المسار الدبلوماسي بين إيران والولايات المتحدة.. تقييم المخاطر والفرص والتوازنات الاستراتيجية

ترجمة: يارا حلمي 

أجرت صحيفة “همشهري” الإيرانية الأصولية المحافظة، الأحد 20 أبريل/نيسان 2025، حوارا مع كل من جلال دهقاني‌ فيروز آبادي أستاذ العلاقات الدولية في جامعة علامه طباطبائي، ومهدي مطهر نیا المحلل السياسي الكبير في شؤون العلاقات الدولية، ناقشت فيه المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة وتقييم سيرها، إضافة إلى التهديدات الإسرائيلية المحتملة وأهداف كلا الطرفين من المفاوضات وموقف إيران التفاوضي.

ذكرت الصحيفة أنه في يوم السبت 19 أبريل/نيسان 2025، انتهت الجولة الثانية من المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة في روما، إيطاليا، وسط تقارير تفيد بتقدم مستمر في المفاوضات؛ لدرجة أنه يُقال إن مسقط ستستضيف الجولة الثالثة من هذه المفاوضات في الأيام المقبلة.

وتابعت أنه تم إجراء نحو أربع ساعات من المفاوضات غير المباشرة بين عباس عراقجي وزير الخارجية الإيراني، وستيف وِيتكوف المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط، في سفارة عمان في إيطاليا، في وقت كانت فيه الأطراف، وفقا لمصادر مختلفة، قد حققت خطوات إيجابية نحو التوصل إلى إطار تفاهم. 

كما أفادت بأنه تم التوصل إلى اتفاق بشأن مواصلة المفاوضات في عمان، وعلى الرغم من ذلك، كانت التحليلات والتكهنات حول سير المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، والتي لعبت عمان دورا محوريا فيها، ما زالت تحتل مركز الاهتمام في الأيام الأخيرة.

كيف تقيمون سير المفاوضات بشكل عام؟ وهل يمكن التفاؤل بشأن نتائج المفاوضات والاتجاهات الحالية؟

قال دهقاني‌ فيروزآبادي: لا يجب أن يكون هناك تشاؤم مطلق بشأن المفاوضات، ولا ينبغي أيضا التسرع في إصدار الأحكام القاطعة، فهناك العديد من المتغيرات غير القابلة للتنبؤ بها، وأعتقد أنه يجب أن نكون واقعيين، لأنه بالنظر إلى استراتيجية إيران في مواجهة الولايات المتحدة، فإن قبول “التفاوض” كان خطوة إلى الأمام. 

وتابع: “من ثم، فإن محتوى المفاوضات أكثر أهمية من الأسلوب ذاته، والأهم من ذلك هو أنه بعد الجولة الأولى من المفاوضات، كان هناك تفاهم الحد الأدنى في الجوانب العامة، ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أنه بعد الجولة الأولى، غير الأمريكيون بشكل ما موقفهم”.

وأضاف أن التغريدة التي نشرها وِيتكوف حول تدمير تخصيب إيران، تُظهر الخلافات الداخلية في الحكومة الأمريكية، وهذه الشكوك أثارت تكهنات حول احتمال تراجع الطرف الآخر عن منهج المفاوضات في مسقط، ومع ذلك، يبدو أنه في مفاوضات روما تم التوصل إلى تفاهمات حد أدنى بشأن الإطارات.

كيف تقيمون التهديدات الإسرائيلية؟

في حين قال دهقاني‌ فيروزآبادي: “هذه من تقنيات التفاوض، حيث يمكن اعتبار هذه التصريحات المتناقضة جزءا من فنون التفاوض التي تهدف إلى خلق مساحة للمساومة،و فيما يتعلق بالتكهنات حول احتمال شن إسرائيل هجوما على إيران، فهناك رواية تهدف إلى ممارسة الضغط على الولايات المتحدة، ورواية أخرى تهدف إلى تهيئة الأجواء ضد المفاوضات”.

هل صحيحٌ أن الأمريكيين كانوا قد تراجعوا عن المفاوضات؟

أفاد مطهر نیا بأن “هذه هي روايتنا، ليس لديهم عجلة من أمرهم في التفاوض، ووقت المفاوضات هو حينما تكون إيران قد فقدت بعضا من قوتها الإقليمية، لقد كانت دكتاتورية ترامب في جولتها الأولى تعتمد على (الفوضى)، وكانت دكتاتوريته تُسمى (اللاعب المجنون)، لكن الآن أصبحت القوة الهجومية هي السائدة، والتي تتبع دكتورية الضغط الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري”.

وتابع: “نحن قد مررنا بتغيرات في إدراكنا للخطاب، وتقلبات سعر الدولار هي إحدى علامات تغير مستوى إدراك البقاء، أما الآن لا يمكن العودة إلى ما قبل مفاوضات مسقط”.

ما هو هدفهم؟

صرح مطهر نیا: “مبدأ القوة يقول: ضعف خصمك لدرجة تجعله يوافق بسهولة على الجلوس على طاولة المفاوضات لتقطع رأسه! الآن منطقهم هو أن يأخذوا منا أقصى ما يمكنهم على طاولة المفاوضات، وموضوع آلية الزناد هو أداة ضغط”.

وأضاف: “إن الحكمة السياسية تقتضي منهم أن يدعموا دائما التفاوض، ونحن نرى المفاوضات دائما كمنبر لإظهار مواقفنا، وقد رأينا العديد من الأمثلة على ذلك، بما في ذلك في المنظمات الدولية، منذ عام 2003، عندما تم طرح الملف النووي الإيراني، بدأ مشروع تقليص أمن إيران، واستخدموا الموضوع النووي في هذا السياق”.

وأوضح: “يجب تحويل التهديدات إلى فرص، ويجب أن نكون حذرين من الأفخاخ التي يضعها الطرف الآخر، فهم يخلقون لنا فخا باسم المفاوضات، والمكان الذي تجري فيه المفاوضات هو مثال على هذا التوجه، كما أن مستوى المفاوضات مع وِيتكوف، وليس مع ماركو روبيو(وزير الخارجية الأمريكي)، وهذا يعد أحد الأمثلة على تناقضات الطرف الآخر”.

لكن وِيتكوف قد التقى مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أيضا…

قال مطهر نیا: “النقطة المهمة هنا هي أنه يجب احترام البروتوكولات، و في الآداب الدبلوماسية، هناك بروتوكولات يجب اتباعها، من الملابس إلى طريقة إجراء المفاوضات، كما يجب أن نكون حذرين من الأفخاخ القادمة؛ وهو ما أشار إليه أيضا المرشد الأعلى”.

هل نحن نسعى للتفاوض أم هم؟

ذكر دهقاني‌ فيروز آبادي أنه “في جملة واحدة، كلا الطرفين يسعيان للتفاوض؛ وهذا بناء على العقلانية الاستراتيجية، كما أن العقل يحكم بأنه يجب اختيار الخيار الأقل تكلفة، بالنسبة لإيران، فإن ظروف التفاوض مهمة، وحسب المتطلبات الزمنية، يتم توفير البيئة المناسبة للدبلوماسية”.

وتابع: “الدبلوماسية تعتمد على الظروف، وهي شرط عقل، والتفاوض هو طريق التفاهم، وليس (التسوية) التي تحمل دلالة سلبية، وهذا هو طريق التلاقي الذي يجب على كلا الطرفين أن يسيرا فيه، ومع ذلك، فالتفاوض له شروطه الخاصة التي يجب أن تكون متوازنة، مثل عملية تبادل”.

هل تقبلون أن إيران في موقف ضعف؟

دهقاني‌ فيروز آبادي: “هناك بعض الحقائق الميدانية، لكنهم يقدمون صورة عن إيران بأنها “إيران الضعيفة”، صحيح أن محور المقاومة تعرض لضرر، لكن القول إن إيران لم تعد قوة إقليمية لا يتفق مع الواقع الخارجي، ولقد تغيرت وضعية إيران، لكن قوتنا التفاوضية ما تزال ثابتة”.

وأضاف أن “الأمر الثاني هو أنه منذ الماضي ونحن نتفاوض حول الملف النووي؛ هم يريدون اتفاقا شاملا، لكننا في الوقت الراهن مستعدون للتفاوض فقط حول الملف النووي، وبالطبع، يجب أن نكون حذرين من الأفخاخ ولا يجب أن نربط الاقتصاد بشروط خارجية”.

وأوضح أنه “لا ينبغي  كذلك زيادة التوقعات في المجتمع، ومن ناحية أخرى، لم ندخل في مسائل “ما بين السطور” في الماضي، وركزنا على الملف النووي فقط؛ كما حدث في الاتفاق النووي. أما الآن، وِيتكوف يقول إنه يريد اتفاقا على طريقة ترامب، لكننا الآن نمتلك 270 كيلوغراما من اليورانيوم بنسبة تخصيب 60% وأجهزة الطرد المركزي المتقدمة، ويدنا مليئة بما هو أكثر من الماضي”.

وصرح: “أعتقد أنه إذا كنا ضعفاء، لما جلسوا معنا على طاولة المفاوضات؛ هم يريدون تحقيق أقصى استفادة، ويستخدمون تهديداتهم وتحريك الأسلحة والمعدات كأدوات ضغط، وعمقنا الاستراتيجي، حتى لو تغير، لم يقلل من قوتنا، وأكرر، إذا كنا ضعفاء، لما جلسوا على طاولة المفاوضات”.

ما هو تحليلهم بشأن ضعف إيران؟

أفاد دهقاني‌ فيروز آبادي: “هم يعتقدون حقا أن إيران ضعيفة؛ لكن هناك احتمال آخر وهو تقسيم الأدوار بين “الشرطي الجيد – الشرطي السيئ”، وهناك احتمال آخر وهو الهجوم على إيران، وهو ما أعتقد أنه غير واقعي ويترتب عليه تكاليف كبيرة لهم”.

وتابع أنه “في الماضي، كان هناك ثنائية العقوبات – الهجوم، لكن معادلة التكلفة – الفائدة غير قابلة للتطبيق بالنسبة لهم، ومن المستحيل على الأمريكيين قبول تكاليف الهجوم العسكري”.

هل ترامب فعلا يسعى للحرب؟

قال مطهر نیا: “لا أحد عاقلا يسعى للحرب، إن السياسة هي استراتيجية القوة، والعقلاء لا يلجؤون أولا إلى القوة العسكرية، مثلما رأينا في العقود الأولى بعد انتصار الثورة، والمراحل التالية هي الضغط الاقتصادي، الضغط السياسي، وفي النهاية التهديد العسكري، الذي يتضمن مراحل عدة. بالنسبة للولايات المتحدة، لم يصل الوقت بعد للتهديد أو الهجوم العسكري”.

وتابع أنه “يتم تصميم وتنفيذ هذا السيناريو خطوة بخطوة على ثلاثة مستويات، وتحليل إدارة ترامب يشير إلى عزلة نشطة تهدف إلى إعادة بناء القوة العالمية الأمريكية، وهو يتبع خارطة طريق منسقة يتم تنفيذها بواسطة أصحاب الفكر والعقل الذين يلعبون دورا فيها”.

وأضاف: “النقطة المهمة هي تصميم الضغط الثلاثي: الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري، الذي يكمل كلا منهما الآخر، وفي الضغط الدبلوماسي، هم يسعون إلى موضوعات الصواريخ والملف النووي والقضايا الإقليمية، فضلا عن تعزيز إسرائيل”.

هل السلاح النووي فعلا يخلق ردعا؟

صرح دهقاني‌ فيروز آبادي: “نعم ولا؛ السلاح النووي يمنع الحرب، والتدمير المتبادل الحتمي، وفي الواقع “الضربة الثانية”، هو جوهر الردع في هذا السلاح، كما أن الحرب بين القوى النووية أصبحت قديمة، والدول التي تمتلك السلاح النووي لا تتقاتل فيما بينها”.

وأضاف أنه “في العلاقات الدولية، هناك طيف واسع من الآراء حول هذا الموضوع، جزء منها متفائل ورفضها بعض المفكرين، والقوة العسكرية لا تزال موجودة ولم تنقرض، وبعض المفكرين في العلاقات الدولية يعتقدون أنه يجب على إيران تصنيع القنبلة النووية، وواقعيون هجوميّون يوصون إيران بتطوير السلاح النووي”.

إذا قمنا بتقديم الثلاثية النووية، الصاروخية والإقليمية، ألن يصبح الهجوم أكثر احتمالية؟

ذكر دهقاني‌ فيروز آبادي أنه “في المجال التقليدي، يجب الحفاظ على موازنة القوة، وإذا كان نزع السلاح العام في المنطقة قابلا للتحقيق، يجب أن يكون شاملا ويشمل جميع الدول، ولا يمكننا أن نفقد موازنتنا التقليدية، فدكتورية قوتنا هي دفاعية وليست هجومية”.

وأوضح: “حتى تحالف الناتو لم يستطع منع صواريخ إيران من الوصول إلى إسرائيل، وهذا يدل على القوة الدفاعية الاستراتيجية لإيران، وبعد ذلك، حاولوا تعزيز قدرة إسرائيل الدفاعية، والآن، بناء على منطق السياسة، يجب أن نتمكن من الدفاع عن أنفسنا، لذلك، نزع سلاحنا سيؤدي إلى ضعفنا”.

وأضاف: “إن التفاوض لا يعني الاستسلام، بل هو مصحوب بعقلانية، والقوة المتوازنة ضرورة لا يمكن إنكارها، ولكن هذا لا يعني إضعاف المجالات الأخرى؛ بل جميع المجالات تتحرك معا، وهم يعتقدون أن التفاوض مع إيران النووية أصعب من التفاوض مع إيران غير النووية، وبناء على ذلك، يضعون استراتيجياتهم، مما يجعل اليقظة لدينا أكثر ضرورة من أي وقت مضى، وإذا اعترف الأمريكيون بقوة إيران، فسيكون التفاوض والتفاهم ممكنا”.