- ربيع السعدني
- 90 Views
في ظل تحولات جيوسياسية دراماتيكية تشهدها منطقة الشرق الأوسط، تواجه إيران مفترق طرق حاسما بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا قبل نهاية 2024، وهو الحليف الاستراتيجي الذي شكّل ركيزة أساسية لنفوذها الإقليمي.
بعد عقد من الهيمنة على الشرق الأوسط، واجهت السلطات الإيرانية وضعا يتطلب إعادة حسابات وتقييم سياساتها مع سقوط نظام الأسد في سوريا، وفقدت إيران حليفها الحكومي الوحيد في المنطقة، فالأسد كان أحد أهم حلفاء طهران، وقد بذلت الأخيرة جهودا كبيرة لدعمه منذ انطلاق ثورات الربيع العربي عام 2011، وضحت بكثير من الجنود في الحرب ضد تنظيم “داعش”.
يأتي هذا في الوقت الذي وجهت فيه الغارات الإسرائيلية ضربات لحزب الله اللبناني، تحتاج إيران الآن إلى مراجعة استراتيجية عاجلة، لطالما روّجت سوريا وحزب الله لمشروع “محور المقاومة”، وكان التحالف مع الأسد عاملا أساسيا في إنشاء ممر بري لتزويد حزب الله بالموارد المالية والعسكرية.
تهديدات المرشد
وفي وقت سابق أطلق المرشد الإيراني علي خامنئي يوم 10 مايو/أيار 2025، تهديدات مبطنة ضد الحكومة السورية بمناسبة “أسبوع العمل والعمال”، جاء فيها: “ما يقومون به في سوريا ليس دليلا على قوتهم بل دليل على الضعف وسيؤدي إلى مزيد من الضعف، جولات تيار الباطل ستنتهي خلال أيام”.
وتعكس هذه التصريحات المتكررة من رؤوس السلطة في طهران النفَس المعادي للحكومة السورية، فمنذ سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، شهدت العلاقات بين إيران والقيادة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع حالة من التوتر والترقب، مع محاولات إيرانية لإعادة تقييم موقفها تجاه سوريا في ظل المتغيرات السياسية والجيوسياسية.
ضربة قوية لإيران
وقد شكّل سقوط نظام الأسد ضربة استراتيجية لم تتعرض لها طهران منذ عقود، أثرت على استراتيجية إيران الإقليمية، ويبدو أنها ستدفعها لإجراء إعادة حساب شامل لمشروعها الإقليمي، خصوصا مع دخول الولايات المتحدة على خط المواجهة مع الحوثيين في اليمن وضعف وضع “حزب الله” في لبنان وتصاعد القوى السياسية الرافضة للنفوذ الإيراني في العراق.
الأمر الذي دفع بالمسؤولين الإيرانيين إلى إصدار تصريحات متنوعة وانتهاج أسلوب الدبلوماسية الناعمة، وتحريك بعض القوى المثيرة للاضطرابات في سوريا من أجل استعادة نفوذها، وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في مقابلة تلفزيونية مع قناة “الشرق” إن طهران ليست في عجلة من أمرها لإقامة علاقات مع سوريا، وفيما يتعلق بالخطوة الأخيرة التي اتخذتها إدارة ترامب بإصدار إعفاءات من العقوبات بشأن سوريا، قال عراقجي: “نحن سعداء برفع العقوبات الأمريكية عن الشعب السوري، ونأمل أن تتحرك سوريا نحو مزيد من السلام ووحدة أراضي أكبر وإنهاء الاحتلال ووحدة جميع القوميات”.
متى تعيد إيران علاقتها بسوريا؟

وتابع عراقجي حديثه عن العلاقات الإيرانية السورية، قائلا: “حاليا، لا توجد علاقات بين طهران ودمشق، ولسنا في عجلة من أمرنا لإقامة علاقات، متى ما توصلت الحكومة السورية إلى استنتاجها بشأن مدى قدرة العلاقات مع إيران على مساعدة الشعب السوري، فنحن مستعدون للاستجابة لطلبها”، وفي مقال سابق له نشر على موقع منتدى طهران للحوار، كتب عراقجي أن دول المنطقة بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى بناء نظام جديد، نظام يؤكد مبدأ السيادة الوطنية بدلا من الاعتماد على القوى العابرة للحدود.
وأشار إلى أنه بدلا من التحالفات الهشة، ينبغي تعزيز التعاون الشامل، وبدلا من التركيز على الأمن، ينبغي إعطاء الأولوية للتنمية الاقتصادية، وبدلا من الأطر المفروضة من قبل الجهات الفاعلة الخارجية، ينبغي ضمان الأمن الجماعي، وأضاف عراقجي أنه في هذه المقالة، أوضحت وجهة نظر إيران بشأن غرب آسيا والقضايا الدولية الرئيسية التي تم طرحها في اجتماع منتدى طهران للحوار 2025.
تضارب تصريحات في الموقف السوري
يأتي هذا بينما لا تزال العلاقات بين إيران التي كانت داعما رئيسيا لحكومة الأسد، ودمشق شبه مجمّدة منذ سقوط النظام السابق في حين شدد الرئيس السوري للفترة الانتقالية أحمد الشرع، مرارا على أن الشعب السوري مجروح من الإيرانيين، مؤكدا أن “بلاده لن تكون ممرا للأسلحة الإيرانية، ولا نصدر إزعاجا لأحد”، وأعلن خلال مقابلة مع صحيفة “الشرق الأوسط” في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2025 عن سعيه لبناء علاقات ترتكز على الاحترام المتبادل بين دمشق وجميع الدول المجاورة أو الإقليمية ومن ضمنها إيران.
كما حذر وزير الخارجية السوري المعين حديثا أسعد حسن الشيباني إيران، من “بث الفوضى في بلاده”، وقال في منشور على منصة “إكس” الثلاثاء 20 مايو/أيار 2025: “على إيران احترام إرادة الشعب السوري وسيادة البلاد وسلامته، ونحذرهم من بث الفوضى في سوريا ونحملهم كذلك تداعيات التصريحات الأخيرة”.
3 خيارات لمستقبل العلاقات الإيرانية السورية
في مذكرة كتبها الكاتب الأمريكي “إيلي غارانمايه” تناولت مجلة السياسة الخارجية الأمريكية، 3 سبل وخيارات لتقدم إيران في مرحلة ما بعد بشار الأسد في سوريا:
1▪︎ تركيز إيران على إعادة بناء محور المقاومة: يزعم الكاتب أن سلسلة التطورات التي تلت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أحدثت تغييرات غير سارة في وضع محور المقاومة في المنطقة، ويكتب: “لكن إيران لا تزال قوة إقليمية؛ قوة لا تزال لديها خيارات”.
2▪︎ إيران ستستثمر أكثر في إنتاج الصواريخ والطائرات المسيرة

ويمضي الكاتب الأمريكي في الإشارة إلى خيار آخر فيكتب: “ربما كان الاستنتاج في إيران هو أن محور المقاومة قد تجاوز وقته ولم يعد قادرا على منع الهجمات داخل إيران، وربما يشير التخلي عن الأسد إلى قبول إيران لهذا الواقع وكان إنعاش نظامه مكلفا سياسيا بالنسبة لطهران أيضا؛ خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار جارتها المهمة، العراق، التي قاومت حكومتها بشدةٍ تعبئة الجماعات المسلحة الشيعية العراقية.
وإذا ساد مثل هذا الاستنتاج في هيكل صنع القرار الإيراني، فإن زيادة الاستثمار في الأسلحة التقليدية، وخاصة الصواريخ والطائرات بدون طيار، لردع الهجمات العسكرية من قبل إسرائيل والولايات المتحدة سوف تكون بالتأكيد على جدول أعمال طهران”.
3▪︎ إيران ستظهر استعدادا أكبر لعلاقات أفضل مع السعودية
ويواصل الكاتب تأكيد أنه من غير المرجح أن تقطع إيران علاقاتها مع حزب الله في لبنان، مدعيا أن وضع إيران في العراق قد تغير وأن بغداد أصبحت أكثر قوة ونفوذا بسبب ما يسميه تدخل طهران في شؤون البلاد، ويكتب: “وقد تظهر طهران أيضا استعدادا أكبر للمضي قدما في مسارها التصالحي مع المملكة العربية السعودية.
تاريخ العلاقات مع دمشق بعد سقوط الأسد
وتدرجت المواقف الايرانية مع السوريين بين الشد والجذب، ففي 22 ديسمبر/كانون الأول 2024 دعا خامنئي الشباب السوري إلى “الوقوف بإرادة قوية” ضد من وصفهم بـ”مثيري الفوضى” المدعومين من دول أجنبية، في تصريحات فُهمت على أنها تحريضية ضد القيادة السورية الجديدة.
وأكد خلال لقائه آلاف الأشخاص من مختلف أطياف الشعب الإيراني: “لا ينبغي أن يكون هناك شك في أن ما حدث في سوريا هو نتاج مخطط أمريكي وإسرائيلي مشترك، نعم، إن حكومة سوريا المجاورة تلعب دورا واضحا في هذا الصدد ـ والجميع يرى هذا ـ ولكن المتآمر الرئيسي، والعقل المدبر، ومركز القيادة الرئيسي موجود في أمريكا وإسرائيل”.
وأضاف خامنئي: “إن هذه الأحداث هي نتاج مخطط أمريكي إسرائيلي وإن نطاق المقاومة من خلال إيجاد المزيد من القوة والدافعية في مواجهة الضغوط والجرائم سيشمل المنطقة كلها”.

هذا الخطاب أثار ردود فعل سلبية من دمشق، التي اعتبرته تدخلا في شؤونها الداخلية وفي تصريحات لاحقة أكد خامنئي أن سقوط الأسد لن يضعف إيران أو “محور المقاومة”، ورفض فكرة انهيار هذا المحور، مشيرا إلى أن إسرائيل هي التي ستواجه الهزيمة، هذه التصريحات عكست محاولة للحفاظ على صورة القوة رغم الخسارة الاستراتيجية في سوريا.
خطوة إيجابية من طهران
وفي يناير/كانون الثاني 2025 عينت إيران الدبلوماسي محمد رضا رؤوف شيباني ممثلا خاصا لسوريا، في إشارة إلى رغبتها في فتح قنوات تواصل مع القيادة الجديدة، رغم التحديات الناجمة عن التوترات السابقة، لكن لا تزال العلاقات بين إيران والقيادة السورية الجديدة متوترة، خصوصا مع مطالب الولايات المتحدة بضرورة تصنيف كل من “الحرس الثوري”، و”حزب الله” تنظيما إرهابيا كشرط للتخفيف من العقوبات الأمريكية عن دمشق مع غياب أي تقدم ملموس في التواصل الرسمي بين البلدين.
ومع ذلك، أبدت طهران استعدادا للتعامل مع نظام ديمقراطي في سوريا إذا لم يعادِ إيران بشكل مباشر، وعليه فإن إيران تستثمر حاليا مع الإدارة السورية بسياسة الدفع والجذب وكنهج آخر ظهر على لسان المحللين والسياسيين الإيرانيين، رأى البعض أن دعم الحكومة السورية الجديدة أحد أهم السبل لتعزيز علاقة إيران بسوريا، وبهذا الشأن كتبت صحيفة “اسكناس” تقريرا في عددها الصادر يوم الثلاثاء 10 ديسمبر/كانون الأول 2024، تتناول فيه مستقبل العلاقات مع سوريا في ضوء هذا التوجه.
وجاء في التقرير: “رغم التحديات والمخاوف التي أثارتها التطورات في سوريا، فإنه يمكن لإيران، بحنكة ودقة، تحويل هذه التهديدات إلى فرص، فعلى إيران أن تحلل بدقة الوضع في سوريا والتغيرات الجديدة التي تشهدها، لتتخذ نهجا مدروسا يمكنها من تعزيز مكانتها في المنطقة. يجب على إيران أن تركز بشكل خاص على الحكومة السورية الجديدة.

ومن المهم أن “تظهر إيران الدعم لأي حكومة تصل إلى السلطة في سوريا عبر طرق قانونية ومن خلال انتخابات ديمقراطية عامة وتحظى بدعم الشعب السوري كذلك، ولأن دمشق تُعد أحد الأركان الأساسية لمحور المقاومة، فإنه يجب على إيران أن تتبنى استراتيجيات في التعامل مع الحكومة المستقبلية في هذا البلد العربي تحفظ وتعزز مصالحها طويلة الأمد”، وفقا لتقرير الصحيفة.
وفي وقت سابق، ذكر تقرير لموقع “شهر خبر” بتاريخ 10 ديسمبر/كانون الأول 2024، فقد أكد الخبير الاستراتيجي حسن بهشتي بور أن الدبلوماسية أفضل خيار في الوقت الحالي، حيث قال: “إن المصالح الوطنية لإيران لا تتحقق من خلال القتال، بل من خلال الدبلوماسية”، وأضاف: “ومن خلال ذلك فهناك ثلاثة مسارات أمام إيران هي: إما إيجاد بدائل للتواصل مع جماعات المقاومة، أو التعاون في مفاوضات متعددة الأطراف مع تركيا والولايات المتحدة وروسيا لتأسيس نظام سياسي قائم على إرادة الشعب في سوريا، كذلك فتح قنوات للحوار والعلاقات الدبلوماسية مع الحكومة الجديدة في سوريا، لأنه من مصلحة إيران الحفاظ على العلاقات مع دمشق”.
ويشير موقف المسؤولين الأمريكيين إلى أنهم غير مهتمين بإعادة إعمار سوريا أو رفع العقوبات عنها، وأن هدفهم الوحيد هو إبقاء سوريا ضعيفة لا تستطيع سوى الدفاع عن العاصمة.
هل سيتم رفع العقوبات عن دمشق؟
يرى مراقبون أنه بعد انتهاء العقوبات الأمريكية، حصل الرئيس السوري أحمد الشرع، على فرصة جديدة لاختبار قيادته في ساحة المعركة السورية، لكن هذه التجربة خطيرة ومكلفة، خاصة أن سوريا أصبحت ساحة تنافسية لتركيا وغيرها من القوى الإقليمية والعابرة للحدود.
وعلى الجانب الآخر أدلى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، بتصريحات مثيرة للاهتمام خلال اجتماع في مجلس الشيوخ، قائلا: “إن سوريا ربما تكون على بعد بضعة أسابيع من بداية حرب أهلية كبرى”، وواصل روبيو تأكيد هشاشة الاستقرار في دمشق، داعيا إلى دعم دولي للحكومة المؤقتة في البلاد، وأضاف: “إذا تعاملنا مع الحكومة المؤقتة، فقد يؤدي ذلك إلى نتائج، ولكن إذا لم نتعامل معها، فإننا بالتأكيد لن نحقق نتائج”.

ونشرت مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية تقريرا زعمت فيه أن الرئيس السوري يجب أن يثبت التزامه باستقرار البلاد ودمج مناطقها، وهو ما قد يمهد الطريق لزيادة الدعم والنفوذ الأمريكي لهذا الطرف.
ووفقا لتحليل نشرته وكالة تسنيم للأنباء لقراءة ما بين سطور تصريحات وزير الخارجية الأمريكي ذكرت أنه يحاول إقناع الكونجرس بتعليق جزء من العقوبات ضد سوريا.
في حين قال ترامب خلال زيارته الأخيرة للرياض، يوم 13 مايو/أيار 2025 دون التشاور مع الكونغرس، إن العقوبات المفروضة على سوريا سيتم رفعها على الفور، وليس سرا أن رفع العقوبات في الولايات المتحدة لا معنى له من حيث الأساس بدون دور الكونجرس، لا تستطيع الحكومة الأمريكية تعليق تنفيذ العقوبات إلا لمدة ستة أشهر بأمر ترامب الذي لا يملك خيارا سوى السعي للحصول على دعم الكونجرس لتنفيذ وعده برفع العقوبات عن سوريا، خاصة فيما يسمى بعقوبات “قيصر”، والتي تعتبر أهم سلسلة عقوبات ضد البلاد، ورغم أن بعض أعضاء مجلس الشيوخ يؤيدون رفع العقوبات عن سوريا أو تعليقها، فإن هذا القرار يتطلب دعم ثلثي أعضاء الكونغرس.