- محمد علي
- 14 Views
في السنوات الأخيرة، باتت تجارة المخدرات في الشرق الأوسط تشكل تهديدا مباشرا للاستقرار الإقليمي، ومع انهيار النظام السوري في ديسمبر/كانون الأول 2024، كُشف النقاب عن شبكة ضخمة لإنتاج وتوزيع مادة الكبتاغون، والتي باتت تُعرف إعلاميا بالمخدر المفضل للحروب والجماعات التكفيرية، وعلى الرغم من أن الأنظار كانت تتجه نحو سوريا ولبنان كمركزين رئيسيين لهذه التجارة، فإن المخاوف بدأت تتصاعد داخل إيران من احتمال تسرب هذا السم إلى داخل حدودها، بما يحمله من تداعيات أمنية واجتماعية وصحية.
وفي وقت تتزايد فيه المخاوف من تفشي المخدرات الصناعية في المنطقة وإيران على وجه التحديد، حذر سعيد صفاتیان، الباحث في شؤون الإدمان، من خطر انتشار مادة الكبتاغون داخل السوق الإيرانية، واصفا إياها بأنها من أخطر العقاقير المنشطة التي عرفها العالم حتى اليوم.

ففي مقابلة مع موقع خبر أونلاين بتاريخ السبت 3 مايو/أيار 2025، أشار صفاتیان إلى أن هذه المادة، التي استُخدمت سابقا من قبل عناصر تنظيم داعش لتعزيز شعور زائف بالقوة والثقة، باتت تنتقل تدريجيا من ساحات المعارك إلى الأسواق السوداء، حيث يُقبل عليها متعاطون بدافع الفضول أو الحاجة إلى بدائل رخيصة للمخدرات التقليدية.

فقد صرح صفاتيان بأنه “مؤخرا، تم الكشف عن منشأة ضخمة لصناعة الكبتاغون في العراق، ومع وجود حدود مفتوحة نسبيا بين العراق وإيران، يصبح خطر تسرب هذه الحبوب إلى الداخل الإيراني مسألة وقت لا أكثر، خصوصا في ظل ارتفاع أسعار الأفيون وتقلبات سعر الدولار، ما قد يدفع بعض المدمنين إلى البحث عن بدائل أرخص وأكثر تأثيرا”.
وأوضح الباحث أن هذا المخدر ليس مجرد منشط نفسي، بل مادة تفقد الإنسان مشاعره الأساسية كالخوف والرحمة، ما يجعلها محفزا مباشرا على العنف، مضيفا: “هي ذاتها الحبة التي كان يتناولها عناصر داعش قبل تنفيذ عمليات الذبح، حيث تفصل الإنسان عن واقعه العاطفي، وتجعله قادرا على ارتكاب جريمة مروعة دون تردد، كما لو كان يذبح طائرا”.
كما حذر من أن هذه المادة تُسبب هلوسات خطيرة، ونوبات غضب شديدة، وتلغي الإحساس بالحزن والأسى، وقد تدفع المتعاطي إلى القتل أو الانتحار في أول تجربة لها.
تهريب تحت غطاء أدوية القلب
وأشار صفاتیان إلى أن شكل الكبتاغون يشبه كثيرا بعض الأدوية المخصصة لأمراض القلب، ما يتيح للمهربين فرصة إدخالها إلى البلاد تحت غطاء علاجي، حيث أوضح أنه “يمكن تمرير هذه الحبوب بسهولة في عبوات مزيفة، ما يستدعي من لجنة مكافحة المخدرات تكثيف الرقابة وتعزيز وعي الأجهزة الجمركية والأمنية، وهو ما لا نراه حتى الآن”.
وأضاف: “إن اللجنة لا تتفاعل مع المتغيرات الاقتصادية، ولم تقدم أي خطة لمواجهة تحولات سوق الإدمان في ظل ندرة الأفيون وظهور بدائل خطرة مثل الكبتاغون. وعلينا ألا ننتظر حتى تظهر حالات تعاطٍ في مراكز العلاج لنبدأ بالتحرك”.
استراتيجية المهربين: إغراء ثم ابتزاز
كما أكد الباحث أن تجار المخدرات يسلكون استراتيجية خطيرة في الترويج للكبتاغون، تبدأ بطرح الحبة بأسعار منخفضة لجذب المتعاطين، ثم رفع السعر تدريجيًا بعد إيقاعهم في الإدمان، وقال: “يتم الترويج لهذه الحبوب بادعاءات زائفة، مثل تعزيز القدرة الجنسية، وهي أكاذيب خادعة تهدف فقط إلى تسويق هذا العقار القاتل”.
وشدد على أن الآثار الجانبية للكبتاغون تفوق بمراحل، تأثير الأفيون أو الهيروين، مشيرا إلى أن تعاطيه قد يؤدي إلى ارتكاب جريمة من أول مرة. وقال: “لا يوجد أي عقار نفسي معروف يضاهي الكبتاغون في شدة ضرره، وحتى الأطباء لا يملكون أدوات فعالة لعلاج آثاره النفسية”.
كما أشار إلى أنه “للأسف، فإن أداء الأمم المتحدة في مكافحة المخدرات، سواء في إيران أو عالميا، ضعيف جدا، وهذا ما يجعل المعركة ضد الكبتاغون أكثر تعقيدا، ويضاعف مسؤولية المؤسسات الوطنية في المواجهة”.
ودعا صفاتیان اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات في إيران إلى التنسيق مع العراق ومكتب الأمم المتحدة في طهران، لمراقبة إنتاج هذه المادة والحد من تهريبها، وبدوره طالب بتدريب كوادر الشرطة، والأطباء، والعاملين في مراكز التأهيل للتعامل مع هذا النوع من المخدرات.
ما هو الكبتاغون وما تأثيره على الصحة العامة؟
بات الكبتاغون، الاسم التجاري لمادة الفينيتيلين، رمزا لعقار مدمر يُغري مستخدميه بطاقة زائفة، ويقودهم إلى هاوية الإدمان والانهيار. ورغم أنه صُمم في البداية كدواء طبي في ألمانيا خلال ستينيات القرن الماضي لعلاج فرط النشاط والاكتئاب، سرعان ما حُظر في معظم الدول بسبب مخاطره الشديدة.

ينتمي الكبتاغون إلى عائلة الأمفيتامينات، ويعمل كمُحفز قوي للجهاز العصبي المركز، يمنح مستخدمه شعورا مؤقتا بالنشاط والثقة والطاقة، ويزيل الإحساس بالجوع والتعب، ما جعله مطلوبا في ساحات النزاع وأوساط المراهقين وسائقي الشاحنات والعمال الباحثين عن أداء مفرط. لكن ما يبدو في البداية كأنه نشاط صناعي يتحول سريعا إلى انهيار جسدي ونفسي خطير.
واستهلاك الكبتاغون يرتبط بمجموعة من الأعراض الخطيرة، منها اضطرابات نوم حادة وهذيان، وميول عدوانية وهلوسات سمعية وبصرية، وتلف دائم في خلايا الدماغ والجهاز العصبي، وفشل كلوي وكبدي مع التعاطي المزمن، وضعف في الجهاز المناعي وزيادة خطر الأمراض المزمنة، وسلوكيات عنيفة قد تصل إلى القتل أو الانتحار.
الكبتاغون في سوريا.. صناعة الموت برعاية إيران
مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، ومع تحول أجزاء واسعة من البلاد إلى ساحات قتال ومناطق خارجة عن السيطرة، اشتهرت صناعة ذلك المخدر في سوريا، وقد ارتبط اسم إيران وحزب الله بتصنيع ذلك المخدر أيضا.
فقد ذكر موقع الأناضول للدراسات السياسية في تقرير له بتاريخ 10 يناير/كانون الثاني 2025، أن معامل الكبتاغون كانت منتشرة في مقار أمنية ومنازل خاصة وقصور مسؤولين، وأشرف عليها مباشرة ماهر الأسد وقادة في حزب الله.

وتشير تقديرات الحكومة البريطانية إلى أن 80% من الإنتاج العالمي للكبتاغون كان يتم في سوريا تحت إشراف النظام، وأن قيمة التجارة السنوية تتجاوز 10 مليارات دولار، بينما وصلت أرباح عائلة الأسد وحدها إلى 2.4 مليار دولار سنويا.
وقد ذكر التقرير أن الموانئ السورية، خاصةً ميناء اللاذقية، كانت نقطة انطلاق رئيسية لشحنات الكبتاجون إلى أوروبا ودول الخليج، وكانت تحت غطاء من الحماية الإيرانية عبر الحرس الثوري، ما يؤكد التداخل العميق بين المصالح الاقتصادية والسياسية والعسكرية.
تعاطي المخدرات في إيران.. أرقام مثيرة للقلق
تواجه إيران أزمة متفاقمة في تعاطي المخدرات، حيث تشير التقارير الرسمية التي صدرت في 2024 إلى أن عدد المدمنين في إيران يتجاوز 2.8 مليون شخص، في حين تُقدر الأرقام غير الرسمية العدد بما يفوق 4 ملايين، ما يعادل نحو 5% من إجمالي السكان.

وتُعد أفغانستان، الجارة الشرقية، المصدر الأساسي للأفيون والهيروين المتدفق إلى إيران، إلا أن الكبتاغون قد يمثل الوجه الجديد للمخدرات في البلاد.
وقد أشار تقرير لوكالة مكافحة المخدرات الإيرانية عام 2023 إلى أن المحافظات الحدودية، مثل سيستان وبلوشستان وخراسان، هي الأكثر عرضة للتهريب، فيما بدأت تظهر تقارير أولية عن رصد شحنات مشبوهة يُعتقد أنها تحتوي على كبتاجون في جنوب البلاد.
ووفقا للمركز الإيراني للدراسات الاجتماعية، فإن 45% من المدمنين تقل أعمارهم عن 30 عاما، ما يشير إلى خطر داهم يهدد الفئة الشبابية، خاصة في ظل غياب برامج وقائية فعالة، وتراجع التمويل المخصص للعلاج وإعادة التأهيل.
