد الثورة:

بعد انتصار الثورة الإيرانية، أعلن قائدها الخميني أن جميع الجماعات والأحزاب السياسية لديها حرية العمل، باستثناء الحزب الذي يعارض مصلحة البلاد. ومن ناحية أخرى، نصت المادة 26 من الدستور على حرية الأحزاب والجماعات السياسية بشرط ألا تكون مخالفة لاستقلال البلاد، أو الحرية، أو الوحدة الوطنية، أو القيم الإسلامية، أو الأسس القائم عليها نظام الحكم. ولهذا السبب، فمنذ تشكيل النظام بشكله الحالي في إيران، وبالإضافة إلى الأحزاب والجماعات التي كانت موجودة من قبل واستمرت في نشاطها، ظهرت أيضاً أحزاب وجماعات جديدة. ونظراً لأهمية الموضوع وقمع الأحزاب الذي شهده عصر محمد رضا بهلوي، أخر ملك من الأسرة البهلوية، أُتيحت فرصة أكبر لظهور أحزاب جديدة. ولهذا السبب، وفي شهر سبتمبر من عام 1981، تم إقرار قانون نشاط الأحزاب والجمعيات والهيئات السياسية والمهنية والجمعيات الإسلامية أو الأقليات الدينية والذي تألف من تسعة عشر مادة وتسعة بنود إضافية، وبناءً على هذا القانون، أُعلن أن نشاط الجماعات السياسية، من أحزاب ومنظمات وجمعيات وهيئات، يكون حراً بشرط ألا يتعارض مع استقلال البلاد، أو الوحدة الوطنية، أو القيم الإسلامية.

 التيار الأصولي،الفكر، النشأة والتطور:
يؤكد الأصوليون على محورية الإسلام في جميع جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية. فهم ملتزمون بمبادئ مثل العدالة والاستقلال ومواجهة الظلم. كما يولون اهتماماً خاصاً للاقتصاد المقاوم ودعم الإنتاج المحلي، ويؤمنون بأقل قدر ممكن من التبعية للدول الغربية. في حين يعتبر الحفاظ على مؤسسات مثل الحرس الثوري والباسيج وتقويتها من أولويات هذا التيار.

والأصوليون، كأحد الأجنحة السياسية الرئيسية في إيران، يمتلكون جذوراً تاريخية عميقة تعود إلى فترة الثورة وما قبلها. ففي السبعينيات، ومع تزايد السخط العام على نظام الشاه وانتشار الحركات الثورية، تشكلت مجموعات متنوعة ذات ميول إسلامية بقيادة الخميني وقد بدأت هذه المجموعات التي كانت تكافح الاستبداد البهلوي والنفوذ الغربي في وضع أسس التيار المحافظ تدريجياً.

وبعد انتصار الثورة في العام 1979، لعب الأصوليون، والذين كانوا يتألفون في الغالب من رجال الدين والقوى الدينية، دوراً مهماً في تثبيت نظام الإيراني كما هو قائم الآن. وقد عُرفت هذه المجموعات بـ “خط الإمام”، وكانت مخلصة جداً لمبادئ الثورة وتعاليم الخميني.

وفي الثمانينيات، وخلال فترة الحرب الإيرانية العراقية،  كان الأصوليون يمثلون القوى الرئيسية في جبهات القتال وعلى الساحة السياسية الداخلية. وقد شهدت هذه الفترة جهوداً كبيرة للحفاظ على تماسك البلاد والثورة، مما أدى إلى تعزيز أيديولوجية التيار الأصولي وتثبيتها في هيكل الحكم.

وخلال التسعينيات، ومع نهاية الحرب، تغير المشهد السياسي في إيران وظهرت أجنحة جديدة بميول مختلفة. وفي هذه الفترة، اعتمد الأصوليون على قيم الثورة وانتقدوا بعض الإصلاحات والتغيرات الاجتماعية، محاولين الحفاظ على مكانتهم في النظام السياسي.

وقد جاءت الألفية الثالثة لتثبت قد الأصوليين في السلطة. فمع انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيساً للجمهورية في عام 2005، تمكن المحافظون من تنفيذ برامجهم بقوة أكبر. وامتازت هذه الفترة بالتأكيد على القيم الثورية، والاستقلالية، ومواجهة النفوذ الأجنبي.

في العقد الثاني من الألفية الثالثة، وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية والاجتماعية، استمر المحافظون كأحد الأجنحة السياسية الرئيسية في إيران. وفي هذه الفترة، برزت الخلافات الداخلية بين المحافظين، مما أدى إلى ظهور أجنحة مختلفة داخل هذا التيار.
قدم هذا التيار العديد من القادة والشخصيات البارزة للمجتمع الإيراني. من بين أهم هؤلاء، يمكن الإشارة إلى علي خامنئي، المرشد الأسم، ومحمد تقي مصباح يزدي. كما تعتبر شخصيات سياسية مثل محمود أحمدي نجاد، ومحمد باقر قاليباف، وعلي لاريجاني من الشخصيات البارزة في هذا التيار.

 التيار الإصلاحي، الفكر، النشأة والتطور:

يسعى الإصلاحيون، من خلال التأكيد على الإصلاح وتطوير الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وحفظ الحقوق المدنية، واحترام حقوق النساء والشباب، وتحقيق العدالة الاجتماعية، إلى إنشاء نظام سياسي يقوم على حكم القانون والشفافية. وهم يدعمون التفاوض والتعاون مع الأجنحة الأخرى بهدف الوصول إلى التغييرات الإصلاحية، كما نشهد الآن في فترة بزشكيان والذي سمى حكومته بحكومة الوفاق الوطني، ويؤكدون على احترام الحدود القانونية، محاولين الاستفادة من مواقعهم لإصلاح السياسات.

وللحركة الإصلاحية في إيران جذور تعود إلى السنوات التي تلت الثورة. ومع انتصار الثورة، وظهور أحزاب وتيارات جديدة ظهر التيار الإصلاحي وبدأ نشاطه بهدف تحقيق إصلاحات هيكلية وثقافية ضمن إطار نظام الجمهورية.

في الثمانينيات، كان الجناح اليساري لإيران، والذي أصبح لاحقاً معروفاً باسم الإصلاحيين، يتكون في الغالب من أفراد ينتمون إلى قوى “خط الإمام” وداعمي السياسات الاقتصادية الحكومية والعدالة الاجتماعية. كان هؤلاء يعتقدون أن لتحقيق أهداف الثورة، يجب تنفيذ السياسات الاقتصادية والاجتماعية على أساس العدالة والمساواة.

ومثلت التسعينيات فترة مهمة في تشكيل وتطور الإصلاحيين. فمع نهاية حرب إيران والعراق وبدء فترة إعادة الإعمار، تغيرت الظروف الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. وخلال هذه الفترة، أعاد الإصلاحيون النظر في مواقفهم، وركزوا بشكل أكبر على ضرورة التنمية السياسية، والحريات المدنية، وحقوق الإنسان. هذا التحول في النهج أدى تدريجياً إلى ابتعاد هذا التيار السياسي عن اليسار التقليدي والتوجه نحو الإصلاحية الحديثة.

وجاءت الانتخابات الرئاسية لعام 1997 كنقطة تحول في تاريخ الإصلاحية في إيران. فقد تقدم محمد خاتمي بشعار “المجتمع المدني” و”التنمية السياسية”، وفاز بالأغلبية ليصبح رئيساً للجمهورية. وكانت فترة رئاسة خاتمي بمثابة فترة ذهبية للإصلاحيين، وشهدت جهوداً واسعة لتحقيق إصلاحات سياسية وثقافية واجتماعية.

واجه الإصلاحيون تحديات جديدة في العقد الأول من الألفية الثالثة، وأظهرت انتخابات البرلمان عام 2003 والانتخابات الرئاسية عام 2005 أن الجناح الأصولي قد اكتسب قوة أكبر، وتزايدت المعارضة ضد الإصلاحيين. وخلال هذه الفترة، حاول الإصلاحيون الاستمرار في نشاطهم من خلال الحفاظ على مكتسبات فترة خاتمي، وتحديد أهداف واستراتيجيات جديدة.

ومع الانتخابات الرئاسية لعام 2013 وفوز حسن روحاني، أتيحت للإصلاحيين فرصة للعودة إلى الساحة التنفيذية للبلاد. دعم الإصلاحيون حسن روحاني، الذي رفع شعارات مشابهة لخاتمي، من بينها التفاعل مع العالم، وتحسين الوضع الاقتصادي، والتنمية السياسية. تمكن روحاني من الفوز بفترتين رئاسيتين متتاليتين، وشهدت هذه الفترة جهوداً كبيرة لتحقيق الوعود الإصلاحية، رغم مواجهة العديد من العقبات والتحديات.

وقد شهد تاريخ التيار الإصلاحي حضور شخصيات عديدة كان لها تأثير كبير على الساحة السياسية في إيران. شخصيات مثل مير حسين موسوي، ومحمد خاتمي، ومحسن رضائي تُعتبر أمثلة على القادة البارزين لهذا التيار، والذين يُعرفون كرواد للإصلاح في إيران مع تركيزهم على الديمقراطية وحقوق الإنسان والإصلاحات السياسية.

أوجه التشابه والاختلاف بين التيارين:

تؤثر عوامل التشابه والاختلاف بين جناحي إيران البارزين في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية. وهنا سنستعرض الفروق والتشابهات الأساسية بينهما في مجالات مثل السياسة الداخلية، والسياسة الخارجية، والمسائل الاقتصادية، والمسائل الثقافية والاجتماعية:

أوجه الاختلاف:

الفروق في السياسة الداخلية:

يرى الأصوليون أن التأكيد على أهمية الإسلام في الهيكل الحكومي والتشريعي، واتباع المبادئ الدينية والإسلامية في صياغة القوانين والسياسات الداخلية هما الأسس الرئيسية في السياسة الداخلية، بينما يؤكد الإصلاحيون على الحاجة إلى التحولات السياسية والاجتماعية، وتحقيق التوازن بين الإسلام والديمقراطية، وحقوق الإنسان والحقوق المدنية، وتشجيع الإصلاحات في النظام السياسي والاجتماعي.

الفروق في السياسة الخارجية:

*المحافظون:* إعطاء الأولوية للعلاقات الدولية مع الدول الإسلامية وتعزيز التضامن الإسلامي.

*الإصلاحيون:* التأكيد على تطوير العلاقات مع المجتمعات الدولية، ودعم حقوق الإنسان العالمية، والمشاركة في المنظمات الدولية.

الفروق في المسائل الاقتصادية:

يؤكد الأصوليون على أهمية دور الدولة في تنظيم الاقتصاد، والتشديد على العدالة الاجتماعية من خلال تأميم القطاعات الأساسية للاقتصاد، بينما ينظر الإصلاحيون لأهمية القطاع الخاص في الاقتصاد، والترويج للإصلاحات لمنع الفساد وزيادة الإنتاجية.

الفروق في المسائل الثقافية والاجتماعية:

يؤمن الأصوليون أن الحفاظ على القيم والمفاهيم الإسلامية في الثقافة والمجتمع من أهم عوامل ثبات المجتمع، فيما يؤكد الاصطلاحيون على القيم العالمية، واحترام التنوع الثقافي والفكري، وتشجيع الحرية الفردية وحقوق المرأة.

أوجه التشابه:

عند النظر في النقاط المشتركة بين الجناحين الأصولي الإصلاحي في السياسة الإيرانية، يمكن التركيز على المبادئ والقيم المشتركة كأسس ثقافية وإيديولوجية. فكلا الجناحين غالباً ما يؤكدان على القيم الدينية والوطنية، واحترام الحقوق المدنية، والحفاظ على الأصالة الثقافية والمجتمعية..

أما فيما يتعلق بالأهداف والبرامج المشتركة، فإن الهدف الرئيسي لكلا الجناحين هو تحقيق الأهداف الوطنية والاجتماعية، وتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع، وتعزيز استقلال وأمن البلاد. ويسعى كل جناح إلى تحقيق هذه الأهداف بطرق واستراتيجيات خاصة به، لكنه دائماً يسعى لتطوير وتقدم البلاد في إطار مجتمع عادل وديناميكي.

بشكل عام، يمكن تحديد النقاط المشتركة بين المحافظين والإصلاحيين في إيران من خلال التأكيد على القيم الوطنية، واحترام حقوق الإنسان، والتنمية الاقتصادية، والحفاظ على استقلال البلاد.