الباحث الإيراني حميد رضا عزيزي: إيران غيرت توعدها بــ”الرد القاسي” على اغتيال هنية إلى “الرد المدروس”

كتبت: رضوى أحمد

أجرت وكالة أنباء راديو فردا الإيرانية حواراً مع حميد رضا عزيزي، الباحث الإيراني في السياسة الخارجية الإيرانية والأمن بالشرق الأوسط، في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين، نشر الحوار يوم الجمعة 30 أغسطس/آب 2024، وجاء فيه:

–         قال علي خامنئي، المرشد الأعلى لإيران، في تجمُّع لمجموعة (مسؤولي المؤتمر الوطني لشهداء محافظة كهكيلويه وبوير أحمد) في 14 أغسطس/آب 2024: “الانسحاب غير التكتيكي في أي ميدان يجلب غضب الله، لكن الانسحاب التكتيكي ليس عيباً، لأنه مثل التقدم التكتيكي”.

ثم في أول لقاء له مع أعضاء حكومة بزشکیان، قال: “لا تعلقوا آمالكم على العدو، ولا تنتظروا موافقته على برامجنا، وهذا لا يتعارض مع التعامل مع العدو نفسه في بعض الحالات”.

وحين كان خامنئي يدلي بهذه التصريحات، كان عباس عراقجي وزير الخارجية، جالساً على مقربة منه، وهو أحد الشخصيات الرئيسية في تحقيق الاتفاق النووي لخطة العمل الشاملة المشتركة 5+ 1، التي نتجت عن الحوار بين إيران والقوى العالمية، خاصةً الولايات المتحدة. ومنذ بداية عمله وزيراً للخارجية الجديد، أشار في عدة تصريحات إلى رغبة طهران في بدء محادثات نووية، ورغم أنه أشار ضمنياً إلى أن الاتفاق النووي بصورته تلك غير قابل للإحياء، فإنه أكد أن الحكومة الجديدة لا تنوي التأخير غير المبرر في مفاوضات (رفع العقوبات).

وكانت هذه الأمور تطرح في وقت بدأ فيه محمد جواد ظريف -بعد استقالته وعودته- عمله مجدداً كـ”مساعد استراتيجي لرئيس الجمهورية”، وهو الذي تحدث مراراً عن ضرورة “إدارة الخلافات” مع الولايات المتحدة، وكان له دور بارز خلال الحملة الانتخابية لبزشکیان، وأكد في محادثات عديدة، أنه يجب عدم السماح للخلافات مع أمريكا أن تأخذ طابعاً أمنياً وتؤدي إلى توتر.

–         في هذا الصدد قال حميد رضا عزيزي: “يبدو أن إيران توصلت إلى نتيجة أنها ستوفر فرصة للحوار، وبالنظر إلى سلسلة الأحداث الإقليمية والدولية، واحتمال اتساع نطاق الحرب في المنطقة، وآفاق عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وكذلك قرب تاريخ انتهاء صلاحية بنود الغرب للاتفاق النووي في أكتوبر/تشرين الأول من العام المقبل، والذي يمكن أن يدفع الأعضاء المتبقين في الاتفاق النووي إلى تفعيل آلية الزناد وعودة العقوبات الدولية ضد إيران، فتلك تعتبر من أهم العوامل الدولية في هذا السياق؛ وهذه العوامل برأيي، يمكن أن تجعل طهران تضع الحوار مع الدول الغربية كنهج على جدول أعمالها”.

–         هذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها خامنئي عن “التعامل مع العدو”، وأشار في كثير من تصريحاته، إلى أنها “مرونة بطولية” والتي أدت في النهاية إلى الاتفاق النووي لعام 2015، وقد تحدث خامنئي عن التعامل مع العدو خلال حكومة إبراهيم رئيسي، لكن لم يحدث أي تغيير عملي في توجهات السياسة الخارجية لإيران. وهذا الأمر إضافة إلى تعقيد البيئة الإقليمية، وظروف السياسة الداخلية المعقدة في الولايات المتحدة، وقرب الانتخابات الرئاسية فيها؛ جعل كثيرين يتحدثون بحذر أكبر بشأن احتمال رؤية تغيير في توجهات السياسة الخارجية لإيران.

لكن، ورغم أن وجود أشخاص مثل عباس عراقجي، وجواد ظريف، ومسعود بزشکیان بدلاً من مسؤولي حكومة رئيسي يمكن أن يصنع انفتاحاً في العلاقات بين طهران والعواصم الغربية، فإنه لا يبدو أن البيئة الدولية في المستقبل القريب ستكون مستعدة لذلك.

والآن، وقد بقي أقل من 3 أشهر تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، وقد شهد العالم تجربة خروج الولايات المتحدة برئاسة دونالد ترامب من الاتفاق النووي في عام 2018، وقد فسر بعض المحللين قرار ترامب بأنه نابع من محاولته تدمير آثار حكومة باراك أوباما؛ والآن، في ظل تلك الظروف ما الذي يمكن أن يقدمه الحوار مع إيران، خاصة في ظل التغيرات الكبيرة مقارنة بعامي 2013 و2014؟

–         لقد أدت مجموعة من الأحداث في السنوات الأخيرة، بدءاً من هجوم روسيا على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، وصولاً إلى هجوم حماس على إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول 2023، إضافة إلى تصاعد التوترات في منطقة الشرق الأوسط، إلى أن اعتبرت إيران واحدة من المتسببين في زعزعة الأمن الإقليمي؛ في ظل هذه الظروف، ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، هناك كثير من الشكوك حول ما إذا كان حتى إحياء الاتفاق النووي الإيراني يمكن أن يُعتبر ميزة لحملة كامالا هاريس الانتخابية وحكومة جو بايدن، بل العكس، قد يهيئ الظروف لمزيد من الهجوم من قبل فريق دونالد ترامب الانتخابي على خصمه.

وأشار حميد رضا عزيزي إلى بعض العلامات التي توضح نية إيران في إجراء تغيرات في توجهاتها بالسياسة الخارجية، قائلاً: “نوع رد إيران على اغتيال إسماعيل هنية يمكن أن يكون واحدة من هذه العلامات؛ إذا قررت إيران تنفيذ عملية بحجم ما حدث في أبريل/نيسان، فإن ذلك سيعقد الأمور أكثر، وقد شهدنا أن نهج عباس عراقجي وكذلك تصريحات المسؤولين العسكريين الإيرانيين قد استبدلت (الرد القاسي) بـ(الرد المدروس)”.

وأضاف: “من الضروري توضيح وضع الاتفاق النووي؛ يجب أن نرى ما هي آراء الأعضاء المتبقين في الاتفاق حول تصريحات عراقجي التي تحدث فيها عن عدم إمكانية إحياء الاتفاق والحاجة إلى إعادة فتح المحادثات من جديد، وإذا جرت محادثات بين الطرف الإيراني وبقية الأعضاء المتبقين في الاتفاق، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستعقد في سبتمبر/أيلول، يمكن اعتبار ذلك علامة أخرى بأن إيران تنوي تغييراً في توجهاتها بالسياسة الخارجية، ومع مرور الوقت ستتضح الصورة أكثر عن الآفاق المستقبلية لمسار الدبلوماسية الإيرانية، وأي تغيير في هذا الاتجاه ليس أمامه فقط التحديات الإقليمية، مثل أحداث لبنان والحدود مع إسرائيل وأيضاً غزة، بل أيضاً بالتحديات الدولية، مثل نتائج الانتخابات الأمريكية، ويمكن أن تتحول المصالح المتضاربة لمراكز القوى الداخلية والتيارات السياسية المختلفة إلى عقبات أمام إحداث تغييرات في دبلوماسية إيران”.

كلمات مفتاحية: