- زاد إيران - المحرر
- 39 Views
ترجمة: علي زين العابدين برهام
النص التالي هو تحرير لمقابلة هادي معصومي زارع، الخبير في دراسات الشرق الأوسط، مع برنامج “جدال”. تستعرض هذه السلسلة تاريخ العلاقات بين النظام السوري وإيران، والتطورات التي مرت بها منذ نشأتها حتى اليوم. وتعدّ هذه الحوارات من بين الدراسات النادرة التي تناولت الموضوع بهذا العمق والشمولية، حيث تم تحريرها تحت إشراف معصومي زارع نفسه، وستُنشر في سلسلة من المقالات.
أشرف على تحرير وإعداد هذه الحوارات علي رضا فرشجي، الباحث في الفقه والعلاقات الدولية. جدير بالذكر أن هذه المقابلة أُجريت عام 2021 خلال فترة حكم حزب البعث في سوريا. وفي ما يلي نص الحوار:
لفهم سبب دخول إيران في الأزمة السورية، يجب أولا فهم طبيعة الأحداث التي جرت في سوريا، وما إذا كانت مفاجئة أم كانت لها خلفيات تمتد لسنوات قبل 2011. الأحداث التي جرت على الساحة الإقليمية والدولية والمحلية في سوريا ساهمت في تغييرات داخل البلاد، وبعض هذه التغييرات كان نتيجة للأخطاء التي ارتكبها النظام، وأخرى كانت نتيجة للتحضيرات التي بدأت قبل عقد من الزمن من قبل القوى الإقليمية والدولية.
الخلفيات الخارجية
سوريا كانت دائما تواجه تهديدات وجودية مستمرة من البيئة الإقليمية والدولية.
مشروع إصلاحات بشار الأسد
في عام 2000، بدأ بشار الأسد مشروعا للإصلاحات باسم “ربيع دمشق”، لكنه واجه معوقات، مثل مقاومة الحرس القديم الذي رفض بعض خطواته، إضافة إلى تشدد المعارضة السورية التي كانت تطالب بإصلاحات جذرية بسرعة، مما جعل النظام يعتقد أن هذه الإصلاحات قد تؤدي إلى انهياره.

سوريا في محور الشر
في عام 2002، بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، أدرج جون بولتون، نائب وزير الخارجية الأمريكي، سوريا ضمن “ما وراء محور الشر”، في إشارة إلى تهديدات أمريكية ضدها. وكانت هناك خطط أمريكية، في ظل إدارة المحافظين الجدد، لشن هجوم على سوريا أو تغيير نظامها. في 2003، أدى الهجوم الأمريكي على العراق إلى شعور سوريا بتهديد وجودي.
العلاقات مع لبنان
في سبتمبر 2004، أصدر مجلس الأمن القرار 1559 الذي طالب بخروج القوات السورية من لبنان ونزع سلاح حزب الله. بعد استقالته في أكتوبر 2004 بسبب خلافات مع الرئيس اللبناني، انضم رفيق الحريري إلى معارضي النظام السوري ومؤيدي تنفيذ القرار 1559، رغم علاقاته السابقة الجيدة مع النظام السوري.
كم كان حجم الوجود العسكري السوري في لبنان وكيف استطاعت سوريا إدخال هذا العدد من الجنود إلى لبنان؟ كم كان عدد الجنود وأين تمركزوا؟ وما هو السبب والذريعة لدخولهم إلى دولة مستقلة مثل لبنان؟
دخلت سوريا إلى لبنان في السبعينات بهدف السيطرة على النزاعات الداخلية، وكان ذلك مدعوما من الولايات المتحدة والسعودية والدول العربية. خلال الثمانينات، تدخلت القوات السورية في بيروت في نزاع بين حركة أمل وحزب الله، وشاركت في صراعات مع الفصائل الفلسطينية.
ظلّت القوات السورية في لبنان أكثر من عقدين تحت مسمى “قوات حفظ السلام”، وكان هدفها منع التصعيد، ولم تكن جزءا من قوات الأمم المتحدة. لعبت سوريا دورا في قمع حزب الله والفصائل الفلسطينية، واعتبرت الحاكم الفعلي للبنان حتى 2004، بالتعاون مع شخصيات لبنانية مثل رفيق الحريري وجنبلاط. في المقابل، كانت علاقة حزب الله بسوريا أقل توترا مقارنة بعلاقاتها مع الحريري وجنبلاط.

كيف يمكن لسوريا، التي لم تكن جزءا من محور المقاومة ولكنها كانت في الجبهة المقابلة لإسرائيل ولم تكن على علاقة بالسعودية، أن تَتمكن من نشر قواتها وتسيطر فعليا على جزء من لبنان في ظل ظروف تاريخية معقدة مثل الاستعمار الفرنسي، والوجود الأمريكي، واحتلال إسرائيل لجزء من لبنان؟
هدف الغرب والدول العربية لم يكن مكافحة إسرائيل بل السيطرة على الفوضى في لبنان. رغم عدم الثقة بسوريا، كانت هناك حاجة لقوة تسيطر على الفوضى وتمنع انتشارها.
فرنسا كانت مشرفة على لبنان وسوريا في فترة الوصاية، وكان لها نفوذ معنوي في سوريا، وكانت علاقاتها أفضل من مع باقي الدول العربية. الدول الغربية والعربية سمحت لسوريا بنشر قواتها في لبنان بهدف السيطرة على الوضع.
حتى عام 2004، كانت علاقة حزب الله بسوريا أقل حرارة من علاقات سوريا مع شخصيات لبنانية مثل رفيق الحريري وجنبلاط. سوريا كانت تهدف أيضا إلى احتواء الحركات الفلسطينية في لبنان التي خرجت عن مهمتها الأصلية وصارت مصدرًا للفوضى.
في البداية، كان دور سوريا في لبنان محدودا، ولكن مع مرور الوقت، وخاصة بعد حكم بشار الأسد، بدأت سوريا تقترب من دعم المقاومة بشكل أكبر.
في فبراير/شباط 2005، تم اغتيال رفيق الحريري، وهو حدث سياسي ضخم أثر في سوريا ولبنان. أول من دان الاغتيال كان الرئيس الفرنسي جاك شيراك، ووجهت أصابع الاتهام إلى الحكومة السورية، ولكن لم يتم الكشف عن أدلة قط.
هل يمكنك توضيح قليلا عن عملية الاغتيال، وما هي الوثائق والأدلة التي تم الكشف عنها في النهاية؟ وهل كان هناك حقا أي شخص من داخل حكومة الأسد له دور في هذه العملية؟
تم توجيه أصابع الاتهام إلى سوريا وحلفائها في لبنان، وخاصة حزب الله. في البداية، تم اتهام النظام السوري وبعض المقربين من بشار الأسد، إلى جانب بعض قادة حزب الله باغتيال الحريري، ولكن مع مرور الوقت تم رفع التهم عن سوريا، وتركزت الاتهامات بشكل رئيسي على حزب الله.

كان هناك دائما تساؤل مهم: إذا كان بشار الأسد يريد التخلص من رفيق الحريري، لماذا لم يستخدم طرقا أبسط مثل الاغتيالات البيولوجية أو غيرها من الطرق التي يمكن أن تكون صامتة؟ التفجير الكبير الذي وقع يثير العديد من التساؤلات ويبدو أنه كان يهدف إلى إثارة المجتمع اللبناني.
الفرق بين اغتيال شخص باستخدام طرق بيولوجية أو رصاصة وبين إرسال سيارة محملة بمواد متفجرة إلى الشارع كبير، ويؤدي إلى رد فعل إعلامي واسع يؤثر على الرأي العام. هذه الأسئلة كانت دائما تثير الشكوك حول دور سوريا وحزب الله في اغتيال الحريري.
هل يمكننا القول إن المنافسة بين إيران والسعودية في لبنان تنعكس أيضا في علاقاتهما مع العالم العربي وسوريا؟ وهل الجذور الأساسية لذلك تكمن في رغبتهم في إخراج سوريا وإيران من لبنان، وأحد الطرق لتحقيق ذلك هو إبقاء محكمة الحريري حية للحفاظ على المشاعر المعادية لسوريا في لبنان؟
الاتهام موجه إلى سوريا، وتنطلق تظاهرات 8 و14 مارس/آذار، وبناء عليه، تتشكل جبهتان: جبهة 8 مارس/آذار التي تضم مؤيدي سوريا وحزب الله وأمل وحلفاءهم، وجبهة 14 مارس/آذار التي تضم المعارضين.
تتشكل التظاهرات الكبرى في لبنان، ويزيد الضغط على سوريا، وبعد نحو 3 أسابيع من هذه التظاهرات، وفي 7 أبريل/نيسان 2005، يتم إصدار قرار مجلس الأمن رقم 1595 مجددا بنفس مضمون القرار السابق، بالإضافة إلى إدانة الأعمال الإرهابية في لبنان، والتأكيد على ضرورة إنشاء لجنة تحقيق دولية مستقلة، مع الافتراض والادعاء بأن الجهاز القضائي في لبنان فاسد وتحت التأثير الخارجي، ولا يملك صلاحية التحقيق.
بعد أقل من 20 يوما من القرار، يتم خروج جميع القوات العسكرية السورية من لبنان في 26 أبريل/نيسان 2005، بعد 29 عاما من وجودها منذ 1975.
في 14 فبراير/شباط 2005، يُغتال السيد رفيق الحريري، وهو الاغتيال الذي أصبح منشأ للكثير من القضايا الجديدة في سوريا ولبنان. كان هذا الاغتيال زلزالا سياسيا كبيرا على المستوى الإقليمي.
بعد ذلك تُجرى انتخابات مجلس النواب اللبناني. للأسف، في الظروف الجديدة، يفوز فريق 14 مارس/آذار بقيادة سعد الحريري، نجل رفيق الحريري ورئيس حزب المستقبل، في الانتخابات، وبعد شهر في يونيو/حزيران 2005، يتم تشكيل حكومة فؤاد السنيورة رسميا باسم هذه المجموعة.
ويصبح لبنان الذي كان دائما حديقة خلفية وحليفا لسوريا تحت حكم حكومة تتعارض تمامًا مع النظام السوري، وتوجه أصابع الاتهام في قضية الاغتيال إلى النظام السوري.
حكومة السنيورة تعتبر واحدة من أكثر الحكومات ضد سوريا وضد حزب الله في تاريخ لبنان. منذ عام 1985 حتى الآن، لم تُشكل أي حكومة في لبنان بحزم وعداء وجرأة وتحدي كما حكومة السنيورة.

صراع المقاومة مع الاحتلال الإسرائيلي
في يونيو/حزيران 2006، اندلعت حرب الـ33 يوما في لبنان، حيث تعرض حزب الله للهجوم وهددت إسرائيل سوريا.
وفي 6 سبتمبر/أيلول 2007، هاجمت إسرائيل المنشآت النووية السورية في دير الزور، التي نفت سوريا أنها كانت نووية، لكن الغرب أكد ذلك.
وفي 2008، وقعت اشتباكات في لبنان بعد محاولة السنيورة نزع سلاح حزب الله، فسيطر الحزب على بيروت ثم أعادها إلى الجيش اللبناني، مؤكدا أن شبكة اتصالاته خط أحمر.
وفي نفس العام، اغتيل محمد سليمان، مستشار الأمن القومي لبشار الأسد، بواسطة الموساد الإسرائيلي.
في عام 2009، تم اقتراح مشروع “الأنبوب الإسلامي” لنقل الغاز من إيران عبر العراق وسوريا إلى أوروبا، بينما كانت هناك مشاريع منافسة من قطر وأذربيجان. رفض بشار الأسد هذا المشروع لصالح التعاون مع روسيا، التي كانت تسعى للحفاظ على سيطرتها في مجال الغاز.
بدأ العمل على الأنبوب الإيراني، لكنه توقف في 2014 بعد هجوم تنظيم الدولة” داعش”. عقب رفض المشروع، بدأ جهاز الاستخبارات الأمريكي (CIA) دعم المعارضين للأسد بهدف الإطاحة بنظامه، كما يظهر في وثائق ويكيليكس، مما يعكس الدور الكبير للغاز في السياسة الإقليمية.
هل تعتقد أن أحد أسباب الضغط هو الغاز؟ لأن الغاز يأتي من إيران ويصل إلى لبنان، مما يربط محور لبنان وسوريا ببعضهما البعض. هل كان الهدف منع الغاز الإيراني من المرور، وبالتالي أن يصبح محور المقاومة (إيران-العراق-سوريا-لبنان) محورا اقتصاديا أيضا؟
بالطبع، خط الأنابيب يمكن أن يكون أحد العوامل من بين عشرات العوامل؛ لا يمكننا اختزال كل شيء في خط الأنابيب فقط. لكن إذا لم نفهم هذا بشكل جيد ولم نر العوامل الخفية وراء الأحداث بوضوح، وإذا أردنا أن ننسب كل شيء إلى الشارع العام فقط، وأن الناس جاءوا فقط بهدف الحرية، فهذا تبسيط للمسألة.
كما أن تجاهل دور الشعب ومشكلات الفساد والاستبداد قد يقودنا أكثر إلى الوقوع في فخ نظرية المؤامرة.