- ربيع السعدني
- متميز
- 95 Views
تُعدّ الاتفاقية الاستراتيجية الشاملة بين إيران وروسيا، الموقّعة في 17 يناير/كانون الثاني 2025، خطوة تاريخية تعكس طموح البلدين لتعزيز التعاون الثنائي في مجالات متعددة، من الطاقة النووية إلى الرياضة، مرورا بالأمن والاقتصاد والثقافة، تتكون الاتفاقية من ديباجة و47 مادة، وتمتد لمدة 20 عاما، مع إمكانية التجديد التلقائي، مما يجعلها إطارا طويل الأمد لتعميق العلاقات بين طهران وموسكو.
وقد حظيت هذه الاتفاقية بموافقة البرلمان الإيراني بأغلبية ساحقة يوم الأربعاء 21 مايو/أيار 2025، مما يبرز أهميتها الاستراتيجية في مواجهة التحديات الدولية المشتركة، بما في ذلك العقوبات الأحادية والتهديدات الأمنية.
أثناء زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، لروسيا يوم 17 يناير/كانون الثاني 2025 ،تم التوقيع على الاتفاقية من قبل رئيسي البلدين وفقا للمادة 77 من الدستور، “من الضروري أن يصادق البرلمان على جميع المعاهدات والاتفاقيات والعقود والاتفاقيات الدولية”.
وقد وافق البرلمان الإيراني على مشروع قانون الاتفاقية الاستراتيجية الشاملة بين طهران وموسكو وخلال التصويت في البرلمان، من أصل 212 نائبا حضروا، صوّت 191 لصالح الاتفاقية، وصوّت 8 ضدها، وامتنع 3 عن التصويت وما تم طرحه للتصويت في الجلسة هو المناقشة العامة لتقرير لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية حول هذا المشروع.

وبحسب موقع “فرارو“، تم توقيع الاتفاقية الاستراتيجية الشاملة بين إيران وروسيا في 17 يناير/كانون الثاني 2025 وبحجة الموافقة على هذه الاتفاقية في البرلمان، والتي أعدت وزارة الخارجية مشروع القانون لها، سنتناول أحكام هذا العقد.
أساس الاتفاق
وتغطي هذه الاتفاقية التي تعد ثمرة نحو ثلاث سنوات من المفاوضات والتبادلات بين المسؤولين من طهران وموسكو، جميع جوانب التعاون بين البلدين وتولي اهتماما خاصا لثلاثة مجالات رئيسية: التعاون الاقتصادي، والتعاون العلمي والتكنولوجي، والتعاون في مجالات الثقافة والسياحة.
وفي القسم التمهيدي من الاتفاقية، تم ذكر العديد من المعاهدات والاتفاقيات باعتبارها “أساسا قانونيا متينا” للعلاقات الثنائية، كما تتضمن هذه الاتفاقيات المعاهدة المبرمة بين إيران وجمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفيتية عام 1921، واتفاقية التجارة والملاحة بين إيران والاتحاد السوفيتي عام 1940، والمعاهدة على أساس العلاقات المتبادلة ومبادئ التعاون بين إيران والاتحاد الروسي عام 2000، وتشير هذا المقدمة أيضا إلى الإعلان بين إيران والاتحاد الروسي بشأن تعزيز القانون الدولي لعام (2020) وتعود الوثائق المذكورة إلى نظامي القاجاري والبهلوي، وخلال حكومتي محمد خاتمي وحسن روحاني في إيران، وقد تم العمل على تنفيذ هذه الاتفاقية بكل جدية خلال الحكومة الثالثة عشرة (حكومة إبراهيم رئيسي) وحققت نجاحها.
عدم الالتزام بالدفاع
المادة 3 من هذه الاتفاقية تحتوي على أربعة أقسام، وينص الجزء الأول على أن “الأطراف المتعاقدة ستعزز علاقاتها على أساس مبادئ المساواة في السيادة والسلامة الإقليمية والاستقلال وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضها البعض واحترام السيادة والتعاون والثقة المتبادلة”.
ومن الطبيعي أن يظهر هذا الجزء من المقال في دعم روسيا أو عدم دعمها لمطالبة دولة الإمارات بالجزر الإيرانية الثلاث “أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى” الواقعة في الخليج العربي، والتي تتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة نظرا لقربها من مضيق هرمز.
كما تنص المادة 3 على أنه “إذا تعرض أي من الطرفين المتعاقدين للعدوان، فإن الطرف المتعاقد الآخر لا يقدم للمعتدي أي مساعدة عسكرية أو غيرها من المساعدات التي من شأنها أن تساهم في استمرار العدوان، ويساعد في ضمان تسوية أي نزاعات تنشأ وفقا لميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي الأخرى المعمول بها”.
ونقرأ أيضا في القسم الرابع من الاتفاقية: “لا يجوز للأطراف المتعاقدة أن تسمح باستخدام أراضيها لدعم الحركات الانفصالية وغيرها من الأعمال التي تهدد استقرار وسلامة أراضي الطرف المتعاقد الآخر، فضلا عن دعم الأعمال العدائية ضد بعضها البعض ولا يلتزم الجانبان بالدفاع عن بعضهما البعض أثناء الصراعات العسكرية، ويمتنعان ببساطة عن مساعدة الجانب المعارض، ويعد تنسيق المواقف والمشاورات المنتظمة والموسعة بشأن الشؤون الدولية والمنظمات الدولية، وخاصة بشأن القضايا التي تمس مصالح الطرفين، أحد البنود الأكثر تكرارا في مختلف مواد هذه الاتفاقية.
مركزية التعاون العسكري والأمني
وتتعلق عدة مواد في هذه الاتفاقية الشاملة بالتعاون العسكري والأمني الثنائي، فضلا عن التعاون الاستخباراتي الثنائي والدولي، وبموجب المادة الخامسة من هذه الاتفاقية الاستراتيجية سيتم إبرام اتفاقيات للتعاون العسكري بين الجانبين.
كما سيتم توسيع التعاون العسكري والفني بموجب المادة 6 وستستمر المشاورات والتعاون في إطار الآليات الدولية لمكافحة الإرهاب الدولي، والجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية (موضوع اتفاقية باليرمو)، وغسيل الأموال، وتمويل الإرهاب، وغيرها.
المادة 11 تتناول التعاون في مجال أمن المعلومات بين الجانبين، أساس هذه المادة هو الاتفاقية بين حكومتي إيران والاتحاد الروسي بشأن التعاون في مجال أمن المعلومات المؤرخة في 27 يناير/ كانون الثاني 2021 تنص المادة الرابعة منها على: “تدعم الأطراف المتعاقدة تدويل إدارة شبكة المعلومات والاتصالات على الإنترنت والحقوق المتساوية للحكومات في إدارتها، وتعتبر أي محاولة لتقييد الحق السيادي في تنظيم وضمان أمن الأجزاء الوطنية من الشبكة العالمية غير مقبولة، وتعرب عن اهتمامها بالمشاركة الأكثر نشاطا في الاتحاد الدولي للاتصالات في حل هذه القضايا”.
التعاون من أجل السلام

المادة الثانية عشرة من الاتفاقية تتعلق بالتعاون في مجال السلام والأمن في منطقة بحر قزوين وآسيا الوسطى ومنطقة القوقاز والشرق الأوسط. وتتناول هذه المادة أيضا استخدام الإمكانات الاقتصادية لبحر قزوين، “مع ضمان السلامة البيئية وحماية التنوع البيولوجي والحفاظ على الموارد البيولوجية المائية لبحر قزوين والبيئة البحرية لبحر قزوين واستخدامها بشكل عقلاني، بما في ذلك في إطار أنشطة المشاريع المشتركة، والتعاون، فضلا عن اتخاذ التدابير لمكافحة تلوث بحر قزوين”.
مواجهة العقوبات والتعاون الاقتصادي
وتنص المادة 19 أيضا من الاتفاقية الاستراتيجية الشاملة على ما يلي: “تعارض الأطراف المتعاقدة استخدام التدابير القسرية الأحادية الجانب، بما في ذلك التدابير ذات الطبيعة الخارجة عن الإقليم، وتعتبر فرضها عملا غير ودي وغير مشروع دوليا وسوف تقوم الأطراف المتعاقدة بتنسيق الجهود ودعم المبادرات المتعددة الأطراف الرامية إلى القضاء على مثل هذه التدابير في العلاقات الدولية، وفقا، من بين أمور أخرى، لإعلان البلدين بشأن سبل ووسائل مواجهة الآثار السلبية للتدابير القسرية الأحادية الجانب وتقليصها وتعويضها المؤرخ 5 ديسمبر/كانون الأول 2023”.
كما يجب اعتبار المادة 20 بمثابة مكملة للمادة السابقة، تتضمن هذه المادة تفاصيل اقتصادية أكثر مثل “إنشاء بنية تحتية جديدة للدفع مستقلة عن البلدان الثالثة، والانتقال إلى المدفوعات الثنائية بالعملات الوطنية، وتعزيز التعاون المباشر بين البنوك، وترويج المنتجات المالية الوطنية”، والتعاون من أجل “تطوير التجارة وتشجيع الاستثمارات في المناطق الاقتصادية الخاصة/الحرة للأطراف المتعاقدة”، و”تطوير التعاون ذي المنفعة المتبادلة في صناعات تعدين الذهب، ومعالجة الذهب، والماس والمجوهرات”، ويتناول هذا التقرير قضايا اقتصادية أخرى مثل النقل، والنفط والغاز، وأمن الطاقة، والزراعة، ومصايد الأسماك، والطب البيطري، وتسهيل التعاون الجمركي، وسياسة مكافحة الاحتكار، والمعايير وشهادات الجودة.
التعاون النووي

المادة 23 من هذه الاتفاقية تتعلق بالتعاون النووي بين إيران وروسيا: “تتعهد الأطراف المتعاقدة بتطوير وتوسيع العلاقات طويلة الأمد والمفيدة للطرفين من أجل تنفيذ مشاريع مشتركة في مجال الاستخدام السلمي للطاقة الذرية، بما في ذلك بناء منشآت الطاقة النووية”.
التعاون العلمي والثقافي والاجتماعي
ويتعلق جزء آخر من الاتفاق بالتعاون في هذه المجالات، خاصة في نص المادة 28 المخصصة لمجال الرعاية الصحية والعلوم والتعليم الطبي والمادة 29 التي تتعلق “بالتعاون في ضمان الصحة والسلامة الوبائية للسكان، وفقا للقوانين الوطنية والسياسات الحكومية في مجال الوقاية من الأمراض المعدية ومكافحتها، وكذلك المعاهدات الدولية التي هي أطراف فيها”.
وتتضمن المادة 30 المخصصة لمجال التعليم العالي تعليم اللغتين الروسية والفارسية، كما تشير المادة 31 إلى “استكشاف الفضاء الخارجي واستخدامه للأغراض السلمية”، بينما المادة 32 تتعلق “بالعلاقات بين وسائل الإعلام وكذلك في مجالات مثل الطباعة والنشر، وتعزيز الأدب الفارسي والروسي، وتوسيع العلاقات الاجتماعية والثقافية والعلمية والاقتصادية من خلال تشجيع التعارف والتواصل المتبادل بين شعبي البلدين”.
وتشير المادة 33 إلى التعاون المشترك في مجال مكافحة الأخبار الكاذبة وكذلك زيادة الوعي العام. وتتعلق المادة 34 بالتعاون الثقافي والفني وتؤكد على توفير الظروف الملائمة لأنشطة المراكز الثقافية في البلدين، وتتعلق المادة 35 بالتعاون الواسع بين القطاعين العام والخاص في “مجالات تعزيز التراث الثقافي والسياحة والفنون والحرف اليدوية”، ويشكل التعاون في منع الكوارث الطبيعية والاستجابة لها وحماية البيئة وإدارة الموارد المائية موضوع المواد من 38 إلى 40 بالاتفاقية”.
الشباب والرياضة

وتتعلق المادتان 36 و37 بمجال الرياضة والشباب على مختلف المستويات، حيث تنص المادة 36 على ما يلي: “تشجع الأطراف المتعاقدة التبادلات الثنائية بين الشباب، وتسهل الاتصالات المباشرة بين الجمعيات الإبداعية والرياضية والاجتماعية والسياسية وغيرها من الجمعيات الشبابية، وتشجع عقد اجتماعات ومؤتمرات ومشاورات موضوعية مشتركة حول قضايا الشباب”، وتشير المادة 37 أيضا إلى “تعزيز التعاون في مجال اللياقة البدنية والثقافة الرياضية من خلال تبادل المدربين وغيرهم من المتخصصين في مجال التربية البدنية والرياضة، فضلا عن التواصل المباشر بين المنظمات الرياضية”.
20 عاما من التعاون
وتحتاج وثيقة التعاون هذه إلى موافقة برلماني البلدين، وهو ما حدث بالفعل. وبحسب المادة 45، فإن هذا القرار سيكون ساري المفعول لمدة عشرين سنة و30 يوما من تاريخ الإعلان عن إتمام الإجراءات القانونية، وبعد مرور 20 عاما، يتم تجديد هذه المدة تلقائيا لمدة 20 عاما.