الوقت ينفد.. مصير مفاوضات إيران النووية على المحك

ترجمة: شروق حسن

في ظلّ تصاعد التوترات حول الملف النووي الإيراني، واستمرار المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن بوساطة سلطنة عُمان، سلطت صحيفة “شبكة شرق” الإيرانية، الضوء على المشهد الدبلوماسي المعقد الذي يحيط بهذه المحادثات. 

حيث كتبت الصحيفة الإيرانية “شبكه شرق“، يوم الأربعاء 30 أبريل/نيسان 2025، في تقرير لها، أنه في وقت لا تزال فيه المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة مستمرة في سلطنة عمان ، وذلك بعد ثلاث جولات من المحادثات، تشير المشاورات الواسعة المكثفة لمسؤولي الدول الغربية، ومن ضمنهم المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية ووزيرا خارجية فرنسا وبريطانيا، إلى حساسية المرحلة الراهنة في الملف النووي الإيراني.

وأضافت: تصريحات رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة النووية، جان نويل بورو، وزير الخارجية الفرنسي، ديفيد لامي، وزير الخارجية البريطاني، والتقارير الدبلوماسية الواردة من مفاوضات مسقط، جميعها تؤكد ضرورة التوصل إلى اتفاق دائم وقابل للتحقق بهدف تقييد البرنامج النووي الإيراني.

وقالت إن هذه الجهود تأتي  في وقت بات فيه انتهاء قرار مجلس الأمن رقم 2231 في أكتوبر/تشرين الأول 2025، وخطر تفعيل آلية الزناد من قبل الثلاثي الأوروبي (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) مصدر قلق رئيسيا لطهران.

مواقف المسؤولين الغرب

وتابعت الصحيفة أن الخروج الأحادي الجانب للولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018 وفشل أوروبا في تنفيذ التزاماتها الاقتصادية دفعا إيران إلى تقليص التزاماتها النووية.

وأضافت أن زيادة تخصيب اليورانيوم حتى 60%، وتوسيع المنشآت النووية، وتقليص وصول مفتشي الوكالة، أسهمت في تصاعد التوترات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والثُّلاثية الأوروبية. 

وتابعت الصحيفة في تقريرها، أن تقارير الوكالة تُظهر أن إيران تُخزِّن من اليورانيوم المُخصَّب أكثر من 20 ضعف الحد المسموح به في الاتفاق، مما أثار مخاوف بشأن «زمن الهروب النووي» أي المدة اللازمة لإنتاج مواد نووية صالحة للأسلحة.

وأضافت: وعلى الرغم من تأكيد طهران أن برنامجها سلمي، تتيح «آلية الزناد» المنصوص عليها في المادتين 36 و37 من الاتفاق إحالة المخالفات إلى مجلس الأمن وإعادة فرض العقوبات الدولية.

عقوبات غربية 

ذكرت كذلك، أنه وفي مؤتمر صحفي عقد في نيويورك في 29 أبريل/يسان 2025، حذَّر جان نويل بورو، وزير الخارجية الفرنسي، من أن أوروبا ستبحث خلال صيف 2025 ما إذا كانت ستُعيد العقوبات التي رُفعت عن إيران أم لا، مؤكدا أن ذلك القرار يعتمد على مدى التزام طهران ببنود الاتفاق.

وأوضحت الصحيفة: “وجاءت هذه التحذيرات بالتزامن مع تأكيد رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ضرورة وجود إشراف صارم للوكالة لضمان فعالية أي اتفاق”، مشددا على أنه “دون هذا الإشراف، سيبقى الاتفاق مجرد ورقة”.

وأضافت: وفي مؤتمر صحفي مشترك مع بورو، وزير الخارجية الفرنسي، لفت غروسي إلى مباحثاته مع عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، وستيف ويتكوف، المبعوث الأمريكي، مبيّنا جهود الوكالة لتقديم آليات فنية للرقابة.

 وأكد أن «اللحظة الراهنة حساسة للغاية»، داعيا إلى تقدم موازٍ في مفاوضات إيران والولايات المتحدة وتعاون كامل من طهران مع الوكالة.

 وبيَّن أن منشآت إيران ما تزال خاضعة لرقابة الوكالة، لكن مستوى الشفافية تراجع مقارنة بما كان عليه. وحث المسؤولين الإيرانيين على تسوية مسائل مثل الكاميرات الرقابية ووصول المفتشين، محذرا من أن مسار المفاوضات الثنائية والتعاون مع الوكالة مترابطان، ويمكن أن يعززا بعضهما بعضا أو يضعفا بعضهما.

الدعم المشروط لأوروبا

تابعت الصحيفة، أنه إلى جانب تصريحات رافائيل غروسي، أكّد جان نويل بورو،  وزير الخارجية الفرنسي، دعمه للمفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، لكنه في الوقت نفسه اتخذ خطابا شديد اللهجة ضد طهران، متهما إياها بالسعي إلى امتلاك سلاح نووي وخرق التزاماتها بشأن تخصيب اليورانيوم. 

وأشار بورو إلى التعاون الوثيق بين باريس وماركو روبيو، السيناتور الأمريكي، وستيف ويتكوف المستشار الفني للوكالة الدولية للطاقة النووية، محذرا من أن عدم ضمان مصالح الأمن الأوروبي قد يفضي إلى إعادة فرض العقوبات الدولية على إيران.

 ومع ذلك، رحّب بورو- في الوقت ذاته- باستعداد طهران وواشنطن للتوصل إلى اتفاق دائم، وطالب طهران بتقليص “الإجراءات المزعزعة للاستقرار” في المنطقة. وتعكس هذه التصريحات نهجا أوروبيا مزدوجا: “دعم الدبلوماسية، لكن بشروط صارمة”.

ديفيد لامي وتحركات بريطانيا

وأردفت الصحيفة، أنه عقب تصريحات وزير الخارجية الفرنسي العدائية تجاه إيران، نشط ديفيد لامي، وزير الخارجية البريطاني، بدوره في هذا الإطار، حيث أعلن في 29 أبريل/نيسان  2025، على حسابه بـ“إكس”، عن تشاوراته مع ماركو روبيو حول ملف إيران النووي ومستجدات الشرق الأوسط.

كما تابعت أن لامي كان قد زار عُمان أخيرا، حيث التقى هيثم بن طارق سلطان عُمان، وبدر بن حمد البوسعيدي وزير خارجية عُمان، مؤكدين في بيان للخارجية العمانية، دور مسقط الوسيط في محادثات طهران وواشنطن لتحقيق “اتفاقية سلمية”. 

وأضافت أن زيارة لامي الثانية لعُمان جاءت بعد زيارة هيماش فالكونر ، وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الذي وصف مفاوضات مسقط بأنها “الخطوة الأولى المهمة” لحل دبلوماسي، معبرا عن استعداد الثلاثية الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) لدعم هذه المباحثات.

 وذكرت وزارة الخارجية البريطانية في بيان صدر في 26 أبريل/نيسان 2025، التزام لندن بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، واستخدام جميع الأدوات الدبلوماسية لتحقيق ذلك.

تفاصيل مفاوضات إيران والولايات المتحدة

تابعت الصحيفة في تقريرها، أنه وموازاة مع تلك التحركات الأوروبية، تستمر المحادثات التي جمعت إيران والولايات المتحدة بوساطة عُمان، بعد إجراء ثلاث جولات حتى الآن.

ونقلت الصحيفة الإيرانية عن صحيفة  “نيويورك تايمز” ، أن الجولة الثالثة، التي عُقدت بمسقط في 26 أبريل/نيسان 2025، شهدت أجواء “جادة وبناءة”، واستمرت لأربع ساعات قُدم خلالها إطارا عمل من الطرفين، دون التوصل إلى اتفاق نهائي.

ووضحت أنه في تقرير رفعه مجيد تخت روانجي (نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية)، إلى لجنة الأمن القومي بمجلس الشورى، نقل إبراهيم رضائي (متحدث اللجنة) تفاصيل إضافية، إذ ركّزت المباحثات على بندين رئيسين: “التحقق من سلمية البرنامج النووي الإيراني ورفع جميع العقوبات”.

وأكد تخت روانجي، أن “التخصيب داخل إيران وفاعلية رفع العقوبات يشكلان خطوطا حمراء لطهران”.

وانتقد تناقض مواقف الولايات المتحدة، موضحا أن “المفاوضات تهدف إلى وضع إطار لدخول التفاصيل؛ تشمل مطالبنا رفع العقوبات النفطية والبتروكيماوية والغازية والبحرية والمصرفية والتجارية والصناعية والتعدينية والنقل والتأمين، وإطلاق الأصول الإيرانية المجمدة في الخارج، وإنهاء ملاحقة إيران في مجلسي الأمن والحكام”.

وبيّن أيضا إجراء جلسات فنية واجتماعات لوفود رئيسية، معلنا أن “الجولة المقبلة ستُعقد في 4 مايو/أيار 2025، رغم أن مكانها لم يُحدد بعد”، مع إشارات إلى احتمال تعديل موعدها.

الخطوط الحمراء لإيران

في سياق متصل قالت الصحيفة إن إسماعيل بقّائي (المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية) أكد في 28 أبريل/نيسان 2025، أن «التخصيب داخل البلاد ورفع العقوبات بصورة فعالة» هما الخطّان الأحمران لطهران. وأضاف أنه «لن يُبرم أيّ اتفاقٍ حول التفاصيل ما لم يُراعَ الإطار العام الذي تطالب به طهران».  

في حين وصف وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي، المفاوضات بأنها «حصرية للشأن النووي»، مُشدّدا على أن إيران «لن تفاوض حول برنامجها الصاروخي أو دورها الإقليمي».  

بدوره، اعتبر مجيد تخت‌روانجي، نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية، في تقريره المقدم إلى مجلس الشورى «التخصيب الصفريّ ومناقشة القدرات الدفاعية» خطّين أحمرين، محذّرا من أن «تفعيل آلية الزناد قد يدفع إيران إلى الانسحاب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية (NPT)».

رفض نماذج بديلة  

ذكرت الصحيفة أن إيران أعلنت رفضها «نموذج ليبيا» القائم على «التفكيك الكامل للبرنامج النووي»، أو «استيراد الوقود النووي»، مؤكدةً حقّها السيادي في «التخصيب داخل البلاد».  

وأوضحت أنه ووفقا لما نقله الموقع الإيراني “تابناك” عن معهد دول الخليج العربية في واشنطن، فقد عرضت إيران تقليص مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% مقابل رفع أولي للعقوبات، لكن «إلغاء العقوبات الثانوية وضمان التزامات الولايات المتحدة أثارا تحديات كبيرة».

التحديات الفنية والسياسية  

وأضافت الصحيفة أنه رغم تصريحات الجانبين الإيراني والأمريكي عن المحادثات– بعد ثلاث جولات- بأنها «جديّة وبنّاءة»، تبرز عوائق فنية حول «مستوى التخصيب، وزمن الهروب النووي، وإدارة المخزون، والرقابة على المنشآت»، فضلا عن «تناقض المواقف السياسية للأطراف»، كما بيّن تخت‌‌روانجي.  

وأشار رافائيل غروسي (المدير العام للوكالة الدولية للطاقة النووية) إلى «أولوية حلّ الإشكالات الرقابية، مثل الكاميرات والمفتشين، لاستعادة الشفافية». ويتبنى ماركو روبيو (السيناتور الأمريكي) موقفا يُلزم إيران بـ«وقف التخصيب واستيراد اليورانيوم من الخارج»، وهو شرط تراه طهران «غير مقبول».

حسم ملف رفع العقوبات  

أردفت الصحيفة، أن «إزالة العقوبات بشكل فعّال» تعد مطلبا إيرانيا رئيسيا، غير أن واشنطن من المتوقع ألا تتبنّى سياسة واضحة هنا؛ إذ أظهرت تجربة الاتفاق النووي (2015) أن الرفع الظاهري للعقوبات كان ذا أثر محدود على اقتصاد إيران، ولا يمكن الاعتماد على إلغائها الكامل والدائم.  

لذلك تصرّ طهران على «رفع العقوبات الثانوية، وإطلاق أصولها المحتجزة في الخارج، واستئناف التعامل بالدولار الأميركي».  

كما تابعت الصحيفة، أن معهد دول الخليج العربية في واشنطن قد حذر من أن قوانين الكونغرس، لا سيما «قانون عقوبات إيران (ISA)»، تشكّل عقبة كبرى؛ إذ يتطلب رفع هذه العقوبات سنّ تشريع برلماني يصعب إقراره في ظلّ أغلبيّة جمهورية في مجلس الشيوخ.

دور أوروبا والاتهامات الإقليمية

قالت الصحيفة كذلك، إنه يتضح من مواقف وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بورو، فقد تبنت أوروبا، لا سيما باريس، نهجا مزدوجا حيال مفاوضات إيران والولايات المتحدة، فإلى جانب تأييدها هذه المحادثات، وجّه بورو اتهامات لطهران بانتهاك التزاماتها وإساءة استقرار المنطقة، ملوّحا بإمكانية إعادة فرض عقوبات دولية عليها. 

وأضافت، أنه رغم ذلك، أكد إسماعيل بقّائي (المتحدّث باسم وزارة الخارجية الإيرانية)، أن استبعاد أوروبا من المفاوضات «كان اختيارها الخاص»، وأن طهران تسعى لإعادتها إلى طاولة الحوار.

 ونقلت الصحيفة عن وكالة رويترز، قولها ان إيران عرضت استئناف الحوار مع الدول الأوروبية «الجمعة المقبلة في روما».

وأردفت، أنه على الرغم من انطلاق فصل جديد من تهدئة التوتر بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، إضافة إلى مسار موازٍ مع الأوروبيين، يبقى الأفق محكوما بموعد انتهاء قرار مجلس الأمن 2231 في أكتوبر/تشرين الأول 2025، ما يضيق هامش الوقت المتاح للتوافق. 

وتابعت أن غروسي قد أكد ضرورة التوصّل إلى نتائج خلال أسابيع، فيما شدّد كل من هيماش فالكونر وبورو على استعجال الجهود الدبلوماسية. ومن المنتظر أن يطرح اجتماع مجلس محافظي الوكالة في يونيو/حزيران 2025، مشروع قرار ضد إيران، ما قد يمهّد لتفعيل «آلية الزناد».

وتابعت الصحيفة، بالقول إن سلطنة  عُمان، بصفتها الوسيط الرئيس، تلعب دورا محوريا في تسهيل المسار التفاوضي، إذ استضافت عدة جولات من المباحثات وساهمت في تبادل الأطر وتقليص الفجوات، وقد أكدت بيانات الخارجية العمانية التزام مسقط بدعم المحادثات السلمية وتركيزها على الأهداف الهادفة إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي.

خلاصة وتوقعات

واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول إن المحادثات الحالية توفر فرصة لإحياء مصالح متبادلة في إطار الاتفاق النووي، كما أن رغبة إيران والولايات المتحدة في التوصل إلى اتفاق مستدام، والتقدم الحاصل في مفاوضات مسقط، وتعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تُعد مؤشرات إيجابية. 

ومع ذلك، فإن تهديدات مثل غياب التنسيق بين أمريكا وأوروبا، والضغوط الداخلية في كلا البلدين، والخلافات الفنية والسياسية، قد جعلت من المفاوضات مسألة هشة. 

كذلك فإن الاتهامات الأوروبية بشأن أنشطة إيران الإقليمية، وإصرار الولايات المتحدة على إدراج البرنامج الصاروخي ضمن المفاوضات، قد تؤدي إلى طريق مسدود. 

وقالت الصحيفة إن طهران، معتمدة على خطوطها الحمراء، تصر على اتفاق يضمن حقها في التخصيب ويؤدي إلى رفع فعّال للعقوبات، واقتراحها بخفض مخزون اليورانيوم المخصب إلى 60% مقابل تخفيف أوَّلي للعقوبات يعبّر عن مرونة معينة.

إلا أن القيود التشريعية في واشنطن وضغوط الكونغرس تقف عقبة أمام تحقيق ذلك. وفي ضوء هذه المعطيات، يبقى انتظار نتائج الجولة الرابعة من المفاوضات مقياسا لطبيعة الحل الذي يرضي كلّ الأطراف: طهران وواشنطن وأوروبا؛ والوكالة الدولية للطاقة الذرية.

كلمات مفتاحية: