تاريخ العلاقات بين إيران والنظام السوري (الجزء الرابع)1979 – 2011

ترجمة: علي زين العابدين برهام

النص التالي هو تحرير لمقابلة هادي معصومي زارع، الخبير في دراسات الشرق الأوسط، مع برنامج “جدال”. تستعرض هذه السلسلة تاريخ العلاقات بين النظام السوري وإيران، والتطورات التي مرت بها منذ نشأتها حتى اليوم. وتعدّ هذه الحوارات من بين الدراسات النادرة التي تناولت الموضوع بهذا العمق والشمولية، حيث تم تحريرها تحت إشراف معصومي زارع نفسه، وستُنشر في سلسلة من المقالات.

أشرف على تحرير وإعداد هذه الحوارات علي رضا فرشجي، الباحث في الفقه والعلاقات الدولية. جدير بالذكر أن هذه المقابلة أُجريت عام 2021  خلال فترة حكم حزب البعث في سوريا. وفي ما يلي نص الحوار:

مع شرح خصائص نظام سوريا فيما يتعلق بالحرس القديم، ما هي خصائص الطبقة الثانية في النظام السوري التي تشمل آل الأسد والطبقات المحيطة بهم؟

عائلة الأسد كانت تمثل الطبقة الثانية في النظام السوري بعد الحرس القديم، وكان نفوذهم كبيرا، خصوصا عبر شخصيات مثل محمد ناصيف (أبو وائل) وهشام بختيار.

بعد الثورة الإيرانية، كانت علاقات إيران مع سوريا تُدار عبر هذه الدائرة المقربة من الأسد، وكان ناصيف همزة الوصل الأساسية بين طهران وكل من حافظ وبشار الأسد، وله دور محوري في دعم سياسات إيران في لبنان وتعزيز العلاقات مع سوريا. وكان يُلجأ إليه لحل المشكلات وتجاوز معارضة الحرس القديم.

الشخص الأكثر استراتيجية في هذا السياق هو محمد ناصيف (أبو وائل)، الذي كان صلة الوصل الأساسية بين إيران وكل من حافظ وبشار الأسد. الإيرانيون، من خلاله ومع هشام بختيار، نفّذوا عمليات خاصة في سوريا، بعيدا عن أعين الحرس القديم الذي كان يعارض تسليح حزب الله بأسلحة نوعية. هذه الدائرة المقربة من الأسد كانت تؤمن احتياجات الحزب سرا رغم معارضة الشق البعثي القديم.

عائلة الأسد، وإن كانت تملك نظرة استراتيجية تجاه إيران، إلا أن علاقتها ليست قائمة على أيديولوجيا أو ولاء عقائدي، بل على البراغماتية. فهم مضطرون لمراعاة مواقف الحرس القديم وعدم خسارة المحيط العربي. 

لذلك، يتبعون سياسة “القبض والبسط” مع إيران: يتعاونون أحيانا ويعارضون في أحيان أخرى، كما في دعمهم لحزب الله مقابل توقيعهم على بيانات خليجية مناهضة لإيران، ومشاركتهم في غزو العراق عام 1991 على عكس موقف إيران المعارض.

البعثيون أعداء لإسرائيل، لكنهم في الوقت ذاته يسعون إلى التفاوض معها ومع أمريكا، دون أن يثقوا بهما بالكامل، لذا يوازنون بين التفاوض ودعم المقاومة. ومع بشار الأسد، أصبحت هذه السياسة أكثر وضوحا وشيوعا.

سوريا التي كانت حتى اليوم السابق في الكتلة الشرقية وكان جميعهم قد درسوا في موسكو وترددوا عليها، كيف بعد عام تنضم إلى الحملة العسكرية الأمريكية إلى الخليج العربي والعراق وتشارك بالقوات العسكرية؟

نعم، كان الاتحاد السوفييتي قد انهار، وبعد بضعة أشهر وقعت الهجمة الأمريكية على العراق. كان السوفييت منشغلين بمشكلاتهم الداخلية، وفقدت الكتلة الشرقية معناها.

أجواء غزو العراق للكويت كانت ثقيلة جدا، وشبهوها في منطقتنا بتأثير أحداث 11 سبتمبر عالميا. كل من لم يتعاون مع الأمريكيين عُدّ وكأنه يؤيد صدام. لذلك، قرر حافظ الأسد الانخراط واتخذ موقفا ضد صدام.

أنا أفهم. هل هذا يعني تغيّر علاقتهم مع الولايات المتحدة؟ أي هل يُعتبر نوعا من التقارب مع الولايات المتحدة؟

هذا أمر طبيعي تماما. نحن أمام عالم أحادي القطب أصبحت فيه الولايات المتحدة هي القائد والقوة العظمى. سوريا شعرت بأنها فقدت الدعم الذي كانت تحصل عليه سابقًا من الكتلة الشرقية في المفاوضات، فسعت إلى التقارب مع الولايات المتحدة للحصول على مكاسب في مفاوضاتها مع إسرائيل والولايات المتحدة. 

لا تنسَ مبدأ التوازن في النظام السوري؛ فالأنظمة الضعيفة لا تستطيع اتباع سياسة موحدة وثابتة، بل تُضطر إلى المناورة والتبديل بين المواقف حسب الظروف والمتغيرات.

في النهاية، عائلتهم هي عائلة الأسد. ماذا عن هذه العائلة؟ لقد قلت إن جميع أفرادها يتبعون الأب بشكل متشابه، ولا يملكون سياسة مستقلة تجاه المقاومة. الأبناء المختلفون، وأصهارهم، و…

باسل الأسد قُتل على يد الحرس القديم ليمنعوا منه أن يصبح خليفة لحافظ الأسد، وكان حافظ الأسد مدركا لذلك ولكنه اختار تدريجيا إضعافهم بدلا من المواجهة المباشرة. 

مع مرور الوقت، بدأ بشار الأسد في إقصائهم أيضا. اختلاف رؤية بشار عن والده كان بسبب ظروف سياسية وروحه غير المحافظة، حيث كانت نظرته أكثر استراتيجية وعمقا من رؤية والده.

اختلاف نظام إيران عن النظام البعثي

ما هي الاختلافات التي كانت تمنع تطور العلاقات بين النظامين السوري والإيراني نحو علاقات استراتيجية؟

الاختلاف الأول بين النظامين السوري والإيراني هو التباين الجوهري في أربع مجالات:

  1. الإيديولوجيا: إيران نظام إسلامي بينما سوريا نظام علماني.
  2. القومية مقابل الأممية: إيران تدافع عن الأمة الإسلامية، بينما سوريا تركز على الأمة العربية.
  3. الانقلاب مقابل المحافظة: إيران تتبنى نهجًا ثوريا، بينما سوريا تتبنى سياسة أكثر عملية ومحافظة.
  4. الديمقراطية مقابل الاستبداد: إيران أنشأت نظاما ثوريا من خلال استفتاء، بينما سوريا نظام استبدادي.

الاختلاف الثاني هو الرؤية المختلفة لمكافحة إسرائيل: إيران تسعى لإزالة إسرائيل، بينما سوريا تفضل مقاربتها في مواجهة إسرائيل ولكن دون السعي لإزالتها في ظل الظروف الإقليمية والدولية الحالية.

الاختلاف الثالث يتعلق بـ التعامل مع الدول العربية: إيران تعارض الأنظمة العربية بينما سوريا غالبا ما تحافظ على علاقات جيدة مع هذه الأنظمة.

كل هذه الاختلافات تجعل من الصعب أن تكون هناك تحالفات استراتيجية مستمرة بين النظامين، رغم وجود تعاون في فترات معينة بسبب الأزمات والعوامل البيئية.

هل يطلقون على الخليج الفارسي اسم الخليج العربي؟ 

هذا شائع في البلدان العربية. لا أحد يقول “الخليج الفارسي”. هذا متأثر بالظروف الإعلامية. هذه الأجواء الإعلامية شديدة لدرجة أنه إذا حاولت اليوم قول “الخليج الفارسي”، ستتعرض لموجة من الهجمات الإعلامية التي ستجعلك تسقط بين عشية وضحاها.

هل يعني أن الأجواء هناك ثقيلة بنفس القدر كما هي هنا؟

الفضاء الإعلامي في العالم العربي مشحون لدرجة أن استخدام مصطلح “الخليج الفارسي” يعد أمرا محفوفا بالمخاطر، حيث يعتبر الشخص الذي يستخدمه ضد الهوية العربية. 

إيران غائبة في الرأي العام العربي باستثناء بعض المسلسلات الدينية. العلاقات بين إيران وسوريا كانت متقلبة حتى عام 2004، نتيجة للازدواجية داخل النظام السوري والعقلية البراغماتية لحزب البعث، حيث لم يكن هناك انسجام بين هيكلي النظامين، مما منع تطوير علاقات استراتيجية مستدامة.

ما هو موقف السياسيين في نظام إيران تجاه نظام لا يوجد بينه وبين نظام الثورة الإيرانية أي تطابق؟

منذ عامين، أرسل لي صديقي مقالا من بي بي سي، وسألني لماذا لا أجيب على مثل هذه المقالات؟ قرأت المقال، وكان سطحيا لدرجة أنه جعلني أضحك. قلت لنفسي: كيف يمكنهم إنفاق كل هذه الأموال على مثل هذه المقالات؟ ولكن بعد ذلك أدركت أن المقال لم يكن خطأ، بل كان استثمارا في جهل الجمهور الإيراني. 

جوهر هذا المقال كان أن النظام السوري ليس إسلاميا، ولا شعبيا، وقد أجرى مفاوضات مع إسرائيل… وأن إيران دخلت في تحالف مع هذا النظام. هذا النوع من الخطاب يشير إلى أن صناع السياسة في إيران يجهلون الأمور تماما ولا يفهمون العلاقة بين سوريا والولايات المتحدة.

من خلال الوثائق الدبلوماسية في الثمانينيات والتسعينيات، كان هناك تحذير من التفاوض بين سوريا والولايات المتحدة وتأثير ذلك على نفوذ إيران. المشكلة أن إيران لم تعتبر أبدا أن الرأي العام مهم، وكان يجب عليها التحدث إلى شعبها، أو على الأقل السماح للباحثين المستقلين بتسليط الضوء على هذه القضايا.

ورغم أن العلاقات بين إيران وسوريا كانت ضعيفة وهشة، كانت إيران تدرك تماما طبيعة النظام السوري. على سبيل المثال، عندما تحسنت العلاقات السورية الأمريكية، تم إغلاق معسكرات الحرس الثوري الإيراني في سوريا. علاوة على ذلك، هناك أمثلة أخرى عن التوترات بين إيران وسوريا في مواقف معينة.

لكن الحقيقة أن العلاقات بين إيران وسوريا كانت قابلة للتحمل والمثابرة رغم التحديات، وفي النهاية أدت إلى نتائج استراتيجية مثل خروج إسرائيل من لبنان، والحفاظ على توازن القوى في المنطقة، ومواجهة السياسة الأمريكية بعد 11 سبتمبر.

قلت إن العلاقة بين إيران وسوريا في عقد الستينيات من القرن العشرين تحت حكم حافظ الأسد، على عكس ما يُدعى، لم تكن أبدا تحالفا استراتيجيا. هل في رأيك الآن، بعد هذه المعركة المشتركة، أصبحت العلاقة بين إيران وسوريا تحالفا استراتيجيا؟

لا تزال العلاقات بين إيران وسوريا مبنية على المصالح المشتركة أكثر من التوافق العقائدي أو الانتماء والتضامن الاقتصادي. وهذا هو ما يجعل العلاقة استراتيجية، وبما أنه لا يوجد توافق عقائدي أو ارتباط اقتصادي قوي، فإن العلاقة تستمر بناء على المصالح المشتركة.

لكن لا مانع من أن تستمر العلاقات لعدة عقود بناء على المصالح المشتركة، بل قد تكون أعمق من علاقاتنا مع بعض الدول التي قد تكون أكثر توافقا معنا، ولكننا لا نملك علاقات مستدامة معها لأي سبب من الأسباب.