- دنيا ياسر
- 125 Views
كتب سيدنيما موسوي
ترجمة دنيا ياسر نورالدين
الفن هو لغة عالمية لفهم المفاهيم والمشاعر المشتركة، وبالطبع تُعد السينما، باعتبارها ذروة الفنون المسرحية، ساحة لتجلي الأبعاد الفنية ولتبادل المفاهيم بين الشعوب والأمم المختلفة. وتكمن الوظيفة الأساسية للسينما، بما أنها ترتبط بالعنصر البصري، في قدرتها على خلق صور ومشاهد مليئة بالإحساس تفتح المجال أمام حوار الثقافات فيما بينها.
ورغم أن السينما في منطقة الشرق الأوسط ليست من الفنون القديمة وقد جاءت إليها من الغرب، فإن صنّاع الأفلام من العرب والفرس والأتراك تمكنوا في بعض الأحيان من إنتاج أفلام جذبت الانتباه على المستوى العالمي. وقد نالت بعض هذه الأفلام إعجاب شعوب أخرى في غرب آسيا والشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال، تُعد المسلسلات التركية اليوم محبوبة في الدول العربية، وفي المقابل، حظيت العديد من المسلسلات الإيرانية بترحيب واسع في العالم العربي، مثل: مختارنامه (2010)، يوسف الصدّيق (2008)، ورجال أنجلوس (1997)، وبالمثل، كانت بعض المسلسلات العربية محبوبة أيضًا لدى المشاهد الإيراني.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن بعض الأعمال السينمائية والتلفزيونية كانت نتاج تعاون مشترك بين عدة دول إسلامية في منطقتنا. وفي هذا المقال، سنتناول عددًا من أبرز الأعمال المشتركة بين إيران والعالم العربي في مجال الإنتاج البصري.

خلال العقود الماضية، تم إنتاج العديد من الأفلام بالتعاون بين إيران والدول العربية. وربما يمكن اعتبار أول تعاون سينمائي بين إيران والعالم العربي هو أعمال جورج عباديه، المخرج اليهودي العراقي، الذي أخرج عدة مشاريع سينمائية في إيران قبل الثورة عام 1979. ويُعد فيلمه الأشهر في إيران هو ميناء الحب، من بطولة چنگيز جليلوند، الممثل ومؤدي الصوت الشهير الإيراني.
وكان الفيلم إنتاجًا مشتركًا بين إيران واليونان وإسرائيل وإيطاليا، ويدور حول قصة حب بين فتاة وشاب عامل إيراني يعمل في الميناء، ويحاول المشرف، الذي يحب الفتاة أيضًا، إبعاد الشاب عن الطريق بإرساله في سفر بعيد ليخلو له الجو.
وفي النهاية، يُصاب البطل بالشلل إثر شجار مع المشرف، لكنه يستعيد عافيته ويلتقي بمن يحب. وقد أقام عباديه في إيران بين أربعينيات وستينيات القرن العشرين قبل أن يهاجر إلى إسرائيل.
في أعقاب الثورة، شهدت السينما تعاونًا جديدًا بين إيران والعالم العربي. ويُعتبر فيلم الباقي من إخراج سيف الله داد من أهم المشاريع المشتركة، حيث كتب السيناريو استنادًا إلى قصة غسان كنفاني. ويروي الفيلم أحداث السنوات الأولى لتأسيس إسرائيل، حيث اشتعلت حرب عام 1948 بين اليهود والمسلمين في فلسطين، وانقسمت العائلات اليهودية والمسلمة التي كانت تعيش جنبًا إلى جنب.
وفي النهاية، يجد الدكتور سعيد وشمعون، وهما صديقان منذ الطفولة، نفسيهما على جبهتين متقابلتين. وتنتهي القصة بمشهد انفجار قطار للمهاجرين اليهود وقفز امرأة مسنّة من القطار، في نهاية درامية مؤثرة. وقد أُنتج الفيلم عام 1994 بتعاون إيراني-سوري مشترك.
أما فيلم هيام من إخراج محمد درمنش، فقد أُنتج عام 2003 كعمل مشترك بين إيران ولبنان، ويدور أيضًا حول القضية الفلسطينية. وتدور القصة حول حسان، طالب فلسطيني يحمل الجنسية البريطانية، وهيام، فتاة فلسطينية تقيم في مخيم جنين. وبعد محاولتهما السفر إلى بريطانيا للعيش بسلام، يُعتقل حسان ثم يُفرج عنه، ليقرر مع هيام أن لا سبيل أمامهما سوى البقاء والمقاومة من أجل فلسطين.
ومن بين الأعمال المشتركة الأخرى فيلم 33 يومًا، وهو إنتاج مشترك بين منظمة السينما الفارابي الإيرانية وقسم الإعلام في حزب الله اللبناني، أُنتج عام 2012. أخرجه جمال شورجه، المعروف بأفلامه عن حرب إيران والعراق، ويدور حول حرب عام 2006 بين حزب الله وإسرائيل في بلدة عيتا الشعب بجنوب لبنان.
الفيلم يتناول المقاومة البطولية لأهالي البلدة بقيادة القائد محمد سرور، ويركز على التلاحم الشعبي بين أهالي البلدة الذين يجمعهم الحب والمقاومة. حتى القائد الإسرائيلي في الفيلم يعبر عن احترامه لهذه المقاومة. لعب دور القائد الإسرائيلي الممثل اللبناني پير داغر، الذي شارك في عدة أفلام إيرانية أخرى.

أما فيلم صائد السبت من إخراج پرويز شيخ طادي، فقد أُنتج عام 2010 كمشروع مشترك بين إيران ولبنان، وشارك فيه ممثلون من البلدين. لعب علي نصيريان، أحد أعظم ممثلي إيران، دور حاخام يهودي يتولى تربية طفل بعد زواج أمه مرة أخرى. ويسعى الحاخام لتربية الطفل ليصبح شخصًا عنيفًا بعيدًا عن البراءة.
وقد نال أداء نصيريان استحسان المرشد الأعلى علي خامنئي شخصيًا. وتنتهي القصة بمشهد مؤثر حين يطلب الحاخام من الطفل أن يوجه السلاح نحوه هو نفسه. وقد أدّت دارين حمزة، الممثلة اللبنانية، دور أم الطفل في هذا الفيلم.
ومن أبرز المسلسلات التي تم إنتاجها بالتعاون بين إيران والعالم العربي في السنوات الأخيرة هو مسلسل باب المراد، الذي يروي سيرة الإمام محمد الجواد، تاسع أئمة الشيعة. أخرجه المخرج السوري فهد ميري عام 2014، وهو إنتاج مشترك بين الكويت وإيران والبحرين وسوريا، وتولت إنتاجه شركة كويتية.
يتميز المسلسل بسرد بسيط دون حبكة درامية معقدة، وقد غلبت السيرة الذاتية للإمام على السرد، مع بعض الإشارات إلى شخصية المأمون العباسي في سياق الأحداث. وغنى الفنان الإيراني محمد إصفهاني تتر نهاية المسلسل.
وفي العقد الأخير، ومع تصاعد الأزمة السورية وظهور تنظيم الدولة، تم إنتاج عدد من الأفلام حول هذه القضية، مثل: أغاني أرضي من إخراج عباس رافعي، بتوقيت الشام من إخراج إبراهيم حاتمي كيا، وقلب الرقة من إخراج خير الله تقياني بور. وتُعد أغاني أرضي أول فيلم إيراني تناول تنظيم داعش عام 2014، وشارك فيه ممثلون سوريون ولبنانيون ومصريون، حيث تداخلت القصة العاطفية بالواقع السياسي.

أما فيلم بتوقيت الشام فهو أحد أبرز أعمال إبراهيم حاتمي كيا، وأُنتج عام 2017 بتعاون إيراني-سوري، وتم تنفيذه على الطراز الهوليودي. يحكي الفيلم قصة يونس، طيار إيراني (يؤديه هادي حجازي فر) وابنه من فيلق القدس، اللذان يحاولان إنقاذ سكان مدينة تدمر من قبضة داعش بطائرة إليوشن، قبل أن تتعرض الطائرة للاختطاف بهدف تكرار سيناريو 11 سبتمبر/أيلول، لكن البطولة والتضحية تنقذ الموقف.

أما فيلم قلب الرقة فيتناول مهمة ضابط أمني إيراني في مدينة الرقة، عاصمة تنظيم الدولة. وتتصاعد الأحداث حين يضطر هذا الضابط إلى كتم مشاعره أمام طليقته السورية، ويشهد قطع رأس صديقه المقرب دون أن يُظهر رد فعل. تنتهي القصة بسيطرة قوات المقاومة على الرقة من خلال عملية برية وجوية بطائرات مسيّرة. وقد أُنتج الفيلم عام 2022.
إن التوافق الثقافي الإسلامي بين إيران والعالم العربي، إلى جانب قضية فلسطين، خاصة بعد الثورة الإسلامية في إيران، أوجد أرضية خصبة لإنتاج مشترك واسع في المجالين السينمائي والتلفزيوني. وقد صوّر العديد من المخرجين الإيرانيين أفلامًا وثائقية في الأراضي العربية، فضلاً عن عدد كبير من الأعمال السينمائية المشتركة التي تعكس الروابط التاريخية والدينية بين شعوب إيران والعالم العربي.