الصحافة الإيرانية ترد بقوة.. ترامب ومحاولات تغيير اسم الخليج الفارسي

تناولت الصحف الإيرانية، في عدد من مقالاتها الصادرة يوم الخميس 8 مايو/أيار 2025، ردود فعل غاضبة إزاء إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن عزمه على تغيير تسمية الخليج الفارسي إلى الخليج العربي، فقد اعتبرت الصحف هذا التحرك بمثابة تحدٍّ لرمزية مهمة في التاريخ الإيراني، وهو ما دفع المسؤولين والنشطاء الإيرانيين إلى التعبير عن رفضهم الشديد. الصحف أجمعت على أن هذه الخطوة ليست مجرد مسألة جغرافية، بل هي معركة رمزية تمسّ الهوية الوطنية، مؤكدين أن هذا التغيير سيواجه مقاومة شديدة من الشعب الإيراني الذي يتمسك بجذور اسمه التاريخية.

المعركة الرمزية

فقد تناولت صحيفة هفت صبح هذا الأمر في عددها الصادر الخميس 8 مايو/أيار 2025، حيث كتبت: “في خطوة وُصفت بالاستفزازية، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عزمه على استخدام تسمية الخليج الفارسي ليصبح الخليج العربي، ما أثار موجة من الغضب في إيران، حيث يُنظر إلى هذا الاسم كجزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية والتاريخ الحضاري للبلاد”.

قدرت‌های نمادین ایران، بازسازی شود

وتكمل: “لكن الرد الإيراني لم يتوقف عند حدود الإدانة أو التصحيح التاريخي، بل تحوّل إلى دعوة صريحة لإعادة التفكير في أدوات المواجهة. فالمعركة لم تعد عسكرية ولا حتى دبلوماسية تقليدية، بل باتت رمزية بامتياز؛ معركة على الرواية، وعلى من يمتلك قدرة التأثير في الوعي العالمي”.

وتضيف: “فقد خرجت دعوات متعددة خرجت من داخل إيران، تُطالب بترسيخ رمزية الخليج الفارسي ضمن خطاب ثقافي وإعلامي عالمي الطابع، فمسؤولية الدفاع عن هذا الإرث، وفقا لعدة أصوات داخلية، لا تقع على الدولة وحدها، بل تشمل الإعلام، السينما، الأدب، الجامعات، والنخب الفكرية التي تمتلك أدوات مخاطبة الآخر بلغته ومنظومته القيمية”.

وتختم بالتحذير من أن “التحذير الأبرز كان من غياب استراتيجية متكاملة في مجال الدبلوماسية العامة، حيث تحولت أغلب الجهود إلى شعارات لا تجد صداها في الخارج، فالحاجة باتت ملحّة لصياغة رواية إيرانية حديثة، قادرة على الوقوف في وجه محاولات المحو والتشويه، باستخدام الإعلام الرقمي واللغات العالمية وصناعة رموز ثقافية قادرة على حمل هذا العبء، فالصراع على اسم الخليج ليس خلافًا لغويًا، بل معركة وجود رمزي تمسّ موقع إيران في ذاكرة العالم”.

ترامب واسم الخليج.. معركة الهوية في قلب الشرق الأوسط

من جانبها، تناولت صحيفة سازندجي في عددها لليوم نفسه، حيث ذكرت: “أعلنت وكالة أسوشيتيد برس أن دونالد ترامب ينوي خلال زيارته للشرق الأوسط استخدام تسمية الخليج الفارسي”، وجدير بالذكر أنه وعلى مدار 70 عاما فقد فشلت بريطانيا في تغيير اسم الخليج الفارسي، واليوم تدخل بعض الدويلات الخليجية ذات النفوذ المحدود لعبة خطيرة لا تصبّ في صالح الاستقرار الإقليمي،  فحتى ستينيات القرن العشرين، كانت الدول العربية نفسها تستخدم مصطلح الخليج الفارسي، إلى أن بدأ رودي أون، المندوب البريطاني في البحرين، في استخدام الساحل العربي، ومن ثم الخليج العربي، عقب تأميم النفط الإيراني وهزيمة بريطانيا في المحافل الدولية.

A beach with waves and foamy water

AI-generated content may be incorrect.

وتكمل: “لاحقا، تبنّى القوميون العرب هذا الطرح، في ظل حالة من الانكسار بعد إنشاء إسرائيل، لا سيما بقيادة جمال عبد الناصر، كجزء من محاولة لإعادة الكرامة المهدورة، رغم أن المؤسسات الأكاديمية والجهات الدولية لم تعترف بهذا التغيير”.

وتشير الصحيفة: “اليوم، يرى مراقبون أن بعض الدول تسعى إلى جرّ الولايات المتحدة إلى لعبة خطيرة أخرى، من خلال ترامب، لإحداث تغيير جغرافي رمزي يضرب هوية إيران التاريخية. وإن كان السياسيون يتذرعون بتمثيل الشعوب في قرارات الحرب، فإن الواقع يؤكد أن الحروب غالبا ما تُخاض لأغراض أيديولوجية أو طموحات سلطوية، وعندما تستهدف الهويات لا تنتهي بتوقيع اتفاقيات”.

وتوضح الصحيفة أن “ما يحذّر منه كثيرون هو تكرار سيناريوهات كارثية مشابهة، من فلسطين إلى العراق وأفغانستان، إذ إن المساس بالهويات يولّد موجات طويلة الأمد من العنف والكراهية، ويدفع المنطقة نحو دوامة يصعب الخروج منها، ما يجعل من الضروري أن تتحمّل دول كالسعودية وعُمان مسؤولياتها لاحتواء هذه النزعات الخطيرة”.

لعبة النفوذ وعرقلة التفاهم الإيراني الأمريكي

هذا وقد عرضت صحيفة هم ميهن القضية من وجهة نظر أوسع في إطار ما تشهده المنطقة حاليا، حيث قالت: “من غير الواضح مدى صحة الشائعة التي نشرتها أسوشيتد برس أمس بشأن تغيير اسم الخليج، وبالتالي، نحن أمام خبر غير رسمي، لكنه لم يُنفَ، وإن تحقق، فقد ينسف أساسات الثقة الهشة والناشئة بين طهران وواشنطن، ويعيد العلاقات إلى مسار المواجهة. حتى وإن لم تتحقق هذه الشائعة، فإنها تشير بوضوح إلى تحركات سياسية وإعلامية معارضة لخفض التوتر بين إيران وأمريكا، سواء داخل الولايات المتحدة أو في المنطقة، وتعمل لصالح استمرار الوضع القائم بين الكتل العبرية والعربية والإيرانية وعلاقتها مع واشنطن، بل تسعى لتأجيج الصراع”.

A comparison of a person's face

AI-generated content may be incorrect.

وفي عرض الموقف، قالت: “فالكتلة العبرية المعارضة لنتنياهو تراجعت بعد أحداث 7 أكتوبر، مما عزز موقعه. أما في الكتلة العربية، فهناك تنافس كبير بين السعودية والإمارات وقطر على الزعامة، وسط محاولاتهم الابتعاد عن الاقتصاد الريعي، والكتلة الإيرانية بدورها تعاني انقسامات بين المتشددين والمعتدلين في التعاطي مع أمريكا، رغم بروز نوع من الإجماع النسبي مؤخرا”.

وتضيف: “إن اللاعبين المعارضين للتهدئة، خاصةً إسرائيل، بعض الدول الخليجية، وجماعات داخل أمريكا، يستخدمون نفوذهم السياسي والمالي والإعلامي لتعطيل أي مسار تفاوضي، وإيران، على العكس، لم تنجح في بناء لوبي مؤثر داخل أمريكا، بل همّشت حتى أصواتها المعتدلة”.

كما استدعت الصحيفة التاريخ في هذا الأمر وقالت: “يعيد هذا الوضع للأذهان عبارة محور الشر التي استخدمها جورج بوش الابن بعد 11 سبتمبر، والتي قلبت أجواء التفاهم المحدود آنذاك بين طهران وواشنطن، كما تكشف مذكرات جاك سترو وكوندوليزا رايس، وقد تكون شائعة زيارة ترامب خطوة مماثلة تسعى لإفشال أي انفراجة حالية في العلاقات، خاصة مع تقدم المفاوضات بين إيران وأمريكا، وتقارب طهران والرياض”.

عدائية ترامب توحد الجبهة

كذلك، فقد كتبت صحيفة إيران، وقالت: “لم ينجح شيء في توحيد الإيرانيين كما فعلت مزحة السياسيين الأمريكيين الجدد حول الاسم التاريخي للخليج الفارسي، وما صدر من أقوال نشطاء سياسيين ورياضيين واجتماعيين من مختلف التوجهات، ليس إلا جانبا من هذا التلاحم والإرادة لحماية هوية هذه الأرض”.

A flag on a pole with a pier in the background

AI-generated content may be incorrect.

وتكمل: “يعتقد أن ترامب يسير على نهج مشابه لما فعله مع خليج المكسيك، عندما أعاد تسميته بالخليج الأمريكي، لكن الفارق أن الخليج المكسيكي يقع ضمن المجال الجغرافي للولايات المتحدة، بينما الخليج الفارسي لا يمتّ لها بأي صلة، ولا يحق لأمريكا تغيير أسماء مناطق تقع خارج سيادتها، وقد تكون بعض دول المنطقة أغرت ترامب بتكرار تجربة تغيير اسم الخليج، مدفوعة بالوعود النفطية، أو ربما تتصور هذه الدول أن بإمكان ترامب إعادة كتابة التاريخ”.

وتضيف: ” حتى الآن لم يتعد الأمر حدود الشائعات، ولكن مجرد هذا الاحتمال كان كافيا لتوحيد الإيرانيين، الذين رغم خلافاتهم السياسية والثقافية والاجتماعية، عبّروا بصوت واحد عن رفضهم الشديد. فخلال أقل من ساعة، تصدّر وسم الخليج الفارسي قائمة الأكثر رواجا في وسائل التواصل الاجتماعي”.

وتعرض: ” دفقد أعرب العديد من المسؤولين الإيرانيين عن رفضهم الشديد لمحاولات تغيير الاسم، أحدهم كان وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الذي أكد عبر حسابه على منصة إكس أن الاسم مرتبط بجذور تاريخية عميقة للبشرية، وأن أي محاولة لتغييره تُعد عملا عدائيا ضد الشعب الإيراني، ومن جهته، وصف وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف تغيير الاسم بأنه سيغضب كل إيراني غيور، مؤكدا أن الشعب الإيراني سيقف موحدًا في مواجهة هذا التزوير”.

وتضيف: “كذلك، فقد اعتبرت معصومة ابتكار، الرئيسة السابقة لمنظمة البيئة، أن محاولة تغيير الاسم تمثل تزويرا للتاريخ، بينما أضاف الناشط السياسي محمد توسلي أن الإيرانيين لن يخضعوا لهذه الضغوطات السياسية”، وفي تعليق أكاديمي، شدد صادق زيبا كلام، الأستاذ الجامعي المتقاعد، على “ضرورة الدفاع عن اسم الخليج الفارسي، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أهمية مكافحة التلوث البيئي الذي يعاني منه الخليج. فيما أعربت ياسمين أنصاري، عضو الكونغرس الأمريكية من أصل إيراني، عن يقينها أن المحاولات السياسية لتغيير اسم الخليج الفارسي ستفشل ولن تجد لها مكانا”.

كلمات مفتاحية: