- دنيا ياسر
- 89 Views
تقرير لـ: مصطفى أفضل زاده، مراسل ” زاد إيران” في طهران
رغم الضغوط الدولية، والعقوبات الاقتصادية، والقيود الفنية والمالية، نجحت إيران في أن تصبح سابع أكبر منتج للفولاذ في العالم، مستندة إلى قدراتها المحلية، وكوادرها المتخصصة، واستراتيجيتها الصناعية المتماسكة. هذا الإنجاز اللافت لا يُعد فقط نجاحا صناعيا، بل يمثل رمزا للصمود الاقتصادي والقدرة الوطنية على المضي في مسار التنمية المستدامة.
تتمتع إيران بظروف مثالية لإنتاج الفولاذ، بفضل امتلاكها احتياطيات ضخمة من خام الحديد، وتوافر الطاقة الرخيصة، واليد العاملة المتخصصة. كما أن التنوع الجغرافي لإيران أدى إلى انتشار مصانع الفولاذ الكبرى في مختلف أنحاء البلاد، مثل فولاد مباركه في أصفهان، فولاد خوزستان، فولاد خراسان، وفولاد هرمزكان. هذا التوزيع الجغرافي لا يحقق فقط تنمية متوازنة، بل يُعد ميزة استراتيجية لمواجهة الاضطرابات المحتملة في أي منطقة.
وبحسب تقرير الجمعية العالمية للفولاذ، فقد تجاوزت إيران في عام 2024 دولا بارزة مثل ألمانيا، والبرازيل، وتركيا، بإنتاج يقارب 35 مليون طن من الفولاذ الخام، لتحتل المركز السابع عالميا. وقد تحقق هذا النمو في الوقت الذي واجه فيه العديد من المنافسين الدوليين انخفاضا أو ثباتا في الإنتاج نتيجة أزمات الطاقة، والتغيرات المناخية، وارتفاع تكاليف الإنتاج.

وفي ظل العقوبات، لم تتجه إيران نحو تقليص الإنتاج، بل ركّزت على تنويع أسواق التصدير. وقد شهدت صادرات الفولاذ الإيراني إلى دول آسيا الوسطى، والصين، والعراق، وسوريا، وأفغانستان، وبعض الدول الإفريقية، نموا ملحوظا خلال العامين الماضيين، وأصبحت أداة فعّالة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية لإيران.
وتعكس خطة وزارة الصناعة والمناجم والتجارة الإيرانية لرفع القدرة الإنتاجية إلى 55 مليون طن سنويا بحلول عام 2031، رؤية طموحة قائمة على أسس واقعية. وتشمل الجهود الحالية الاستثمار في التكنولوجيا الخضراء، وتحسين كفاءة الطاقة، وتحديث خطوط الإنتاج.
ويُعد نجاح إيران في قطاع الفولاذ نموذجا واضحا لقدرتها على استثمار إمكاناتها الداخلية لتحقيق مكانة عالمية. وإذا ما حظي هذا النجاح بدعم مستمر من صانعي السياسات، إلى جانب إصلاح بيئة الأعمال والاستثمار في التقنيات، فمن الممكن أن تتحول إيران إلى أحد أبرز خمسة لاعبين في صناعة الفولاذ عالميا.
تتضح أهمية صعود إيران إلى المركز السابع عالميا في إنتاج الفولاذ بشكل أكبر عند وضعه في سياق المنافسة الإقليمية والعالمية. فقد حاولت دول عديدة في الشرق الأوسط والعالم خلال السنوات الأخيرة ترسيخ مكانتها في هذه الصناعة الاستراتيجية، لكن قلّما استطاعت دولة أن تحقق تقدما مطردا وسريعا كما فعلت إيران، رغم الضغوط السياسية والاقتصادية.
الصين: العملاق بلا منازع في صناعة الفولاذ
لطالما تصدرت الصين قائمة منتجي الفولاذ في العالم دون منازع. ففي عام 2024، أنتجت الصين أكثر من نصف إنتاج الفولاذ العالمي، أي نحو مليار طن. وتخدم هذه الصناعة المدعومة بشكل كبير مشاريع البنية التحتية الضخمة داخليا ومبادرة الحزام والطريق، وتُستخدم أيضا كأداة جيوسياسية. وعلى الرغم من المساعي لتقليص الإنتاج تحقيقا للأهداف البيئية، فإن الصين ما تزال اللاعب الأهم والأكثر استقرارا في هذا المجال.
الهند: منافس صاعد بسرعة
تثبت الهند مكانتها كثاني أكبر منتج للفولاذ في العالم، مع معدل نمو سنوي يقارب 7%، ما يجعلها تتوسع بوتيرة أسرع من الصين. وتخطط الحكومة الهندية لمضاعفة الإنتاج بحلول عام 2030، مستهدفة الأسواق العالمية. وعلى خلاف الصين، تركز الهند على إنشاء مصانع حديثة ذات كفاءة عالية وانبعاثات منخفضة.
اليابان وكوريا الجنوبية: صناعات متقدمة تواجه الانكماش
رغم تراجع إنتاجها، ما تزال اليابان ثالث أكبر منتج للفولاذ عالميا. وتتميز صناعتها الفولاذية بالتطور التكنولوجي، لكنها تعاني من التحديات السكانية وتراجع الطلب المحلي. أما كوريا الجنوبية، التي تمتلك شركات كبرى مثل بوسكو “POSCO”، فتحافظ على موقع متميز في الأسواق التصديرية للفولاذ ذي القيمة المضافة العالية، غير أن إجمالي إنتاجها شهد انخفاضا أيضا.

الولايات المتحدة وروسيا: صناعة الفولاذ تحت تأثير السياسة
ركّزت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، على السياسات الحمائية في صناعة الفولاذ، مستخدمة الرسوم الجمركية والدعم المحلي لمواجهة الواردات، خصوصا من آسيا. غير أن مركزها الرابع عالميا يتعرض لضغوط بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وتراجع الصادرات.
أما روسيا، التي كانت ضمن الخمسة الأوائل عالميا، فقد تضررت بشدة من جراء الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية، مما أدى إلى انخفاض صادراتها وتقييد وصولها إلى التكنولوجيا الغربية. ورغم ذلك، لا تزال تجد أسواقا بديلة في الصين والهند وإيران.
تركيا: المنافس الإقليمي لإيران
تُعد تركيا المنافس الإقليمي الأبرز لإيران في مجال إنتاج الفولاذ، إذ تعتمد بشكل رئيسي على أفران القوس الكهربائي، وتُعد أوروبا سوقها التصديري الأهم. لكن الركود الاقتصادي وتراجع الاستثمارات الأجنبية أبطأ نمو هذه الصناعة في تركيا. ووفقا لأحدث الإحصائيات العالمية، تراجعت تركيا إلى مركز أدنى من إيران، ما يجعل تقدم إيران إلى المركز السابع إنجازا يعكس تجاوزها لمنافسها الإقليمي.
ألمانيا والبرازيل: قوى تقليدية تعيد تعريف دورها
تواجه ألمانيا، أكبر منتج للفولاذ في أوروبا، انخفاضا حادا في الإنتاج خلال الأشهر الماضية. ففي مارس 2025، سجلت أعلى نسبة انخفاض بلغت 11.7%، نتيجة ارتفاع تكاليف الطاقة وتغير السياسات المناخية، ما دفع مصانعها إلى إعادة بناء البنية التحتية والانتقال نحو التكنولوجيا الخضراء.
أما البرازيل، فرغم امتلاكها إمكانات كبيرة في التعدين وصناعة الفولاذ، فإنها تركز أكثر على تصدير خام الحديد، لكنها لا تزال ضمن العشر الأوائل عالميا في الإنتاج.

دول الخليج وجيران إيران: مكانة بعيدة جدا
إقليميا، لا تمتلك الدول العربية المطلة على الخليج وزنا كبيرا في إنتاج الفولاذ. فقد حاولت السعودية وقطر تطوير صناعات فولاذية، إلا أن حجم إنتاجهما لا يُقارن بإيران.
ووفقا لتقرير الجمعية العالمية للفولاذ، بلغ مجموع إنتاج الفولاذ في غرب آسيا في مارس نحو 5.3 ملايين طن، منها أكثر من 62% من نصيب إيران وحدها. أما باقي دول الجوار كعمان، والأردن، والكويت، واليمن، والعراق، فلا تُعد حتى من بين اللاعبين الصغار في هذا القطاع.