بدأ العد التنازلي لإعلان الرئيس الجديد في تاريخ الجمهورية الإيرانية مع انطلاق الانتخابات الرئاسية الإيرانية صباح –الجمعة- 5 يوليو/ تموز 2024 في جولة الإعادة للمرشحين الحاصلين على أعلى أصوات في الجولة الأولى مهدي بزشكيان المحسوب على الإصلاحيين، وسعيد جليلي المحسوب على المحافظين.
ونظمت إيران انتخابات رئاسية مبكرة، أعقبت الرحيل المفاجيء للرئيس السابق، إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرة، مايو/آيار 2024 أدى إلى مصرعه ووزير الخارجية أمير عبداللهيان، ومسؤولين آخرين.
ويدخل المرشحان بزشكيان وجليلي الانتخابات وسط عدة ظواهر أفرزتها الجولة الأولى التي جرت نهاية يونيو/حزيران 2024 حيث شهدت الانتخابات أقل نسبة مشاركة في تاريخ إيران ما بعد الثورة، كما انسحب مرشحان قبل التصويت وبعد إعلان القوائم النهائية، وهو انسحاب يصب في صالح دعم جليلي، كما أن جولة الإعادة هي الثانية في تاريخ الانتخابات الرئاسية الإيرانية بعد الثورة، بعد أول جولة إعادة عام 2005، حيث جرت العادة أن يحسم المرشح الفائز الانتخابات من الجولة الأولى.
ويدخل بزشكيان جولة الإعادة متصدرا بفارق نحو مليون صوت عن جليلي الذي حل ثانيا، فيما تتضارب التحليلات والتوقعات حول قدرة كل منهما على حسم الجولة النهائية والوصول لكرسي رئاسة إيران.
وبعيدا عن الداخل الإيراني المتقلب، والذي يبدو أنه أرسل رسالة سلبية بإحجامه عن المشاركة في الانتخابات، يبدو أمام الرئيس الإيراني القادم، عدة ملفات خارجية تتشاركها إيران مع الإقليم والعالم، في واقع عالمي مضطرب ومأزوم، وإقليم مشتعل من أطرافه، دون وجود علامات لإطفاء حرائقه.
ويطرح مراقبون ومتابعون أسئلة حول التزام خليفة رئيسي بسياساته؟ أو انتهاج سياسة جديدة تختلف عن سابقاتها، وفي دراسة نشرها مركز الشرق الأوسط للشؤون الدولية، للسياسة الخارجية في عهد الرئيس السابق رئيسي، حددت الدراسة أبرز ملامح السياسة الخارجية الإيرانية، وهي إعادة التوجه نحو الشرق، وتمتين العلاقات وتقويتها مع المعسكر الشرقي، خاصة روسيا والصين، وتعزيز التعاون الإقليمي مع الجيران العرب.
بحسب ما قرره مراقبون، فإن المرشد الأعلى، هو الذي يملك السلطة الحقيقية في إيران، جميع المؤسسات الحكومية والاجتماعية تحت سيطرته، يوفر الدستور صلاحيات كافية للرئيس، لكنه في الواقع ينفذ أوامر المرشد الأعلى.
لذا، لا يهم من سيصبح الرئيس الإيراني المقبل، فمن غير المرجح أن تتغير السياسة الداخلية أو الخارجية للبلاد قبل أن يتولى خليفة علي خامنئي منصبه، وهنا يصبح مجلس الخبراء هو اللاعب الرئيسي.
البرنامج النووي
في دراسة للأكاديمية الكويتية، نورة صالح المجيم، نشرها موقع القبس الكويتي، تتوقع الدراسة مسار العلاقات الخارجية الإيرانية في حالة سيطرة المحافظين، باتجاههم نحو مزيد من التصلب والتصعيد، على الرغم من أن الساسة الإيرانيين يتسمون بالبراجماتية الشديدة، إلا أن الشعور بضعف وتراجع الهيمنة الأمريكية دافع نحو مزيد من التشدد، خصوصا في حال عاد ترامب إلى البيت الأبيض.
وفيما يخص البرنامج النووي الإيراني ترى “المجيم”، أن إيران بعد أن أصبحت على مقربة شديدة من امتلاك القنبلة النووية، وفقا للتقارير الدولية، فإنها لن تقبل بأي شروط تعتبرها “شديدة التعسف” ولن تكون مقبلة على تقديم تنازلات كبيرة للغرب، بل إنها ربما ترفض أي تسوية تماما، خصوصا إذا عاد ترامب للبيت الأبيض حيث سيواصل سياساته المتشددة تجاه إيران، وفقا لما هو متوقع.
وعن التغيير المحتمل في البرنامج النووي الإيراني، بحسب دراسة نشرتها مجلة السياسة الدولية، فإن الملف النووي يرتبط بشدة بالمرشد مباشرة، حتى مع وجود وزير خارجية بحجم حسين عبداللهيان فإنه كان بمثابة “ناقل للرسائل لا مقررا للسياسات” التي تعتبر حصرية في يد المرشد، حيث يحدد ملامح السياسة الداخلية والخارجية.
الحرب وترامب هواجس إيران بعد الانتخابات
تمثل عودة الرئيس الأمريكي السابق، الذي يخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية، كابوسا للنظام الإيراني، بالنظر إلى طبيعة العلاقات بين الطرفين خلال فترة ترامب.
خلال وجوده في البيت الأبيض، أصدر ترامب قرار اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، ورجل إيران القوي في الإقليم، الذي أدار علاقات إيران ونفوذها في الإقليم، في بؤر التوتر الجغرافية التي تنشط فيها الفصائل الموالية لإيران، أو حتى المدعومة إيرانيا، في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين.
كما انسحب ترامب من الاتفاق النووي الذي أبرمته القوى الدولية 5+1 مع إيران عام 2015، ورفعت بسببه العقوبات الدولية عن إيران، قبل أن يعيد ترامب فرضها مرة أخرى، ومحاصرة إيران وفقا لما أطلق عليه وقتها استراتيجية الضغط لأقصى درجة.
في دراسة للباحث محمد عباس ناجي، نشرها مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، رصد 3 محددات رئيسية تدفع إيران إلى متابعة الانتخابات الأمريكية ترقبا لعودة ترامب للحكم مرة أخرى.
تنحصر المحددات الإيرانية الثلاثة، بوجود تفاهمات واشتباكات مع الرئيس الأمريكي الحالي بايدن، بالإضافة إلى وجود “الثأُر القديم” مع ترامب الذي أصدر قرار قتل سليماني، وانسحب من الاتفاق النووي، وأعاد فرض العقوبات على إيران، كما تخشى إيران من أن وصول ترامب للحكم، قد يعزز اتجاهات انخراطها في حرب مباشرة، وهو ما تتجنبه إيران وتخشاه.
خشية وترقب لتصعيد إيراني مع إسرائيل
بحسب نفس الدراسة، فإن خشية إيران من دفعها إلى الحرب، لا يقتصر على كون الولايات المتحدة طرفا في هذه الحرب، بل تخشى إيران الانزلاق إلى حرب مع إسرائيل، التي قد تحفزها عودة ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض على انتهاج الخيار العسكري ضد إيران، في ظل ارتدادات عملية طوفان الأقصى، التي ضربت الإقليم، وربما تتعداه إلى الساحة الدولية.
ما يعزز هذا الاحتمال والتخوف الإيراني هو الرسائل الاستباقية التي أرسلتها إيران، بالتلويح بإنتاج القنبلة النووية، والصواريخ الباليستية التي أطلقتها إيران في ردها على إسرائيل بعد اغتيال قادة إيرانيين في سفارة إيران في سوريا، وهي تعكس فيما تعكس إعلاناً إيرانياً استباقياً للمواجهة التي تخشاها وتترقبها في نفس الوقت.
بحسب دراسة نشرتها الباحثة شروق صابر، في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فإنه “لا يمكن استبعاد أن يتجدد التصعيد العسكري مع إسرائيل مجدداً، خلال المرحلة القادمة، خاصة في ظل السياسة التي تتبناها الأخيرة وتقوم أساساً على إضعاف البنية التحتية لما يسمى بـ”محور المقاومة” الذي تقوده إيران.
وبحسب نفس الدراسة، فإنه في الوقت الذي ما زالت إسرائيل مصرة على المضي قدماً في عملياتها العسكرية ضد حركة حماس في قطاع غزة، فقد بدأت في تصعيد حدة الهجمات التي تشنها داخل لبنان لاستهداف مواقع وقيادات حزب الله على نحو لا يمكن معه استبعاد نشوب الحرب بين الطرفين في المرحلة القادمة.
القضية الفلسطينية خيار استراتيجي للمرشد
في حوار سابق مع زاد إيران، قال الباحث الإيراني محمد محبوبي، إن القضية الأهم أمام الرئيس الجديد هي قضية فلسطين وجرائم الصهاينة، لأن قضية فلسطين في الجمهورية الإسلامية وبين مختلف القوى والأحزاب السياسية، قضية وطنية يتزايد الإجماع عليها.
وبحسب تصريحات محبوبي فإن جميع المرشحين الرئاسيين لديهم وجهة نظر مشتركة بشأن القضية الفلسطينية، وبهذا المعنى لن يكون هناك اختلاف كبير في السياسة الخارجية الإيرانية.
وإضافة إلى القضية الفلسطينية، من المؤكد أن الرئيس المقبل سيولي التفاعل مع روسيا والصين اهتماماً خاصاً، لأن مشاركة إيران في النظام الجديد الذي يتطور في المنطقة هي إحدى السياسات الرئيسية للجمهورية الإسلامية في السنوات الأخيرة، كما سيتم اعتبار دبلوماسية الجوار والتواصل مع دول الجوار بديلاً عن رئيسي.
فيما يتوقع مراقبون أن يستمر الرئيس الإيراني المقبل، في التقارب مع دول الخليج، اتباعاً لاستراتيجية “الأولوية لدول الجوار” لأنه أولاً وآخراً، هذا التقارب هو توجه للسلطة الأعلى في البلاد، وهو المرشد علي خامنئي.
ونجحت الصين في وساطة بين إيران والسعودية لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح السفارات بين البلدين، ويُفسر قبول إيران للوساطة بعدة أسباب على رأسها، التهدئة مع دول الجوار، ومواجهة حمى التطبيع المتصاعد بين دول الخليج وإسرائيل ومجابهة النفوذ الإسرائيلي في الخليج.
والمتتبع لطبيعة وتكوين النظام السياسي الإيراني، يجد أن محددات السياسة الخارجية الإيرانية، يضعها المرشد حصراً. ومن غير المتوقع أن تختلف توجهات إيران، أياً ما كان الفائز في الانتخابات، عن توجهات المرشد، وهو ما يتضح فيما نشرته وكالة أنباء تسنيم “التابعة للحرس الثوري” بأن إيران زودت الحوثيين في اليمن بصاروخ باليستي “قدر” وهو ما وصفته الوكالة بأنه أول صاروخ باليستي إيراني مضاد للسفن، ما يعزز قدرة الحوثيين على استهداف السفن في البحر، بالنظر إلى انغماسها ودعمها لفصائل المقاومة الفلسطينية باستهداف السفن البحرية المتوجهة للأراضي المحتلة ومهاجمتها، وهو أمر يبدو في اتجاه التصعيد والاستمرار ما لم تصل الأمور في غزة إلى تهدئة أو وقف لإطلاق النار.
بزشكيان أو جاليلي… السياسة الخارجية من صلاحيات المرشد
بحسب دراسة نشرها الباحث شريف هريدي، في مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، إنه من غير المُحتمل أن تشهد ملفات إيران الإقليمية والدولية تغييرات (…) وذلك في ظل الصلاحيات الكبيرة للمرشد الإيراني وقيادات الحرس الثوري أصحاب الهيمنة والسيطرة في إدارة الملفات الخارجية.
صحيح أن بعض الرؤساء ووزراء الخارجية في إيران قد أدوا دوراً في محاولة تعديل بعض السياسات الخارجية؛ وهو ما حدث في عهد روحاني وجواد ظريف، إلا أن ذلك لم يتحقق بشكل كبير؛ نتيجة معارضة المرشد ومجلس الشورى (البرلمان)، الذي كان يُسيطر عليه التيار المحافظ، والرافض لسياسات روحاني وظريف.
والجدير بالذكر أن المحافظين يسيطرون بشكل شبه كامل على مجلس الشورى الحالي، الذي أُجريت انتخاباته في مارس 2020.