أكاديمي إيراني: لهذه الأسباب تم اختيار روما لاحتضان بعض جلسات مفاوضات إيران وأمريكا

ترجمة: يارا حلمي 

أجرت وكالة أنباء العمال الإيرانية الإصلاحية “إيلنا“، الجمعة 2 مايو/أيار 2025، حوارا مع فردین قریشي، الأستاذ بجامعة طهران وعضو الهيئة التدريسية في قسم العلاقات الدولية، ناقشت فيه تعقيدات المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة، خصوصا مسألة رفع العقوبات تدريجيا وضمانات التنفيذ، وتأثير القوى الدولية كإسرائيل والثلاثي الأوروبي واللوبيات الأمريكية على مسار التفاوض.

تحدث قريشي عن اختيار مدينة روما مبدئيا لاستضافة جولتين من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، ثم إلغائها أو تأجيلها، وقال: “إن المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة في روما، بوساطة سلطنة عمان، تم التخطيط لها بهدف التوصل إلى إطار جديد لإحياء الاتفاق النووي”.

وتابع أن “الأهداف الرئيسية تشمل الحدّ من تخصيب اليورانيوم الإيراني إلى مستوى 3.67% (كما في الاتفاق النووي)، وتقليل مخزون اليورانيوم المخصب، وتعزيز الرقابة الدولية، مقابل الرفع التدريجي للعقوبات الاقتصادية والمالية”.

وأضاف: “أما أسباب اختيار روما، فأولها مرتبط بدور سلطنة عمان، حيث وفّرت سفارتها في روما، بناءً على خبرتها السابقة في الوساطة خلال مفاوضات 2013، بيئة آمنة ومحايدة للمحادثات السرية”.

وتابع: “ثانيا، كون روما عاصمة إيطاليا، فهي مدينة غير معادية وتتمتع ببنية دبلوماسية قوية، مما يجعلها مكانا مناسبا للمفاوضات بعيدا عن الضغوط السياسية المباشرة، ثالثا، عقد المفاوضات في سفارة عمان يساعد في تقليل التكهنات الإعلامية والحفاظ على سرية المحادثات”.

 تغيير إطار المفاوضات

وفي ما يتعلق بتأجيل الجولة الرابعة من مفاوضات مسقط، أوضح قريشي أنّ “هناك عدة أسباب تقف وراء هذا التأجيل، أولا، طُرحت قضايا لوجستية، حيث نسب بدر البوسعيدي، وزير الخارجية العماني، التأجيل إلى أسباب لوجستية، دون أن يُفصح عن تفاصيلها”.

وتابع: “ثانيا، يمكن الإشارة إلى حالة عدم الاستقرار داخل الفريق الأمريكي، إذ إن استقالة مايك والتز، مستشار الأمن القومي، ونائبه أليكس وانغ، على خلفية فضيحة سيغنال غيت والضغوط التي مارستها لورا لومر، الناشطة السياسية المقربة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ربما دفعت واشنطن إلى الحاجة لإعادة تشكيل فريقها التفاوضي”.

وذكر: “ثالثا، أفادت مصادر إيرانية بأن الولايات المتحدة سعت إلى تغيير إطار المفاوضات، وهو ما يتعارض مع الاتفاقات السابقة، وقد أدى ذلك إلى تأجيل العملية التفاوضية، ويبدو أنّ هذا التأجيل يعكس بدرجة أكبر التحديات الداخلية التي تواجهها الإدارة الأمريكية”.

والتز عائق أمام تقدم المفاوضات 

تابع قريشي قائلا: “إنّ تأجيل مفاوضات روما يُعد من زاوية ما فرصة بالنسبة لإيران، إذ يتيح لها تعزيز مواقفها والاستفادة من حالة عدم الاستقرار داخل الفريق الأمريكي لانتزاع مزيد من التنازلات، غير أن هذا التأخير قد يؤدي في الوقت ذاته إلى إضعاف ثقة الطرفين في العملية التفاوضية”.

وأوضح أن “مايك والتز، مستشار الأمن القومي السابق، نظرا إلى مواقفه المتصلبة تجاه إيران، كان يُعد عقبة أمام تقدم المحادثات، واستقالته قد تفتح المجال أمام أتباع نهج أكثر دبلوماسية، إلا أن تعيين ماركو روبيو مؤقتا مكانه، وهو شخصية ذات توجهات محافظة، قد يُشير إلى استمرار السياسات المتشددة في المدى القصير”.

وأضاف: “هذا إلى جانب ضغوط لورا لومر الرامية إلى فرض مزيد من الإقالات داخل مجلس الأمن القومي، ما قد يزيد من حالة الاضطراب في السياسة الخارجية الأمريكية، وهو ما يصب في مصلحة إيران من خلال تقليل حجم الضغوط عليها”.

إخراج مخزون اليورانيوم

وفي ما يتعلق بدور روسيا والصين في المفاوضات النووية الإيرانية، لفت قريشي إلى أن “موسكو وبكين، رغم عدم مشاركتهما المباشرة في المباحثات الثنائية بين إيران والولايات المتحدة، تلعبان دورا مهما في دعم إيران دبلوماسيا، فروسيا أعربت عن دعمها لحق إيران في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وقد تطرح مقترحات مثل تخزين اليورانيوم الإيراني على أراضيها أو المساهمة في آليات الرقابة الدولية”.

وتابع: “مع ذلك، يتعيّن على إيران أن ترفض إخراج مخزونها من اليورانيوم إلى خارج البلاد، وأن توافق بدلا من ذلك على فرض رقابة دولية على إدارة هذا المخزون داخل أراضيها، حفاظا على استقلالها الاستراتيجي، كما أكدت الصين، في مناسبات متعددة من بينها الاجتماع الثلاثي الذي عُقد في 14 مارس/آذار 2025 مع إيران وروسيا، على ضرورة رفع العقوبات، والامتناع عن التهديدات العسكرية ضد طهران”.

لعبة التنافس بين التكتلات الكبرى

أضاف قريشي قائلا: “إنّ الصين يمكنها أن تساهم في تقليص آثار العقوبات من خلال توفير أسواق بديلة للتجارة الإيرانية، وبوجه عام، فإن حالة عدم الاستقرار التي تعانيها منظومة السياسة الخارجية الأمريكية بعد استقالة والتز، منحت روسيا والصين أهمية متزايدة كقوى موازنة مضادة”.

وأضاف أن “إيران تستطيع استغلال هذه الفرصة لتعزيز تحالفاتها الشرقية، غير أنّها مطالبة بالحذر من التحول إلى مجرد أداة في لعبة الصراع بين القوى العظمى”.

واعتبر أنّ اتباع سياسة تعددية الأطراف يمثل شكلا من أشكال موازنة القوة الدبلوماسية، مشيرا إلى أن “التعاون المتزامن مع الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا)، وروسيا، والصين، يُعد استراتيجية فعالة تسهم في تحقيق التوازن على الصعيد الدبلوماسي”.

وبين أنه “من بين فوائد هذه الاستراتيجية، تعزيز الشرعية الدولية لإيران من خلال بناء تحالف واسع، تقليص الضغط الأمريكي عبر الاستعانة بقوى مضادة كروسيا والصين، ومنع تكوّن إجماع غربي ضد إيران داخل المؤسسات الدولية مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو مجلس الأمن”.

لكنه حذر في الوقت نفسه من التحديات المحتملة، مشيرا إلى أن “أوروبا قد تتخذ مواقف أكثر تشددا تحت ضغط الولايات المتحدة أو إسرائيل، ومن الخطر توظيف إيران كأداة من جانب القوى الكبرى يبقى قائما، ما يستوجب من طهران الحفاظ على استقلالية قراراتها السياسية، كما أكد أن إدارة العلاقات مع الأقطاب الثلاثة الكبرى تتطلب دبلوماسية دقيقة وموارد كبيرة”.

الخطوط الحمراء الإيرانية

وفي شرحه لما يُعدّ خطوطا حمراء بالنسبة لإيران، وحجم التنازلات التي قد تُقدَّم للطرف الأمريكي خلال المفاوضات، أوضح قريشي أنّ “تلك الخطوط تشمل الحفاظ على البرنامج النووي السلمي، وضمن ذلك حق تخصيب اليورانيوم بنسبة منخفضة، وعدم المساس بالبنية التحتية النووية كمنشآت نطنز وفردو”.

وتابع: “وإلغاء العقوبات الاقتصادية بشكل فعلي وقابل للتحقق، لا سيما في مجالات النفط، والتحويلات المصرفية، والتجارة، إلى جانب رفض إدراج قضايا غير نووية مثل البرنامج الصاروخي أو السياسات الإقليمية ضمن المفاوضات”.

وأشار إلى أن “ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط في المفاوضات، صرّح بأنّ هدف واشنطن ليس تدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل، وهو ما يتوافق مع مطلب طهران بالحفاظ على حق التخصيب، وبيّن أن استقالة مايك والتز، المعروف بمواقفه المعادية لإيران، قد تتيح مجالا لقبول بعض الخطوط الحمراء الإيرانية، لا سيما تلك المتعلقة بالإبقاء على البرنامج النووي”.

وأفاد: “غير أنّ توقيت ومدى رفع العقوبات لا يزالان محل خلاف، وأنّ تعيين ماركو روبيو مؤقتا قد يشير إلى استمرار التوجهات المتشددة في هذا الشأن”.

ضمانات التحقيق والتنفيذ

أشار قريشي، في معرض إجابته عن سؤال حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستوافق على اقتراح رفع العقوبات تدريجيا، إلى أنّ “واشنطن من المرجح أن تتبنى نهج (خطوة مقابل خطوة) في رفع العقوبات، ولكن بشروط محددة، وأوكل الطرفان إلى خبرائهما مهمة إعداد خارطة طريق للإجراءات المتبادلة، تتضمن تقليص الأنشطة النووية الإيرانية مقابل رفع العقوبات بشكل تدريجي”.

وبيّن أن “إيران تطالب بضمانات قابلة للتحقق لرفع العقوبات، بينما قد تصرّ الولايات المتحدة على الرقابة الدقيقة على التزامات طهران، وتأجيل المفاوضات مع مجموعة الثلاثي الأوروبي (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا) يعكس تنسيقا مع تأجيل المباحثات المقررة في روما”.

ولفت إلى أن “الدول الأوروبية تدعم العودة إلى الاتفاق النووي، إلا أنّها تواجه ضغوطا داخلية من اليمين المتشدد، إضافة إلى تخوفها من ردود فعل إسرائيل، مما قد يدفعها لتبنّي مواقف أكثر تشددا حيال الرقابة وتوقيت رفع العقوبات”.

كما اعتبر أن “تل أبيب تعارض أي اتفاق يسمح بالحفاظ على البرنامج النووي الإيراني، وتلجأ إلى أدوات سياسية واستخباراتية وتهديدات عسكرية لزعزعة مسار التفاوض، مستفيدة من نفوذ لوبياتها داخل الكونغرس الأمريكي”.

وتابع قريشي أن “استقالة مايك والتز قد تساهم في تقليص الضغوط الإسرائيلية، لكونه كان من أبرز داعمي مواقف تل أبيب،  وفي المقابل إلى أنّ لورا لومر، إضافة إلى حالة عدم الاستقرار في مجلس الأمن القومي، قد تدفع الولايات المتحدة إلى تبنّي مواقف متضاربة نتيجة تأثير جماعات الضغط الداخلية، ورغم هذه التحديات، فإن إصرار كل من طهران وواشنطن على مواصلة الحوار يعكس احتمال تجاوز العقبات”.

كما أشار إلى أن “الاتفاق النهائي المرجّح قد يتضمن رفعا تدريجيا للعقوبات، خاصة في مجالات الطاقة والقطاعين المالي والمصرفي،  والعقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي- مثل الحظر النفطي والمصرفي- ستكون على الأرجح في مقدمة ما سيتم رفعه، في حين قد تبقى العقوبات المتعلقة بحقوق الإنسان والإرهاب والبرنامج الصاروخي قائمة”.

ولفت إلى أنّ “طهران تطالب بآليات تحقق فعّالة لرفع العقوبات، في حين قد تصرّ واشنطن على ربط رفعها بالتزامات إيران النووية، وقد تتردد الشركات الدولية في دخول السوق الإيرانية حتى بعد رفع العقوبات، بسبب المخاطر القانونية والسياسية”.

إعادة بناء الثقة المتبادلة

أوضح قريشي، في معرض طرحه لسؤال حول ما إذا كانت المفاوضات الجارية يمكن أن تؤدي إلى تطبيع العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، قائلا: “إنّ هذه المحادثات تركز بشكل خاص على الملف النووي، مع تجنّب التطرّق إلى قضايا غير نووية مثل البرنامج الصاروخي أو السياسات الإقليمية، غير أنّ النجاح في هذه المفاوضات قد يخلّف آثارا أوسع نطاقا”.

وتابع أن “من بين هذه الآثار أن الاتفاق المحتمل قد يمهّد الطريق لتخفيف التوترات الإقليمية، إذ يمكن لهذا التفاهم أن يؤدي إلى تعاون غير مباشر في مجال أمن الخليج، وتخفيف حدة النزاعات في العراق واليمن، وتعزيز استقرار سوق الطاقة”.

وذكر أن “إنشاء قنوات اتصال دائمة، على غرار ما تمّ تأسيسه خلال مفاوضات الاتفاق النووي، قد يسهم في إدارة الأزمات المستقبلية، إلا أنّ التطبيع الكامل للعلاقات بين الطرفين يبدو غير مرجح على المدى القصير، بسبب الخلافات العميقة المتجذرة، وضغوط إسرائيل، وكذلك تأثير جماعات الضغط داخل الولايات المتحدة”.