زيارة عراقجي للرياض.. تحرك استراتيجي في مفترق طرق إقليمي حساس

عباس عراقجي- منصات التواصل

تعيش منطقة الشرق الأوسط مرحلة فارقة من التحولات الدبلوماسية الإقليمية التي تعكس تزايد التعاون بين القوى الكبرى في المنطقة، فبعد سنوات من التوترات والصراعات، بدأت العديد من الدول في تبني نهج جديد قائم على الحوار والتنسيق المشترك، وبينما تتجه الأنظار نحو الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار، تظهر إرهاصات تحالفات جديدة تستند إلى التفاهم المتبادل والتعاون في مواجهة الأزمات الإقليمية. هذا التحول يأتي في وقت حساس، مما يفتح الباب أمام فرص جديدة للتسوية السياسية وإعادة تشكيل النظام الإقليمي بما يعزز من سيادة الدول ويقلل من التدخلات الخارجية.

فقد شهدت العاصمة السعودية الرياض، يوم السبت 10 مايو/أيار 2025، حدثا دبلوماسيا لافتا مع وصول وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في زيارة رسمية هي الثانية من نوعها خلال أقل من ثمانية أشهر، بعد زيارته الأولى في أكتوبر/تشرين الأول 2024، وقد جاءت هذه الزيارة في إطار تحركات دبلوماسية متسارعة تشهدها المنطقة، كان أبرزها التفاعل السعودي الإيراني الذي عكس مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية بين البلدين، وتحوّلا في تعاطي الجانبين مع قضايا المنطقة.

A person shaking hands with another person in a suit

AI-generated content may be incorrect.

وقد استهل عراقجي زيارته بلقاء نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، وتناولت المحادثات بين الطرفين ملفات متعددة شديدة الحساسية، على رأسها تطورات الحرب في غزة، الأزمة السياسية في لبنان، الوضع الأمني في مضيق هرمز والطاقة، فضلا عن المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة التي تُجرى في سلطنة عمان.

 ورغم أن تفاصيل المحادثات لم تُعلن رسميا، فإن مصادر دبلوماسية أكدت أن هناك ثلاثة محاور رئيسية كانت في صلب النقاش وهي: الرد الإيراني الرسمي على رسالة بعث بها الملك سلمان بن عبد العزيز عبر وزير الدفاع خالد بن سلمان خلال زيارته السابقة لطهران، وتعزيز العلاقات الثنائية ضمن سياسة حسن الجوار، وبحث آليات مشتركة لإدارة الأزمات الإقليمية.

A close up of a text

AI-generated content may be incorrect.

وتعد هذه الزيارة مؤشرا على أن العلاقات بين طهران والرياض في طور الانتقال من مرحلة إعادة التواصل إلى بلورة أدوات تعاون إستراتيجي في مواجهة تحديات المنطقة، حيث يؤكد محمد حسن آصفري، النائب في البرلمان الإيراني، خلال تصريحات أدلى بها إلى صحيفة آرمان ملي، الأحد 11 مايو/أيار 2025، بأن “تعزيز العلاقات مع السعودية، البلد المهم والمركزي في العالم الإسلامي، يمكن أن يثمر نتائج إيجابية لكلا الطرفين، لا سيما في ظل التقاطعات الإقليمية الحالية”.

‫محمدحسن آصفری - خبرگزاری مهر | اخبار ایران و جهان | Mehr News Agency‬‎

كذلك، فقد وصف علي أكبر أسدي، الخبير في الشؤون الخليجية، خلال حديث مع صحيفة دنياي اقتصاد في اليوم نفسه الزيارة بأنها تمثل خطوة نوعية باتجاه تجاوز إرث طويل من التوتر، موضحا أن “هذا التحول لا يمكن قراءته بمعزل عن إدراك السعودية لأهمية التنسيق مع إيران في ملفات حيوية كاليمن، وسوريا، والعراق”.

1644044226 copy

تواصل إقليمي وتحرك في مسارات متعددة

هذا ولم تكن الرياض المحطة الأخيرة في جولة عراقجي، إذ توجه مباشرة بعد انتهاء مباحثاته في السعودية إلى العاصمة القطرية الدوحة؛ للمشاركة في أعمال الدورة الرابعة من مؤتمر الحوار بين إيران والعالم العربي، بمبادرة مشتركة بين مجلس العلاقات الخارجية الاستراتيجية الإيراني ومركز دراسات الجزيرة، ويشارك فيه نخبة من المسؤولين والخبراء والباحثين الإقليميين والدوليين، حيث ناقش ملفات حساسة مثل أمن الطاقة، ومستقبل البرنامج النووي الإيراني، إضافة إلى مبادرات السلام الإقليمي.

A person sitting in a chair with a person in a suit

AI-generated content may be incorrect.

وقد علق الخبراء على المشاركة الإيرانية في هذا المؤتمر واصفين إياها بأنها أبدت مدى حرص طهران على تقديم نفسها كفاعل عقلاني يسعى إلى الاستقرار والحوار، في مواجهة المشاريع التي تصفها بالمؤامرات الأجنبية لتأجيج التوترات، ومنها مشروع إيران فوبيا ومحاولات شيطنة الدور الإيراني في المنطقة.

وفي سياق مواز، علق عراقجي على التحركات الإعلامية والسياسية المضادة والتي تمثلت في تسريبات إعلامية عن وجود مواقع نووية سرية في إيران، ومحاولات لاستخدام مصطلح الخليج العربي بدلا من الخليج الفارسي، محذرا من تلك التحركات ومن مغبة التلاعب بالمفاهيم والسيادة، معتبرا أن هذه المحاولات تهدف إلى نسف جهود التهدئة.

وفي إطار مناقشة العلاقات الإيرانية السعودية، قال محمد علي سبحاني، السفير الإيراني السابق لدى لبنان والأردن وقطر، في حوار مع وكالة إيرنا الإخبارية: “رغم تقلبات العلاقات التاريخية بين إيران والسعودية، فإن وجود إيران قوية ومنطقة مستقرة وخالية من التوتر بين إيران وأمريكا يصب في مصلحة السعودية وكل دول الخليج. وأعتقد أن السعودية تفضل هذا الخيار، لكنه لا يعني أنها ستتنازل عن مصالحها لصالح إيران. يجب على إيران أن تسعى لمصالحها في إطار سياسة رابحة للجميع تتماشى مع النظام الدولي المتغير”.

محمدعلی سبحانی : تحریم مانع از استفاده ایران از ظرفیت های منطقه ای و بین  المللی شد | پایگاه خبری جماران

وأضاف: “في رأيي، السعودية صادقة في مسعاها لحل الخلاف بين إيران وأمريكا، وستكون مكاسبها من هذا المسار أكبر من خسائره المحتملة. هناك من يقول إن تحسن العلاقات الإيرانية الأمريكية قد يضر بمكانة السعودية، لكني أعتقد أن ما ستكسبه الرياض من هذا المسار يفوق ما قد تخسره”.

واختم بقوله: “تقييمي العام هو أن السعودية ستكون أكثر تعاونا إذا تم التوصل لاتفاق بين إيران وأمريكا، أما إذا لم يتحقق اتفاق، فسيكون الوضع مختلفا وسيتطلب معالجة خاصة في حينه. ومع وجود زيارة ترامب وعراقجي في نفس الفترة، فمن المستبعد ألا يتم التطرق في المحادثات الإيرانية السعودية إلى مسألة مفاوضات إيران وأمريكا. بالتأكيد ستكون هناك توصيات من جانبنا وآراء من الطرف السعودي، وهذه المشاورات، برأيي، ليست مناسبة فقط، بل ضرورية للغاية”.

دلالة الزيارة قبل اللقاء المرتقب مع ويتكوف

تأتي زيارة عراقجي للرياض في وقت حساس للغاية، إذ تتزامن مع لقاء مرتقب سيجمعه مع ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشؤون الشرق الأوسط، والذي من المتوقع أن يمثل محطة مفصلية في مسار المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، والتي تجرى منذ أسابيع في سلطنة عمان، بهدف تهدئة التوترات وإعادة ترتيب الأولويات الأمنية في المنطقة.

في هذا السياق، يرى المحلل السياسي، مرتضى مكي، خلال تصريحات مع موقع اعتماد أونلاين، أن “زيارة عراقجي للرياض تكتسب أهمية استثنائية، لكونها تسبق لقاءه بويتكوف، وتعكس استعداد إيران للتنسيق مع القوى الإقليمية قبل الدخول في جولات حاسمة من التفاوض مع واشنطن، فالسعودية لم تكن طرفا محايدا في ملف الاتفاق النووي عام 2015، بل كانت من أبرز المعارضين له، أما الآن فالصورة تبدو مختلفة، فالدول العربية، ومنها السعودية، باتت تدرك أن مشروع تغيير النظام في إيران لم يعد واقعيا، وأن الحل يكمن في التفاهم وليس المواجهة”.

ایالات متحده صهیونیستی/ گفت وگو با مرتضی مکی درباره رأی - قدس آنلاین

وأضاف مكي أن “إبلاغ السعودية بتفاصيل المفاوضات الإيرانية الأمريكية، وتحديد الخطوط الحمراء لطهران، هو بحد ذاته تقدم في الثقة الإقليمية المتبادلة”.

من إدارة الأزمات إلى إنتاج الاستقرار

هذا وقد اعتبر المحللون أن زيارة عراقجي للرياض وما تلاها من لقاءات وتحركات دبلوماسية، لم تكن مجرد زيارة بروتوكولية، بل كانت بمثابة اختبار حقيقي لمدى استعداد السعودية وإيران للانتقال من إدارة الأزمات إلى إنتاج الاستقرار، وفي ظل تصاعد التوتر في غزة، وغياب حل جذري للأزمة اللبنانية، والجمود في الملف السوري واليمني، يبدو أن البلدين يسعيان إلى بناء آلية إقليمية مستقلة تستند إلى الحوار السياسي والمصالح المشتركة.

عربستان در همراهی برای حل مشکلات ایران و آمریکا صادق است - ایرنا

 وما يعزز هذه الرؤية هو الاتفاق المبدئي بين الجانبين على تشكيل لجان عمل مشتركة لبحث الملفات الإقليمية الثلاثة الكبرى: لبنان، ,سوريا، واليمن. وستكون هذه اللجان، بحسب مصادر مطلعة، على تواصل دائم على المستويين السياسي والفني، بهدف التنسيق والتعامل مع مستجدات كل ملف، الأمر الذي يشير إلى احتمالية أن تدخل العلاقات السعودية الإيرانية مرحلة جديدة عنوانها الحذر البناء والانفتاح المدروس، ضمن سعي واضح لتشكيل نظام إقليمي جديد أكثر توازنا واستقلالا، في مواجهة التدخلات الخارجية التي لطالما ساهمت في تأزيم الوضع في الشرق الأوسط.