من مسقط إلى الميدان: إيران تعيد ترتيب أوراقها في مواجهة أمريكا وإسرائيل

ترجمة دنيا ياسر نورالدين

نشرت صحيفة “فرهيختكان“الإيرانية الأصولية الأحد 27 أبريل /نيسان 2025 تقريرا استعرضت فيه وضعية إيران في المجالات الاقتصادية والداخلية والخارجية، موضحا توازن التهديدات والفرص. كما تناول أوراق القوة التي تعتمد عليها طهران في مواجهة التصعيد الأمريكي والإسرائيلي.

ذكرت الصحيفة أن الجولة الثالثة من المحادثات غير المباشرة بين الوفدين الإيراني والأمريكي عُقدت يوم السبت  26 أبريل/نيسان 2025  في العاصمة العُمانية مسقط. وأوضحت أن هذه الجولة شهدت انطلاق المباحثات الفنية والدخول في تفاصيل تقنية.

وأردفت  أن الأجواء بدأت تميل نحو ما يشبه فترة مفاوضات الاتفاق النووي (برجام)، غير أن الظروف التي يمر بها الطرفان وأوراق الضغط المتوفرة لديهما قد شهدت تغيرات ملحوظة.

تحولات المشهد الأمريكي

تابعت الصحيفة بأن الولايات المتحدة كانت في الجولة السابقة من المفاوضات تميل إلى التعددية، في حين اتجهت اليوم نحو الأحادية لأسباب متعددة. وأكدت أن هذا التحول لا يعود إلى زيادة في قوة واشنطن تدفعها إلى تجاهل القوى الأخرى، بل السبب الرئيسي يتمثل في تصاعد المنافسة الدولية وسعي كل طرف إلى كبح جماح الطرف الآخر.

وأضافت  أن الولايات المتحدة، رغم كونها دولة متقدمة وذات معدل نمو مرتفع، إلا أن تسارع نمو قوى دولية أخرى ساهم في تسريع وتيرة أفولها. ولم يعد نمو واشنطن وحده كافيا لضمان تفوقها الكبير على بقية الأطراف.

وأوضحت أن الصين برزت كقوة موازية على الساحة الدولية، فيما استعادت روسيا جزءا من مكانتها، إلى جانب بروز عشرات القوى الإقليمية في مناطق مختلفة من العالم.

وفيما يخص منطقة غرب آسيا، أكدت الصحيفة أن بعض الدول مثل العراق قد فقدت الكثير من قوتها السياسية مقارنة بعهد صدام حسين، كما أن سوريا باتت تعاني من عدم الاستقرار، إلا أن دولا أخرى لا تزال تملك مقومات القوة.

ولفتت إلى أن اليمن، رغم النزاعات التي يعاني منها، إلا أنه حقق درجة من التماسك والقوة لم يسبق له أن وصل إليها في تاريخه، فيما استطاعت إيران وتركيا والسعودية، رغم بعض الأضرار، أن تواصل تعزيز قدراتها وتبدي مواقف صلبة في مواجهة الولايات المتحدة.

وأشارت إلى أن التعدد في مراكز القوة العالمية، مع اتساع المجال أمام بروز قوى إقليمية، شكّل ضربة إضافية للمكانة الدولية للولايات المتحدة.

انقسامات داخل المعسكر الغربي

واصلت الصحيفة الحديث قائلة إن الولايات المتحدة تواجه مشكلات مع أبرز حلفائها الغربيين في مجالات عدة، منها التجارية والعسكرية والإقليمية.

وأشارت إلى أن الرئيس الأمريكي  دونالد ترامب كان يسعى إلى ضم جزيرة غرينلاند التابعة للدنمارك، وكذلك كندا التي تعد من الدول الخاضعة لنفوذ بريطاني، إلى السيادة الأمريكية، وهي خطوات أثارت الخلافات مع الحلفاء.

وأكدت أن مثل هذه الخلافات حول السيادة لم تكن مطروحة خلال مفاوضات الاتفاق النووي السابقة.

وأوضحت الصحيفة أن أوروبا، رغم تقاطع مواقفها مع الولايات المتحدة فيما يخص الملف النووي الإيراني، إلا أن واشنطن، بدافع الرغبة في تقويض مكانة القارة العجوز، تتعمد إقصاء الأوروبيين عن المشاركة الجدية في المحادثات الجارية.

أفادت الصحيفة بأن الولايات المتحدة، خلال جولات المفاوضات السابقة، كانت تعتبر الملف النووي الإيراني من أولوياتها الأساسية، رغم أحاديث جانبية آنذاك عن توجه استراتيجي أمريكي نحو شرق آسيا.

أما اليوم، فقد تعددت الملفات الساخنة التي تشغل واشنطن، ومنها الحرب في غزة، الحرب في أوكرانيا، الصراعات في اليمن، إضافة إلى التوترات المتزايدة في شرق آسيا، وهو ما أدى إلى تراجع الأولوية التي يحظى بها الملف النووي الإيراني في الأجندة الأمريكية.

ذكرت الصحيفة أن هذا الجزء من التقرير يتناول أوضاع إيران من مختلف الزوايا، موضحة أن التهديدات والفرص تسير جنبا إلى جنب، حتى في النقاط التي تواجه فيها إيران بعض مظاهر الضعف.

الضغوط الاقتصادية وتكتيكات التأقلم

أردفت الصحيفة أن إيران تتحمل اليوم ضغوطا اقتصادية أشد مما كانت عليه في فترة ما قبل الاتفاق النووي (برجام)، لكنها في المقابل طوّرت آليات جديدة للتكيف مع العقوبات.

وأضافت أن طهران تستفيد من أجواء القلق التي خلقتها العقوبات الأمريكية لدى الدول الأخرى، حيث قامت دول مثل الصين وروسيا بإنشاء أنظمة مالية موازية لأنظمتها البنكية الرسمية، ما أتاح فرص تسوية للمعاملات التجارية بعيدا عن هيمنة الدولار.

وأوضحت أنه رغم شدة الضغوط الاقتصادية والمالية، إلا أن مناعة إيران أمام الاختراقات قد ازدادت.

وتابعت الصحيفة أن رغم نجاح إيران الجزئي في الالتفاف على العقوبات، إلا أن المشكلات الهيكلية الداخلية، إلى جانب تصعيد العقوبات وتنوع أدوات تنفيذها، فاقمت الأوضاع الاقتصادية.

وأشارت إلى أن التدهور المستمر في قيمة العملة الوطنية، وزيادة معدلات التضخم، وعدم التوازن في قطاع الطاقة، كلها مؤشرات على تراكم الأزمات.

ذكرت الصحيفة أن الوضع الداخلي يعاني أيضا من اضطرابات، حيث شهدت البلاد انخفاضا ملحوظا في نسب المشاركة بالانتخابات وظهور انقسامات اجتماعية أضعفت جزءا من القوة الوطنية وأصبحت مصدر أمل للأعداء.

ومع ذلك، تابعت الصحيفة، أن الصلابة الاجتماعية للنواة المقاومة للسياسات الأمريكية قد ازدادت، وهو تطور نوعي يُحسب لصالح إيران.

تحسّن في السياسة الخارجية

أوضحت الصحيفة أن في مجال السياسة الخارجية، وعلى عكس الاقتصاد والشأن الداخلي، تحسنت أوضاع إيران مقارنة بالسابق.

وذكرت أن طهران انضمت إلى كل من منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة بريكس، كما وقعت اتفاقية تعاون مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.

وأضافت أن إيران نجحت أيضا في تحسين علاقاتها الإقليمية، بما في ذلك استئناف العلاقات مع المملكة العربية السعودية.

وأشارت الصحيفة إلى أن عناصر القوة الصلبة الإيرانية شهدت نموا ملحوظا؛ ففي المجال النووي، رفعت إيران نسبة تخصيب اليورانيوم من 20% إلى 60%، وقلصت الزمن اللازم للفرار النووي من ستة أشهر إلى بضعة أيام، مع إنتاج أجهزة طرد مركزي أكثر تطورا.

أما في مجال الصواريخ، فشهدت إيران تحسنا في المدى والدقة وسرعة الإنتاج، وقد دخلت صواريخها فرط الصوتية إلى الخدمة.

وذكرت الصحيفة أن الطائرات المسيرة ومنظومات الدفاع الجوي هي أيضا مجالات تميزت فيها إيران مقارنة بالماضي، مشيرة إلى أن طائرات مسيرة انتحارية ذات منشأ إيراني يتم استخدامها بكثافة في روسيا واليمن.

وأردفت أن منظومة الدفاع الجوي بعيدة المدى “باور-373” تُعد مثالا بارزاً على تطور القدرات الدفاعية الإيرانية.

وأوضحت  أن نقطة الضعف الوحيدة تتمثل في محور المقاومة، إذ تعرضت غزة لدمار واسع، وتراجعت قوة المقاومة اللبنانية، وسقطت سوريا في وضع هش.

وفي المقابل، تابعت الصحيفة، استطاع اليمن والعراق أن يحققا تقدما لافتا في تعزيز قوتهما، في حين استعادت فنزويلا والسودان نشاطهما داخل محور المقاومة، بعد أن عاد السودان إلى صفوفه مجددا.

ذكرت الصحيفة أن توسع الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي السورية واللبنانية يمثل تحديا لمحور المقاومة، لكنه لا يعني استقرارا لتل أبيب.

وأوضحت أن الاحتلال الاسرائيلي يعيش حالة من الغموض وعدم القدرة على تثبيت مكاسبه، في ظل تورطه في حروب استنزاف تعرقل خططه المستقبلية.

وتابعت الصحيفة بأن إيران تعمل على إعادة بناء وتعزيز أوراقها التفاوضية، ففي الملف الإقليمي، رغم الضربات التي تعرض لها محور المقاومة في الشام، عاد السودان إلى حضن المقاومة، وتسلّحت المجموعات المقاومة في العراق واليمن بأسلحة متطورة.

وأردفت أن الولايات المتحدة لا تستطيع تجاهل محور المقاومة أثناء تخطيطها للسيطرة في مناطق مثل المحيط الهندي، البحر الأحمر، وقرن إفريقيا.

عملية “الوعد الصادق-3” كورقة ردع

أشارت الصحيفة إلى أن إيران تمتلك ورقة أخرى قوية هي عملية “الوعد الصادق-3″، حيث حصلت على الشرعية الدولية للرد على العدوان الجوي الإسرائيلي الذي استهدف أراضيها في الخامس من آبان.

وذكرت أن إيران سبق أن أطلقت حوالي 120 صاروخا في عملية “الوعد الصادق-1″، ونحو 200 صاروخ في “الوعد الصادق-2″، وتخطط الآن لأن تكون “الوعد الصادق-3” أضخم بكثير، بحيث يتجاوز عدد الصواريخ المستخدمة ألف صاروخ.

وأوضحت أن الصواريخ الإيرانية أصبحت أكثر دقة وأقوى من حيث حجم الرؤوس الحربية، مما سيؤدي إلى ضرب البنية التحتية العسكرية الأساسية للاحتلال الإسرائيلي بضربات قاصمة.

مستقبل المفاوضات تحت نيران الخيارات

قامت الصحيفة بالتأكيد على أن أي فشل للمفاوضات سيعرض الاحتلال الإسرائيلي، الحليف الأهم للولايات المتحدة في غرب آسيا، لخطر حقيقي. وتابعت أن نجاح العملية الإيرانية قد يؤدي إلى تمهيد الساحة أمام المقاومة لشن حرب برية جديدة على الكيان.

وأكدت أن سرعة تنفيذ الضربة الإيرانية لن تتيح لواشنطن الوقت الكافي للرد، مما سيورطها في حرب استنزاف قد تغير معادلات المنطقة جذريا. وأن الولايات المتحدة، إن لم تقدم تنازلات، قد تخسر الكثير.