ناشط سياسي إيراني: في حال توافر الظروف المناسب فإن إيران سوف توافق على التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة

ترجمة: يارا حلمي 

أجرت وكالة أنباء “خبر أونلاين” الإيرانية المحافطة، المحسوبة على مكتب علي لاريجاني مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي، الأربعاء 16 أبريل/نيسان 2025، حوارا مع ناصر إيماني الناشط السياسي الأصولي الإيراني، ناقشت فيه التحديات الاقتصادية في إيران، ويؤكد إيماني أن المشاكل الداخلية مثل سوء الإدارة والتخطيط الخاطئ هي أساس الأزمة، وليست فقط العقوبات الخارجية. 

ذكرت الوكالة أن القضايا الاقتصادية التي تواجهها إيران، مثل الاختلالات الهيكلية، وعدم كفاءة الإدارة، وغياب الخطط، مسائل لا يمكن حلها بمجرد رفع العقوبات، وبعد فترة طويلة من الحديث عن مرحلة حساسة، أصبح الحديث الآن يدور حول “عام صعب”، وهذا ما يقوله المحللون السياسيون والاقتصاديون.

وتابعت أنه بطبيعة الحال فإن المؤشرات تؤكد هذا الكلام إلي حد كبير، ومن ناحية أخري، يواجه ملف السياسة الخارجية قضية العقوبات، كما أن الضغوط الاقتصادية الثقيلى أثرت بشدة على سبل عيش الشعب.

نص الحوار:

يرى البعض أن عام 2025 عام صعب يتطلب قرارات جريئة، مع توقعات بحل قضايا كالعقوبات والعمل المالي الدولي وحظر الإنترنت. ما تحليلك للوضع، وفي أي المجالات يجب اتخاذ قرارات صعبة؟

أنا أختلف معكم في هذا الطرح إلى حدّ ما، وأعتقد أنه حتى لو رُفعت العقوبات غدا، فإن جزءا من مشاكل البلاد الاقتصادية سيُحل، ولكن الجزء الأكبر منها سيبقى قائما، وهناك تصور عام بأن كل مشاكل الاقتصاد تعود إلى العقوبات، وهذا تصور خاطئ، وقد أكده اقتصاديون عديدون مرارا.

من المؤكد أن رفع العقوبات أو إقرار مجموعة العمل المالي سيحل جزءا من المشكلات، لكن المشكلة الرئيسية للاقتصاد الإيراني تكمن في الإدارة والتخطيط، وليس في العقوبات

ولكن على الرغم من أنك قلت إن هذا العام عام صعب هو توصيف دقيق، ويضاف إلى جانب هذه الصعوبات، لدينا أزمات عدم التوازن في قطاعات الكهرباء والماء والغاز، وهي أزمات لم تكن بارزة في السنوات السابقة لكنها أصبحت أكثر وضوحا هذا العام، وستكون أكثر حدة في العام المقبل.

وإن جذر العديد من الأزمات الاقتصادية في البلاد هو الخلل في موازنة الدولة، أي إنّ نفقات الحكومة تفوق إيراداتها بكثير، وهذا هو السبب الرئيسي للتضخم، وطالما لم يُحل التضخم، فلن تحدث استثمارات، وغياب الاستثمار يؤدي إلى استمرار مشاكل الإنتاج والاختلالات في البنية الاقتصادية.

ما هو الحل لمشكلة الخلل هذه؟

الحل يكمن في اتخاذ قرارات كبيرة، وأي حكومة، سواء كانت حكومة مسعود بزشكيان أو أي حكومة أخرى، إذا استمرت بالنهج الحالي، فستواجه أزمات متفاقمة، فلا بد من اتخاذ قرارات كبيرة في مجالي الطاقة والدعم.

ويجب أن تزداد إيرادات الحكومة، لأنه لا يمكن إدارة البلاد بالأسعار الحالية لمشتقات الطاقة من كهرباء وبنزين وغاز، وعلى الحكومة سدّ عجز ميزانيتها، وليس هناك حل لذلك سوى تقليص ملموس للدعم الخفي الذي يُوزع الآن على جميع شرائح المجتمع.

إن مناقشة القرارات المتعلقة بالطاقة (الكهرباء والبنزين والغاز)، واحدة من تلك الأشياء التي ليس لها سجل جيد جدا…

عندما أتكلم عن قرارات كبيرة، فهذا ما أعنيه، لا يمكن اتخاذ قرار صعب دون أن يكون له أثر ما، على الرئيس أن يخرج ويتحدث مع الرأي العام ويقنعه، فهو يمتلك المكانة التي تؤهله ليقول: نحن نستهلك يوميا هذا الكم من البنزين ونستورد هذا الكم، ومن غير الممكن الاستمرار بهذا الشكل.

يجب إقناع الرأي العام لا أن يصحو الناس صباح الجمعة ليجدوا الأسعار قد ارتفعت، والرئيس يقول إنه لم يكن يعلم بذلك، يجب توعية الناس بشأن الدعم الخفي للكهرباء والغاز وغيرهما، وقد يكون هذا التغيير تدريجيا، بل وقد لا يشمل كل شرائح المجتمع؛ مثلا قد تزداد الأسعار بالنسبة للفئات القادرة ماليا.

على سبيل المثال، إذا كانت فاتورة الغاز لمبنى بمساحة 400 متر في شمال طهران تبلغ 10 ملايين ريال، فيجب أن تصبح 100 مليون ريال، هذا التعديل سيؤدي إلى تقليل استهلاك الطاقة ويساعد الوحدات الإنتاجية والمصانع التي نقطع عنها الغاز حاليا مما يضر بالإنتاج، ومن ناحية أخرى، ستزداد إيرادات الدولة.

الحكومة الآن توزع البنزين والغاز والماء والكهرباء مجانا تقريبا، ولا أتحدث هنا عن سعر الصرف أو أمور مشابهة، بل أنظر إلى واقع التضخم في المجتمع، يجب أن يحدث تحول جذري في مجال الطاقة، وهذا لا يعني زيادة الأسعار على الجميع، بل قد تستمر الحكومة بتقديم الكهرباء والماء مجانا لبعض الفئات.

ولكن بالنهج الحالي لن تتمكن الحكومة من سد عجزها، وطالما لم يُسدّ العجز، فسيبقى التضخم، ومع استمرار التضخم، لن تكون هناك استثمارات، وستتوقف الوحدات الإنتاجية عن العمل بسبب انقطاع الكهرباء والماء والغاز بشكل متكرر.

والقرار الكبير الثاني يتعلق بالبنوك، الآن البنوك- وأعني البنوك الخاصة- هي المصدر الأساسي لنمو القاعدة النقدية، ويجب إصلاح هذا النمو، يجب دمج بعض البنوك الخاصة، وحل بعضها الآخر، وإنهاء ظاهرة امتلاك البنوك للشركات بشكل كامل، فالبنوك الآن تمارس أنشطة تجارية وتتاجر بالعقارات والعملات.

إن السبب الرئيسي لارتفاع سعر الدولار في السوق الحرة هو البنوك، وهذه الفوضى لا بد من معالجتها بقرار كبير، وهناك قرارات مماثلة كثيرة لا تقل أهمية، لكنكم تتمسكون فقط بمجموعة العمل المالي ورفع العقوبات، وهذا تصور خاطئ تماما.

لأننا شهدنا أنه عندما تم تنفيذ الاتفاق النووي هو الذي خفّض نسبة التضخم فجأة إلى ما دون 10%…

لم يكن لهذه القضية أي علاقة بالاتفاق النووي، لا تظنوا أن التضخم انخفض فجأة بعد توقيع الاتفاق النووي، أنّ الانخفاض المؤقت في سعر العملة قد يكون نتيجة التأثيرات النفسية، لكنّ المشكلة الحقيقية تكمن في بنية اقتصادية خاطئة ورثها الإيرانيون عبر سنوات طويلة، وقد اجتمعت كل هذه الأسباب لتسبب هذا التضخم.

ومن ناحية أخرى، عندما وقّعت حكومة حسن روحاني الاتفاق النووي، كان معدل نمو السيولة النقدية قد بلغ 300%، لا أهدف إلى تحميل حكومة روحاني المسؤولية، بل إلى تسليط الضوء على اختلالات هيكلية اقتصادية متراكمة.

الاتفاق النووي جزء من المشهد الاقتصادي المعقد في إيران، لكنه ليس السبب الوحيد للتضخم الذي كان موجوداً حتى قبل البرنامج النووي…

أريد أن أقول إنّ التضخم هو نتيجة تراكم أخطاء اقتصادية عبر العقود، ولا يمكن ربطه بحكومة دون أخرى، إن مشكلة نقص الكهرباء في البلاد لا علاقة لها بحكومة مسعود بزشكیان أو إبراهيم رئيسي أو حتى روحاني، بل هي نتيجة تراكمات زمنية طويلة، وحتى لو بدأنا اليوم بإصلاحات كبرى، فإن نتائجها لن تظهر هذا العام، بل بعد خمس سنوات.

برأيكم، ما السبب الرئيس والأصلي لهذه الاختلالات؟

 يعود إلى سوء إدارة نظام الدعم الحكومي، إضافة إلى العقوبات المفروضة، أنا لا أريد أن أتجاهل العقوبات، لكنني أحاول وضعها في حجمها الطبيعي، إن العقوبات أثّرت على مختلف أوجه الاقتصاد الإيراني ويجب رفعها، ولكن حتى من دون العقوبات، فإنّ طريقة توزيع الدعم على جميع فئات الشعب كانت ستؤدي إلى المشكلات ذاتها. 

وعلى سبيل المثال تركيا، التي لا تخضع لعقوبات ومع ذلك تعاني من تضخم يبلغ 50%.

ملفات مثل مجموعة العمل المالي والعقوبات لا ترتبط بالحكومة الإيرانية، حتى لو قررت إيران برمّتها رفع العقوبات، فإنّ القرار لا يعود لها بل إلى القوى الدولية الأخرى، العقوبات مرتبطة بتوازنات القوة بين إيران وتلك الدول، وكذلك بالظروف الإقليمية والدولية.

وفي ما يتعلّق بالسياسة الخارجية، فهناك كثير مما يجب قوله، الشعب يدرك تماما أسباب فشل الحكومة في استقطاب الاستثمارات الأجنبية خلال فترة العقوبات، وفي بيان حديث صادر عن 400 ناشط من المجتمع المدني الإيراني وُجّه إلى الأمين العام للأمم المتحدة، حيث أكّد الموقعون أن قضية الولايات المتحدة اليوم ليست العقوبات بحد ذاتها، بل “تشكيك في استقلال إيران”، في إشارة إلى مطالبة الولايات المتحدة بوقف البرنامج الصاروخي والنووي الإيراني، وهو ما اعتبره محاولة لفرض الاستسلام.

إن العقوبات قائمة حاليا، والحكومة تسعى للتفاوض غير المباشر، وإذا اقتضت الظروف فستجري مفاوضات مباشرة أيضا، وإن التحرك الوحيد المجدي الآن هو اتخاذ قرارات اقتصادية كبرى من قبل الدولة، لأن العقوبات ليست بيد إيران، وإذا كانت القوى الكبرى لا تريد رفعها وتهدد استقلال البلاد، فلا سبيل سوى التحرك الذاتي.

قلت على سبيل المثال: إذا تم اتخاذ هذه القرارات فلن نرى النتائج هذا العام أو غيره…

نعم، سوف نرى النتائج تدريجيا.

إذا كان هناك شيء يجب القيام به هذا العام والذي كما تقول، سيؤدي إلى نتائج بطيئة وعلى مدى السنوات القليلة المقبلة، فماذا سيكون؟

إنّ السياسة تختلف عن الاقتصاد؛ ففي السياسة تظهر نتائج القرار في اليوم التالي، أما في الاقتصاد، فقد تستغرق عدة سنوات، حيث إنه يمكن اتخاذ قرارات قصيرة المدى مثل دعم بعض الفئات وتوفير السلع الأساسية بأسعار حكومية معقولة، وهو ما بدأ تطبيقه عبر نظام “البطاقة التموينية”.

وهذه الإجراءات تسمح للحكومة بالمضي قدما في مشاريع كبيرة كتوزيع الدعم بشكل عادل، بحيث يتحمل الأثرياء الذين يستهلكون كميات أكبر من الوقود كلفة استهلاكهم، ويجب أن يُوزع الدعم بطريقة تتيح مساعدة الفئات الضعيفة، بما يمكّن الحكومة من تنفيذ مشاريعها الكبرى دون أن تُلحق الضرر بهم.

وفي ظل أسعار الكهرباء الحالية، لا يرى القطاع الخاص أي جدوى من بناء محطات جديدة، فالدولة تشتري الكهرباء بأسعار لا تغطي التكاليف، مما يُحجم المستثمرين عن الدخول في هذا المجال.

والأمر الأهم هو قضية البنوك، خاصةً الخاصة منها، فهي تلعب دورا تخريبيا في الاقتصاد الإيراني، فبدلا من أن تكون داعمة، فهي تُمارس دورا مُدمّرا، ويتطلب التعامل مع هذا الملف اتخاذ قرارات جريئة، وإن لم تتحرك الحكومة، فلن يتغير الوضع الراهن وسيستمر على ما هو عليه.