انقطاع الكهرباء في إيران يهدد الاقتصاد ويكبّد الصناعات خسائر بمئات آلاف المليارات

Ad 4nxcj7zgbl8uxktgkamy1tlf iuitjug 6a5pguddtsf2lgxhsmck34pnik3ubniclu6zks8ajskv2vbt9wt7riu2esnnc787xr recmaomslgolq3uz1rpob3rt4i g6lmahybix3gkey4gojbi926b2bhcgddgye8g

كشفت صحيفة “هم‌میهن” الإيرانية الإصلاحية، في تقرير لها يوم الخميس 15 مايو/أيار 2025، عن أزمة متفاقمة تهدد البنية الاقتصادية والصناعية في إيران، تتمثل في انقطاعات متكررة وطويلة للكهرباء، بدأت مع مطلع هذا العام.

كتبت الصحيفة الإيرانية “هم‌میهن” أن وزارة الطاقة أصدرت بيانا بشأن انقطاع التيار الكهربائي عن الصناعات، وذلك في مستهل هذا العام.

وتابعت أن اختلال توازن الطاقة في البلاد يزداد حدّة كل عام، وقد تحوّل إلى تحدٍّ اقتصادي كبير؛ بحيث أصبحت تبعاته تؤثّر بشكل متزايد على الصناعات والقطاع الإنتاجي.

وأضافت أن القدرة على تأمين الطاقة قد تراجعت، وقد أدى هذا الأمر إلى أن تجد بعض الصناعات نفسها تواجه معضلة انخفاض الإنتاج والتوقف المؤقت. إن غياب الكهرباء وتحديد حصصها يتسبب في بطء حركة عجلة الإنتاج في اقتصاد البلاد، ويُحدث خسائر ملموسة في المؤشرات الاقتصادية وسوق رأس المال.

وذكرت أن وزارة الطاقة، منذ عدة أيام، بدأت بإرسال رسائل نصية تُعلن فيها عن برنامج انقطاع الكهرباء عن الصناعات، ووفقا لذلك ستواجه الصناعات انقطاعا في التيار الكهربائي يتراوح ما بين 5 إلى 16 ساعة.

 ويمكن القول إن انقطاع الكهرباء لما يقارب نصف اليوم سيؤدي إلى خفض الإنتاج الصناعي إلى النصف، وإن استمرار هذا الوضع يمكن أن يقلّل من جودة المنتجات المصنّعة، ويلحق أضرارا جسيمة بمعدّات المصانع.

وقالت الصحيفة إن الإحصاءات المنشورة تفيد بأن تنفيذ برنامج انقطاع الكهرباء عن الصناعات بدأ منذ يوم السبت من هذا الأسبوع، وخلال هذه الفترة ستواجه المصانع يوما واحدا من انقطاع الكهرباء أسبوعيا؛ غير أن هذا ليس سوى بداية القصة.

 ووفقا للمعلومات المنشورة، ففي شهري (يونيو/حزيران وسبتمبر/أيلول)، سيتعيّن على الصناعات التعايش مع يومين من الانقطاع أسبوعيا، فيما سترتفع هذه النسبة في شهري (يوليو/تموز وأغسطس/آب) إلى ثلاثة أيام في الأسبوع. 

ومع ارتفاع درجات الحرارة والاستهلاك المفرط للكهرباء، من المحتمل أن يزداد عدد أيام الانقطاع عن الصناعات، ومن المقرر أن يستمر هذا البرنامج حتى نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول.

وأشارت إلى أن وزارة الطاقة وضعت أيضا برنامجا ثانيا لإدارة استهلاك الكهرباء في الصناعات، يقضي بإلزام المصانع بنقل ورديات العمل من النهار إلى الليل، وبناء عليه، تبدأ العمليات الإنتاجية من الساعة الثانية عشرة منتصف الليل وتستمر حتى السادسة صباحا.

تحديات ادارية

أوضحت أن الدراسات تشير إلى أن تنفيذ هذا القرار ليس سهلا، إذ يرافقه العديد من التحديات الإدارية والتشغيلية، ومن المرجّح أن ترفض الصناعات هذا التغيير في الجدول الزمني؛ لأن كثيرا من المديرين يرون أن هذا القرار، أولا، يقلّل من الكفاءة، وثانيا، قد يعرّض صحة القوى العاملة للخطر، وفي النهاية، قد يؤدي عدم يقظة العمال إلى إنتاج سلع تحتوي على مشاكل.

وختمت الصحيفة بالإشارة إلى أن مقترحا آخر طُرِح بتعديل ورديات العمل لتكون يومي الخميس والجمعة من أجل تعويض استهلاك الكهرباء، لكن هذا المقترح قوبل برفض شديد؛ إذ يرى الخبراء أن هذا القرار يفرض ضغطا إضافيا على العمال (من ناحية الورديات)، وعلى أرباب العمل (من ناحية دفع أجور العمل الإضافي والرواتب).

انقطاع الكهرباء عن الصناعات 

كتبت الصحيفة الإيرانية “هم ميهن” أن انقطاع الكهرباء عن القطاعات الصناعية يُعدّ الخيار الأخير، وقد أشار رئيس الجمهورية، مسعود بزشكيان، خلال اجتماع مجلس الوزراء، إلى تقرير وزير الطاقة بشأن آخر أوضاع قطاعي إنتاج وتوزيع الكهرباء، وكذلك تصريحاته حول التهديدات المرسلة عبر الرسائل النصية فيما يتعلق بمواجهة نشاط المعدّنين، وأصدر تعليمات بمتابعة جادة وفورية لهذا الأمر. 

وأكد بزشكيان أن قطع الكهرباء عن القطاعات الإنتاجية والصناعية هو آخر الحلول الممكنة، وأن الحكومة ستبذل قصارى جهدها لتجنّب هذا الإجراء.

وأوضح أن الحكومة ستعقد في القريب العاجل اجتماعا مع ممثلي البرلمان من أجل التشاور وتكثيف التعاون لمواجهة اختلال التوازن في قطاع الكهرباء.

 وبيّن أن الحكومة تهدف إلى توفير 2000 ميغاواط من الكهرباء من خلال ترشيد الاستهلاك ومكافحة المخالفات في هذا المجال.

مأزق اقتصادي خانق

أضافت الصحيفة أن الانقطاعات المتكررة للكهرباء تُشكّل تهديدا طويل الأمد وخطيرا للاقتصاد، وقد تدفع البلاد نحو مأزق اقتصادي خانق، وفي ظل هذه الظروف، فإن تراجع الإنتاج وانخفاض جودة المنتجات الصناعية يُعدّ إنذارا شديد اللهجة لمختلف القطاعات الاقتصادية.

وذكرت أن العديد من الصناعات، وخاصة في القطاع الإنتاجي، تعتمد بشكل كبير على إمدادات كهربائية مستقرة، وأدى الانقطاع المتكرر للكهرباء إلى انخفاض حاد في الإنتاج، وتراجع جودة المنتجات، وتآكل المعدات الصناعية.

 كما أن غياب الكهرباء المستقرة قد يُتلف الكثير من الأجهزة الصناعية، ويؤدي في النهاية إلى تدهور جودة المنتجات بشكل كبير، وقد أسفر تضافر هذه العوامل عن تقليص الربحية على المدى البعيد، بل وتحقيق خسائر في بعض الصناعات.

الآثار السلبية لانقطاع الكهرباء

أوضحت الصحيفة أن من بين الآثار السلبية لانقطاع الكهرباء في الوحدات الصناعية: انخفاض الإنتاجية، توقف خطوط الإنتاج، هدر المواد الخام، وزيادة تكاليف الصيانة والإصلاح، وهذه الأزمة لا تقتصر على الإضرار بقطاع الإنتاج فحسب، بل تؤدي كذلك إلى اضطرابات في سلسلة التوريد وتوزيع المنتجات.

وأشارت إلى أن انقطاع الكهرباء يُعدّ من أكبر التحديات التي تواجه الصناعات في البلاد، حيث أدى إلى تراجع الإنتاج، ارتفاع التكاليف، وتلف المعدات والآلات الصناعية. وقد انعكست هذه الآثار سلبا على الاقتصاد الكلي للبلاد.

وبيّنت أن الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، مثل الحديد والصلب، والبتروكيماويات، والإسمنت، والألمنيوم، بحاجة ماسّة إلى كهرباء مستقرة لاستمرار نشاطها.

 وفي حال استمرار الانقطاعات خلال فصول الصيف، فإن الإنتاج سيتوقف، وستُهدر المواد الخام، وسيرتفع حجم النفايات الصناعية.

وتابعت الصحيفة أن الدراسات تُظهر أن انقطاع الكهرباء لعدة ساعات فقط في صناعات مثل الصلب والبتروكيماويات قد يُلحق أضرارا جسيمة بالمعدات والآلات، ويزيد من تكاليف الصيانة، فعلى سبيل المثال، فإن توقف عمليات الصهر والسبك في وحدات صناعة الصلب قد يؤدي إلى احتراق الخزانات.

 ولفتت إلى أنه من الضروري استيراد بعض المعدات والآلات، ومع استمرار العقوبات وارتفاع سعر صرف الدولار، فإن تكلفة استيراد هذه المعدات تشكل عبئا ماليا كبيرا على الصناعات، وأحد أبرز أسباب الانقطاعات المتكررة للكهرباء، بحسب الصحيفة، هو تآكل وعدم كفاءة البنية التحتية لإنتاج وتوزيع الكهرباء في البلاد.

وتابعت الصحيفة الإيرانية “هم ميهن” أن الكهرباء في العديد من شوارع البلاد انقطعت العام الماضي بسبب احتراق الكابلات نتيجة الحرارة المرتفعة أو الضغط الناتج عن الاستهلاك، وكانت عملية إصلاح هذه الكابلات تستغرق ساعات طويلة. 

وأشارت إلى أنه خلال العقود الأخيرة لم يُولِ أحد اهتماما كافيا لقطاع الكهرباء وتجديد البنية التحتية، مما أدى إلى تفشي الاستهلاك المفرط للكهرباء.

وتابعت أن عدم الاهتمام بالبنية التحتية واستمرار تدني حجم الاستثمارات في قطاع محطات توليد الكهرباء أدّيا إلى تراجع إنتاج الكهرباء في البلاد، وأصبحت العديد من الصناعات تواجه نقصا حادا في الطاقة خلال فصل الصيف.

تعدين العملات الرقمية

وأضافت أن من بين العوامل التي فاقمت أزمة انقطاع الكهرباء، الاستخدام المكثف لأجهزة تعدين العملات الرقمية.

 وقد أقرّ وزير الطاقة، عباس علي‌آبادي، بهذه المشكلة، مؤكدا أن عدد المعدّنين غير القانونيين ارتفع بشكل سري وملحوظ، وقال: “نحن نرصد الاستهلاك غير الطبيعي للكهرباء من خلال المغذّيات وشبكة التحكم المركزية. 

وتُعدّ ظاهرة التعدين غير القانوني سرقة فعلية، وهي ممارسة قبيحة وغير مقبولة ويجب مكافحتها، يتم يوميا اكتشاف عدد كبير من أجهزة التعدين غير المرخصة.”

وذكرت أن علي‌آبادي صرّح بأنه في العام الماضي تم ضبط أكثر من 220 ألف جهاز تعدين، وأوضح أن استهلاك كل جهاز يعادل استهلاك جهاز تكييف يعمل على مدار الساعة.

 وتابع أنه “في هذا المجال اكتشفنا نحو 1000 ميغاواط من استهلاك الكهرباء”.

وأشارت الصحيفة إلى أن ارتفاع سعر عملة “بيتكوين” يؤدي تدريجيا إلى تزايد أعداد القائمين على التعدين، مما يشكّل ضغطا إضافيا على شبكة الكهرباء، وعلى سبيل المثال، عندما ارتفع سعر البيتكوين العام الماضي، شهدنا زيادة هائلة في استهلاك الكهرباء في البلاد.

وتابعت أن العكس صحيح أيضا، فعندما انخفض سعر هذه العملة الرقمية، توقفت أنشطة العديد من المعدّنين، مما أدى إلى تخفيف الضغط على شبكة الكهرباء بشكل مؤقت.

انقطاع الكهرباء.. والصناعة

وأضافت الصحيفة الإيرانية “هم ميهن” أن انقطاع الكهرباء يلحق أضرارا جسيمة بالصناعات، إذ فرض نقص الكهرباء والغاز في البلاد أعباء مالية ثقيلة على كاهل الشركات والمؤسسات الصناعية.

 وتشير التقديرات إلى أن هذه الشركات تخسر يوميا نحو 110 ملايين دولار من أرباحها المحتملة بسبب هذا النقص.

وتابعت أن آخر تقرير صادر عن لجنة الصناعة في غرفة تجارة إيران أظهر أن 37٪ من الكهرباء المنتجة في البلاد تُستهلك في القطاع الصناعي، في حين يأتي الاستهلاك المنزلي في المرتبة الثانية بنسبة 31٪، يليه القطاع الزراعي بـ13٪، ثم قطاع الخدمات العامة بـ9٪. وبناء على ذلك، فإن انقطاع الكهرباء يوجّه أكبر ضرر مباشر إلى القطاع الصناعي.

وأضافت أن تحليل تأثير انقطاع الكهرباء على القطاعات الصناعية الرئيسة أظهر أن الصناعات التي تمثل نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد هي الأكثر تضررا. 

الضرر في قطاع المعادن

وفقا لآخر الإحصاءات، فقد بلغت نسبة الضرر في قطاع إنتاج المعادن ما يعادل 1059 ضعفا، وفي صناعة المواد الكيميائية 791 ضعفا، وفي الصناعات الغذائية 332 ضعفا.

وذكرت أن تقرير لجنة الصناعة في غرفة تجارة إيران أشار إلى أن انقطاع الكهرباء في شتاء العام الماضي ألحق ضررا بالاقتصاد الوطني بلغ 17 ألفا و973 مليار تومان يوميا، وكانت حصة القطاع الصناعي من هذا الرقم حوالي 9218 مليار تومان.

وأوضحت أن هذه الخسائر حُسِبت بناء على بيانات الحسابات القومية الإيرانية لعام 2023 مع أخذ التضخم النقطي البالغ 35% في شهر سبتمبر/أيلول 2024 في الحسبان.

 ولم تقتصر تداعيات الانقطاع المتكرر للكهرباء على الأضرار المالية فقط، بل شملت أيضا تراجع الإنتاجية في الوحدات الصناعية، وانخفاض مستويات الإنتاج، واضطراب سلاسل التوريد، ما أدى عمليا إلى تراجع الاقتصاد الوطني.

وأشارت إلى أن علیرضا کلاهي صمدي، رئيس لجنة الصناعة في غرفة التجارة، كان قد صرّح سابقا بشأن خسائر انقطاع الكهرباء، موضحا أن الضرر لا ينحصر في الخسائر المباشرة، بل يشمل أيضا الأرباح المفقودة والتبعات اللاحقة التي تؤثر على استمرارية الإنتاج.

وبيّنت أن التقديرات في قطاع التصدير تُظهر أن صناعات المعادن خسرت نحو 8 مليارات دولار من الصادرات خلال عام واحد، فيما يُقدَّر أن كل يوم من توقف نشاط المناجم يُكلف نحو 41 ألف مليار تومان.

 أما خسارة قطاع إنتاج المشروبات فبلغت 388 مليار تومان، وتوقف صناعة الجلود أدى إلى خسارة تُقدّر بـ615 مليار تومان.

وختمت الصحيفة بالإشارة إلى أن مجموع الخسائر في كامل القطاع الصناعي نتيجة انقطاع الكهرباء يتجاوز 250 ألف مليار تومان.