- زاد إيران - المحرر
- 48 Views
كتب: محمد بركات
يعد حقل آرش النفطي واحدًا من الملفات المعلقة بين إيران والكويت، بل هو أحد أهم الملفات على طاولة المفاوضات الخليجية الإيرانية والتي يجب على حكومة بزشكيان، الرئيس الإيراني، حلها، في ظل السياسة التي ينادي بها والتي تقول بضرورة توطيد العلاقات مع دول الخليج العربي. وفيما يمثل هذا الحقل مصدرًا هائلًا للثروة تسعى الدول الثلاث، إيران والكويت والسعودية، إلى الاستفادة منه بالشكل الأكبر. ملف يشهد العديد من التصريحات دون أدنى ردة فعل منذ أكثر من نصف قرن، أصبح الآن على قائمة أعمال البلدان المستفيدة.
فقد صرح العميد رضا عابد، قائد مقر خاتم الأنبياء للإعمار، أحد الأذرع الاقتصادية للحرس الثوري الإيراني، وفقًا لوكالة أنباء مهر الإيرانية بتاريخ 10 سبتمبر/ أيلول خلال حديثه مع صحافيين إن إيران لن تفرط في حقها في حقل آرش. وذكر أن هناك أدلة تشير إلى أن الكويتيين قد أنشأوا شركة لبدء أعمال التنقيب في حقل آرش وبدأوا العمل بالفعل، مشددًا على أهمية الوجود المشترك لإيران مع الكويت في هذا الحقل. ووفقًا لتقرير نفس الوكالة، فقد أكد ناصر كنعاني، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، أن الحل المنطقي والمنتج الوحيد فيما يتعلق بحقل آرش هو العودة إلى طاولة المفاوضات الفنية والقانونية والحوار الثنائي من أجل التوصل إلى اتفاق مستقر قائم على حسن الجوار واحترام المصالح المشتركة.
ورغم التباين في لهجة التصريحين، كونه الأول صادر عن قائد مؤسسة عسكرية والآخر عن دبلوماسي، إلا أن حقل آرش كان مسألة أرقت القيادة السياسية والعسكرية في إيران لفترة طويلة مما جعل إيجاد حلاً سريعًا لها أمرًا في غاية الأهمية. كذلك، فإيران تتعامل بحرص مع تلك المسألة لكي لا تلحق أي أضرار أو خسائر بسياساتها الخارجية تجاه الخليج الرامية لتطبيع العلاقات مع دوله كلها، تلك السياسة التي أثبتت نجاحًا حتى الآن مع السعودية والإمارات وعمان، وهي قاب قوسين أو أدنى من النجاح مع البحرين.
فوفقًا لتقرير وكالة الشبان الإخبارية الإيرانية المنشور بتاريخ 25 فبراير/ شباط 2024 يعد ميدان آرش أحد ميادين الغاز الطبيعي التي شهدت منازعات بين ثلاث دول وهم إيران والكويت والسعودية لأجل بدء أعمال التنقيب فيه. ومع ذلك، وعند النظر إلى خلفية المفاوضات التاريخية بين إيران والكويت، يتبين أنه وعلى مدى المفاوضات التي استمرت 60 عامًا بين البلدين حول ترسيم الحدود البحرية والتعاون المشترك في استخراج هذه الموارد، فقد اعترف قادة البلدين دائمًا بحق كل طرف في الاستفادة من هذه الموارد الضخمة.
كيف بدأت القصة؟
في العام 1960 تم اكتشاف احتياطيات غاز ضخمة في وسط الخليج العربي، أو كما تسميه إيران بالخليج الفارسي، من قبل شركة شيل، حيث قدرت الشركة كمية احتياطيات النفط والغاز في هذا الحقل ب300 مليون برميل من النفط الخام و11 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي. وقد سُمي هذا الحقل، والذي يُعتبر مشتركًا بين ثلاث دول هي إيران والكويت والسعودية، بحقل “آرش” في الجانب الإيراني و”الدره” في الجانب الكويتي.
ومنذ عام 1962 بدأت الخلافات بين إيران والكويت حول الحدود البحرية بين البلدين في منطقة هذا الميدان المشترك، ولكن هذه الخلافات انحصرت في إطار التصريحات خلال المؤتمرات الصحفية، حتى العام 2001 عندما قامت إيران بنشر معدات لبدء الحفر الاستكشافي في هذا الميدان، وعندما علمت الكويت ببدء الحفر الاستكشافي من قبل إيران، هددت برفع شكوى إلى الجهات الدولية، مما دفع إيران إلى وقف جميع الأنشطة حتى يتم التوصل إلى اتفاق حول ترسيم الحدود البحرية. وقد جاء هذا الإجراء من الكويت في وقت كانت فيه السعودية والكويت قد بدأتا في عام 2000 أنشطة استكشافية وتطويرية مشتركة في هذا الميدان الغازي دون إبلاغ إيران.
وجهة النظر الكويتية:
خلال السنوات الأخيرة، قامت الكويت باستخدام نتائج المسح الزلزالي الذي أجرته شركة “شل” لترسيم حدود جديدة، وقد أعلنت بموجبه أن جميع احتياطيات حقل الغاز آرش تقع في القسم العربي، لكن هذا الخط الحدودي لم يُقبل من قبل إيران حتى الآن.
وقد قامت كُلّاً من الكويت والسعودية بتوقيع اتفاقية لتقسيم موارد حقل الغاز آرش في مارس 2022، وبرر وزير الخارجية الكويتي إبرام هذه الاتفاقية بأن حقل الغاز آرش هو حقل ثلاثي بين الكويت والسعودية وإيران. في حين صرح سعد البراك، وزير النفط الكويتي، في تصريحات له مؤخرًا أن الكويت والسعودية تتمتعان بحق حصري في حقل النفط والغاز آرش.
الرد الإيراني:
صرح ناصر كنعاني، المتحدث باسم وزارة الخارجية، ردًا على ادعاءات قادة مجلس التعاون الخليجي بشأن حقل الغاز آرش قائلًا: ” إن إيران، وبناءً على مفاوضاتها الثنائية مع حكومة الكويت وسوابق المفاوضات، أكدت دائمًا على التعاون الودي والبناء في مجال الطاقة، بما في ذلك في منطقة آرش؛ ولا شك أن السلوكيات التي تراعي المصالح المشتركة يمكن أن توفر أرضية مناسبة للتعاون الإقليمي.
وأشار كنعاني إلى سياسة إيران المبدئية المتمثلة في تعزيز العلاقات مع الجيران في إطار حسن الجوار والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضهم البعض، وأكد على إرادة بلادنا لتحقيق منطقة مستقرة وآمنة ومزدهرة في إطار التعاون مع الجيران ورفض التدخلات الخارجية.
أهمية حقل آرش للدول الثلاث:
في ظل هذه الظروف، تحتاج كل من السعودية والكويت إلى الغاز الطبيعي من حقل آرش، فالسعودية تضطر لاستهلاك جزء كبير من النفط المنتج في محطات توليد الكهرباء. ومع ذلك، ومن خلال استغلال حقل آرش، إلى جانب زيادة دور الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة، يمكنها تصدير المزيد من النفط الخام. وفي حالة الكويت فإنها ستستفيد بشكل كبير من موارد حقل آرش فيما يتعلق بمسألة أمن الطاقة.
أما عن إيران، والتي تأمل أن تصبح لاعبًا جديدًا في مجال تصدير الغاز في غياب روسيا، تحتاج إلى هذا الحقل الغازي والنفطي أكثر من أي وقت مضى. كما أن من المهم أن نلاحظ أن إيران والسعودية، كدولتين تمتلكان احتياطيات ضخمة من النفط في السوق العالمية للطاقة، هما منافسان، فالسعودية، بفضل علاقاتها الجيدة مع الغرب، تمكنت من زيادة قدرتها الإنتاجية للنفط ولعب دور حيوي في سوق النفط والتبادلات في السوق العالمية للطاقة.
الوضع الراهن:
في نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2023 جاء في البيان الختامي للاجتماع الرابع والأربعين لقادة مجلس التعاون الخليجي أن حقل آرش/ الدرة هو ملكية مشتركة بين السعودية والكويت، وأن إيران ليس لها حق فيه. عقبها أعرب “ناصر كنعاني”، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، عن أسَفَهُ لما ورد في بعض بنود البيان الختامي فيما يتعلق بأحقية إيران في حقل آرش، واعتبرها غير مقبولة ومرفوضة، كما قال إن إيران، وبناءً على مفاوضاتها الثنائية مع حكومة الكويت، دائمًا ما أكدت على التعاون الودي والبناء في مجال الطاقة، بما في ذلك في منطقة آرش. ولا شك أن السلوكيات التي تراعي المصالح المشتركة يمكن أن توفر أرضية مناسبة للتعاون الإقليمي.