إيران ومصر.. هل تبشر الزيارات المتبادلة بفصل جديد في العلاقات الثنائية؟

نشرت وكالة أنباء “خبر أونلاين” حوارا مع عبد الأمير نبوي، الخبير في الشؤون المصرية، حول إمكانية عودة العلاقات بين مصر وإيران واتجاهها نحو شراكة استراتيجية في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة، حيث سلّط الضوء على توجهات السياسة الخارجية المصرية حيال دول المنطقة، وفي مقدمتها إيران. وفي ما يلي نص الحوار:

لماذا يعيد الرئيس عبد الفتاح السيسي النظر في علاقات مصر مع إيران وتركيا؟

الإجابة عن هذا السؤال طويلة، لكن يمكن تلخيصها بالقول إن مصر، كغيرها من الفاعلين الإقليميين، تواجه واقعا متغيرا ومعقدا في المنطقة، واقعا يتسم بأهمية بالغة وتحولات سريعة. وفي مثل هذا المناخ، من الطبيعي أن تسعى القوى الإقليمية إلى التكيف مع المستجدات غير المتوقعة، مع السعي في الوقت نفسه إلى ضبط الأوضاع الراهنة واحتوائها قدر الإمكان.

الواقع أن الشرق الأوسط يمر اليوم بحالة من الفوضى وعدم الاستقرار تفوق ما سبق، ويواجه أزمات مناخية واقتصادية، إلى جانب منافسات سياسية حادة. ومصر، بصفتها دولة محورية في الإقليم، تسعى لإدارة هذه التحولات بما يحفظ ويعزز مصالحها الوطنية. وفي هذا السياق، تبرز كل من إيران وتركيا كقوتين إقليميتين مهمتين، تربطهما بمصر علاقات سياسية تعود إلى عقود مضت.

ورغم أن القطيعة بين مصر وتركيا لم تدم طويلا، فإن السنوات الأخيرة شهدت تحسنا سريعا في العلاقات بين البلدين. أما مع إيران، فإن القطيعة تعود إلى عام 1979 وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد، وما زالت مستمرة حتى اليوم. غير أن الأوضاع الداخلية في مصر، بما في ذلك التحديات الاقتصادية، ومكافحة الإرهاب، فضلا عن حالة عدم الاستقرار في دول الجوار مثل ليبيا والسودان، وأزمة فلسطين وإسرائيل، كلها عوامل تدفع القاهرة إلى تبني سياسة توازن جديدة بين القوى الإقليمية وتوسيع شبكة علاقاتها ضمن استراتيجيتها لإدارة الأزمات.

وقد ظهرت مؤشرات على رغبة مصر في التعاون مع تركيا من خلال توقيع مذكرات تفاهم في مجالات متعددة، تشمل السياسة والأمن والصحة والسياحة. أما بالنسبة لإيران، فيبدو أن القاهرة لم تعد تنظر إلى العلاقة معها كقضية أمنية بحتة، بل تبدي توجّها إيجابيا نحو توسيع العلاقات، يتجلى في زيادة الزيارات والاتصالات الدبلوماسية رفيعة المستوى، خاصة فيما يتعلق بالأزمات الإقليمية مثل غزة، والملف النووي الإيراني، وأمن الملاحة في البحر الأحمر.

إلى أي مدى تغيّرت السياسة الخارجية للرئيس السيسي خلال العقد الماضي؟ وهل يمكن القول إنه فقد الثقة بالولايات المتحدة ويتجه نحو سياسة إقليمية تشمل العراق والأردن والسعودية وإيران وتركيا؟

السياسة الخارجية لمصر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي اتجهت نحو ما يمكن تسميته بـ”الموازنة الذكية”. فمصر حافظت على علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وظلت ملتزمة باتفاقية كامب ديفيد، لكنها في الوقت نفسه سعت إلى تنويع شراكاتها الدولية من خلال تعزيز علاقاتها مع قوى عالمية مثل الصين وروسيا، وهو ما انعكس في تبادلات سياسية واقتصادية وعسكرية متزايدة مع هذين البلدين.

على المستوى الإقليمي، واصلت القاهرة علاقاتها التقليدية مع دول الخليج مثل السعودية والإمارات والكويت والبحرين، لكنها عملت أيضا على توسيع آفاق تعاونها مع دول أخرى مثل قطر وتركيا، بل وحتى مع إيران بدرجة محسوبة. هذا التوجه أتاح لمصر مساحة أكبر من الاستقلالية في التعامل مع قضايا مثل الأزمة السورية واليمنية، حيث اتخذت مواقف أكثر توازنا وابتعدت عن التورط في صراعات إقليمية مُكلفة.

لذلك، لا يمكن القول إن مصر قد فقدت الثقة تماما بالولايات المتحدة، لكنها تسعى بوضوح إلى تقليل اعتمادها الحصري على الغرب، من خلال بناء شبكة علاقات متعددة الأطراف إقليميا ودوليا، تُمكّنها من الحفاظ على مصالحها الوطنية وسط عالم مضطرب ومليء بالتحولات.

هل تمتلك إيران الإرادة والعزم الكافيَين لتجاوز العقبات أمام تطبيع العلاقات مع مصر؟

منذ نهاية الحرب العراقية–الإيرانية، عبّرت إيران مرارا عن رغبتها في تحسين العلاقات مع مصر. ومن أبرز المؤشرات على هذه الرغبة، افتتاح مكتبي رعاية المصالح في طهران والقاهرة خلال فترة رئاسة الراحل هاشمي رفسنجاني. كما ظل ملف العلاقات مع مصر حاضرا على أجندة الحكومات المتعاقبة في إيران، لكن ثمّة عقبتان أساسيتان لطالما أعاقتا هذا التقارب:
أولا، النظرة الأمنية التي كانت تتبناها القاهرة تجاه العلاقة مع طهران،
وثانيا، وجود جماعات متشددة في كلا البلدين تعرقل أي تقارب سياسي.

لكن مع تراجع نفوذ التيارات المتطرفة، وخصوصا بعد التحسن الملحوظ في علاقات إيران مع دول عربية أخرى كالسعودية (بوساطة صينية)، ازداد اهتمام مصر بإيران. وتُظهر الزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين والمشاورات على مستوى رفيع، تراجع النظرة الأمنية البحتة تجاه هذه العلاقة.

وعليه، يمكن القول إن إيران لا تمتلك فقط الإرادة السياسية، بل أيضا القدرة والمرونة الدبلوماسية اللازمة لتطبيع العلاقات مع مصر.

أشرتم إلى السعودية، فما تأثير تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية على تطبيع العلاقات بين طهران والقاهرة؟

لطالما أبدت مصر حساسية عالية تجاه أمن حلفائها الإقليميين، وفي مقدّمتهم المملكة العربية السعودية. ومن هذا المنطلق، فإن تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية، والذي جرى بسرعة وجدية لافتتين، ساهم في تقليص أحد أبرز المخاوف المصرية. كما أن هذا المسار أوضح أن إيران جادة في تحسين علاقاتها مع العالم العربي، وأن مساعيها لم تقتصر على التصريحات فقط.

إن تحسّن العلاقات بين طهران والرياض، بلا شك، يمكن أن يُمهّد الطريق لتقليص المخاوف الأمنية لدى القاهرة، ويُشجّعها على اتخاذ خطوات أكثر واقعية نحو تحسين علاقاتها مع إيران.

هل يمكن أن تشكل فكرة إنشاء “شرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية”، والتي تُعد شعارا مشتركا في سياسات منع الانتشار لكل من القاهرة وطهران، أرضية للتعاون والتقارب بين البلدين؟

بلا شك. هناك مجموعة من الملفات التي يمكن أن تشكل أساسا عمليا ومشتركا لتعزيز التعاون بين إيران ومصر، من أبرزها:

  • التعاون الاقتصادي والسياحي
  • مواجهة أزمة شُحّ المياه وتبادل الخبرات في المجال البيئي
  • محاربة الإرهاب والتطرف
  • تقديم الدعم الإنساني للشعب الفلسطيني وإدارة أزمة غزة
  • وأخيرا، التعاون في إطار مشروع “شرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية”

وقد سعت إيران في السنوات الأخيرة إلى إطلاع جيرانها والدول الإقليمية المهمة، ومن ضمنها مصر، على تطورات برنامجها النووي. وهذه الشفافية والدبلوماسية النشطة، إذا اقترنت ببناء الثقة المتبادلة، يمكن أن تساهم بشكل ملموس في تقريب وجهات النظر وتعزيز العلاقات بين طهران والقاهرة.

كلمات مفتاحية: