اللغز المالي لإيران.. تفاصيل حول الأصول المجمدة والجدل حولها

ترجمة: يارا حلمي 

نشر موقع “همشهري أونلاين” الإيراني الأصولي المحافظ، الخميس 1 مايو/أيار 2025، تقريرا تناول فيه حجم الأصول الإيرانية المجمدة في عدة دول منذ الثورة الإيرانية، والتقديرات المختلفة وصعوبة استعادتها.

ذكر الموقع أن المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة بلغت ذروتها في هذه الأيام، ويسعى الطرفان إلى اتخاذ خطوات نحو اتفاق محتمل في عام 2025، من خلال بناء الثقة، غير أنّ هذا المسار لن يكون سهلا، لأنّ تراكمات انعدام الثقة في الماضي، خاصة قبل الثورة، فرضت تحديات كبيرة أمام الجانبين.

وأضاف أن عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، شدّد مؤخرا في مقابلة مع قناة الجزيرة، على أنّ كسب ثقة إيران ليست بالأمر الهيّن، لأنّ الأموال الإيرانية ظلت مجمدة في دول متعددة منذ سنوات بسبب السياسات الأمريكية، وأوضح أنّ إيران التزمت بتعهداتها، في حين خالفت الحكومة الأمريكية التزاماتها، ما يتطلب منها اتخاذ خطوات موثوقة لتعزيز الثقة. 

وأوضح أن “من بين القضايا التي يمكن أن تُطرح للنقاش، والتي قد تطلب إيران من الطرف الأمريكي تنفيذها لبناء الثقة، قضية الإفراج عن الأصول المجمدة للجمهورية الإيرانية في الخارج، ولكن، للأسف، لا تتوافر إحصائيات دقيقة ورسمية حول حجم هذه الأصول، ومع ذلك، تحاول هذه المادة عبر مراجعة الأخبار وتصريحات المسؤولين الحكوميين والخبراء، التطرق إلى هذا الموضوع”.

كم تبلغ الأموال المجمدة لإيران؟

ذكر الموقع أنه منذ الإعلان عن اتفاق برجام في عام 2015، ظهرت تصريحات متضاربة بشأن حجم أصول إيران في الخارج، حيث تراوحت التقديرات ما بين 20 مليار دولار و180 مليار دولار، وقدر الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، في البداية هذه الأصول بنحو 100 مليار دولار خلال مقابلة مع الصحفي فريد زكريا، ثم خفّض هذا الرقم لاحقا إلى ما بين 50 و60 مليار دولار.

وأوضح أنه في الوقت نفسه، وتحديدا في 26 يوليو/تموز 2015، أعلن ولي الله سيف، المحافظ الأسبق للبنك المركزي الإيراني، أن حجم الأصول الإيرانية المجمدة يبلغ 29 مليار دولار، وهو رقم أكّده أيضا وزير الاقتصاد آنذاك علي طيب‌ نيا، وأوضح سيف أن من بين هذه الأصول 23 مليار دولار تخص البنك المركزي، موجودة في اليابان وكوريا الجنوبية والإمارات، إضافة إلى 6 مليارات دولار من عائدات النفط لدى الهند.

وأشار إلى أنه عقب إعلان هذا الرقم، قدّم غلام علي كامياب، نائب محافظ البنك المركزي لشؤون العملة الصعبة، توضيحات حول الفارق بين مفهومي “الاحتياطات الأجنبية” و”الأصول الأجنبية”، وأشار إلى أنّ الموارد التي سيُفرج عنها بعد تنفيذ الاتفاق النووي وتصبح قابلة للاستخدام تبلغ 23 مليار دولار للبنك المركزي، إضافة إلى 6 مليارات دولار من عائدات النفط تخص الحكومة، ستودَع في حساب البنك المركزي، ليصبح المجموع 29 مليار دولار قابلة للاستخدام.

وتابع أن كامياب أضاف إلى هذه المبالغ: 22.4 مليار دولار كضمانات ائتمانية في الصين لتمويل مشاريع، وقرابة 24.5 مليار دولار وُضعت كودائع لدى شركة تابعة لوزارة النفط، ونحو 10 مليارات دولار كودائع لدى مصارف إيرانية، و3.7 مليار دولار كأذون خزينة محجوزة بحكم قضائي، إلى جانب مبالغ أخرى كانت تحت تصرف الجهات المعنية. 

وأضاف أن كامياب أشار كذلك إلى وجود نحو 10 مليارات دولار أخرى كودائع داخل البنوك المحلية بناء على قرارات صادرة عن جهات مختلفة، تُحتسب ضمن هذه الأصول، ولفت إلى أنّ 23 مليار دولار تعود للبنك المركزي، و6 مليارات دولار تعود للحكومة، وهي حاليا مجمّدة في الحسابات الخارجية، وبذلك يتراوح مجموع الأصول الإيرانية المجمدة في البنوك الأجنبية ما بين 90 و100 مليار دولار.

هل أُفرج عن جميع أموال إيران بعد الاتفاق النووي؟

ذكر الموقع أنه قد طُرحت أرقام متباينة بشأن الأموال الإيرانية المجمدة قبل توقيع الاتفاق النووي، غير أنّ التقارير التي صدرت بعد توقيع الاتفاق وحتى انسحاب ترامب منه، تشير إلى أنّه تم الإفراج عن نحو 40 مليار دولار من الأصول الإيرانية المجمدة، ومن بين هذه التقارير، تقرير صادر عن البنك الدولي في يوليو/تموز 2016.

وتابع أن هذا التقرير أفاد بأن إيران تمكّنت خلال نحو ثمانية أشهر من تنفيذ الاتفاق النووي، من استعادة 30 مليار دولار من أصولها المجمدة في البنوك الأجنبية، كما وردت أرقام أخرى في تقارير إعلامية تُقدّر المجموع الكلي للأموال المُفرج عنها بعد الاتفاق بنحو 40 مليار دولار.

من نفي إيران إلى تأكيد أمريكي؟

وأضاف أنه في 28 أغسطس/آب 2023، أعلن حسين أميرعبداللهيان، وزير الخارجية الإيراني آنذاك، في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية “إرنا”، أنّه “لا توجد لدينا أموال مجمدة في أيّ بلد”، مؤكدا أنّ بلاده قادرة على استخدام الأصول التي بحوزتها.

وأوضح أنه في الشهر ذاته، قال ناصر كنعاني، المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية، إنّ إيران لم يعد لديها مبالغ مالية كبيرة مجمدة في دول أخرى، مشيرا إلى أنّ الأموال التي كانت لدى اليابان أصبحت متاحة وتم استخدامها عند الحاجة، كما أنّ هناك مبالغ موجودة في تركيا ويمكن الوصول إليها نسبيا.

وأشار إلى أنه في 29 أغسطس/آب 2023، صرّح شهريار حيدري، نائب رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، لصحيفة “تعادل” الإيرانية، بأنّ إيران لا تزال تملك أموالا مجمدة في دول مثل الولايات المتحدة، وبريطانيا، وكوريا الجنوبية، والصين، والعراق. 

وتابع أن حيدري أكد أنّ العراق قد بادر بالإفراج عن جزء من تلك الأموال، بينما تُعدّ كوريا الجنوبية والعراق من بين الدول التي تحتفظ بأكبر حجم من الأموال المجمدة، حيث تصل ديونها تجاه إيران إلى نحو 16 مليار دولار.

وبيَّن أنه لا توجد إحصاءات دقيقة حول القيمة الفعلية للأصول الإيرانية المجمدة في الخارج، إلا أنّ خدمة أبحاث الكونغرس الأمريكي قدّرت في عام 2021، هذه الأصول بما يتراوح بين 100 و120 مليار دولار، وفي عام 2022، أعلنت إلينا دوهان، المقررة الخاصة لمجلس حقوق الإنسان، عن تجميد ما بين 100 و130 مليار دولار من أموال إيران.

كما أكد أن صندوق النقد الدولي في تقرير صادر عام 2022، قدر أن قيمة الأموال الإيرانية المجمدة حتى نهاية أبريل/نيسان 2020 تبلغ نحو 115 مليار دولار، وتتكوّن هذه الأصول جزئيا من العائدات النقدية الناتجة عن مبيعات النفط والغاز، لكن جزءا كبيرا منها غير نقدي، ويشمل أسهما في شركات أمريكية وأوروبية جرى شراؤها قبل الثورة الإيرانية.

من 2 إلى 12 مليار دولار في الولايات المتحدة!

ذكر الموقع أن العقوبات الأمريكية وتجميد الأصول الإيرانية بدأت منذ انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، ففي أول إجراء، جرى تجميد أصول إيران في نوفمبر/تشرين الثاني 1979، عقب حادثة احتجاز الدبلوماسيين الأمريكيين، حيث أصدر الرئيس الأمريكي آنذاك، جيمي كارتر، قرارا بتجميد ممتلكات إيران، وقطع العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع طهران.

وتابع أن كارتر حظر كذلك استيراد النفط الإيراني وجمّد نحو 11 مليار دولار من أصولها، وفي عام 1981، وُقّع اتفاق بوساطة الجزائرية لإعادة الأصول الإيرانية، غير أنه لم يُنفذ عمليا، ولا تتوافر إحصائيات دقيقة حول حجم الأموال النقدية الإيرانية في المصارف الأمريكية إبان الثورة، لكن بعض التقديرات تشير إلى أنّ الأموال المجمدة كانت تتراوح بين 10 و12 مليار دولار، ويُقال إن نحو 8 مليارات دولار منها أُعيدت إلى إيران.

وأضاف أنه على مدى السنوات التالية، استمرت بعض الأصول في حالة تجميد تام، في حين خضعت أخرى لقيود شديدة، دون توفر بيانات دقيقة، وفي أحدث تقارير وزارة الخزانة الأمريكية، ورد أن نحو مليار و973 مليون دولار من الأصول المالية الإيرانية ما زالت مجمدة في الولايات المتحدة، إلى جانب 19 مليون دولار من الأصول المفرج عنها، مثل أموال بعثة إيران لدى الأمم المتحدة التي تخضع للحصانة الدبلوماسية.

وأوضح أن نادر حبيبي، أستاذ الاقتصاد في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة براندايس الأمريكية، أشار في تقرير صدر عام 2015، إلى أن الأصول المالية والمادية الإيرانية التي جُمدت في الولايات المتحدة بعد الثورة قُدّرت حينها بنحو 12 مليار دولار، لكنه أضاف أنه بسبب تراكم الفوائد على مدى أكثر من 30 عاما، فإن القيمة الحالية لهذه المحفظة قد ارتفعت كثيرا. 

وأشار إلى أنه وفقا لحسابات تقوم على معدل عائد سنوي متحفظ نسبته 3%، فإنّ قيمة هذه الأصول ستتجاوز 33 مليار دولار بعد 35 عاما، ومع ذلك، يبقى من غير الواضح كم استطاعت إيران فعلا تحريره من أصولها في الولايات المتحدة بعد الاتفاق النووي.

من فخ كوريا إلى مأزق قطر

ذكر الموقع أنه في منتصف عام 2024، نُشر خبر الإفراج عن 7 مليارات دولار من الأصول الإيرانية المجمدة، إلا أنّ خلفيات هذه العملية كانت معقدة، فقد جرى تجميد هذه الأموال في كوريا الجنوبية بسبب العقوبات التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وكان عبد الناصر همتي، رئيس البنك المركزي الإيراني آنذاك، أول من أعلن عن تحرير هذه الأموال. 

وتابع أن كوريا الجنوبية كانت المشتري الوحيد للمكثفات الغازية من إيران، غير أن أموال هذه الصفقات بقيت مجمدة بسبب العقوبات، وقد استُخدم جزء من هذه الأموال لشراء الأدوية، إلا أنّ كوريا الجنوبية، نتيجة تراجع قيمة عملتها، دفعت أقل من المبلغ الفعلي المستحق لإيران بنحو مليار دولار.

وأضاف أنه في عام 2023، جرى التوصل إلى اتفاق بين طهران وواشنطن لتبادل الأسرى، تضمّن تحرير 6 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة (بعد خصم نحو مليار دولار كرسوم ومصاريف أخرى) من بنوك كوريا الجنوبية، وتحويلها إلى بنوك قطر، لتستخدمها إيران في شراء السلع غير الخاضعة للعقوبات والاحتياجات الإنسانية.

وأوضح أنّه عقب أحداث السابع من أكتوبر تشرين الأول، أفادت ثلاث صحف أمريكية بأن واشنطن طلبت من قطر منع إيران من الوصول إلى هذه الأموال، وأن اتفاقا جرى فعلا لمنع طهران من التصرف فيها داخل البنوك القطرية.

وأشار إلى الصين، التي تُعتبر الوجهة التالية التي تحتفظ بأكبر قدر من الأصول الإيرانية، إذ تُقدّر الأموال الناتجة عن مبيعات النفط الإيراني المجمدة فيها بما يتراوح بين 22 و30 مليار دولار، كما أنّ العراق أيضا مدين لإيران بمبالغ كبيرة ناجمة عن مبيعات الكهرباء والغاز، لم تستطع طهران تحصيلها حتى الآن. 

وبيَّن أن إيران تحتفظ كذلك بنحو ملياري دولار من الأصول المجمدة في اليابان، وتأتي هذه الأرقام رغم أن بعضا منها نُفي من قبل الحكومة الإيرانية الحالية، التي لم تُقر إلا برقم وحيد موثوق، وهو 6 مليارات دولارٍ المجمدة حاليا في قطر.

كلمات مفتاحية: