خبير روسي: اتفاق إيران والولايات المتحدة لن يؤثر على تحالف طهران وموسكو الاستراتيجي

ترجمة: دنيا ياسر نور الدين 

أجرت صحيفة “فرهيختكان” الإيرانية الأصولية، الاثنين 28 أبريل/نيسان 2025، حوارا مع  والباحث والخبير في الشؤون الروسية شعیب بهمن، حول مستقبل العلاقات الإيرانية الروسية في ظل المفاوضات بين طهران وواشنطن، وتأثير الاتفاق النووي المحتمل على التعاون الاستراتيجي بين موسكو وطهران في مجالات الطاقة والدبلوماسية والدفاع.

ذكرت الصحيفة أنه خلال الأسبوع الماضي، تحدّث المسؤولون في الحكومة الإيرانية ووزارة الخارجية عن متانة العلاقات بين إيران وروسيا، وهو تصريح لافت في ظل تزامنه مع المفاوضات الجارية بين إيران والولايات المتحدة، ومع بروز تحليلات تشير إلى أن العلاقات الإيرانية مع الغرب قد تؤثر على علاقاتها مع الشرق والعكس بالعكس. 

يرى شعيب بهمن أن إيران وروسيا قد تجاوزتا منذ سنوات، المرحلة التي كانت تتأثر فيها علاقاتهما بطرف ثالث، وأن علاقاتهما في الوقت الراهن لا يمكن أن تتأثر بأي اتفاق محتمل بين إيران والولايات المتحدة .

وفي ما يلي نص الحوار:

بالنظر إلى روسيا، ما شكل دورها المحتمل في هذه الجولة من المفاوضات الإيرانية الامريكية؟ 

الجولة الحالية من المفاوضات والمسار الجديد الذي بدأ يختلفان بشكل كامل عن الفترات السابقة، إذ إنّ أطرافا فاعلة ومهمة مثل روسيا، الصين، والاتحاد الأوروبي، غائبة عمليا عن هذه المفاوضات.

إلا أن الطرف الإيراني بذل جهدا ملموسا من أجل إجراء محادثات متزامنة مع روسيا والصين والاتحاد الأوروبي، بهدف كسب دعم هذه الدول لأي نتيجة قد تسفر عنها المفاوضات مع الولايات المتحدة في الوقت المناسب وعند الحاجة.

ومن المؤكد أن هذه الأطراف، بالنظر إلى مواقفها من البرنامج النووي الإيراني، لا تعارض إجراء هذه المفاوضات. ويمكن تقييم هذا الموقف من عدة أبعاد؛ ففي المقام الأول، روسيا – على غرار القوى الكبرى الأخرى – لا ترغب في أن يتحول البرنامج النووي الإيراني عن طابعه السلمي، رغم أن إيران، في الواقع، لا تسعى إلى برنامج غير سلمي. 

إلا أنه، في حال توقفت المفاوضات بشكل كامل أو ظهرت خيارات أخرى على الطاولة الأمريكية – وتحديدا إذا كان هناك نية للقيام بعمل عسكري – فقد يتم إعادة النظر في البرنامج النووي الإيراني، وهو ما لا يرغب الروس أبدًا في حدوثه.

من ناحية أخرى، لطالما كانت قضية العقوبات موضوعا جادا أثّر على جزء من العلاقات الإيرانية الروسية؛ ومع أن روسيا، بعد حرب أوكرانيا، باتت تواجه عقوبات مماثلة لتلك المفروضة على إيران، ولم تعد العقوبات ذات تأثير كبير – على الأقل في نطاق التعاون بين البلدين – إلا أن روسيا ترى في رفع العقوبات مصلحة تعزز علاقاتها مع إيران.

وفي رؤية أوسع، ترى روسيا أن عدم حلّ الملف النووي الإيراني عبر الطرق الدبلوماسية، واحتمال توجّه إيران نحو مسارات أخرى، قد يفتح الباب أمام سباق تسلح نووي في منطقة غرب آسيا، وقد تتجه دول أخرى في المنطقة بدورها نحو التسلح النووي، وهو ما لا يصب في مصلحة روسيا.

علاوة على ذلك، فإن العلاقات المتشابكة والمعقدة بين إيران وروسيا تلعب دورا مؤثرا في هذا السياق؛ ولا سيما في ظل توقيع وثيقة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، فإن روسيا بطبيعة الحال تتخذ موقفا قريبا من إيران في هذا الملف، وتدفع نحو تسويته.

كما أن من العوامل المؤثرة الأخرى مجيء ترامب إلى السلطة في أمريكا؛ فبناءً على رؤيته تجاه روسيا والعلاقات السابقة بين الطرفين، فإن موسكو أيضا تميل إلى أن يُحل الملف النووي الإيراني عبر التفاوض وأن يصل إلى نتيجة مرضية.

في الوقت الذي بدأت فيه المفاوضات وأبدى ترامب بوادر انفتاح نحو حلّ ملف أوكرانيا، ظهرت تحليلات تقول إن العلاقة بين روسيا وإيران قد تتأثر بهذا السلام المحتمل. فهل يمكن طرح فرضية مشابهة بالنسبة لإيران أيضا؟ أي إلى أي مدى تشعر روسيا بالقلق من أن يؤثر الاتفاق مع الولايات المتحدة على علاقاتها مع إيران؟

في تسعينيات القرن الماضي، لم تكن العلاقة بين إيران وروسيا ثنائية الطابع تماما، بل كانت ثلاثية الأبعاد، إذ كانت أطراف دولية أخرى، بالإضافة إلى بنية النظام الدولي وقواعده، تؤثر فيها. ولكن مع مرور الزمن، خصوصا منذ مطلع الألفية الثانية وحتى اليوم، سعت الدولتان إلى تقليص تأثير الطرف الثالث في علاقاتهما الثنائية، وحاولتا الحدّ من تبعيتهما للجهات الخارجية، أو حتى إنهاء هذا التأثير بالكامل.

لذلك، فإن النقاشات المطروحة حاليا حول احتمال تراجع العلاقة بين طهران وموسكو نتيجة تحسّن العلاقات مع الغرب، أو العكس، لا تبدو واقعية في الظرف الراهن. صحيح أنه لا يمكن إنكار وجود هذا الرأي، ولكن يمكن القول إن الرسالة التي وجهها المرشد الأعلى إلى الرئيس بوتين جاءت في هذا السياق تحديدا، وأكدت أن إيران، حتى في حال رفع العقوبات أو حدوث انفراجة في علاقاتها مع الغرب، ستحافظ على علاقاتها مع روسيا في مستواها الطبيعي. ومقابل ذلك، كانت رسالة الطرف الروسي خلال مفاوضاته مع الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا ذات طبيعة مشابهة.

وعليه، لم يعد من الممكن- كما كان في السابق- اعتبار الطرف الثالث متغيرا أساسيا في العلاقة. وبالإجمال، توصلت إيران وروسيا، بعد تجارب تعاونهما خلال العقد الماضي، إلى قناعة بضرورة الحفاظ على علاقاتهما الثنائية بعيدا عن تأثيرات الآخرين، وعدم السماح لأي طرف ثالث بالتدخل فيها.

من النقاط التي تتكرر حاليا في تصريحات المسؤولين الرسميين، الإشارة إلى الدور الإيجابي والبنّاء لروسيا في المفاوضات. فماذا يمكن أن يكون هذا الدور البنّاء، خاصةً أن روسيا ليست طرفا مباشرا في المفاوضات؟

بطبيعة الحال، فإن القوى الكبرى، خصوصا تلك التي كان لها تأثير في المفاوضات النووية السابقة مع إيران، وإن لم تكن الآن طرفا مباشرا في المفاوضات الجارية بين إيران وأمريكا، فإنها لا تزال تملك أدوات لتعطيل هذه المفاوضات أو التأثير فيها بطرق مختلفة.

وفي الوقت الراهن، يُطرح تساؤل حول ما إذا كان الأوروبيون سيفعّلون آلية الزناد في حال تم تجاهلهم في أي اتفاق يتم التوصل إليه بين إيران والولايات المتحدة . كما أن روسيا والصين تمتلكان أدوات خاصة بهما يمكن استخدامُها في هذا السياق. لكن الواقع أن علينا هنا أن نشيد بالدبلوماسية الذكية التي انتهجتها إيران، حيث لم توقف مشاوراتها مع الأطراف الروسية والصينية وحتى الأوروبية، حتى قبل بدء المفاوضات.

بل عُقد لقاء ثلاثي بين إيران وروسيا والصين في بكين قبيل انطلاق المفاوضات، ونسّق الأطراف الثلاثة مواقفهم حيال هذا الملف. والنقطة الجوهرية اليوم هي أن دولا مثل روسيا والصين تدعم موقف إيران بشكل كامل؛ ففي هذه المفاوضات، وفي الخلاف القائم حول الملف النووي الإيراني، ترى روسيا والصين أن الحق مع إيران، إذ إن إيران هي من التزمت بالاتفاق النووي، بينما الطرف المقابل هو من انسحب منه وفرض العقوبات عليها.

وبناءً عليه، فإن الموقف الروسي والصيني تجاه إيران هو موقف داعم، ويصب في صالح إيجاد حل دبلوماسي لهذه القضية. وهذه المساندة تُعدّ نقطة إيجابية لصالح إيران. فرغم أن هذه القوى لا تشارك مباشرة في المفاوضات، إلا أن دعمها لموقف إيران يُؤثر بلا شك، في حسابات الطرف الأمريكي.

نحن نتعامل اليوم مع روسيا، وأحد أوجه هذا التعاون يتمثل في “الاتفاق الشامل للشراكة الاستراتيجية” الذي يتم متابعته حاليًا بالتزامن مع سير المفاوضات، وذلك بهدف تعزيز العلاقات مع روسيا.

ما هي بنود هذا الاتفاق؟ وإذا أردنا تقديم خلاصة دقيقة، فما الخيارات المتاحة أمامنا الآن لتعزيز علاقتنا مع روسيا؟

الواقع هو أن خيارات إيران وروسيا لا تعتمد على التوصل إلى اتفاق محتمل مع الولايات المتحدة. وكما ذكرتُ سابقا، ينبغي علينا أن نواصل علاقاتنا بشكل مستقل تماما عن هذه الاتفاقات المحتملة، سواء كانت مع الأمريكيين أو الأوروبيين أو أي جهة أخرى.

لدينا إمكانيات للتعاون في مجالات متعددة، ومن بين أبرز هذه المجالات، قطاع الطاقة. وهذا لا يقتصر فقط على النفط والغاز والطاقة النووية، بل يشمل مجالات أخرى أيضا. فعلى سبيل المثال، تم تحديد عقود ومشاريع لبناء محطات توليد كهرباء كهرومائية على السواحل الجنوبية للبلاد، على ضفاف الخليج العربي. ولو تم تنفيذ هذه المشاريع في السنوات الماضية، لكان من الممكن أن نتجنب بعض حالات عدم التوازن في قطاع الطاقة، على الأقل في مجال الكهرباء.

هناك أيضا قضية ممر “الشمال – الجنوب”، الذي لا يزال، بعد أكثر من عشرين عاما، حبيس الأوراق ولم نتمكن حتى الآن من حسم مصير مقطع “أنزلي – آستارا” والوصول به إلى نتيجة واضحة. ويمكن اعتبار هذين المجالين (الطاقة والممر اللوجستي) من المجالات الاستراتيجية للغاية.

وبطبيعة الحال، توجد إلى جانب هذه المجالات قضايا ومواضيع أخرى مهمة بالنسبة لكلا البلدين، ولا سيما التعاون العسكري والأمني الذي يجري على مستوى عال بين الطرفين. كما أن أنواعا أخرى من التعاون واردة ضمن الاتفاق الاستراتيجي.

ما يميز هذا الاتفاق أنه شامل تماما، أي أنه يشير إلى جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية والعسكرية، وحتى القضايا الإقليمية. ومع ذلك، فإن تفعيل بنود هذا الاتفاق يتطلب أن تُبرم اتفاقات وعقود تنفيذية منفصلة لكل بند على حدة بين الطرفين. ومن المؤكد أن حكومتي البلدين، والسلطتين التنفيذيتين فيهما، يمكن أن تلعبا دورا كبيرا في هذا السياق.

ومؤخرا، قام كل من البرلمان الروسي والرئيس فلاديمير بوتين بالمصادقة على هذه المعاهدة والتوقيع عليها، وأصبحت قانونا ساري المفعول في روسيا. وفي إيران، ينبغي على البرلمان دراسة هذه المعاهدة في أسرع وقت ممكن، وفي حال الموافقة عليها، يتم إحالتها إلى السلطة التنفيذية لتقوم بتحديد المصالح المشتركة بين البلدين على أساس هذا الاتفاق، والبدء في المراحل التنفيذية له.