دول الخليج بين طهران وواشنطن.. وساطة ترسم ملامح نظام إقليمي جديد

ترجمة: دنيا ياسر نور الدين 

نشرت صحيفة “عصر إيرانيان” الإيرانية المحافظة، السبت 12 أبريل/نيسان 2025، تقريرا استعرضت فيه تحول دور دول الخليج من أطراف مراقبة إلى وسطاء فاعلين بين إيران والولايات المتحدة، مستندا إلى مصالح اقتصادية وأمنية متشابكة، كما سلط الضوء على استراتيجيات كل دولة خليجية في إدارة التوترات الإقليمية ضمن سياق دبلوماسية متعددة الأقطاب.

قالت الصحيفة إن مساعي دول الخليج العربي للوساطة بين إيران والولايات المتحدة لا تقتصر على مناورة قصيرة الأمد بل تشكل جزءا من تحول بنيوي في دور هذه الدول ضمن النظام الدولي، ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية بين طهران وواشنطن تسعى دول مجلس التعاون الخليجي من خلال نهج براغماتي إلى لعب دور الوسيط لتخفيف حدة هذه التوترات.

ويعكس هذا التوجه من جهة، قلقا عميقا لدى هذه الدول حيال تداعيات عدم الاستقرار الإقليمي، ومن جهة أخرى يرتبط ارتباطا وثيقا بمصالحها الاقتصادية بعيدة المدى، لا سيما في إطار برامجها التنموية مثل رؤية 2030 السعودية والمشاريع الكبرى في الإمارات، فدول الخليج باتت تدرك العلاقة الجوهرية بين الاستقرار الإقليمي وأمنها الاقتصادي، وتسعى لأن تصبح فاعلا رئيسيا في إدارة التوترات الإقليمية.

أسباب رئيسية للوساطة.. الاقتصاد والأمن وتفادي تكرار الماضي

أشارت الصحيفة إلى أنه يمكن تحليل انخراط الدول الخليجية في الوساطة بين إيران والولايات المتحدة من خلال ثلاثة محاور رئيسية:

أولا: الحاجة إلى حماية المشاريع الاقتصادية الطموحة التي قد تتعرض للخطر في حال تصاعد التوترات، فعلى سبيل المثال تدرك السعودية التي تعتبر تنفيذ رؤية 2030 محور تحولاتها الداخلية والخارجية، أن الحرب أو الاضطراب الواسع قد يعوق تدفق الاستثمارات الأجنبية ويعرقل تنمية القطاعات غير النفطية، وينطبق الأمر ذاته على الإمارات، حيث تستفيد دبي كمركز تجاري إقليمي من علاقاتها الاقتصادية مع إيران.

ثانيا: الدروس المستخلصة من الماضي، فالدول الخليجية لم تنس تجربة تهميشها خلال مفاوضات الاتفاق النووي عام 2015 وشعورها بالإحباط من قلة التشاور معها من قبل إدارة بايدن؛ مما دفعها إلى السعي لحضور نشط على طاولة التفاوض لضمان مصالحها.

ثالثا: تحول في نهج السياسة الخارجية من الطابع الأيديولوجي إلى البراغماتية كما هو الحال في السعودية التي كانت تتبنى في السابق موقفا تصادميا تجاه إيران، لكنها اليوم تعطي الأولوية لخفض التصعيد، وتسعى لتكون قوة وسطى فاعلة في المعادلات العالمية.

السعودية من المواجهة إلى خفض التوتر المدروس

قالت الصحيفة إن الرياض التي كانت تعرف سابقا بقيادة جبهة معادية لإيران في المنطقة، أعادت عام 2023 العلاقات الدبلوماسية مع طهران، ما يظهر إعادة تموضع في أولوياتها، ولا يعد هذا التغيير مناورة تكتيكية فحسب، بل جزء من استراتيجية أشمل ترى في التنمية الاقتصادية المحرك الأساسي لسياستها الخارجية.

وبعد استضافتها مفاوضات بين روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة تطمح السعودية إلى تكرار هذا الدور في الملف الإيراني إلا أن قربها التقليدي من واشنطن قد يثير شكوك طهران بشأن حيادها رغم محاولات المملكة لتكريس موقعها كوسيط موثوق.

قطر.. دبلوماسية متعددة الأوجه واستثمار في المكانة الدولية

تابعت الصحيفة: “أما قطر فتعتمد على شبكة علاقاتها الدولية الواسعة وتجاربها الناجحة في استضافة مفاوضات كالمحادثات بين طالبان والولايات المتحدة أو بين حماس وإسرائيل؛ لتثبت نفسها كوسيط لا غنى عنه، وقد شكل موقفها خلال أزمة الحصار عام 2017 حين رفضت قطع العلاقات مع إيران رصيدا سياسيا تستخدمه الآن بفعالية”.

وتعد الوساطة القطرية في صفقة تبادل السجناء بين إيران والولايات المتحدة مثالا واضحا على هذه الاستراتيجية، وتتمتع الدوحة بموقع فريد بفضل احتضانها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة وفي الوقت نفسه احتفاظها بثقة نسبية لدى طهران.

الإمارات.. براغماتية اقتصادية ودور غير مباشر

أشارت الصحيفة إلى أنه لطالما حافظت الإمارات، خاصةً دبي، على علاقاتها الاقتصادية مع إيران حتى في فترات التوتر السياسي الحاد، ويعيش عشرات الآلاف من الإيرانيين على أراضيها، ما يجعلها غير قادرة على تحمل تكلفة عدم الاستقرار.

وقد كشفت واقعة تسليم أنور قرقاش رسالة من دونالد ترامب إلى المرشد الإيراني عن رغبة أبوظبي رغم تحالفها الأمني مع واشنطن، في الإبقاء على قنوات اتصال مفتوحة مع طهران، وتدرك الإمارات هشاشتها أمام التوترات في مضيق هرمز، لذا تفضل استخدام الدبلوماسية والمفاوضات السرية لتقليل حدة الصدامات.

عمان.. هندسة دبلوماسية هادئة وإرث السلطان قابوس

يُشاد بسلطنة عُمان دور بالغ التعقيد والأهمية، مستندة في ذلك إلى إرث دبلوماسي راسخ أرساه السلطان قابوس، ونهج فريد في تسوية النزاعات. هذه المقومات تجعل من السلطنة وسيطًا موثوقًا بين طهران وواشنطن. كما أن موقعها الجيوسياسي يمنحها ميزة استراتيجية؛ فهي تشكل حلقة وصل لجيران إيران، وتحافظ في الوقت نفسه على علاقات أمنية متينة مع الغرب، مما يكسب مسقط مكانة فريدة في المنطقة.

وليس اختيار عمان كمقر للمفاوضات المرتقبة مصادفة؛ فهي تهيئ بيئة آمنة تتيح تبادل الرسائل الحساسة بين الطرفين، وقد أثبتت قدرتها على نقل التحذيرات من دون انحياز كما فعلت في أبريل/نيسان 2023 خلال تنسيقها لزيارة الوفد السعودي العماني لصنعاء لإجراء محادثات مع جماعة أنصار الله.

 كما أن علاقاتها المتقدمة مع طهران والتي تشمل أحيانا التعاون الأمني أكسبتها ثقة إيران وهو ما يعد عنصرا حاسما بالنسبة للولايات المتحدة لضمان تنفيذ أي اتفاق محتمل. وتستطيع مسقط بفضل شبكات علاقاتها تحويل المقترحات الفنية للطرفين إلى خطط تنفيذية عملية، كما أن حيادها عن التحالفات الهجومية ضد إيران يجعلها مقبولة من قبل طهران كوسيط محايد.

في النهاية.. الخليج العربي كساحة دبلوماسية متعددة الأقطاب

إن وساطة دول الخليج بين إيران والولايات المتحدة تمثل تحولا استراتيجيا يتجاوز الأهداف الوقتية، فتحول هذه الدول إلى قوى وسطى ذات قدرة على التأثير في المعادلات العالمية يتطلب استقرارا إقليميا يضمن تنفيذ مشاريعها الاقتصادية الطموحة.

وتبرز سلطنة عمان كنموذج فعال للقوة الناعمة في الشرق الأوسط من خلال دبلوماسيتها التقليدية وعلاقاتها المتوازنة وثقافتها السياسية الهادئة، وستحدد نتيجة هذه الوساطات- سواء بالنجاح أو الفشل- مستقبل العلاقات الإيرانية الأمريكية، كما ستؤثر في موقع الدول الخليجية ضمن الخريطة الجيوسياسية الجديدة.