- زاد إيران - المحرر
- إيران, العلاقات المصرية الإيرانية, متميز, مصر
- 107 Views
ترجمة: علي زين العابدين برهام
كان بدء وتعزيز وتثبيت العلاقات مع دول المنطقة من أبرز أولويات حكومة مسعود بزشكيان، وفي هذا السياق، وضعت العلاقات بين إيران ومصر ضمن مسار التعزيز، حيث اتخذ البلدان عدة خطوات لتحقيق ذلك.
وقد شهدت العلاقات بين إيران ومصر خلال أكثر من خمسة عقود، حالة من المد والجزر، متأثرة بالعديد من المتغيرات.
نشرت وكالة “إرنا“، الاثنين 24 مارس/آذار 2025، حوارا مع حجة الله جودكي، الملحق الثقافي الإيراني لدى مصر سابقا، حول عودة العلاقات المصرية الإيرانية، لاستعراض خلفية هذه العلاقات، والفرص المتاحة أمام البلدين، والعوامل التي قد تهددها أو تعززها. وفي ما يلي نص الحوار:
لطالما اتسمت العلاقات بين إيران ومصر بتعقيداتها الخاصة، نتيجة للتحولات الإقليمية والتاريخية. برأيكم، ما العوامل التي أسهمت في هذا التعقيد، وكيف تغيرت هذه العلاقات عبر السنوات؟
لقد تأثرت العلاقات بين إيران ومصر بعدة عوامل سياسية وإقليمية، فمنذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر وقبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران، كانت العلاقات بين البلدين مقطوعة لما يقارب 70 عاما.
وخلال فترة قصيرة في عهد الرئيس أنور السادات، شهدت العلاقات تحسنا ملحوظا ومرت بما يمكن وصفه بـ”العصر الذهبي” أو “شهر العسل” بين الجانبين، إلا أن هذه المرحلة لم تدم طويلا. فمع انتصار الثورة الإسلامية في إيران، عادت العلاقات لتشهد توترا وتدهورا من جديد، واستمر هذا التوتر على مر العقود، بسبب عدة متغيرات سياسية وأيديولوجية إقليمية ودولية.

شهدت العلاقات بين إيران ومصر توترات وقطيعة تعود إلى جملة من الأسباب السياسية والاستراتيجية. فمنذ توقيع مصر معاهدة كامب ديفيد، انضمت إلى المعسكر الأمريكي، بينما تبنّت إيران موقفا معاديا للولايات المتحدة.
أما في عهد عبد الناصر، فقد كانت مصر محسوبة على الكتلة السوفيتية.
ومن العوامل التي عمّقت القطيعة بين البلدين استقبال القاهرة الشاه بعد انتصار الثورة الإسلامية؛ وهو ما دفع طهران إلى احتضان معارضي النظام المصري كرد فعل.
هذه التوترات بلغت ذروتها بعد اغتيال الرئيس أنور السادات، حين قطعت العلاقات تماما، لا سيما أن إيران أعلنت تأييدها لخالد الإسلامبولي، منفذ عملية الاغتيال، والذي كانت والدته تقيم بإيران لسنوات طويلة.
واعتبرت إيران مصر دولة متصالحة مع العدو الإسرائيلي، ووصفتها بالرجعية بسبب معاهدة السلام مع إسرائيل، في حين رأت مصر أن إيران تفتقر إلى إدراك طبيعة التحديات والظروف الإقليمية.
ويُعد توقيع مصر معاهدة كامب ديفيد من أبرز المحطات التي غيرت مسار علاقاتها مع دول المنطقة، حيث واجهت القاهرة عزلة عربية وإسلامية عقب الاتفاق.
ومع ذلك، حققت مصر مكاسب استراتيجية واقتصادية من هذه المعاهدة؛ فبعد سنوات من الحروب المرهقة مع إسرائيل، كانت البلاد تعاني من الفقر والفساد وتدهور قدراتها العسكرية.
كما فقدت مصر آنذاك دعم أصدقائها الإقليميين، إلى جانب خسارتها قناة السويس وصحراء سيناء، مما أضعف موقفها على الساحة الدولية.
لكن عبر كامب ديفيد، استعادت مصر السيطرة على سيناء وقناة السويس، وبدأت تحصد عائدات مالية كبيرة من مرور السفن عبر القناة، وصلت إلى نحو 7 مليارات دولار.
كما شهدت قطاعات السياحة والبناء انتعاشا ملحوظا، وتمكنت مصر من خفض نفقاتها العسكرية، مقابل تلقي مساعدات سنوية من الولايات المتحدة تُقدّر بنحو 3 مليارات دولار في شكل دعم عسكري واقتصادي، ما ساهم في إعادة الاستقرار الاقتصادي والسياسي للبلاد.
كما شهدت العلاقات بين إيران ومصر تقلبات ملحوظة خلال الأعوام الأربعين الماضية، حيث مرت بمراحل من التوتر والانفراج.
ففي عهد الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، ومع تبنّي سياسة «حوار الحضارات» والانفتاح على الدول العربية والعالم الإسلامي، طرأ تغيير نسبي على موقف الجانب المصري تجاه إيران.
وفي هذا السياق، جرى لقاء بين الرئيس الإيراني الأسبق خاتمي والرئيس المصري آنذاك حسني مبارك، في منتدى دافوس بسويسرا، وهو لقاء لم يُعلن عنه رسميا، لكنه كان له أثر إيجابي ملموس على العلاقات الثنائية، إذ أبدى الجانب المصري استعدادا لرفع مستوى العلاقات مع إيران إلى حد معين.

وتاريخيا، كانت هناك شراكات قائمة بين البلدين منذ عهد الشاه في مجالات الزراعة والصناعة، مثل مشاريع الزراعة والصناعات النسيجية، فضلا عن وجود بنك مشترك يحمل اسم “بنك إيران-مصر”. وبعد هذا اللقاء، شهدت هذه الملفات بعض الانفراج وسارت بشكل أكثر سلاسة.
إلا أن التوجه نحو تحسين العلاقات لم يكن موضع إجماع داخل إيران، حيث عارضت بعض التيارات السياسية المتشددة استئناف العلاقات مع القاهرة، ما أدى إلى إثارة الجدل الداخلي وعرقلة مسار التقارب بين البلدين.
في تلك الحقبة، كانت من أبرز القضايا التي أثارت الجدل مسألة تسمية أحد الشوارع الرئيسية في طهران باسم خالد الإسلامبولي، منفذ اغتيال الرئيس المصري أنور السادات.
وعلى الرغم من استعداد الحكومة الإيرانية لتغيير اسم الشارع كخطوة رمزية نحو تهدئة الأجواء وتحسين العلاقات مع مصر، فإن معارضة بعض التيارات الداخلية أعاقت تنفيذ القرار وأبقت العلاقات متوترة.
ولم تلبث الأمور أن ازدادت تعقيدا عندما اتهمت القاهرة طهران بالضلوع في محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك، ما أدى إلى مزيد من الجمود والتوتر بين البلدين.

وفي سياق آخر، كانت دار التقريب بالأزهر الشريف قد أصدرت موقفا لافتا باعتبار المذهب الشيعي المذهب الخامس من مذاهب المسلمين، واعتبرت التعبد وفقا له أمرا مشروعا. إلا أن هذه المبادرة لم تلق تفاعلا كافيا من الجانب الشيعي، ولم تُترجم إلى خطوات عملية لتعزيز التقارب المذهبي.
ومن المؤكد أن الأجهزة الأمنية في كلا البلدين تلعب دورا محوريا في صياغة وإدارة هذه العلاقات المتشابكة، رغم وجود إمكانيات ومصالح مشتركة يمكن استثمارها لصالح الطرفين. مصر، بما تملكه من ثقل سياسي وحضاري، تملك قدرات من شأنها أن تخدم المصالح الإيرانية في حال أحسن توظيفها.
كان الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، يؤمن بضرورة تغيير المعادلات الدولية من خلال تحويل الخصوم إلى أطراف محايدة، والسعي لجذب الأطراف المحايدة ليصبحوا شركاء وأصدقاء.
وقد شدد على الأهمية الخاصة التي تحتلها كل من مصر والسعودية في الساحة العربية والإسلامية، معتبرا أن إقامة علاقات متينة مع هاتين الدولتين ستفتح أمام إيران آفاقا واسعة للتفاعل البنّاء مع العالمين العربي والإسلامي، بينما سيؤدي غياب هذا التعاون إلى مواجهة تحديات متزايدة.
بالنظر إلى القدرات الاقتصادية لمصر، إذا عادت العلاقات بين البلدين إلى وضعها الطبيعي، فما المجالات التي يمكن تصور التعاون الاقتصادي فيها بين إيران ومصر؟
أبرز التحديات التي تواجه إيران في علاقاتها الدولية تتمثل في العقوبات الأمريكية التي تلقي بظلالها الثقيلة على تعاملاتها الاقتصادية. فعلى سبيل المثال، رغم الأخبار التي تحدثت عن الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمّدة في قطر، فإن إيران لا تزال غير قادرة على الوصول إلى هذه الموارد.
وحتى في حال إقامة علاقات اقتصادية متقدمة مع مصر، ستظل هذه العقوبات عائقا مؤثرا يحد من حجم التعاون. ومع ذلك، فإن توثيق العلاقات مع القاهرة يمكن أن يُسهم في كسر حالة العزلة الدولية التي فرضتها سياسة “إيرانوفوبيا”، ويفتح أمام إيران المجال لاكتساب حلفاء جدد يدعمونها على الساحة الدولية. إيران اليوم بحاجة إلى توسيع دائرة أصدقائها لتعزيز موقفها في المحافل العالمية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، توجد فرص متعددة للتعاون بين إيران ومصر، من أبرزها:
- صناعة النفط والغاز: حيث يمتلك كلا البلدين خبرات وموارد غنية يمكن استثمارها في مشاريع مشتركة.
- التبادل التجاري: تنشيط حركة الصادرات والواردات بين البلدين في مجالات متنوعة، مثل المنتجات البتروكيماوية، والسلع الغذائية، والصناعات التحويلية.
- الزراعة: التعاون في مجالات الزراعة الحديثة والأمن الغذائي، خاصة مع تشابه الظروف المناخية.
- السياحة: تنشيط السياحة الدينية والثقافية بين البلدين بالنظر إلى ما يمتلكانه من إرث حضاري.
تجدر الإشارة إلى أن إيران كانت لها استثمارات قوية في مصر قبل الثورة الإسلامية، خاصة في قطاعي النسيج والمصارف، وهذه الشراكات قابلة للإحياء من جديد. إلا أن التحدي يكمن في أن السياسة الإيرانية خلال السنوات الأخيرة، ركزت بشكل رئيسي على تعزيز التحالف مع دول مثل روسيا والصين، وهما دولتان تضعان مصالحهما فوق أي اعتبار، مما أدى إلى تهميش فرص تنويع الشراكات مع دول المنطقة، مثل مصر، التي يمكن أن تشكل رصيدا استراتيجيا لإيران.

نظرا إلى السياسات الأخيرة لمصر، هل أبدت القاهرة رغبة أكبر في توسيع علاقاتها مع إيران؟
نعم، تُبدي مصر رغبة واضحة في استعادة العلاقات الطبيعية مع إيران. فمنذ سنوات، حرصت القاهرة على الحفاظ على توازن في علاقاتها الخارجية، وفي الآونة الأخيرة أكّد المسؤولون المصريون مرارا أهمية توسيع آفاق التعاون مع طهران.
وقد شدّد الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال لقائه مع وزير الخارجية الإيراني، على أن مصر لم تتخذ حتى الآن أي موقف سلبي تجاه إيران، ولم تركّز على نقاط الخلاف، ما يعكس بوضوحٍ استعدادها لتطوير العلاقات.
وجدير بالذكر أن الخلافات السابقة بين البلدين كانت تتمحور بالدرجة الأولى حول جماعة الإخوان المسلمين ودعم إيران لحركة حماس.
إلا أن المتغيرات الإقليمية الأخيرة ساهمت في تقليص حدة هذه الخلافات. ومع ذلك، لا تزال هناك بعض الاعتبارات السياسية والأمنية لدى الطرفين التي قد تؤثر على وتيرة تطور العلاقات بينهما.
كيف ينبغي أن يكون سلوك إيران في هذا الصدد؟
ينبغي لإيران أن تعتمد سياسة متوازنة ومتكاملة، تتحرك من خلالها نحو دبلوماسية بنّاءة وانفتاح مدروس. إن الانخراط الإيجابي مع دول مثل مصر، والسعودية، والإمارات من شأنه أن يسهم بشكل فعّال في تخفيف الضغوط الدولية وتحسين الأوضاع الاقتصادية.
ومن المهم أن تستغل إيران الفرص المتاحة لتقليص التوترات وبناء علاقات تقوم على المصالح المشتركة.
فكل دولة، مهما بلغت قوتها، تحمل في طياتها نقاط ضعف، ومن الحكمة أن توظف إيران نقاط القوة والفرص المتوافرة لديها ولدى الآخرين، مع الحفاظ على قدر من الإنصاف والاعتدال في التعامل مع السياسات المختلفة، بما يضمن استمرار العلاقات وتطورها.
وللحد من تأثير العقوبات والضغوط الخارجية، ينبغي أن يكون اعتماد إيران في المقام الأول على إمكاناتها الذاتية وشعبها في الداخل، مع تعزيز شبكة علاقاتها الخارجية بشكل متزن وفعّال.