- زاد إيران - المحرر
- إيران, سوريا
- 65 Views
ترجمة: علي زين العابدين برهام
النص التالي هو تحرير لمقابلة هادي معصومي زارع، الخبير في دراسات الشرق الأوسط، مع برنامج “جدال”. تستعرض هذه السلسلة تاريخ العلاقات بين النظام السوري وإيران، والتطورات التي مرت بها منذ نشأتها حتى اليوم. وتعدّ هذه الحوارات من بين الدراسات النادرة التي تناولت الموضوع بهذا العمق والشمولية، حيث تم تحريرها تحت إشراف معصومي زارع نفسه، وستُنشر في سلسلة من المقالات.
أشرف على تحرير وإعداد هذه الحوارات علي رضا فرشجي، الباحث في الفقه والعلاقات الدولية. جدير بالذكر أن هذه المقابلة أُجريت عام 2021 خلال فترة حكم حزب البعث في سوريا. وفي ما يلي نص الحوار:
الخلفيات الداخلية
في العقد الذي سبق الأزمة السورية، حدثت تغييرات أيضا على الصعيد الداخلي، يمكن لفهمها أن يساعد في فهم التحولات التي تلت عام 2011 في سوريا.
نشر السلفية المدخلية
منذ أواخر التسعينيات، وخاصة بعد 2003، شهدت سوريا تحولات دينية وعقائدية لافتة لم تحظَ باهتمام كبير من الكتّاب العرب أو الأجانب، حيث انتشر خطاب السلفية المدخلية في مناطق مثل جنوب شرق سوريا، وحلب، وإدلب، وحماة، وظهر بدرجات أقل في دمشق ودرعا. هذه الظاهرة ترافقها تغييرات اقتصادية وروابط بين معارضي النظام في سوريا ولبنان، ما أدى لاحقا لتحولات خطابية.
السلفية الوهابية كانت نادرة سابقا بسبب قمعها من النظام البعثي، لكنها بدأت تنتشر حين سافر كثير من رجال المناطق البدوية والريفية إلى الخليج للعمل أو الدراسة، وهناك تعرّفوا على الفكر السلفي ونقلوه إلى مناطقهم.
في العقد الأول من القرن الحالي، تدفقت أموال من دول الخليج إلى تلك المناطق، ما أدى إلى بناء مساجد فخمة بأسماء صحابة لا يُنظر إليهم بإيجابية في الثقافة الشيعية، في قرى فقيرة مثل دير الزور والبوكمال. هذا التغير شمل أيضًا مناطق من ريف حلب وإدلب، ويُعد مؤشرًا على تحولات اجتماعية وعقائدية عميقة.
علاوة على ذلك، نشأت علاقة اقتصادية وسياسية بين بعض الفئات في سوريا وتيار المستقبل اللبناني والمعارضة السورية في لبنان. ففي مناطق مثل إدلب وريف جنوب غرب حلب، يمكن ملاحظة ارتباط اقتصادي وثيق مع لبنان، خاصة مع تيار المستقبل، حيث تُصدَّر الخضار والفواكه من هناك إلى لبنان، ويعمل العديد من شباب المنطقة هناك، مما عمّق الروابط مع مستقبل، الذي أصبح العدو الأول لسوريا في لبنان.
شخصيا، حضرتُ وأجريتُ مقابلات عدة مع سكان من الفوعة وكفريا، وهما منطقتان شيعيتان، وأملك تسجيلات صوتية لتلك اللقاءات. قالوا إنهم لاحظوا تغيّرات دينية واضحة لدى سكان بنّش والمناطق المحيطة، حيث تحوّلت النساء من ارتداء الملابس التقليدية الملوّنة إلى النقاب، وبدأ الرجال يطلقون لحاهم. هذه التغيرات الاجتماعية كانت واضحة في العقد الأخير الذي سبق الحرب.

كيف يمكن الاستدلال على تغيّرات في مجتمع يضم 30 مليون نسمة دون الاستناد إلى مسوحات أو استطلاعات رأي حكومية شاملة؟
في بلد مثل سوريا، والذي يُعد من البلدان المنغلقة، لا تُجرى عادة مسوحات داخلية، وإن أُجريت، تكون نتائجها معروفة سلفا. أما المسوحات الخارجية، فلم يكن يُسمح بها كثيرا في تلك الفترة. كما أن وسائل الاتصال الجماهيري لم تكن متطورة كما هي اليوم.
لذلك، لم أطلع شخصيا على أي مسح موثوق، وربما يوجد من يعثر عليها ويشاركني بها، لكن المؤكد أنها كانت نادرة جدا لدرجة أنني، رغم سنوات عملي الطويلة في هذا المجال، لم أصادفها.
الذي ذكرته حول ادعائنا بالنسبة للعدد السكاني البالغ 30 مليونا هو استدلال من خلال ملاحظة التغيرات والشهادات من الناس ومقارنة البيئات بين الماضي والحاضر. على سبيل المثال، في منطقة الجنوب الشرقي، أخبرني العديد من الناس في مدن مختلفة أو نخبة المجتمع أن مدارس الوهابية والمراكز العلمية السنية كانت محظورة، ولذلك كان الشيوخ من دول الخليج يأخذون الأطفال إلى المزارع لتعليمهم بعيدًا عن الأنظار. وكان هذا الأمر معروفًا في المنطقة بين الناس والأجهزة الأمنية.
كما أن النظام السوري ارتكب خطأ عندما كان يتساهل مع هذه الأنشطة بسبب علاقاته مع السعودية ودول الخليج، وكانوا يتلقون أموالا لدعم هذا النشاط. في أواخر الثمانينات والتسعينات، شهدت سوريا تغييرات كبيرة بسبب الهجرة إلى دول الخليج وإرسال الأموال، مما مهد الطريق لانتشار الفكر السلفي في المناطق الريفية والمحرومة.
كان حافظ الأسد قد أبلغنا ألا نتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا أو نقوم بأنشطة ثقافية هناك، بينما كانت السعودية تنفق ملايين الدولارات في بناء المساجد ونشر الفكر الوهابي منذ عام 1987 وما بعده.
أنت قلت إن الحرس القديم كان ضد الإسلام بشكل كبير خاصة انه كان له جذور ضد الإسلام.
المسألة أن الحرس القديم كان لديه مشكلة مع الحركات الإسلامية، وليس مع التيارات مثل السلفية المدخلية (الوهابية السعودية)، التي تدعم الحكومات الحاكمة ولا تشكل تهديدا كبيرا.
هؤلاء المدخليون لا يعتبرون تهديدا كبيرا رغم أنهم يتحولون إلى أداة سعودية لتغيير الأنظمة. في سوريا، كان النظام بحاجة إلى بديل للإخوان وسمح جزئيا للحركات الوهابية المدعومة من السعودية بالعمل، لأنه كان يرى خطرها أقل من الإخوان. بالرغم من معارضته الشديدة للإخوان، الحرس القديم لم يشعر بالخطر من الوهابية.
ما الفرق بين السلفيين الإخوانيين والسلفيين الوهابيين (المدخليين)؟
السلفية الإخوانية هي سلفية ذات طابع سياسي، تسعى إلى إقامة حكومة إسلامية على الطراز المعاصر، التي تتضمن الديمقراطية والبرلمان وبعض مظاهر الحضارة الغربية والحداثة. هم يؤمنون بأن جميع الأنظمة الليبرالية والعلمانية والاستبدادية يجب أن تُستبدل بحكومة إسلامية مبنية على الشورى والبرلمان.
أما السلفية المدخلية، التي يُنسب إليها ربيع المدخلي، فهي تمثل تيارا داعما لحكومة آل سعود ويُعرف بتأييده الكامل لها. هذا التيار يدعو إلى الطاعة التامة للحكام والملوك، ويرى أنه يجب الانقياد الكامل لأولي الأمر، ولا يؤمنون بالحكومة الإسلامية بشكل عام. هم يبررون الوضع القائم في أي دولة، ويدافعون عن الحكام الموجودين.

نحن على دراية بالإخوان في سوريا؛ لأن لهم جذورا في حماة ودرعا ومدن أخرى، ولكن الوهابية جديدة. الإخوان ومحور قطر-تركيا والإخوان في مصر مفهومة بالنسبة لي. لكن من أين جاءت الوهابية ومن أين دخل المحور السعودي إلى سوريا؟
ذكرت أن السعودية وسوريا، رغم جميع المشاكل التي كانت بينهما، كانت لديهما مصالح كبيرة. خاصة في الست أو سبع سنوات التي سبقت الأزمة السورية، تحسنت العلاقات بين السعودية وسوريا بشكل كبير.
إذا كنت تتذكر، كان الملك عبدالله قد زار دمشق وكانت العلاقات دافئة جدا. رغم أن هدفهم كان في الغالب إبعاد الأسد ونظام سوريا عن إيران، إلا أنهم قدموا مساعدات مالية.
اليوم، في سواحل وغابات اللاذقية، ترى فيلات فاخرة لآل سعود والإماراتيين والقطريين وغيرهم. حتى زوجة أمير قطر تمتلك قصرا فخما على تلال تدمر يطل على الآثار القديمة هناك. في العقد الذي سبق الأزمة كانت العلاقات جيدة نسبيا، وربما كان هذا أحد الأسباب التي جعلت النظام يتقارب مع السعودية ويسمح لهم بنشاطاتهم الدعائية.

هذا الخطر يهدد العراق الآن بشكل كبير، وأتوقع أنه في العقدين أو الثلاثة المقبلة سنشهد نمو السلفية المدخلية أو الوهابية هناك. في كل مكان تقوي فيه السعودية علاقاتها مع دولة ما، نرى بسرعة نمو التيارات السلفية المدخلية أو الوهابية.
هل كان نظام سوريا في 2007-2008 لا يشعر بالتهديد من السعودية ويعتقد أن السعودية تقدم المال، بينما الآن نخشى من تدخلات السعودية وتشكيل تنظيم الدولة “داعش”؟ وهل كان السعوديون والقطريون من بنوا لبنان بعد حرب 2006 عكس ما يعتقده الإيرانيون؟
نعم، بالطبع في عام 2008 كان الحرس القديم قد تم تقليصه بشكل كبير؛ لا يزال موجودا لكن ليس بنفس القوة السابقة. ما أعنيه هو أواخر التسعينات حيث بدأوا يغضون الطرف، وحدث التغيير الاقتصادي والديني في المناطق الشرقية.
عندما جاء بشار إلى السلطة، ورغم أن الحرس القديم قد تم استبعاده تقريبا من الهيكل، إلا أن النظام السوري، نتيجة لتحسن العلاقات مع السعودية، أغلق عينيه عن الأنشطة الدينية للسعوديين في سوريا، مما أدى إلى انتشار واسع للسلفية في العراق وسوريا، وهو ما ظهر بوضوح بعد 2011.
ترويج السلفية الجهادية
احتلال العراق في 2003 أدى إلى تحول عقائدي وديني في العراق وسوريا، خاصة في المناطق الحدودية بين البلدين. في السنوات التي سبقت الاحتلال، تدفق المال والعقيدة السعودية إلى سوريا، ومع تشكيل القاعدة في العراق ثم داعش، كان لهذا تأثير كبير على المجتمع السلفي في سوريا.
السوريون، الذين كانوا يشعرون بالتهديد الأمريكي، أرسلوا شخصيات سلفية إلى العراق لتقوية موقعهم وإعاقة الأمريكيين. هذه الشخصيات تأثرت بالأفكار التكفيرية، مما أدى إلى نمو السلفية الجهادية في سوريا بعد 2011.
أبو محمد الجولاني، رئيس جبهة النصرة، كان من بين هؤلاء الذين خاضوا تجارب كبيرة في العراق. كذلك، أصبحت تركيا محطة عبور رئيسية للجهاديين إلى سوريا والعراق بعد 2012. أجهزة الأمن السورية كانت تسمح لهم بالمرور شرط أن يركزوا على محاربة الأمريكيين في العراق.

يقال إن الولايات المتحدة دعمت القوات الجهادية لمكافحة الاتحاد السوفيتي. هل تعتقد أن سوريا قامت بالمثل في المنطقة لحل قضية معينة؟ ولكن من أجل الحفاظ على مظهرها، قد تكون قد تسببت في مشكلة أكبر، حيث عاد هؤلاء العناصر أنفسهم بعد 2-3 سنوات ودخلوا سوريا. هذه نقطة مهمة للغاية. كم كان عدد السوريين الذين استخدموا سوريا كممر للذهاب إلى العراق؟
نظام سوريا ليس نظاما يمكن تتبع هذه الأمور فيه. ليس لدي إحصائيات دقيقة، لكن بالتأكيد الأجهزة الاستخباراتية السورية لديها هذه الإحصائيات. بالطبع هناك العديد من القصص عن هذه القضية ولدي العديد من المقابلات التي أجريتها والتي لا يمكن طرحها في هذا السياق، لكنني حاولت حل هذه المسألة بعمق لنفسي. الإحصائيات قد لا تكون مسألة رئيسية بالنسبة لنا.
يُقال إن أول تمرد حدث في عام 2011 في درعا، التي تقع بالقرب من الحدود الأردنية، ويُقال إن القاعدة في سوريا بدأت منذ زمن الزرقاوي في جذب الشباب الساخطين في درعا. إلى أي مدى صحة ذلك؟
منذ 2003 حتى 2011، خاصة حتى 2008 و2009، تم إرسال مئات أو آلاف من السوريين من مدن مثل درعا وحلب إلى العراق، حيث تأثروا بأفكار الزرقاوي وتنظيم القاعدة. القاعدة في العراق تحت الزرقاوي كانت تركز على محاربة الشيعة أولًا، بينما كانت القاعدة في بن لادن تركز على الولايات المتحدة.
لنعد إلى نهاية نقاش الثورة وأسبابها. هل هناك سبب آخر كان ترغب في ذكره؟
التغيير المهم الذي حدث قبل الأزمة السورية كان الجفاف الكبير في العقد الذي سبقها، مما أدى إلى هجرة العديد من الفلاحين الفقراء إلى أطراف المدن. هذا التغيير خلق تناقضا بين المناطق الحضرية والمحرومة، وأسهم في زيادة الاحتجاجات والثورات.
الأطراف كانت مصدرا رئيسيا للاحتجاجات التي تحولت إلى مسلح، حيث كان الكثير من المعارضين من سكان هذه المناطق المهمشة الذين كانوا يُنظر إليهم كمواطنين من الدرجة الثانية.
بين 2002 و2008، أثر الجفاف على معظم المناطق السورية باستثناء الغرب، مما دفع العديد من العائلات للانتقال إلى المناطق الغربية وأطراف المدن، وكان هؤلاء يشكلون جزءا كبيرا من المعارضين في الثورة السورية.

هل كان للطبقة المتوسطة غير العاملة دور في بداية الاحتجاجات في سوريا عام 2011، كما كان الحال في تونس ومصر؟
بالضبط، أريد الوصول إلى هذه النقطة.على عكس دول مثل مصر، كانت الأوضاع الاقتصادية في سوريا قبل الأزمة تعتبر مقبولة مقارنة بقدرات وإمكانات النظام. الرعاية الصحية في المستشفيات والمراكز الحكومية كانت مجانية، والتعليم كان مجانيا أيضا.
في معظم القرى كان هناك كهرباء ومياه وأرصفة. على الرغم من أن سوريا لا تملك مصادر النفط والغاز، إلا أنها حققت تطورا مقبولا بالنسبة لإمكاناتها. ومع ذلك، كان جزء من البطالة والفقر الواسع ناجما عن قلة الموارد المالية المتاحة للنظام السوري، الذي كان يعتمد بشكل رئيسي على الزراعة، وكان يعاني من نقص في الصناعات المتطورة.