برلماني إيراني يكشف علاقة طهران بصفقة أجهزة البيجر التابعة لـ”حزب الله”

كتب: محمد بركات

تعرض حزب الله اللبناني في الأيام الأخيرة لأحداث صعبة وخرق أمني هو الأول من نوعه، الأحداث التي وصفها الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، بأنها “ضربة ثقيلة”. ففي يومي الثلاثاء والأربعاء 17 و18 سبتمبر/أيلول، انفجرت بشكل متزامنٍ آلاف أجهزة الاتصال اللاسلكي التي كانت تستخدمها قوات الحزب بدلاً من الهواتف الذكية، وتبين لاحقا أن هذه الأجهزة كانت تحتوي على مواد متفجرة صغيرة. على الرغم من أن إسرائيل لم تعترف بمسؤوليتها عن انفجار أجهزة الاتصال الخاصة بحزب الله، فإن التطورات الميدانية والتقارير الإعلامية من النظام الصهيوني تشير إلى أنه كان وراء هذه الانفجارات.

 وأدى انفجار أجهزة الاتصال لقوات حزب الله إلى مقتل ما لا يقل عن 37 شخصا وإصابة نحو 3000 آخرين، وفي الوقت نفسه، قامت إسرائيل بتوسيع غاراتها الجوية على جنوب لبنان، حيث قصفت خلال الأسبوع الماضي مناطق عدة تحت سيطرة حزب الله، ففي يوم الجمعة 20 سبتمبر/أيلول، نفذت إسرائيل هجوما جويا أعلنت مسؤوليتها عنه، واصفة إياه بـ “المستهدف”، حيث استهدفت مبنيين في منطقة الضاحية بجنوب بيروت، عاصمة لبنان، وكان أحد المبنيين يحتضن اجتماعا بين إبراهيم عقیل، أحد القادة البارزين لـ”حزب الله” والذي لقي مصرعه في القصف، وعدد من العناصر العسكرية المهمة في الحزب، منهم عناصر كتيبة رضوان، التي تُعتبر وحدة الكوماندوز التابعة لـ”حزب الله”.

وفي مثل هذه الظروف، يطرح السؤال حول كيفية ومدى الاختراق الأمني الذي تعرض له حزب الله في لبنان، بحيث يتم تفخيخ آلاف أجهزة الاتصال الخاصة به، بل يتم تحديد أحد القادة المهمين في التنظيم واستهداف موقعه، تماما كما حدث مع مكان إقامة فؤاد شكر، أحد القادة العسكريين البارزين في حزب الله والذي لقي مصرعه قبل نحو 50 يوما في هجوم دقيق آخر من قبل إسرائيل.
كما يتساءل البعض أيضا ما هي الإجراءات التي يجب على حزب الله وغيره من مجموعات المقاومة في منطقة الشرق الأوسط، التي تتعامل مباشرة أو غير مباشرة مع إسرائيل، اتخاذها لمنع عمليات الاختراق المشابهة؟

خلال لقاء قام به موقع ديده بان الإخباري الإيراني بتاريخ 22 سبتمبر/أيلول 2022، فقد صرح أحمد بخشایش اردستانی، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان، قائلا: “إن إسرائيل تمتلك اليد العليا من حيث التكنولوجيا والرؤية المستقبلية، حتى إنها تستلهم نمط عملياتها من الأفلام الهوليوودية، فعلى سبيل المثال، بخصوص انفجار أجهزة الاتصال، البيجر، الذي وقع الأسبوع الماضي في لبنان، فقد سبق إنتاج فيلم منذ أكثر من 10 سنوات يتناول تفجير أجهزة الاتصال وقتل الأشخاص. لذا، ليس من المستبعد أن يكون الإسرائيليون قد استخدموا أفلاما هوليوودية، تم إنتاجها من قبل الأمريكيين وأحيانا من قبل لوبيات صهيونية، لمثل هذه العمليات، وهذا يُعتبر نوعا من الرؤية المستقبلية”.

وأكمل نائب محافظة أردستان قائلا: “إن الهدف الرئيس لإسرائيل من استهداف حزب الله هو سعي النظام الصهيوني لإخراج حزب الله من ساحة الحرب في غزة، ولهذا تستخدم أنواعا من العمليات والأساليب التخريبية لزعزعة استقراره، فانفجار آلاف من أجهزة الاتصال الخاصة بقوات حزب الله أسفر فعليا عن فقدان هذه المجموعة قدرتها الإدراكية وأحدث نوعا من الارتباك بين مسؤوليها. كما أن النظام الصهيوني ينفق أموالا طائلة، وتقوم أجهزة الاستخبارات إما بتقديم المال أو باستخدام الجواسيس لتحقيق أهدافها. وفي مثل هذه الظروف، من الطبيعي أن يحدث تسلل في حزب الله، كما أننا للأسف نشهد أحيانا تسلل العدو في أجهزتنا الاستخباراتية أيضا”.

لا ينبغي أن ننكر الاختراق:

وأشار أردستاني خلال حديثه، إلى أنه لا يزال يعارض تصريحات وزير الاستخبارات والأمن الوطني الذي قال إنه لم يكن هناك أي اختراق أمني في مسألة اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس والذي اغتيل في قلب العاصمة طهران، وقال إن “مسألة الاختراق في الأجهزة الاستخباراتية أمر طبيعي، كما أننا نتجسس على العدو، فهم أيضا يقومون بذلك. لذا، يجب ألا ننكر التسلل، بل يجب أن نسد الثغرات التي تسمح بتسلل الأعداء قدر الإمكان”.

كشف مكان اجتماع عقيل كان نتيجة اختراق لا محالة:

وأكد أردستانی أن كشف مكان اجتماع إبراهيم عقيل كان بالتأكيد نتيجة لتسلل داخل حزب الله، قائلا: “عندما يتم استهداف اجتماع أحد أهم قادة حزب الله بدقة من قبل طائرة إسرائيلية، فلا يدع هذا مجالا للشك في أن حزب الله قد تعرض للاختراق من الداخل، كما أن هناك اختراقا في موضوع انفجار أجهزة الاتصال، حيث يجب على المسؤولين في حزب الله العمل بدقة على هذا الأمر لفهم كيفية شراء هذه الأجهزة، ومن أين تم نقلها إلى لبنان، وكيف تم توزيعها بين أعضاء المجموعة”.

يجب على حزب الله أن يتوخى الحذر في ما يتعلق بشراء المعدات:

وتابع أردستاني بالقول: “من الأسئلة المطروحة لماذا تم شراء أنواع معينة من أجهزة الاتصال لقوات حزب الله؟ إن كان أفراد حزب الله يستخدمون هواتف عادية مثل باقي الناس في لبنان، لربما لم يكن لديهم هذه المشكلة، لأن إسرائيل لا تستطيع تفجير آلاف هواتف المواطنين اللبنانيين في وقت واحد، لكن عندما تعرف أن حزب الله يستخدم نوعا محددا من أجهزة الاتصال، فسوف تخطط لاستهدافها، على مسؤولي حزب الله مراجعة هذه القضايا والعمل على سد الثغرات التي أدت إلى تسلل العدو”.

تفجير أجهزة الاتصال عمل جنوني من قبل إسرائيل:

وأكد أردستاني أن تأخير رد إيران على إسرائيل بعد اغتيال إسماعيل هنية زاد من جرأة النظام الصهيوني، مشيرا إلى أن الصبر قد يكون استراتيجية اتبعتها الجهات العسكرية في البلاد لخلق حالة من الرعب لدى الإسرائيليين. لكنه أضاف أن طول فترة الانتظار قد يؤدي إلى مزيد من التهور من قبل إسرائيل وفتح المجال لهم لاستهداف حزب الله بشكل أكبر.

حزب الله بحاجة إلى رد مناسب على الجرائم الإسرائيلية:

وأشار إلى أن حزب الله يجب أن يرد بطريقة تجعل إسرائيل تدرك أن الحزب أصبح أقوى مما كان عليه عام 2006، وأوضح أن منطقة انتشار مجموعات المقاومة أصبحت أكبر، وإذا انشغلت إسرائيل بحدودها الشمالية مع حزب الله، فإنها قد تتعرض لضربات قوية من اليمنيين أو العراقيين.

إسرائيل تعاني من اليأس والإحباط:

أردف أردستاني قائلا: “إن عملية تفجير أجهزة الاتصال كانت دليلا على يأس المسؤولين في النظام الصهيوني، حيث أضعفوا شبكة رصدهم الخاصة بحزب الله”. كما أشار إلى أن هناك عدة سيناريوهات حول سبب انفجار هذه الأجهزة، منها أن بعض الأجهزة كانت تحت المراقبة، وعندما أدركت إسرائيل أن حزب الله علم بذلك، قامت بتفجيرها.

تكرار نمط عمليات الاغتيال:

وصرح النائب البرلماني بأن أسلوب اغتيال إبراهيم عقيل كان مشابها لعمليات سابقة ضد فؤاد شكر وآخرين، مما يشير إلى أن الإسرائيليين تمكنوا من التسلل إلى صفوف حزب الله ومعرفة مواقع إقامة قادته. وأكد أن الأمر نفسه حدث في اغتيال الشهيد هنية، حيث تم تسريب معلومات دقيقة عن مكانه وزمانه، مما ساعد النظام الصهيوني في استهدافه.

إيران تدخلت في صفقة شراء أجهزة البيجر:

أكد أردستاني أن إيران بالتأكيد تدخلت في شراء أجهزة الاتصال لـ”حزب الله”، حيث كان أحد هذه الأجهزة بحوزة سفير إيران لدى لبنان. وقال: “وفقا للمعلومات التي حصلنا عليها من بعض الجهات الاستخباراتية والعسكرية، فقد كان رئیسي، الرئيس الإيراني السابق والذي لقي حتفه جراء سقوط طائرته، أيضا يستخدم جهاز بيجر، وعلى الرغم من أن نوعه قد يختلف عن الجهاز الذي كان بحوزة عناصر حزب الله، فإن أحد السيناريوهات المحتملة بشأن الحادث الذي تعرض له الرئيس الراحل هو انفجار جهازه، نحن واثقون بأن رئیسی كان يستخدم جهاز اتصال، لكننا غير متأكدين مما إذا كان انفجار الجهاز هو الذي تسبب في الحادث أم لا، ولكن احتمال حصول الإسرائيليين على معلومات جهازه عندما ذهب إلى حدود أذربيجان لا يزال قائما، خصوصا أن تلك المنطقة منطقة نشاط كبير للموساد”.

نتنياهو يمدد الحرب حتى الانتخابات الأمريكية ليضمن فوز ترامب:

وأضاف عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان، أن الوضع الحالي في المنطقة يشهد توترا شديدا، ففي الظروف العسكرية الصعبة، عادةً ما يتحرك مستوى التوتر على منحنى جيبي، أي عندما يصل التوتر إلى ذروته، لابد أن ينخفض بعد فترة، وبخصوص الأوضاع في لبنان وفلسطين المحتلة، من المؤكد أن التوترات ستنخفض في المستقبل القريب، وستتحقق حالة من السلام، لكن يبدو أن نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، يريد الاحتفاظ بهذه الأجواء المتوترة حتى الانتخابات الأمريكية، على أمل أن يخسر الديمقراطيون ويفوز ترامب، لأنه أولا لديه صداقة شخصية مع ترامب، وثانيا، يشعر المسؤولون المتشددون في إسرائيل بأنه إذا استمرت الحكومة الديمقراطية، فلن يتمكنوا من الحصول على الدعم الذي يسعون إليه من الأمريكيين.

ويختتم أردستاني حديثه بقوله: “إن الانتخابات الأمريكية هي العامل الأكثر أهمية الذي أدى إلى تأجيل نهاية حرب غزة، وإلا فإن العديد من الناس وحتى المسؤولين في النظام الصهيوني قد أدركوا أنهم لم يحققوا النصر في هذه الحرب، لأنهم لم يتمكنوا من تحقيق أهدافهم، أي القضاء على حماس وإنقاذ أسراهم. الآن، الوضع في غزة هو أنه بمجرد أن تنسحب إسرائيل من منطقة ما، تستعيد حماس تلك المنطقة فورا، مما يدل على أن مجموعات المقاومة الفلسطينية، رغم خوضهم حربا شديدة على مدار 11 شهرا، لم يفقدوا قوتهم العسكرية بالكامل، ولا يزال بإمكانهم توجيه ضربات لإسرائيل”.

كلمات مفتاحية: