- زاد إيران - المحرر
- 8 Views
الحلقة الأولى
في خضم عالم تتفاقم فيه التوترات وتتعمق فيه الانقسامات، يطل كتاب “قوة التفاوض” لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي كنداء عقلاني يعيد إحياء روح التفاهم والتعاون بين الشعوب، مستندا إلى تاريخ مشترك من التعايش بين العرب والإيرانيين، وتجربة حضارية شكلت منارات للعلم والثقافة.
الكتاب لا يقتصر على كونه مادة دبلوماسية تحليلية، بل يُعد وثيقة فكرية تسلط الضوء على محطات تاريخية مشرقة، حيث ازدهرت حضارات كبرى مثل بغداد ودمشق وأصفهان، في ظل بيئات متعددة الأديان والمذاهب، تعايش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود والصابئة والمجوس في نسيج إنساني قلّ نظيره.

ويبرز عراقجي أهمية الحوار السياسي والدبلوماسي كأداة لتحقيق الاستقرار، مؤكّدا أن التفاوض يمثل ركيزة من ركائز الأمن الوطني، ومصدرا من مصادر القوة الناعمة للدول. ويحدد ثلاثة أبعاد رئيسة لقوة التفاوض: ارتباطه بعناصر القوة الوطنية، وحاجته لمهارات وقدرات خاصة، وإمكانية تحوله إلى قوة استراتيجية بحد ذاتها.
وفي مقدمة مؤثرة خطها وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف، يضع القارئ أمام مسؤوليات الحوار والتفاهم، مشددا على أن الإصغاء، والتواضع، والقدرة على التنازل، ليست ضعفا، بل هي أدوات صلبة لصناعة السلام وتحقيق المصالح العليا.
الكتاب يأتي في توقيت حساس، ليذكرنا أن الحضارات لم تبنَ بالسلاح فقط، بل بالكلمة والحكمة والفكر، وأن الحوار لا يزال السبيل الأمثل لتحقيق الطموحات الوطنية، والتصدي للتحديات العابرة للحدود.
“قوة التفاوض” هو أكثر من مجرد كتاب، إنه دعوة لاستعادة لغة العقل في زمن يسوده الصخب.

“قوة التفاوض”.. حين تتحول الطاولة إلى ساحة معركة فكرية
في تمهيد كتابه الجديد “قوة التفاوض”، يزيح عباس عراقجي الستار عن الوجه الحقيقي لعالم المفاوضات الدبلوماسية، حيث تنقلب الصورة النمطية الهادئة خلف الطاولات المزينة بالقهوة والمجاملات، إلى واقع محتدم يشبه “حرب الإرادات”، كما يصفها المؤلف.
فالابتسامات التي يلتقطها الإعلام تخفي وراءها ساعات من التوتر، والاستعدادات الدقيقة، والمواجهات الذهنية التي تتطلب صبرا ومهارات لا تقل في شدتها عن ساحات القتال. ويصف عراقجي هذه العملية بأنها “إدارة لحقل ألغام”، لا مكان فيه للخطأ.
ويستعرض في التمهيد مسيرة السياسة الخارجية لإيران على مدى أربعة عقود، وكيف كان التفاوض أداة محورية في إدارة الملفات الحساسة، من إنهاء الحرب العراقية الإيرانية، إلى المفاوضات النووية مع مجموعة 1+5، مرورا بأزمات إقليمية كبرى شهدت حضورا إيرانيا فاعلا في مختلف المحافل.
الكتاب لا يقتصر على النظري، بل يغوص في تفاصيل التجربة التفاوضية الإيرانية، موضحا طبيعة المفاوضات، أنواعها، مكوناتها، ومستوياتها، وسمات المفاوض الناجح، بأسلوب أكاديمي مدعوم بالأمثلة الواقعية.

ويؤكد عراقجي أن عنوان الكتاب “قوة التفاوض” يعكس ثلاث دلالات متكاملة: القوة التي تولدها المفاوضات، القوة المطلوبة لإجرائها، والمهارة الشخصية التي يجب أن يتحلى بها كل مفاوض ناجح.
وفي نهاية التمهيد، لا ينسى عراقجي أن يُعرب عن امتنانه لكل من ساهم في إنجاز هذا العمل، من مسؤولين وزملاء وأساتذة، وعلى رأسهم وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف، الذي قدّم هذا الكتاب ورافقه في واحدة من أبرز المحطات التفاوضية في تاريخ إيران الحديث.
إنه تمهيد لا يقدم فقط مقدمة لكتاب، بل يفتح نافذة لفهم أعمق لدهاليز الدبلوماسية، ويضع القارئ على أعتاب تجربة فكرية وميدانية ثرية، تُروى بقلم من كان في قلب الحدث.
يتبع