صراع السلطة في إيران: ملفات الفساد كأداة سياسية

ترجمة: يارا حلمي 

نشرت وكالة “خبر أونلاين” الإيرانية المحافظة، الثلاثاء 22 أبريل/ نيسان 2025، تقريرا تناولت فيه تصاعد هجمات تيار سعيد جليلي(عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام) على رئيس السلطة القضائية غلام حسين محسني ايجئي بعد إغلاق ملف كريسنت وفتح ملفات فساد تطال وزراء في الحكومة السابقة.

الهجمات على رئيس السلطة القضائية

ذكرت الوكالة أن الجولة الجديدة من الهجمات التي يشنها التيار “المتشدد” داخل جناح المحافظين الأصوليين على غلام حسين محسني ايجئي، رئيس السلطة القضائية، قد تصاعدت في وقت وقفت فيه هذه السلطة خلال الأشهر الأخيرة بشدة في وجه الضغوط التي مارسها هذا التيار في ملف “شاي دَبِش”. 

وتابعت أن غلام حسين محسني ايجئي، كان اسمه خلال الأشهر الماضية محوريا في عدد من القضايا المهمة والمثيرة للجدل، من بينها استقالة محمد جواد ظريف، نائب الرئيس للشؤون الاستراتيجية، والتعامل مع ملف «شاي دبش» وكذلك الملف القديم المعروف باسم «كريسنت».

وأشارت إلى أن المعارضين لانضمام ظريف إلى حكومة الرئيس الإيراني مسعود بزشکیان، مارسوا ضغوطا على رئيسي سلطتين؛ هما غلام حسين محسني ايجئي رئيس السلطة القضائية، ومحمد باقر قاليباف رئيس البرلمان الإيراني، من أجل دفعهما إلى السعي لإزاحة ظريف من التشكيلة الحكومية. 

وأضافت أنه تحت هذا الضغط، كان يجري تمرير مشروع سياسي أوسع، هدفه تحميل السلطتين مسؤولية إقصاء شخصية لعبت دورا محوريا في فوز بزشکیان بالانتخابات الرئاسية.

وأوضحت أن رئيس السلطة القضائية تعرض في تلك الأيام لضغوط شديدة خلال جلسة أسئلة وأجوبة طلابية، حين طالبه أحد المشاركين بتفسير سبب عدم إقالة ظريف، وانتهى الأمر بأن تولى ايجئي بنفسه نقل رسالة إقالة ظريف.

كما أكدت أن هذا لم يمنع الدائرة المقربة من سعيد جليلي(عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام)، من مواصلة الهجمات على رئيس السلطة القضائية، بل إن هذه الهجمات ازدادت حدة، خاصة بعد إصدار الأحكام في ملف «شاي دَبِش» الذي انتهى بإدانة وزيرين من وزراء حكومة إبراهيم رئيسي ، ما أثار غضبا صريحا في صفوف هذا التيار.

وأفادت أن أفرادا من الدائرة المقربة من الحكومة الحالية وبعض أنصار سعيد جليلي حاولوا بعد صدور الأحكام التخفيف من الطابع القانوني للاتهامات الموجهة إلى وزيري الزراعة والصناعة والمعادن والتجارة في الحكومة، من خلال التركيز على مفردات مثل “الإهمال”. 

وبينت أن محسني ايجئي شدد في 10 مارس/ آذار 2025، على أن حجم المخالفة في هذا الملف لم يكن بسيطا، وأردف قائلا: “يُقال إن بعض المدانين حُكم عليهم فقط بسبب الإهمال وعدم الرقابة، لكن الأمر ليس كذلك مطلقا، إذ أن الوقائع القانونية في الملف تنطوي على أفعال مجرّمة، ولا يمكن اعتبارها مجرد تقصير إداري”.

ملف كريسنت

ذكرت الوكالة أن إعلان الأحكام تزامن مع شروع تيار جليلي والحكومة في تنفيذ استراتيجية كانوا قد رسموها منذ أيام الانتخابات الرئاسية عام 2024، وهي التركيز على ملف «كريسنت»(تحقيق دولي يتعلق بشبكة إيرانية مزعومة كانت تخطط لتهريب الأسلحة والمواد المتفجرة عبر عدة دول في الشرق الأوسط) دون الدخول في أي مناظرة تكشف أبعاد القضية.

وتابعت أن هذا التوجه استمر رغم تغيّر الأشهر والسنة، ولم يتأثر بتبدل التواريخ، أما آخر جولة من الهجمات، فقد اشتدت عندما وجه رئيس السلطة القضائية نقدا علنيا لطريقة التعامل مع ملف «كريسنت» في الفترة التي سبقت توليه منصبه.

وأضافت أن محسني ايجئي قال قبل أسبوع في كلمة له: “كل من ثبتت إدانته في ملف كريسنت قد صدر بحقه حكم قضائي”، وأضاف: “أنتم تقولون إن إبراهيم رئيسي، الرئيس الإيراني السابق، تعامل جيدا مع هذا الملف؛ فإذن لماذا لم يصل الملف إلى نتيجة في عهده؟”.

وأوضحت أن هذا التصريح الصريح من رئيس السلطة القضائية دفع موقع “رجانيوز” الإيراني، وهو أحد أكثر الوسائل الإعلامية دعما للحكومة السابقة، إلى تسليط نيرانه الإعلامية بشكل أشد على ايجئي، فانتقد بشدة نهج الإعلام القضائي في تغطيته لملف الفساد الكبير المعروف بـ”شاي دَبِش”.

وأشارت إلى أن الموقع كتب: “حجم المبلغ المثار في ملف شاي دَبِش أقل من عُشر الخسائر التي تكبدتها البلاد بسبب صفقة كريسنت؛ ومع ذلك فإن هذا الملف حظي بتغطية أكبر بكثير في البيانات الرسمية للسلطة القضائية”.

كما أكدت أنه عند استعراض تحركات هذا التيار خلال الأشهر الستة الماضية، يتضح أن هذا الطيف السياسي لا يعترف سوى بملف كريسنت كقضية تستحق اهتمام السلطة القضائية، ولا يطرح أي مطالب قضائية أخرى، وإذا كانوا سابقا يستخدمون قضية ظريف كذريعة لشن هجمات إعلامية أو لإطلاق تحذيرات نارية في البرلمان، فإنهم الآن يقولون علنا: “اتركوا شاي دَبِش، وركزوا فقط على كريسنت”.

وبينت بأن هذا التكرار المستمر لاسم «كريسنت» يعبّر من منظور هذا التيار عن نوع من التهرب، إذ أن الدعوة إلى الشفافية في ملفات قديمة ومثيرة للجدل تستوجب سؤالا بسيطا: لماذا لم يطرح أحد من هذا التيار السياسي سؤالا واحدا عن التبدل الغريب في وضعية “بابك زنجاني”؟

من هو بابك زنجاني؟

ذكرت الوكالة أن بابك زنجاني، رجل الأعمال الإيراني المتهم باختلاس ورشى، شكّل قبل أكثر من ١٢ سنة واحدة من أغرب القضايا المعروفة في ملف الفساد الاقتصادي في البلاد، وخلال هذه الفترة الطويلة، صدر بحقه حكم بالإعدام، ثم قيل إن هذا الحكم تم تعليقه بسبب ديونه المستحقة للدولة. 

وتابعت أن اليوم، فإن الشركة المنسوبة إليه أضحت طرفا في عقد مع شركة السكك الحديدية التابعة لوزارة الطرق، بل إن بعض وسائل الإعلام المحافظة حاولت تبرير هذا التعاقد أيضا.

وأشارت إلى أن التيار المقرب من سعيد جليلي والدائرة الحكومية الحالية لا يُبدي حتى تجاه هذه المسألة أي قلق أو مطالبة، فالمطلب الوحيد لهذا التيار هو ملف كريسنت، لكنها تساءلت: “أليس كريسنت ذاته مجرد ذريعة؟”، معتبرة أن تكرار اسم كريسنت في السياق الحالي يتم وفق أهداف أخرى غير معلنة.

كريسنت: حلم تيار جليلي   

ذكرت الوكالة أن تيار سعيد جليلي استخدم في السنوات الأخيرة ملف «كريسنت» أداة سياسية صاخبة في المنافسات الانتخابية، إذ كان يلوّح بها مرارا دون أن يُظهر نية حقيقية في متابعته قضائيا، وهذه الاستراتيجية انكشفت في يوليو/ تموز 2024، عندما نشر بيجن نامدار زنكنه، وزير النفط الأسبق، مقطعا مصورا أعلن فيه صراحة استعداده لمناظرة سعيد جليلي حول هذا الملف.

وتابعت أن جليلي رغم ذلك تجاهل الدعوة بصمت متواصل، ما أظهر أن الملف لم يكن في الحقيقة هاجسا حقيقيا للتيار، بل مجرد أداة سياسية تُستخدم وقت الانتخابات أو النزاعات السياسية.

وأضافت أن هذا المسار تغيّر مع دخول غلام حسين محسني ايجئي إلى السلطة القضائية، إذ تم حسم هذا الملف قانونيا وأُغلق بناء على تحقيق قضائي صرف، ما قضى على آمال هذا التيار بتحويله إلى رواية بطولية تنتهي بنهاية سعيدة عبر قطار من الإدانات لمسؤولي حكومة حسن روحاني. 

وأوضحت أن السلطة القضائية لم تكتف بذلك، بل تحركت بعد الانتهاء من ملف كريسنت نحو ملف “شاي دَبِش”، ووجّهت ضربة مباشرة إلى اثنين من وزراء حكومة إبراهيم رئيسي، ما جعل محسني ايجئي، في نظر هذا التيار، المسؤول المباشر عن كسر هذا الحلم السياسي.

وبينت أن تحالف تيار جليلي مع “جبهة بيداري” المرتبطة بالحكومة السابقة يعمل الآن على ضرب التفاهم الناشئ بين حكومة بزشکیان والسلطة القضائية، مشيرة إلى أن الضغوط التي مارسها هذا التيار في ملف ظريف تندرج في هذا السياق، فقد حاول هذا التيار، توظيف هذا الملف لإحداث شرخ في العلاقة بين الجهاز التنفيذي والقضائي، من خلال تصعيد إعلامي ونقد سياسي حاد.

وأكدت أن هذا التيار واصل محاولاته في ملفات أخرى أيضا، إذ سعى إلى طمس الانتهاكات الفادحة التي وقعت في عهد الحكومة السابقة، خصوصا في ملف “شاي دَبِش”، مقابل تسليط الضوء على مخالفات يُعتقد أنها نُسبت لتيارات مؤيدة للحكومة الحالية، في محاولة منه للتأثير على علاقة الرئيس الحالي بالسلطة القضائية، وتشويه صورة التعاون بين الطرفين.