السياسي الإيراني عباس عبدي يقدم قراءة تحليلية لمسار التيار الإصلاحي في إيران

في حوار فكري وسياسي معمّق مع الموقع الإيراني المعتدل “خبر أونلاين” الإيراني، الجمعة 23 مايو/أيار 2025، يقدّم عباس عبدي، الصحفي والناشط الإصلاحي البارز، قراءة نقدية وتحليلية لمسار التيار الإصلاحي في إيران.

نص الحوار:

إذا أردنا التحدث عن مفهوم الجناح الإصلاحي، فهل الإصلاحية المرتبطة بيوم 23 مايو/أيار 1997 تتطابق مع المفهوم العام للإصلاحية؟

عندما نستخدم مصطلحا أو تعبيرا سياسيا، فهو لا يحمل بالضرورة معنى دقيقا، حتى الآن، إذا سألتم عن مصطلحات شهيرة جدا، فسترون أن هناك عشرات التعاريف لها، على سبيل المثال، نقول “نقطة غليان الماء”، فهذا يعرفه الجميع بأنها الدرجة التي يتحول فيها الماء السائل إلى بخار.

هذا تعريف ملموس تماما، لكن “الإصلاحية” أو حتى “الثورية”، تعبير يُطلق في فترة معينة على جماعة ما، وتتبلور دلالاته وتفسيراته مع مرور الزمن؛ كطفل يُولد ويتشكل تدريجيا.

ليس الأمر كما لو أن لدينا مسبقا تعاريف كلاسيكية وحاسمة نضعها أمامنا ثم نقول: سنتصرف وفقا لها، السياسة ليست كذلك على الإطلاق، إذا نظرنا إلى المسألة من هذا المنظور، أرى أن جوهر الفكر الإصلاحي هو نفي سياسة الإقصاء. سياسة الإقصاء هي سياسة الإلغاء؛ أي أن لا يكون هناك “آخر” بل أن أكون “أنا” وحدي، وإذا أراد “الآخر” أن يكون موجودا، فعليه أن يخضع لي بأي ثمن.

في تاريخ إيران، لم نبتعد عن سياسة الإقصاء إلا في فترات نادرة جدا، عام 1997 كان إحدى هذه الفترات، لكن يجب الاعتراف بأننا لم ننجح في مواصلة هذا المسار بشكل جيد، بل إننا، في الواقع، أرسلنا إشارة للطرف المقابل جعلته يشهر خنجر الإقصاء من غمده، برأيي، سياسة الإقصاء لا تؤدي إلى نتيجة.

الوفاق والاعتراف بالآخر هما الأساس في الفكر الإصلاحي، وإذا قبلنا بذلك، فإن نتائج أخرى تُبنى على هذا الأصل، لقد قلت مرارا: تخيّلوا أن لديكم مالا في البورصة وتقومون بالاستثمار فيه، هناك نوعان من الأشخاص الذين ينشطون في سوق الأسهم: فئة من الناس يشترون “سلّة أسهم”، هذه السلة تتكوّن من خمسين إلى خمسمئة سهم من شركات كبرى.

ولذلك، فإن أرباحها – مع بعض التفاوتات الطفيفة صعودا وهبوطا – تكون دائما قريبة ومتناسبة مع متوسط تغيّرات السوق، في الواقع، نحن لم نشترِ سهما محددا، بل أصبحنا شركاء في تغيّرات السوق ككل.

لكن هناك بعض الأفراد الذين يتّبعون نهجا مغامرا ويشترون أسهما غير مستقرة، قد يحدث فجأة خلال عام واحد أن ترتفع قيمة هذا السهم إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف، ويحقق الشخص ربحا مذهلا، ولكن في المقابل، هناك احتمال أن ينهار هذا السهم ويضيع كليا، هذه سياسة محفوفة بالمخاطر.

في السياسة أيضا، لا يحق للسياسي الإصلاحي أن يختار سياسة محفوفة بالمخاطر، المعارضة هي مثال على سياسة محفوفة بالمخاطر، في البورصة، قد تؤدي السياسة المحفوفة بالمخاطر إلى إفلاس مفاجئ للمغامر أو إلى أرباح مضاعفة. 

لكن في السياسة منخفضة المخاطر، لا تُفلس ولا تربح فجأة أرباحا طائلة، بل ترتفع قيمة سلّتك بمقدار متناسب مع متوسط السوق، السياسة الإصلاحية ترفض القمار السياسي، المقامرون يخسرون دائما ولا يستطيعون التراجع، يخسرون، ثم يقولون إنهم سيربحون في القمار التالي، لكنهم يخسرون مجددا، وفي النهاية لا يبقى لهم شيء، وقد أصبحوا مفلسين تماما.

السياسة الإصلاحية تقوم على العقلانية والمتوسط، ولهذا السبب، فإن التصويت – ضمن حدود معقولة – هو أحد أركانها، نحن في انتخابات العام الماضي، لم نفعل شيئا استثنائيا أو غريبا؛ عملنا لمدة 25 إلى 26 يوما، وجاء الناس وصوّتوا.

 لم يتحمّل أحد أي تكلفة، وكانت الفائدة – مقارنة بالتكلفة – جيدة جدا، لكن عندما تنظر إلى سياسة الحركة الفدائية، ترى أن العشرات بل المئات من القوى الفاعلة والواعية وشباب الوطن قُتلوا في تلك الحادثة، على أمل أن يُسقطوا هيمنة ما ويأتوا بشيء مكانها، في حين أنها كانت تكلفة باهظة، وتعرّض كثيرون آخرون لأضرار لا يعلمها إلا الله، ثم يصلون في النهاية إلى شيء يقولون عنه: “لم يكن هذا ما أردناه”. ومع ذلك لا يستطيعون التراجع في أي مرحلة من مراحل ممارستهم السياسية، لأنهم دفعوا ثمنا باهظا فلا يرضون بالتراجع.

لكن السياسة الإصلاحية ليست على هذا النحو، جزء كبير من سياسات حكومة إيران لا تنسجم مع هذا المعيار الإصلاحي، أنتم تواجهون حاليا مشكلة اختلال التوازن في الطاقة، لماذا نشأ هذا الاختلال؟ لأن التراجع عنه كلما تقدّم الزمن يصبح أصعب.

 في وقت ما، كان سعر البنزين ألف تومان، وكان بالإمكان رفعه إلى 1200 تومان، أي زيادة بنسبة 20% تُعدّ مقبولة وتُعوض، لكن اليوم، لو أردتم رفعه 200 تومان، فلن يكون أمرا ذا أهمية، أما إذا أردتم رفعه عشرة آلاف تومان، فسوف تخافون، لا ينبغي السماح لهذا النوع من السياسة بالتدخل في مجالات السياسة الخارجية، والاقتصاد، والثقافة.

أما السياسة المتعلقة بالحجاب، فهي سياسة تتعارض مع هذا الفهم والمنهج الإصلاحي، فهي لا تسمح للفرد بالتراجع، لأنها تعتبر التراجع بمثابة هزيمة، في حين أن التراجع، بالنسبة للإصلاحي، لا يجب أبدا أن يُعدّ هزيمة، هاتان هما الصفتان الأساسيتان اللتان أذكرهما.

أما الصفات الأخرى، فهي قائمة على المشاركة، أي أنكم تقولون بضرورة جمع الناس معا للحوار والتفاهم. فإذا تفاهمت أنا وأنت على نقطة معينة، فإن ذلك أفضل بكثير من أن أحدد نقطة جيدة بدون تفاهم معك، لأنك لن تتعاون معي، وسيتعطّل الأمر تلقائيا.

 هذه بعض من أهم المبادئ الأساسية للفكر الإصلاحي، وأنا أدافع عن الإصلاحية بوصفها عقدا أوليا، ولا أرى أي مبرر للتخلي عنها، لقد جرّبنا معاداة الإصلاحية قبل ستين عاما، وما زلنا ندفع ثمنها حتى اليوم.

دعني أستخدم تشبيه البورصة نفسه الذي تفضلتَ به: لماذا بورصة الإصلاحيين في أدنى مستويات أسهمها؟

لأن الإصلاحيين تخلّوا عن مجموعة من المبادئ، سأذكر مبدأين أعتقد أن هذين العاملين هما السبب في عجزهم، قبل ذلك، أود القول إنني أعتقد أن الإصلاحيين، وخاصة في عهد السيد خاتمي، كانوا في أنجح فترة من فترات تاريخ إيران…

هل تقصد تاريخ إيران أم إيران ما بعد الثورة؟

تاريخ إيران، بل حتى تاريخ المئة عام الأخيرة… لكن المشكلة أنهم لم يتمكنوا من تثبيت ذلك. 

النجاح لا يقتصر على أنك تستطيع علاج مريض ما لأسباب معينة، بل عليك أن تثبّت حالته أيضا، هذا هو موطن فشل الإصلاحيين، كان لعملهم خللان، وقد قلت كليهما تقريبا في حينه.

 أولا، أن جزءا منهم تخلّى عن سياسة الإصلاحية واتجه بالسياسة نحو المواجهة، واختار خطاب المواجهة، قد يظن البعض أنني أُعدّ أحد الأمثلة على ذلك، لست بصدد إنكار هذا، بل أسعى لعرض الواقع.

بداية هذا المنحى، برأيي، كانت في (الاحتجاجات الطلابية الإيرانية يوليو/تموز 1999 على أثر إغلاق صحيفة سلام الإصلاحية)كان يجب على الإصلاحيين أن يتحمّلوا المسؤولية حيال هذه الحادثة، ويطووا صفحتها، وألا يسمحوا بأن تتطور إلى احتجاجات لاحقة، كان عليهم أن يُظهروا قدرا من المسؤولية.

 في ذلك الحين، بعثتُ برسالة إلى أصدقاء في وزارة الداخلية وإلى الرئيس الأسبق خاتمي نفسه وقلت لهم: “اطووا هذه الصفحة، فالعواقب قادمة”. ومن ثم، تم السير في مسار خلق أزمة، وقد استفز ذلك الطرف المقابل لتصعيدها، وكانوا بانتظار هذه التمريرة، وقد تلقّفوها واستغلوها.

لكن الخطأ الأهم للإصلاحيين هو قبولهم بالفجوة بين السلطة والمسؤولية، إذا كنتَ تتابع كتاباتي، فقد صرّح  خاتمي مرّتين أو ثلاث مرات، سواء علنا أو في جلسات خاصة، أن “عبدي هو الوحيد الذي قال لي لا تترشح لولاية ثانية”.

 لم يكن منطقي أنه لا ينبغي لك أن تترشح، بل منطقي كان: إذا كنت ستترشح، عليك أن تقول: “أنا آتٍ لأقوم بهذه الأعمال، ولدي هذه الصلاحيات وهذه المسؤوليات”.

 أما إذا كان المطلوب منك أن تتحمّل المسؤولية من دون أن تملك السلطة والصلاحيات، فلماذا تترشح أصلا؟ يمكن القبول بأي فجوة، لكن لا يمكن القبول بهذه الفجوة.

 على سبيل المثال، أنت الآن تجلس هنا وتتحدث معي، وقد اتفقتَ مسبقا مع إدارة “خبر أونلاين” على تصميم الأسئلة، لكنك هنا حرّ في أداء عملك، أما إذا قيل لك: “لا تفعل هذا، وافعل شيئا آخر”، فلن تتمكن من العمل.

الولاية الثانية لخاتمي – برأيي – كانت رمزا لفجوة السلطة والمسؤولية، وفي ظل هذه الفجوة، لا يمكنك القيام بعمل مفيد وفاعل، يجب أن يتحمّل كل شخص من المسؤولية بقدر ما لديه من سلطة.

عندما تجاهل الإصلاحيون هذين المبدأين، دخلوا منحدرا، عام 2005، نشأت أزمة بالنسبة لهم نتيجة لأخطاء ارتكبوها، أما أسوأ أزماتهم فكانت في عام 2009، ولا أظن أحدا انتقد عام 2009 بقدر ما فعلت أنا، ذلك المسار، أصلا، لم يكن مندرجا ضمن السياسة الإصلاحية.

لحسن الحظ، في عام 2013، توفّرت ظروف ما مكّنتهم – لأي سبب – من العودة، لكنني أعتقد أن عودتهم لم تكن بأيديهم بالكامل، بل كان هاشمي وحسن روحاني أكثر تأثيرا، وقد سلكا مسارهما الخاص.

 والنتيجة أن الناس، عمليا، يرون أن الإصلاحيين لم يتمكنوا من فعل شيء، لأن التصاقا نشأ بين “الإصلاحيين” و”الإصلاحية”، فقال كثيرون إن الإصلاحية أصبحت بلا موضوع، في حين لا أحد يتساءل: “ما هو دور الثوريين في هذا المشهد؟” فهناك شريحة من الثوريين داخل الحكم، وأنتم ترونهم.

أما الكارثة، فهي في ذلك الجزء من الثوريين الموجودين خارج الحكم، ونحن نشهدها أيضا، فإذا أردنا أن نحكم، لماذا قد يرغب أحد في التعويل عليهم؟ أعتقد أن هذين السببين قد يكونان العاملين الأهم.

 لكنني ما زلت أعتقد أنه إذا مضت الإصلاحات الحالية قدما بدرجة أكبر وأكثر فاعلية، فإن الناس سيعودون إلى الإصلاحية، فما زال الناس، في استطلاعات الرأي، يُظهرون ميلا نحو التغيير الإصلاحي أكثر من الميل إلى التغيير الراديكالي.

 الإشارة إلى فجوة السلطة والمسؤولية… أليس هذا هو العذر الكلاسيكي الذي يردّده الإصلاحيون دائما؟ 

نعم، هذا هو نفسه، لكنني لا أقبل بهذا الجواب، أقول: إن لم يدعوك، فاترك المنصب وارحل، لا مشكلة في ذلك، في الحقيقة، قلت هذا الكلام لرئيس الاسبق روحاني آخر مرة عامي 2018 و2019. قلت له: “إذا لم تكن قادرا على إنجاز شيء، فاستقل، ودع غيرك يأتي. لا يجب أن يستمر هذا الوضع”. لكن في إيران، أصبحت الاستقالة بمثابة إعلان عن إسقاط النظام! وهذا ما لا أفهمه. 

لماذا يجب أن يكون الأمر كذلك؟ إذا كنت تستطيع أن تعمل، فاعمل، وإذا لا تستطيع، فاذهب، غير ذلك، سيقول الناس إنه كان عاجزا، ثم يطالبونه بأن يتصرف تصرفا راديكاليا، لكن حين يتصرف براديكالية، يصبح مصيره كمصير روحاني، ثم يعود الناس ليشتموه ويُبدوا له الكراهية.

في الأصل، لماذا يصوّت الناس لمن هو أكثر اعتدالا؟ لأنهم يظنون أنه قد ينجح في إنجاز شيء، لماذا لا يصوّتون للراديكاليين؟ لأنهم يعلمون أن ذلك سيؤدي إلى صراع، لكن حين تَحين لحظة التوقعات، يطالبون بالتصرف الراديكالي، وهذا غير منطقي.

لذلك، فإن عبارة “لم يَدَعونا” صحيحة، لكن الردّ الذي أقدّمه أنا هو أن السياسي لا يجوز له القبول بهذه الفجوة، لا يوجد شيء اسمه “لم يدعونا”، عليه أن يقول ببساطة: “هذه هي سياستي، لكن مجلس صيانة الدستور حال دون تنفيذها، إذا المسؤولية تقع عليّ وعلى البرلمان معا”، لا مشكلة في ذلك، يمكن قولها بصراحة. في موضوع المفاوضات الخارجية: ما هو تفويضك؟ أو في موضوع الحجاب، الاقتصاد، وسائر القضايا: يجب أن يصرّح بوضوح تام: “هذه سلطاتي، وهذه مسؤولياتي، وقدرتي التنفيذية لا تتجاوز هذا الحد”. 

والناس بعد ذلك يُقيّمون: يعجبهم الأمر أو لا، لكن النقد الذي يوجّه إليهم في هذا السياق، نقد صحيح.

أشرت إلى روحاني، دعنا نعُد قليلا إلى اللحظة التي نشأ فيها التيار الإصلاحي في مواجهة مع السيد هاشمي، لكنه في 2013 عاد إليه وإلى روحاني، أليس هذا تراجعا؟

لا، الرئيسان الإيرانيان السابقان- هاشمي وروحاني- هما من انتقلا إلى هذا الجانب، ولو كانا ما زالا في ذلك الجانب، لما طُردا من “جمعية رجال الدين المجاهدين” لقد أُقصوا عمليا، كانت علاقتهم بذلك الطرف سيئة.

 هاشمي عام 2013 لم يكن هاشمي 1997، ولا حتى هاشمي 2001، لقد تغيّروا، ولا أرى مشكلة في هذا التغيير، بل أراه جيدا جدا.

قد تقول إن خطأ الإصلاحيين أنهم ساروا خلفهم، الخطأ كان أن الإصلاحيين وسّعوا فجوتهم مع النظام إلى حد أنهم اضطروا إلى أن يعودوا عبر وسطاء، وكان هاشمي وروحاني هما الوسيطين، وإلا، فإن هاشمي وروحاني كانا يدافعان، إلى حدٍّ ما، عن مواقفهما الخاصة.

أليس من أسباب فشل الإصلاحية، أو تراجعها، أنها لم تكن تملك إلا استراتيجية الضغط من الأسفل والتفاوض من الأعلى، ولم يكن هناك خطة بديلة؟

نعم، تلك الاستراتيجية التي طرحها حجارِيّان مستشار الرئيس الإيراني الأسبق، كانت برأيي استراتيجية صدامية، ولم تكن مجدية، لأنها بلا حدود.

 أعتقد أن استراتيجية التوافق أكثر فاعلية، والانتقاد الذي أوجهه للفترة من 2013 إلى 2021 هو أنه لم يُؤخذ بهذه الاستراتيجية على نحو دقيق، حتى في موضوع الإقامة الجبرية، أقول الشيء نفسه.

 هذه الاستراتيجية أُهملت كليا في عام 2009 لكنني أعتقد أنه اعتبارا من عام 2025، وبعد فشل استراتيجية “توحيد الجبهة الحاكمة”، بدأ الجميع يعود إلى هذه النقطة: ضرورة الاعتراف المتبادل.

إذن أنت ترى أننا ما زلنا نعيش استمرار التيار الإصلاحي نفسه الذي بدأ في 1997، ولكن بعد بعض التغييرات؟

نعم – على حد تعبير فيلسوف يوناني: “نحن لا ندخل النهر نفسه مرتين” فكل مرة ندخله، يكون الماء والظروف قد تغيّرت، ومن هذا الحوار الذي أجريه معك، ومن غيره، سأخرج وأنا متأثر بما سمعته.

حين أُغلقت صحيفة “سلام”، ألقيت خطابا وقلت: “لا تظنوا أن التأثير كان من طرف واحد فقط من الصحيفة نحو الناس، بل أنا شخصيا تأثرت من الناس أكثر”، إنها علاقة متبادلة، قراءتنا تتسع، وفهمنا وتجاربنا تزداد.

 إذا من الطبيعي أن نتغيّر، لسنا قطع خشب؛ والخشب نفسه يتغير، فكيف بالإنسان؟ التغيير ليس مشكلة أبدا، ما يجب النظر إليه هو: هل ما زالت الإصلاحية تحتفظ بأساسها واتساقها؟ في رأيي نعم، وهي يمكن أن تكون استمرارا لتلك الإصلاحية عام 1997، ولكن مع الاستفادة من دروس الماضي، وتخفيف الأخطاء، وإيجاد أساليب أفضل للتعامل.

صحيحٌ أن نزعات الصدام لا تزال موجودة، مؤخرا شاركت في جلسة إلكترونية مع عدد من أساتذة الجامعات، ولاحظت وجود تلك النزعات الصدامية والإقصائية التي تميل إلى الراديكالية. هذا النوع من الخطاب قد يبدو جذابا، لكن الواقع أنه بدلا من الانبهار بجاذبية السياسة، علينا أن ننتبه إلى أوجهها الصعبة والمؤلمة، حيث ينبغي على السياسي أن يتخذ قرارات تُقنع أنصاره بضرورة الخوض في قضايا صعبة.

 لكن بالمجمل، أرى أن جوهر هذا التيار، مع بعض التغييرات، لا يزال هو نفسه إصلاح 1997.

ما التغييرات التي طرأت؟

برأيي، أهم التغييرات تمثّلت في تجاوز الصراع، طبعا، لم يتحقق ذلك في جميع الحالات، وبسبب تأييد هذا التوجه، انشقّت بعض التيارات عن الإصلاحيين.

 ولكن هناك أيضا قطاعات كبيرة تؤمن بأن السياسة الصائبة هي التفاهم، وتحسين أوضاع الناس، حتى النظام قد تغيّر، على سبيل المثال، انظر إلى مسألة الحجاب.

 صحيحٌ أن النساء هنّ من يُحدثن هذا التغيير، لكن تحمّل النظام لم يعد يُقارن بما كان عليه في الثمانينيات والتسعينيات ومطلع الألفية، هم أيضا باتوا يدركون بعض الأمور ويغيرونها، وإنْ كان بعضها يتمّ بسرعة وبعضها الآخر ببطء.

منذ عام 1997 حتى الآن، هل كان هناك تغير في سلوك النظام يمكن اعتباره نتيجة للجهود الإصلاحية خلال العقدين أو الثلاثة الماضية؟

يمكن القول إنهم سعوا إلى اتخاذ موقف معاكس، فسياسة التوحيد كانت ردا على السياسات الإصلاحية التي لم يقبلوها، وأرادوا فرض نهجهم الخاص، أو ربما اعتقدوا أن الإصلاحية تمثل سياسة صدام ضدهم وتهدف إلى إقصائهم. ولكن، برأيي، السنوات الثلاث ما بين 2021–2024 أثبتت لهم أن التوحيد هشّ جدا ليكون ركيزة يعتمد عليها النظام السياسي.

لذلك، انهارت بسرعة، وبالتالي، فإن استمرار الإصلاحيين في نهجهم كان مفيدا للنظام أيضا، إذ دفعه لقبول طريقٍ وسطي، وإذا تأملت في انتخابات 2024، سترى أنها جرت من دون حوار علني بين الطرفين، لكن النظام وافق على ترشيح شخص مثل مسعود بزشکیان ممثلا لجزء من الإصلاحيين، وقبل جزءٌ معتبر منهم التصويت له، مما عزز هذا المسار. 

هذا كان نتيجة استمرار السياسة الإصلاحية في قسم كبير من المجتمع، ولو لم تكن موجودة، لما اتخذ النظام هذا المسار أبدا، أو حتى لو اتخذه، لما أدى إلى نتيجة، وكان سيكون مصيره كمصير سياساته السابقة.

 ما مدى  إصلاحية حكومة بزشکیان؟ وهل تحمل روح حكومة خاتمي؟

الحكومة تعاني من نقاط ضعف، وهي ليست مفاجئة برأيي، منذ عام (2005)، شهد النظام السياسي الإيراني وبيروقراطيته تدهورا فادحا، لم تستطع حكومة روحاني إصلاح هذا الخلل، وزاد الأمر سوءا في عهد رئيسي.

 برأيي، بزشکیان لا يستطيع، وربما لا يدرك حتى، أن من دون إعادة بناء هذا النظام الإداري، بروحٍ قوية، لا يمكنه تحقيق إنجاز جاد.

طبعا، هو يقوم بأعمال في بعض المجالات، لكن البلاد في حاجة ماسّة إلى إعادة بناء البيروقراطية، عدم قدرته على ذلك يعود أيضا إلى العقبات القانونية والتعيينات المفروضة عليه.

 عندما يزور بزشکیان مكانا ما، يسأل عن درجة الحرارة أو سبب إضاءة الأنوار، بينما الحكومة ذات الطابع المركزي، يجب أن ترى كل مكان وكأنه مكتب رئيس الحكومة، مثلا، إذا كانت الثريات مطفأة في مكتبه، فعندما يراها الوزراء كذلك، لماذا لا يفعلون الشيء نفسه في وزاراتهم؟

 ولماذا لا يجرؤ أحد على مطالبته بتعيين صديق له مديرا لمصنع معين، في حين يمكنهم طلب ذلك من وزرائه؟

هذا يدل على وجود فجوة عميقة، وإن لم يعالجها بزشکیان ويضخّ روحا جديدة في فريقه، فلن يكون بمقدوره مواجهة التحديات الكبرى.

تحدثنا عن العلاقة بين الإصلاحيين والسلطة، لكن كيف تحولت نسبة المشاركة من 20 مليونا صوتوا لخاتمي أو 80% في انتخابات 2009 إلى أقل من 50% في انتخابات فاز فيها بزشکیان؟

بعد خسارة الإصلاحيين في انتخابات 2005 رغم أنها كانت محفوفة بالمشكلات – لم يكن لديهم تحليل واضح للوضع، كنت قد كتبت بالتفصيل عن أسباب ذلك في مقالة: منها عائدات النفط، ومنها التساهل مع غياب حكم القانون، مما أدّى إلى فجوة في السلطة والمسؤولية.

لم يكن للنظام السياسي في عهد خاتمي فهم دقيق لمسألة النفط، حين أُنشئ “حساب احتياطي العملة الصعبة”، كتبت مذكرة طويلة، ووجهت رسالة إلى خاتمي محذرا من عواقب ذلك، منطق الحساب سليم اقتصاديا، لكن له عواقب سياسية لم يدركوها، لم يدركوا أن زيادة عائدات النفط تخلق أجواء معادية للإصلاح.

في عهد خاتمي الذي بدأ عام 1997، بلغ مؤشر حكم القانون في إيران 0.25، وارتفع إلى 0.49 عام 2005 عند انتهاء ولايته، وكان هذا تحسنا كبيرا.

 لكن في نهاية عهد أحمدي نجاد، انخفض هذا الرقم إلى 0.18، أي أقل من مستواه في عام 1997، وهذا يدل على أن الالتزام بهذه القيم الأساسية كان ضروريا، وهذا ما كان نقطة ضعفهم، ولذلك، عندما فشل الإصلاح، بدأ الناس يتجاوزون النظام نفسه.

في يوليو/تموز 2005، بعد الجولة الثانية من الانتخابات، كتبت أن الشعب الإيراني انقسم إلى ثلاث فئات: الأولى، مقاطِعة للانتخابات لأنها تعارض النظام كليا؛ والثانية، معارضة للنظام وتعتبر هاشمي ممثله، فصوّتت لأحمدي نجاد؛ والثالثة، معارضة للنظام وتعتبر أحمدي نجاد ممثله، فصوّتت لهاشمي.

 كانت الانتخابات مواجهة مع النظام، لا مجرد اختيار بين مرشحين، رغم وجود بعض المبالغة، فإن الفكرة لاقت صدى كبيرا.

لكنني أرى أن انتخابات عام 1996 كانت أكثر جوهرية من انتخابات عام 1997، لأن الناس شاركوا فيها بوعي أكبر، رغم كل الأزمات والانقسامات، شارك 73٪ من الشعب، وهذا أمر مهم. 

ولكن من ديسمبر/كانون الأول 1996 مع قدوم ترامب، دخل النظام السياسي الإيراني في مسار جديد، وبدأ الناس يفقدون الأمل فجأة، من انتخابات 96 حتى ديسمبر/كانون الأول لم يكن سوى 7 أشهر.

 أعتقد أن المسار تغيّر منذ ذلك الحين. حتى نسبة 50% في انتخابات 2024 كانت مرتفعة نسبيا، فلو لم يكن بزشکیان مرشحا، لكانت المشاركة أقل من 30% على الأرجح.

كيف حدثت انتخابات 1997؟

حدثت في ظلّ أجواء قاتمة، حيث لم يكن لدى النظام أي إدراك حقيقي للواقع الاجتماعي، هناك كان يجب أن يتعلموا درسا بأنهم لا يستطيعون فعل شيء دون فهم المجتمع، حتى نحن لم نكن نتوقع النتيجة.

 خاتمي كان يقول إنه سيحصل على 3 إلى 4 ملايين صوت ويعيش حياته السياسية على هذا الأساس، لكنه صُدم بعدد الأصوات، كانت أفضل التقديرات تشير إلى أن السيد ناطق سيحصل على ثلاثة أضعاف أصوات خاتمي، لكن العكس هو الذي حدث، هذا الخطأ في التقدير بلغ 900٪، وهو ما يدل على أننا، والنظام، كنا نجهل المجتمع، وقد أظهر الناس حريتهم في الصندوق بوضوح.

كان على النظام أن يدرك هذا منذ عام 76، لكن ما حدث في 2024 مختلف؛ فقد كان لديهم إدراك أوضح، في حين كان المعارضون والمنتقدون متشككين، كان النظام يعلم أن بزشکیان سيفوز.

 هذا يعني أن فهمهم للمجتمع أصبح أكثر واقعية، لذلك، علينا أن نحلل انتخابات 1997 على هذا الأساس، كان فهم النظام للإصلاحيين – الذين كانوا يُعرفون حينها بالتيار اليساري – صِداميا، بينما لم يكن هذا هو تصوّر الناس، خاصة بالنسبة لشخصية مثل خاتمي التي لعبت خصائصه الشخصية دورا بارزا.

هذا السؤال يتعلق بمنشأ التيار الإصلاحي، أعتقد أنكم أكثر من يمكنه الإجابة عنه بدقة، لأنكم باحث اجتماعي، وصحفي، وفاعل سياسي أيضا.

الردّ على هذا السؤال يتطلّب تقييما كمّيا، لكننا لا نملك شيئا من هذا القبيل، الحقيقة هي أن مجموع هذه القوى كانت لديها علاقات رسمية وغير رسمية فيما بينها.

 من نشاطهم في الجامعات، ومن القوى التي شاركت في الجبهة والحرب، ومن أولئك الذين كانوا داخل النظام الإداري في الاستخبارات وأماكن أخرى، شكّلوا جميعا حزمة مشتركة.

 في مبنى ميدان ولي‌عصر، كان الجميع قد جاؤوا ليُعلنوا استعدادهم للمشاركة في الانتخابات ودعم خاتمي، وعندما كنت تنظر إلى هناك، لم تكن ترى شخصا غريبا.

لم يكونوا يجتمعون يوميا، لكنّ الأمر كان بحيث أن كل واحد منهم كان قد عثر على الآخر. لذا كان الأمر أوسع من هذه التصنيفات. لكن الأساس كان في اجتماعات “آيين”، وكان ذلك مزيجا من جميع المجموعات التي ذكرتموها، وكانت حاضرة هناك. كنّا حوالي 10 إلى 12 شخصا مع  خاتمي؛ سواء من الأصدقاء ذوي الخلفيات البحثية، أو أولئك الذين كانوا في “كيان”، أو من كانت لهم خلفيات استخباراتية وصحفية. 

كانت هناك أيضا قوى في المجالات الإدارية، كل هؤلاء كانوا مجتمعين في ذلك المكان، وغالبية أولئك الذين جاؤوا إلى مقر “بأفرين” في ميدان ولي‌عصر من أجل الانتخابات، كانت لهم علاقات وثيقة وقريبة مع واحد على الأقل من هؤلاء، لكن، أن يكون بالإمكان ترجيح كفة أحدهم على الآخر، فلا أعلم إلى أيّ مدى يمكنني الإجابة على ذلك.

كان مقصودي أن أطرح سؤالا عمّا إذا كانت الحركة الإصلاحية في عام 1997 قد جاءت من أعلى إلى أسفل؟

نعم، كانت كذلك، لكن لا مشكلة في ذلك، ليس من المفترض أن يكون الناس هم القادة من الأسفل، هناك من يجلسون في الأعلى، لا يختلفون عن الناس، يفكرون بأن السياسات في المسارات الأول والثاني والثالث لم تعد تُجدي، فيلجؤون إلى سياسات أخرى، يشرحون ذلك، وقد يلقى ذلك ترحيبا من الناس.

 لنفترض أن صحيفة “سلام” كانت تُظهر هذه التحولات في مجالات السياسة الداخلية، والثقافة، والمجتمع، وغيرها، أنا أو بعض الأصدقاء كنا نعكس هذه التحولات.

كنا نعقد أكثر من مئة ندوة ومحاضرة في الجامعات، وكان الطلاب في تلك الفترة يشاركون بأعداد كبيرة، بخلاف الوضع الآن، لذلك كانت تلك الأفكار تنتشر، لا أعلم ماذا كان سيحدث لو أنها بدأت من الأسفل، كان هناك توازن بين المجتمع والقوى السياسية، في كل الأحوال، وفي النهاية، يجب أن يقبل القاع ليدعمها.

 كان هدفي من هذا السؤال أن نعرف كيف هي العلاقة الآن بين المجتمع والنشطاء السياسيين الإصلاحيين؟

الآن هناك بعض الذهنية السلبية، ويجب تصحيح تلك الذهنية، لكن هناك أمر أكثر أهمية، وهو أن أحداث 2009 أحدثت شرخا بين التيار الإصلاحي والجيل الجديد، جاء جيل جديد لا يعرف التيار الإصلاحي، ولا علاقة له به.

 والإصلاحيون أيضا لا يعرفون جيدا لغة هذا الجيل، هذا جيل وُلد في أوائل العقد الأول من الألفية، وكان عمره مثلا عشر سنوات في 2009، ولا يتذكر ما حدث حينها.

 لكنه الآن بعمر 22 أو 23 عاما، وهو طالب جامعي، لا يعلم إطلاقا ما الذي حدث آنذاك، هذه مسؤولية الإصلاحيين؛ ما كان ينبغي لهم أن يسمحوا بتكوُّن فجوة بين الأجيال.

كذلك، تم إغلاق الصحف الإصلاحية، وحلّت محلها الفضاءات الرقمية، لكن هذه الفضاءات لم تكن بيد الإصلاحيين، بل بيد الجيل الجديد، وهذا أيضا تسبب في أن يبتعد هذا الجيل عن الإصلاحيين.

من جهة أخرى، يتمتع الجيل الجديد بعلاقات دولية جيدة؛ وله إمكانية الوصول إلى المعلومات العالمية، والإنترنت، وغيرها، إذا مصادره تختلف عنهم أيضا، ربما هناك أشخاص معدودون فقط يسمع الجيل الجديد من خلالهم صوت الإصلاحيين، وذلك لأنهم حاضرون في هذا الفضاء، مثلا، أنا منذ بداية انتشار الإنترنت كنت موجودا فيه، وحاضرا في هذا المجال.

 بينما كثير من الإصلاحيين لم يستخدموا الإنترنت على الإطلاق، وبعضهم دخل متأخرا، وبقدرة محدودة. أنا الذي كنت ناشطا إلى هذا الحد، لا زلت لا أعرف جيدا الجيل الجديد ولغته. 

كما أنه ليس لدينا إصلاحيون من الجيل الجديد يمكنهم سد هذه الفجوة والقصور. لذلك، يواجه الإصلاحيون هذه المشكلة الخطيرة، إحدى نتائج 2009 هي هذه، التي لم نلتفت إليها كثيرا.

 ربما كان ذلك بين 2009 و2013، لكن الإصلاحيين كانت لديهم قواعد شعبية واسعة، إذا كان في التسعينيات هناك مجلة اسمها “كيان”، فقد ظهرت بعد 2009 مجلات عديدة.

المجلات لا تحلّ المشكلة، في تلك الفترة، كانت الوسيلة الوحيدة هي الإعلام الورقي، وكانت مبيعات الصحف مثل “صبح امروز” تصل في بعض الفترات إلى 800 ألف نسخة، هذا رقم كبير جدا، اليوم، حتى لو جمعت كل الصحف في هذا البلد، فلن تصل إلى هذا الرقم، كانوا يصطفون صباحا لشراء الصحف.

 في ذلك الوقت، كانت الصحف أيضا تدفع أجورا جيدة؛ وإذا حسبتها بسعر اليوم، فستجدها أرقاما لا يمكن تخيلها بالمقارنة مع الأجور الحالية، لنفترض أن راتبك مئة مليون تومان، لكن اليوم لا توجد صحيفة يمكنها دفع هذا المبلغ.

 لذلك، في تلك الفترة كانت لهم قوة ونفوذ إعلامي كبير، لكن صحفهم أُغلقت، والأهم من ذلك أن الفضاء الرقمي جاء، ولم تتمكن الصحف من العودة، لهذا السبب، نرى اليوم أن توزيع الصحف لم يعد أمرا جديا.

 دعنا ننتقل إلى موضوع إعادة البناء. هل تعتقد أن إصلاحية جديدة يمكن أن تتشكل، أو أن يعيد هذا التيار بناء نفسه ويتكيّف مع الوضع الراهن؟

في بعض الأحيان، يأتيني شباب من جيل أو جيلين بعدي، يطلبون المشورة، فأقول لهم: دعونا وشأننا؛ انطلقوا أنتم بأنفسكم وافعلوا شيئا، تجمعوا، وإذا كانت لديكم لغة وتجارب مشتركة، فابدؤوا بالعمل.

 أعتقد أن الإصلاحية، حتما، لن تزول، هذه عبارة مهمة، لكن الإصلاحيين، من أمثال تيار “دوم خردادي” أو “كارجزاران” وغيرهم، كجماعات قائمة، لم يعودوا قادرين على إنجاز شيء مؤثر.

يجب أن نعلّق الأمل على تيارات شابة موجودة في الفضاء الرقمي، وتتمتع بروح إيجابية تجاه الآخرين، وتتسم بالتسامح، هؤلاء توصّلوا إلى قناعة بأن الصراع والإقصاء لا يحلّان شيئا، وأملي الأكبر معقود عليهم، نحن، عندما نتكلم ونكتب، فإنما نفعل ذلك لنجد شخصا نحمل له الشعلة، نحن تجاوزنا سنّنا.

 هل تعتقد أن هؤلاء قادرون على تغيير الحُكم؟

الحُكم سيتغيّر بنفسه، ليس هذا الحُكم فقط، بل لا يوجد حُكم متصلّب على الإطلاق، هذا ما نتخيّله، الأنظمة تُظهر نفسها متصلّبة كي تقول لطرفها المقابل: لا ترفع صوتك، يريدون القول: نحن باقون هنا، لكنهم ليسوا متصلّبين حقا، إذا شعروا أنهم لن يتمكنوا من البقاء، فإنهم يتكيّفون. 

قل لي، قبل عام من الآن، كم كنت تعتقد أن أحداث العام الماضي قد تحدث وتصل بنا إلى هذه المرحلة؟ أكاد أُجزم، لو أن شخصا كان لديه بلورة سحرية، وقال: هذا سيكون وضعنا في العام المقبل، لما صدقناه، وقلنا هذا غير ممكن، لكن الآن نرى ذلك عاديا.

قبل ستة أشهر، كان من المستحيل القول إن مفاوضات ستُعقد

كل ما قلنا إنه لن يحدث، قد حدث، من رفع الحجب إلى الحجاب، إلى بعض القوى في النظام والعلاقات الخارجية والإعلام، ما زال الأمر بعيدا عن المأمول، لكنه تقدّم بهذا القدر، وهذا التقدّم ليس مهما بقدر ما هو مهم أن نُثبّته ونجعل الرجوع عنه غير ممكن، إذا كنا قد تمكّنا من مواصلة هذا المسار لعام كامل، فبإمكاننا توقّع تغيّرات مشابهة خلال العام المقبل، أكاد أُجزم بأن الجميع قبل ستة أشهر كانوا متفقين على أن إيران لن تدخل في مفاوضات، لكنها دخلت.

ليس صحيحا أن الأنظمة لا تمتلك مرونة، الإصلاحية أيضا هي المخرج الحتمي لإيران، كي تسير في طريق يوصلها إلى تفاهم جماعي، وتخرج من هذا الوضع.

 إذا كان لديك كلام أخير لتختم به، فتفضّل.

أعلم أن الحفاظ على الأمل في هذا البلد أمر صعب للغاية، لكنني أعتقد أنه إذا يئسنا فلن نحصل على شيء، سوى تدمير أنفسنا، ولن نستطيع مساعدة الوضع، إذا اعتقدت أنني مريض وعلى شفير الموت، فلن أفعل شيئا للبقاء على قيد الحياة؛ لا أذهب إلى طبيب ولا أفعل شيئا آخر، لكن إذا اعتقدت أنني سأعيش، فسأتحرك، هذا بحد ذاته يساعد على البقاء.

أمنيتي الوحيدة هي ألا ينشغل المجتمع الإيراني كثيرا بالماضي، أينما نظرت في الماضي، ستجد فيه عقبة، فلنوجه أنظارنا إلى المستقبل، ولنضع جانبا نهج المواجهة، ربما سنفهم بعضنا بعضا بشكل أفضل، حين أواجهك، أرى حسناتك سيئات، فما بالك بسيئاتك.

إذا من الأفضل أن نعزّز حسن الظن لدينا، سيكون في ذلك راحة نفسية أكبر لنا، آمل أن تتاح لي ولك، في العام القادم، الفرصة لنكون على قيد الحياة ونتحدث هنا لنرى في14 مايو 2026 أين نقف؟

إذا لم نتحلَّ بالأمل، فماذا سنجني؟ كنتُ آمل في العام الماضي، ولهذا السبب، عندما أُعلن أن السيد بزشكيان قد تم تأييد أهليته، سارعت إلى دعمه بناء على تحليلي السابق.

 أعتقد أن ذلك كان تصرّفا جيدا، ليس لأني فعلته، بل لأننا تحركنا بدافع من الضمير والأخلاق، ما زال أمامنا الكثير من القضايا.

أنظر إلى ما كان يمكن أن يحدث لو جاء آخرون ولم يحدث، على الأقل، يمكننا أن نأمل أن لدينا رئيسا يمكننا أن ننتقده، في بعض الجلسات، أوجّه إليه نقدا حادا، وهم يسمعون ولا يمانعون، هذا أمر مهم جدا.

 أن تستطيع أن تقول كلامك للجميع، لا أظن أنك أنت أيضا تتردد في توجيه نقدك لأحد، فلنأمل أن يكونوا صادقين، وأن يدعمهم الناس، حتى نخرج من بعض الأزمات الأساسية.