جولة أولى “بناءة” بين طهران وواشنطن في مسقط.. والجولة الثانية السبت القادم

ترجمة: يارا حلمي 

نشرت صحيفة “شهروند” الإيرانية الإصلاحية، الأحد 13 أبريل/نيسان 2025، تقريرا تناولت فيه  تفاصيل الجولة الأولى من المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة بوساطة عمانية.

مفاوضات مسقط

أوردت الصحيفة أن الوفد التفاوضي الإيراني غادر صباح السبت 12 أبريل/نيسان 2025، إلى العاصمة العمانية مسقط، في وقت مثّل فيه الجانب الأمريكي ستيفن ویتكوف المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط، وهو رجل أعمال مختص في قطاع العقارات، وليس دبلوماسيا، بصفته ممثلا عن ترامب في هذه المحادثات غير المباشرة.

وتابعت أن الدبلوماسيين الإيرانيين المخضرمين وصلوا إلى مسقط ضمن تشكيلة محسوبة بدقة، مؤكدين أن الهدف من هذه المفاوضات ليس الحصول على امتيازات، بل اختبار نيات واشنطن والتثبت من صدقها.

وأضافت أن إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، أعلن فجر أمس عن توجه الوفد الإيراني إلى عمان، مستشهدا بالآية القرآنية: “فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ”. وأوضح أن هذه الآية تعكس الأجواء النفسية والثقة بالنفس التي تميز بها كبار الدبلوماسيين الإيرانيين في هذه المهمة، والتي وصفها بأنها واجب وطني.

وأشارت إلى أن تركيبة الفريق المفاوض، وأهداف الجولة، وطبيعتها غير المباشرة، تعكس منهجا محسوبا ومدروسا من جانب طهران، يتمتع بالإرادة السياسية الكاملة والتخطيط الاستراتيجي.

تفاوت الخبرة الدبلوماسية

ذكرت الصحيفة أن المفاوضات غير المباشرة تُعد أداة تكتيكية تنشأ من رحم الصراع وفقدان الثقة، موضحةً أن هذا النمط من التفاوض استُخدم في أزمة أوكرانيا، ويُعاد توظيفه الآن في المواجهة بين إيران والولايات المتحدة، بهدف إتاحة إمكانية اختبار نيات الطرف الآخر من جهة، وحماية الداخل في كلا البلدين من تبعات القرارات المباشرة من جهة أخرى.

وتابعت أن ما يُميز هذا النمط من التفاوض هو التفاوت الكبير في الخبرة الدبلوماسية بين الجانبين؛ فمن طرف، يقف عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، بوصفه دبلوماسيا مخضرما وذكيا لعب دورا محوريا في التوصل إلى الاتفاق النووي لعام 2015، ويمتلك إلماما عميقا بتفاصيل الملف وبنية التفاوض. 

وأضافت أنه من الطرف الآخر، يقف ستيفن ویتكوف، رجل أعمال مقرب من ترامب، لا يملك أي خلفية رسمية في العمل الدبلوماسي، وتم تعيينه ممثلا في هذه المحادثات، في مؤشر واضح على تفضيل النزعة الشخصية على المؤسسية في إدارة ترامب الثانية.

وأوضحت أن هذا التفاوت قد يُشكل ميزة نفسية لطهران، لكنه في الوقت نفسه يزيد من احتمالية حدوث سوء فهم في التواصل، ويؤدي إلى غياب التنسيق في اتخاذ القرار، ويبطئ من وتيرة تبادل الردود المكتوبة.

وتابعت أن اختيار هذا النمط- أي التفاوض المكتوب وغير المباشر- لا يُعد دليلا على الضعف أو التراجع، بل يُمثل درعا استراتيجية لحماية العملية التفاوضية من آثار التماس المباشر مع ممثل غير محترف في ملف بالغ الحساسية.

وأشارت كذلك إلى أن إيران، من منطلق استراتيجي، باعتمادها خيار المفاوضات بشكل غير مباشر تسعى إلى تأسيس “توازن في التفاعل”، فهي لم تُلزم نفسها بنتيجة محددة، لكنها أيضا لم تُغلق باب الدبلوماسية، وهذا النمط من المفاوضات يُجبر الأطراف الدولية على التعامل مع الوقائع الميدانية في إيران.

وفي الوقت نفسه يُحمّل واشنطن مسؤولية استمرار التوتر، بعدما خالفت التزاماتها ومارست سياسة الضغط الأقصى، مما أفقدها الحد الأدنى من الثقة.

أهمية المفاوضات الإيرانية الأمريكية

ذكرت الصحيفة أن اللافت في هذا المسار هو الترحيب الأولي الذي أبدته العديد من الدول والمنظمات الدولية، وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة، بما يعكس إدراكا عالميا لأهمية خفض التوترات الإقليمية، حيث إن العاصمة العمانية مسقط لا تُعتبر مكانا لصياغة اتفاق نهائي، بل “ساحة لاختبار النوايا” الأمريكية، حيث تدخل إيران المفاوضات لا لطلب تنازلات، بل لتقييم مدى جدية الإرادة السياسية لواشنطن.

وتابعت أن المفاوضات الجارية في مسقط لا يمكن اعتبارها نقطة تحول حاسمة أو بداية سريعة للخروج من الأزمة، لكنها من منظور استراتيجي تُعد جزءا من “خريطة احتواء المواجهة” التي ترسمها طهران بحذر، وعزم، وتركيز على المصالح الوطنية. 

وأضافت أن الدبلوماسية هنا تُستخدم كوسيلة للدفاع عن السيادة، لا كعلامة على تراجع، وبالإشارة إلى أن مستقبل هذه المحادثات لن يُحدد بما يُكتب على الورق، بل بما تُترجمه واشنطن من أفعال على أرض الواقع.

أول برنامج لعراقجي في مسقط

ذكرت الصحيفة أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، استهل زيارته للعاصمة العمانية مسقط بلقاء مع بدر البوسعیدي، وزير الخارجية في سلطنة عمان، وذلك في إطار أول نشاط دبلوماسي رسمي له ضمن الجولة التفاوضية الجديدة.

وتابعت أن عراقجي أعرب خلال اللقاء عن سروره من عمق ومتانة العلاقات التاريخية والراسخة بين البلدين في جميع المجالات، مشيدا بالنهج المسؤول الذي تتبعه سلطنة عمان حيال قضايا المنطقة وتطوراتها، واعتبر استضافة مسقط لجولة المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن، دليلا واضحا على هذا النهج، ووجه شكره لنظيره العماني على اهتمامه وتفانيه في هذا السياق.

وأضافت أن وزير الخارجية العماني، من جهته، رحّب بعراقجي والوفد المرافق له، واصفا العلاقة بين طهران ومسقط بأنها علاقة متميزة، كما شكر إيران على اختيار سلطنة عمان كمقر لعقد هذه المحادثات الهامة، التي تأتي في توقيت حساس إقليميا ودوليا.

وأشارت إلى أن بدر البوسعیدي أطلع عراقجي على كافة الترتيبات والتجهيزات التي تم اتخاذها مسبقا لعقد الجولة الحالية من المفاوضات غير المباشرة، موضحا تفاصيل التنسيق الجاري لضمان سير المفاوضات بسلاسة وبما يخدم مصالح جميع الأطراف المعنية.

كما أوضحت أن عراقجي، في سياق تحضيرات اللقاء غير المباشر مع الجانب الأمريكي، قدم لنظيره العماني محاور ومواقف إيران بهدف نقلها إلى الطرف المقابل، مؤكدا تمسك طهران بمواقفها الثابتة وإصرارها على خوض مفاوضات شفافة تقوم على مبدأ الاحترام المتبادل.

وذكرت الصحيفة أن سلطنة عمان أعلنت رسميا أن وزير الخارجية الإيراني قد قدم المحاور التفصيلية والمواقف الإيرانية بشأن الجولة الجديدة من التفاوض، بهدف إيصالها إلى الجانب الأمريكي، في مؤشر على اعتماد صيغة دبلوماسية دقيقة وعالية الحساسية.

وتابعت أن ستيفن ويتكوف، سيتولى رئاسة الوفد الأمريكي المشارك في المفاوضات غير المباشرة المقرر عقدها يوم السبت 12 أبريل/نيسان 2025، في العاصمة العمانية.

وأشارت إلى أن ويتكوف صرح، في حديثه إلى صحيفة وول ستريت جورنال (صحيفة اقتصادية أمريكية)، أن اللقاء المرتقب مع الإيرانيين لا يهدف إلى مناقشة التفاصيل الدقيقة لاتفاق شامل، بل يركّز فقط على مسألة بناء الثقة بين الجانبين، مؤكدا أن التوصل إلى اتفاق يُعد أمرا حيويا للطرفين في هذه المرحلة.

وتابع ويتكوف أن الموقف الأمريكي الحالي ينطلق من ضرورة وقف كامل للبرنامج النووي الإيراني، لكنه استدرك بقوله إن هذا لا يعني أن قنوات التفاهم بين البلدين قد أُغلقت بالكامل، في إشارة إلى وجود احتمالات للتوصل إلى تفاهمات مستقبلية ضمن إطار مرن وواقعي.

الجولة الأولى من المحادثات غير المباشرة 

وذكرت الصحيفة نقلا عن إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، أن هذه المحادثات تجري في موقع تم اختياره مسبقا من قبل الجانب العماني، حيث يوجد الوفدان الإيراني والأمريكي في قاعات منفصلة، ويتولى وزير الخارجية العماني نقل المواقف والآراء بين الطرفين دون أي اتصال مباشر بين الجانبين.

وتابعت أن المحادثات غير المباشرة التي استمرت لأكثر من ساعتين ونصف، اختُتمت في وقت لاحقٍ مساء اليوم ذاته، وقد وصفها أحد أعضاء الفريق التفاوضي الإيراني بأنها كانت إيجابية بشكل عام، مشيرا إلى أن الجانبين اتفقا على مواصلة هذه المحادثات خلال الأسبوع المقبل في الإطار نفسه.

وأشارت إلى أن رؤساء الوفدين الإيراني والأمريكي، عقب انتهاء جلسة التفاوض، تبادلوا الحديث لبضع دقائق بحضور وزير الخارجية العماني، في لقاء وُصف بأنه رمزي، لكنه يعكس وجود قنوات تواصل مهيأة لإدامة المفاوضات لاحقا.

محادثات ودية

أوضحت أن وزير الخارجية العماني، في منشور عبر إحدى المنصات الاجتماعية، كتب: “يشرفني أن أعلن أننا استضفنا اليوم في مسقط، عراقجي وويتاكر، وتولينا دور الوسيط لبدء عملية الحوار والمفاوضات،  بهدف مشترك وهو التوصل إلى اتفاق عادل وملزم”.

وتابع: “وأود أن أشكر زميليّ على مشاركتهما في هذه المحادثات التي عقدت في أجواء ودية ومواتية لتقريب وجهات النظر وتحقيق السلام والأمن والاستقرار على المستويين الإقليمي والعالمي، وسنواصل تعاوننا وسنبذل مزيدا من الجهود لتحقيق هذا الهدف المهم”.

وذكرت الصحيفة أن علي طباطبائي، عضو مجلس الإعلام الحكومي الإيراني، كتب في تعليق له أن أجواء المحادثات اتسمت بالبناء والاحترام المتبادل، مشيرا إلى أن المفاوضات شملت ملفات تتعلق برفع العقوبات والملف النووي، مؤكدا أن الجانبين توصلا إلى اتفاق على مواصلة النقاشات خلال الأسبوع المقبل، وأن اللقاء الختامي بين رؤساء الوفدين جرى بحضور الطرف العماني.

وتابعت أن انعقاد هذه المحادثات بين طهران وواشنطن تزامن مع تراجع حاد في سعر صرف الدولار في السوق الإيرانية الحرة، حيث انخفضت قيمة العملة الأمريكية بمقدار 33 ألف ريال إيراني، فبعد أن افتتح السوق صباح السبت عند مستوى 99 ألفا و400 ريال للدولار، أغلق في نهاية اليوم على مستوى 69 ألف و100 ريال، ما يعكس تفاعل الأسواق مع الأنباء الواردة عن المفاوضات الدبلوماسي الجاري.

وتابعت أن إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، تحدث بالتفصيل عن فحوى اللقاءات التي أجراها وزير الخارجية الإيراني قبل انطلاق المحادثات غير المباشرة مع نظيره العماني، مؤكدا أنه تم خلال اللقاء بحث آليات تنفيذ الجولة التفاوضية الحالية، وجرى تسليم المواقف الإيرانية إلى الوسيط العماني لنقلها إلى الطرف الأمريكي.

وأضافت أن بقائي، ردا على سؤال بشأن الهدف الإيراني من هذه المفاوضات وسط تضارب الروايات الإعلامية، لا سيما الخبر الذي نشرته وكالة “رويترز” الأمريكية، أكد أن “طهران تسعى لهدف واحد فقط، وهو تأمين المصلحة الوطنية الإيرانية، وإيران تمنح فرصة حقيقية وصادقة للدبلوماسية، بهدف دفع ملفها النووي ورفع العقوبات المفروضة عليها إلى الأمام”.

كما أشار إلى أن إيران أثبتت على مدى العقود الماضية، التزامها بالدبلوماسية، خاصة في ملفها النووي خلال العقدين الأخيرين، مؤكدا أن طهران ترى في هذه المحادثات وسيلة لحماية مصالحها الوطنية من خلال الوسائل الدبلوماسية، واعتبرها بمثابة اختبار للطرف الأمريكي لإثبات جديته، واصفا يوم التفاوض بأنه يوم حاسم يجب على الجانب الآخر تقدير ما تبديه إيران من انفتاح وبنّاء.

وتطرق بقائي كذلك إلى محاولات تشويش إعلامي ترافق المفاوضات الجارية، مؤكدا أن بلاده ليست غريبة عن هذه الأجواء، نظرا إلى مكانتها الإقليمية والدولية، ومشيرا إلى تضارب المصالح بين مختلف الفاعلين الدوليين حول الملف النووي الإيراني، وهو ما يدفع بعض الجهات إلى تسريب معلومات مغلوطة عبر ما يُعرف بـ”مصادر مطلعة”.

وشدد على أن هذه الادعاءات، خاصةً تلك التي تتحدث عنها وكالة “رويترز” نقلا عن مصادر عمانية، لا أساس لها من الصحة، مؤكدا أن سلطنة عمان تدرك جيدا مسؤولياتها وتؤدي دورها باحترافية عالية كما في المرات السابقة.

واعتبر بقائي أن “رويترز” لها سجل طويل في “صناعة الأخبار”، وأن ما نشرته مؤخرا حول مضمون المحادثات الحالية لا يستند إلى معلومات حقيقية، مضيفا أنه من الطبيعي ألا تستمر هذه الجولة من المفاوضات لفترة طويلة، لأنها مجرد بداية لتبادل المواقف الأساسية بين الجانبين عبر الوسيط العماني.

وختمت الصحيفة بالإشارة إلى ما ذكرته “رويترز” سابقا حول أن المحاور الرئيسية لهذه الجولة تشمل قضايا تبادل السجناء، وخفض التوتر في المنطقة، وتقليص العقوبات الأمريكية مقابل تقليص أنشطة إيران النووية، وهي عناصر لم تؤكدها طهران رسميا حتى الآن.