- زاد إيران - المحرر
- إيران, تركيا
- 51 Views
حوار: مصطفى أفضل زادة/مراسل “زاد إيران” في طهران
ترجمة: علي زين العابدين برهام
أعادت التطورات الأخيرة في تركيا، خاصة بعد اعتقال أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول، تسليط الضوء على النظام السياسي في تركيا ومستقبل الرئيس رجب طيب أردوغان.
شهدت تركيا خلال الأعوام الماضية سلسلة من التحولات السياسية والانتخابات الحاسمة .
حول أبعاد هذه التحولات، أجرى موقع “زاد إيران” حوارا مع حامد خسروشاهي، الباحث المتخصص في شؤون تركيا والقوقاز.

ما تقييمكم للتحولات الأخيرة في تركيا؟ وإلى أي مدى تعتبرون هذه التظاهرات والتطورات جدية؟
في ما يخص التطورات الأخيرة في تركيا ومدى جدية الأجواء الاحتجاجية، لا بد من الإشارة إلى السياق السياسي وتحولات العام الماضي. ففي مثل هذا الوقت من العام الماضي، وتحديدا في شهر مارس/آذار، أُجريت الانتخابات البلدية في تركيا، والتي حملت معها نتائج بارزة. فقد خسر حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان السيطرة على ثلاث من أكبر المدن التركية: إسطنبول، أنقرة، وإزمير. وكان ذلك تطورا لافتا، خصوصًا أن الحزب كان يهيمن على أهم البلديات في البلاد طيلة ما يقارب العقدين من الزمن.
تلعب البلديات دورا محوريا في هيكل السلطة بتركيا، ليس فقط لما تملكه من موارد مالية ضخمة، بل أيضا لما يتمتع به رؤساء بلديات المدن الكبرى من نفوذ سياسي. الجدير بالذكر أن أردوغان نفسه بدأ مسيرته السياسية من موقع رئاسة بلدية إسطنبول، ولهذا فهو يُولي هذه المواقع أهمية خاصة. خلال الانتخابات الماضية، شارك أردوغان شخصيا في دعم مرشح حزبه في إسطنبول، وظهر في تجمعات انتخابية لإلقاء خطابات دعائية.
من النقاط اللافتة أيضا في تلك الانتخابات عودة عائلة نجم الدين أربكان، رئيس الوزراء الأسبق والمرجع الروحي للتيار الإسلامي في تركيا، إلى الساحة السياسية. فقد أعاد نجله إحياء “حزب الرفاه” تحت اسم “الرفاه الجديد”، وتمكن من اجتذاب شريحة من القاعدة التقليدية لحزب العدالة والتنمية، بل واستحوذ على بعض البلديات الهامة.

في المقابل، نجح حزب الشعب الجمهوري المعارض بقيادة وجوه جديدة مثل أكرم إمام أوغلو في تحقيق انتصار كبير على حزب أردوغان. ويُعد إمام أوغلو، عمدة إسطنبول، شخصية كاريزماتية لافتة، وهو من بين القلائل في صفوف المعارضة الذين لم يُهزموا أمام أردوغان، بل استطاعوا انتزاع النصر منه في الانتخابات الأخيرة.
خلال الفترة الأخيرة، لم يقتصر دور أكرم إمام أوغلو على تعزيز موقعه السياسي داخليا، بل برز أيضا على الساحة الدولية، حيث عاد مؤخرا من زيارة إلى فرنسا. وقد تمكّن من كسب شريحة من الناخبين المتدينين من خلال مواقفه المعلنة تجاه قضايا إقليمية حساسة مثل سوريا وفلسطين، الأمر الذي جعله يُنظر إليه كمنافس حقيقي للرئيس رجب طيب أردوغان في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
ردا على هذا التهديد السياسي المتصاعد، أقدمت الحكومة التركية على توقيف إمام أوغلو بتهم تتعلق بفساد مالي، وهي تهم يعتبرها كثيرون غطاءً لإقصاء سياسي متعمد. بالتوازي، تم عزل عدد من رؤساء البلديات الآخرين بتهم أمنية كدعم الإرهاب، مما أتاح للحكومة تعيين بدائل عنهم وفقا للقانون التركي. إلا أن حالة إمام أوغلو ظلت مختلفة، إذ لم تُوجَّه إليه اتهامات أمنية، وأتاح مجلس المدينة، الخاضع لحزبه، اختيار خلف له من نفس التيار.

أما على الصعيد الأمني، فتسود البلاد أجواء من التوتر المنضبط، حيث تراقب كل من الحكومة والمعارضة الأوضاع عن كثب، في انتظار لحظة مناسبة للاستثمار السياسي. فالحكومة قد تبحث عن ذريعة، ولو بسيطة، مثل إصابة أحد عناصر الشرطة، لتبرير حملة قمع أكثر تشددا، في حين تسعى المعارضة لإيجاد الشرارة التي يمكن أن تطلق احتجاجات شعبية واسعة.
ومع أن المؤشرات الحالية تدل على اتجاه الوضع نحو نوع من الاستقرار النسبي في المدى القريب والمتوسط، فإن أردوغان لا يزال يُمسك بزمام الأمور، وقد يتمكن من مواصلة تنفيذ أجندته. وفي حال عدم حدوث مفاجآت كبيرة، فالأرجح أن يضعف موقعه السياسي، دون أن يُقصى تماما عن المشهد.
ومع بقاء نحو عامين على الانتخابات الرئاسية، قد يخفت حضور إمام أوغلو تدريجيا في الوعي العام، ما يصعّب على المعارضة تقديم بديل يوازيه في القوة والكاريزما. ورغم أن رئيس بلدية أنقرة، منصور يافاش، يُطرح كبديل محتمل، إلا أن افتقاده للجاذبية الشخصية التي يتمتع بها إمام أوغلو قد يقلّل من حظوظه في قيادة المعركة المقبلة.
بصورة عامة، تعكس هذه التطورات أن أردوغان والمحيطين به، بعد إدراكهم لحساسية المرحلة، بصدد تنفيذ خطوات استباقية محسوبة. ولا تبدو مزاعم المعارضة بأنّ ما يحدث يُشكّل نوعًا من “الانقلاب السياسي المبكر” قبيل الانتخابات مزاعم واهية؛ بل إنها تنسجم إلى حدّ كبير مع الواقع القائم.
يُقال إن هناك نوعا من التفاهم غير المعلن والتنسيق بين أردوغان ودونالد ترامب حول مشروع “تتريك” المنطقة. فهل يمكن اعتبار مساعي أردوغان لتوسيع النفوذ التركي في المنطقة مشروعا استراتيجيا واسع النطاق، مخططا له ويحظى بدعم من الولايات المتحدة؟
في مناظرات الانتخابات بين جو بايدن ودونالد ترامب، صرح بايدن بوضوح أنه في حال فوزه، سيتبنى سياسة أكثر صرامة تجاه أردوغان ولن يسمح له بالتمدد أكثر. بالمقابل، أبدى ترامب وجهة نظر إيجابية عن أردوغان، حيث وصفه بأنه شخص ذكي وماهر، رغم أنه لم يستخدم هذه الكلمات حرفياً، لكن مضمون حديثه كان هذا.
وفي الآونة الأخيرة، تم تداول أنباء حول لقاء مرتقب بين أردوغان وترامب في الأسابيع المقبلة. تركيا حاليا نشطة في مجالات مثل القوقاز وسوريا وليبيا وحتى أمريكا الشمالية، ويعد كسب رضا الولايات المتحدة، خاصة ترامب، أمرا بالغ الأهمية لأنقرة لدفع ملفاتها في هذه المناطق.

هل تم التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وتركيا بشأن قضية سوريا؟ وهل من الممكن أن تطلب الولايات المتحدة من تركيا، مقابل سيطرتها على المعارضين الداخليين، أن تضمن ألا يشكل النظام السوري تهديدا لإسرائيل؟
إحدى السمات البارزة في سياسة أردوغان هي قدرته على اللعب مع جميع الأطراف. عندما كانت روسيا تهيمن في سوريا، تعاونت تركيا مع روسيا. وبعد أن فرضت أوروبا عقوبات واسعة على روسيا، ساعدت تركيا روسيا فعليا في بيع النفط تحت اسم تركيا وتوفير السلع الأساسية.
في الوقت نفسه، حافظت تركيا على علاقاتها الخاصة مع الولايات المتحدة. في سوريا، نشهد نوعًا من التفاهم بين الكتلة المدعومة من تركيا والدول العربية، والكتلة الكردية المدعومة من الولايات المتحدة.
هذه المسألة لم تكن لتحدث دون اتفاقات خلف الكواليس بين أنقرة وواشنطن. على الرغم من أن الوضع كان هشا في البداية، إلا أنه في الوقت الحالي، يسود نوع من الهدوء النسبي في الميدان السوري، مما يشير إلى وجود اتفاقات غير معلنة.
ما تقييمك لوضع العلاقات بين تركيا والأكراد؟ هل تم التوصل إلى اتفاق بينهما؟
تركيا تعتبر دائما الجماعات المسلحة الكردية، سواء داخل تركيا أو في شمال العراق أو شرق سوريا، تهديدا مباشرا لأمنها القومي وتصفهم بالجماعات الإرهابية. هذه الرؤية جزء من عقيدتها الأمنية ولن تتغير إلا في حال حدوث نزع كامل للسلاح.
إذا كان هناك تفاهم بين الأطراف في سوريا، فمن المؤكد أنه تم عبر الولايات المتحدة وليس من خلال مفاوضات مباشرة بين تركيا والأكراد. تركيا لا تتفاوض مباشرة مع الأكراد، ولا الأكراد يتفاوضون مع أنقرة.
بناءً على الظروف الحالية في المنطقة، كيف تقيّم مستقبل العلاقات بين إيران وتركيا؟ وبشكل عام، إلى أي اتجاه ترى مستقبل المنطقة يتجه؟
إيران وتركيا يجب أن يُعتبران منافسين لبعضهما البعض. في السنوات الأخيرة، سعى كل من البلدين للحفاظ على تنافسهما ضمن إطار التعاون المنطقي لتجنب تحوله إلى عداء، رغم أن هذه الحدود قد تصبح أحيانا غير واضحة في الرأي العام.
في مجالات مثل العقوبات، قدمت تركيا مساعدات لإيران وحققت مصالح اقتصادية كبيرة من خلال التحايل على العقوبات. أما في مجالات مثل سوريا، فقد كان هناك تعاون في بعض الفترات، لكن الوضع اليوم أصبح أكثر تقاربًا مع التنافس، ومن المرجح أن يتصاعد هذا التنافس.
في القوقاز، توجد اختلافات واضحة بين مواقف طهران وأنقرة بشأن مسألة ممر زانغزور. ومع ذلك، في مجالات مثل الطاقة والتعاون الإقليمي، تظل هناك تفاعلات ثنائية مستمرة بين البلدين.

بالنظر إلى مواقف إيران السابقة، خاصة خلال انقلاب 2016 ودعمها غير الرسمي للحكومة التركية، هل يمكن أن يكون النجاح المحتمل للاحتجاجات الأخيرة في تركيا لصالح إيران؟
في رأيي، لا. الجناح العلماني في تركيا، الذي يعد حليفا تقليديا للغرب، خاصة الولايات المتحدة، قد عمل دائما على زيادة الضغوط ضد إيران خلال فترات حكمه. يُمكن اعتبار أردوغان شخصية انتهازية، حيث استفاد من التحايل على العقوبات المفروضة على إيران. لكن وصول حكومة علمانية إلى السلطة في تركيا، والتي ستكون أقرب إلى الولايات المتحدة وأوروبا، قد يشدد الحصار الاقتصادي على إيران.
من هنا، يمكن فهم ما ذكره الراحل قاسم سليماني في تصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي بشأن تفضيل التعاون مع الإسلاميين على العلمانيين. في انقلاب 2016، على الأقل على المستوى الاستخباراتي، قدمت إيران دعما لحكومة أردوغان.
إذا تولت الحكومة العلمانية السلطة في تركيا، فسيصعب الوضع على إيران. لذلك، فإن نجاح هذه الاحتجاجات وإبعاد أردوغان لن يكون لصالح المصالح الإقليمية الإيرانية.