محلل علاقات دولية: مفاوضات إيران والولايات المتحدة رهينة ضغوط الداخل والخارج

ترجمة: دنيا ياسر نور الدين 

أجرت صحيفة “آرمان ملي” الإيرانية الإصلاحية، الاثنين 5 مايو/أيار 2025، حوارا مع الدكتور أميرعلي أبو الفتح، محلل العلاقات الدولية، حول تأثير التغييرات في حكومة ترامب على مسار المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة. تطرق الحوار إلى ضغوط التيارات المتشددة والضمانات الأمريكية ومواقف الأطراف المختلفة في المفاوضات.

ذكرت الصحيفة أنه في حين كان من المقرر أن تُعقد المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة  في روما، تغيّر كل شيء فجأة، وتم تأجيل المفاوضات لأسباب غير معلومة، وصفها وزير خارجية عمان بأنها “عدم جاهزية الظروف اللوجستية”.

وتابعت أنه في ظل هذه التطورات، باتت الجولة القادمة من المفاوضات يلفّها الغموض، بل يحتمل أن تتوقف عند هذا الحد. لكن الحدث الأبرز وقع داخل حكومة ترامب، حيث تصاعدت حدة الخلافات بشأن الملف الإيراني أواخر الأسبوع الماضي، إلى درجة دفعت ترامب إلى إقالة مستشاره للأمن القومي، “والتز”، المعروف بعدائه لإيران.

وأكدت أن الانتقادات الموجهة إلى “ويتكوف”، المفاوض الأمريكي مع إيران، تزايدت في الأيام الأخيرة، وهناك احتمال بأن يتم تعيينه بديلا لـ”والتز”، مما قد يؤدي إلى تغييرات في معادلات التفاوض مع إيران.

وتابعت أن وسائل الإعلام والأصوات القريبة من الرئيس الأمريكي تشير إلى أن مجموعتين تعملان على حرف مسار المفاوضات مع إيران، ودفع واشنطن نحو مواجهة مباشرة. وبحسب هذه الوسائل، فإن “عناصر الموساد” و”التيار الداعي للحرب” يمارسان ضغوطا على إدارة ترامب لدفعها نحو التصعيد مع إيران.

في ما يلي نص الحوار:

ما تأثير الخلاف داخل حكومة ترامب واستبعاد والتز ونائبه على مسار المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة؟

تمّت إقالة “والتز” من منصب مستشار الأمن القومي الأمريكي، لكنه لم يُستبعد تماما من الحكومة، بل تم تعيينه ممثلا للولايات المتحدة في الأمم المتحدة، ما يعني أنه لا يزال جزءا من الإدارة. هذه الخطوة لا تشبه إقالة جون بولتون الذي خرج نهائيا من حكومة ترامب الأولى. 

وأعتقد أن هذا التغيير لن يؤثر كثيرا في قرارات إدارة ترامب تجاه إيران، لا سيما أن المنصب انتقل إلى “روبيو”، الذي لا يقل عداء للاتفاق النووي ونهجا متشددا تجاه إيران عن والتز، بل يمكن القول إن سجله في العداء لإيران أثقل. وفقط إذا غيّر روبيو نهجه في منصب مستشار الأمن القومي، عندها يمكن الحديث عن احتمال تغييرات في سياسات ترامب حيال إيران.

هل تُتّخذ القرارات في حكومة ترامب تحت تأثير التيار المتشدد أم المعتدل؟ ولأي جهة يميل ترامب أكثر؟

إذا كنتم تقصدون بالتيار المعتدل “تيار MAGA”، فلا يبدو أن له الكلمة الفصل داخل الحكومة. صحيحٌ أن ترامب ليس متطرفا كتيار المحافظين الجدد، لكنه في الوقت نفسه غير قادر على تجاهل آرائهم. الواقع أن تأثير هؤلاء المحافظين الجدد داخل حكومة ترامب يتزايد تدريجيا. 

وقبل ثلاثة أسابيع، كنت سأقول إن كفتهم لم تكن مرجحة، لكن في الأيام الأخيرة تغيّر الوضع، وهذا التغيير مرتبط بحساسية المرحلة الحالية من المفاوضات، إذ بدأت مناقشة التفاصيل التي يعارضها المحافظون الجدد بشدة. هم يرون أن نهج المعتدلين لا يخدم المصالح الأمريكية بما يكفي. إلى جانب ذلك، فإن ضغط إسرائيل ونتنياهو قد ازداد، ما يدفع الحكومة نحو ترجيح كفة المحافظين الجدد في صنع القرار.

هل من الممكن أن يؤدي هذا الوضع إلى توقف المفاوضات؟

لم تبدأ الجولة الرابعة من المفاوضات بعد، وحتى لو كانت هناك اتفاقات، فمن الممكن استئنافها لاحقًا. كل مفاوضات تمر بتقلبات ومعادلاتها تتغير حسب الظروف. الحقيقة أن كلا من إيران والولايات المتحدة يسعيان للتوصل إلى اتفاق، لكن الطريق مليء بالتحديات.

حتى لو انعقدت الجولة الرابعة، لم يكن بالإمكان القول إن الاتفاق بات قريبا. هناك أطراف أخرى غير إيران وأمريكا لها دور في هذه المفاوضات، مثل بعض الدول الأوروبية ودول المنطقة، ولكل منها أولويات مختلفة. لذلك، تقوم الإدارة الأمريكية بدراسة هذه المواقف للوصول إلى قرار نهائي. لكن حتى الآن، لم يتم التوصل داخل حكومة ترامب إلى إجماع واضح بشأن كيفية التعامل مع إيران.

يدور الحديث مؤخرا حول دور “ويتكوف” في المفاوضات المقبلة، وهناك احتمال أن يُعيّن مستشارا للأمن القومي بدلا من والتز. فهل سيستمر في دوره كمفاوض مع إيران في هذه الحالة؟

لا يمكن إصدار حكم قاطع بشأن ذلك، فالأمر في النهاية يعود إلى قرار ترامب، كما أن آراء المحيطين به سيكون لها دور. من الواضح أن “ويتكوف” يواجه ضغوطا كبيرة؛ فكلما اقتربت المفاوضات من تحقيق تقدم، اشتدت الضغوط من داخل التيار المعادي لإيران ضده.

وهذا لا ينطبق فقط على أمريكا، بل أيضا على إيران، حيث تمتد الضغوط من داخل حكومة ترامب إلى داخل إيران نفسها. من الممكن جدا أن نسمع خلال الأيام المقبلة عن استبعاد فيتكوف من المفاوضات، وذلك نتيجة لهذه الضغوط المتزايدة عليه.

قضية الضمانات الأمريكية لأي اتفاق محتمل تشغل بال كثيرين، خصوصا أن ترامب شخصية غير قابلة للتنبؤ، والمتشددون يضغطون عليه أكثر. كيف يمكن لإيران اتخاذ قرار بناءً على ضمانات يقدمها ترامب؟

في السياسة لا توجد ضمانات حقيقية. حتى لو قدّم ترامب الاتفاق إلى الكونغرس وحوّله إلى قانون، فإن هذا لا يعني أنه سيكون دائما. أي حكومة، في حال رأت أن الاتفاق يضرّ بمصالحها، قد تنسحب منه. ما يضمن بقاء الاتفاق هو أن يكون في مصلحة الطرفين، أو أن تكون تكلفة الانسحاب منه عالية على من يقرر الخروج. بدون ذلك، يمكن لأي طرف أن ينسحب في أي وقت.

مثال ذلك “معاهدة الصداقة” بين إيران والولايات المتحدة الموقعة عام 1955، والتي أقرها الكونغرس لكنها أُلغيت لاحقا من جانب الحكومة الأمريكية. لن يكون هناك استقرار في أي اتفاق إلا إذا اقتنعت أمريكا بأن البقاء فيه يخدم مصالحها، وأن الخروج منه سيكون مكلفا.

 في ظل هذه الظروف، هل ما زال بالإمكان التفاؤل بمستقبل المفاوضات؟

ما زلت متفائلا بمستقبل المفاوضات والتوصل إلى اتفاق، لكني لست متفائلا برفع العقوبات بشكل فعّال. حتى لو تم التوصل إلى اتفاق، من غير المرجح أن يُرفع الحصار بالشكل الذي تطالب به إيران. وفي ظل هذه الظروف، لا خيار أمام الدولة والشعب الإيراني سوى السعي للبقاء أولا، ثم المضي قدما في مسار التنمية. من غير الواقعي توقع رفع كامل للعقوبات بعد توقيع الاتفاق.

المثال السوري واضح: رغم سقوط بشار الأسد واحتفاء الغرب بذلك، فإن شيئا من العقوبات لم يُرفع، وسوريا لا تزال تعاني منها. الشيء نفسه قد ينطبق على إيران؛ فالظاهر أن الاتفاق ممكن، لكن من غير الواقعي توقع إزالة شاملة للعقوبات. 

لهذا السبب يجب على المسؤولين في إيران اعتماد نهج يُمكّنهم من الاستفادة من أي تخفيف جزئي أو رسمي للعقوبات بما يساعدهم على إدارة الوضع بأقل الخسائر.