بعد زيارة بزشكيان له.. مقر خاتم الأنبياء : الدور والنشأة

كتب: محمد بركات 

زار مسعود بزشكيان، الرئيس الإيراني، السبت 8 سبتمبر/أيلول 2024، عدداً من المنشآت التابعة للجيش والحرس الثوري، وكان من بين تلك المنشآت مقر خاتم الأنبياء للإعمار التابع للحرس الثوري والذي يرأسه العميد عبد الرضا عابد، حيث قام بزيارة تفقدية لأنشطة المقر المتعلقة بمجالات البحث، والصناعة، والتعدين، والطرق، والسكك الحديدية والمترو، والبناء والإسكان، والمياه والطاقة، وغيرها من الأنشطة التي ينخرط فيها المركز، كذلك اطلع من خلال شروحات الخبراء والمسؤولين في مختلف الأقسام، على تفاصيل المشاريع والإجراءات الجاري تنفيذها.  وقد أثارت تلك الزيارة العديد من التساؤلات حول ماهية مقر خاتم الأنبياء للإعمار وعدد المشاريع التي يتولى تنفيذها.

فوفقاً لتقرير نشرته وكالة “إيسنا”، يعتبر هذا المركز من الوحدات التابعة للحرس الثوري، ويعين قائده من قبل القائد العام للحرس الثوري. وفي قسم “من نحن” على موقع مقر خاتم، يشار إلى سنة تأسيسه في عام 1989، ويُذكر: “شعر الحرس برسالة وواجب آخر على عاتقه، وبناءً على المادة 147 من الدستور، ووفقاً لأوامر القائد الأعلى بالمشاركة في إعادة إعمار البلاد، خصص الحرس جزءاً من موارده وقدراته الإنشائية لدخول مجال البناء في الوطن تحت اسم مقر البناء خاتم الأنبياء (ص).

وتنص المادة 147 من الدستور والتي استند عليها إنشاء المقر، على أنه “يجب على الدولة في أوقات السلم أن تستفيد من الأفراد والمعدات الفنية للجيش في أعمال الإغاثة، والتعليم، والإنتاج، والإنشاء، مع مراعاة مبادئ العدالة، وبحيث لا يلحق أي ضرر بالجاهزية القتالية”. ويقوم هذا المقر، وفقاً للفقرة 2 من المادة 5 من قانون الخدمة العسكرية العامة، بتجنيد المشمولين من أفراد التعبئة العامة (الباسيج) الحاصلين على شهادة البكالوريوس فما فوق لأداء الخدمة العسكرية في المشاريع والورشات، وذلك في كل دورة تجنيد، ووفقاً للوائح الحرس الثوري، وفي القائمة المقدمة من المقر، يوجد 15 تخصصاً دراسياً.

انخراط المقر في النشاط الاقتصادي:

حدث أول أنشطة هذا المقر في فترة رئاسة أكبر هاشمي رفسنجاني، حيث صرّح علي سعيدي، ممثل خامنئي بالحرس الثوري، في 4 فبراير/شباط 2011 لوكالة أنباء مهر الإيرانية، قائلاً: “بعد الحرب، كانت البلاد بحاجة ماسة إلى إعادة الإعمار والبناء وترميم البنية التحتية، فطلب رئيس الحكومة حينذاك (آية الله هاشمي رفسنجاني) من قائد الثورة أن يساهم جزء من طاقات الحرس الثوري في مساعدة الحكومة، وقد وافق على ذلك، ودخل الحرس الثوري في المجالات الاقتصادية أو بالأحرى في مجال البناء”.

كما قال محسن رضائي، القائد السابق للحرس الثوري: “بعد انتهاء الحرب، طلب الرئيس حينذاك من الحرس الثوري نقل أنشطته العسكرية إلى مجال البناء”. ويضيف: “مقر خاتم الأنبياء هو نتاج التجارب التي اكتسبناها خلال فترة الحرب مع العراق، ونحن على استعداد، بناءً على المعايير المهمة المطلوبة في بناء البلاد، لدخول الميدان في أي مكان يحتاج إلى المساعدة في إعادة الإعمار والتنمية”.

ولا تقتصر أنشطة مقر خاتم الأنبياء على إيران فحسب، إذ صرح العميد محمد رضا يزدي، نائب الشؤون القانونية والبرلمانية بالحرس الثوري، في عام 2011 لموقع خبر أونلاين الإيراني، قائلاً: “إن المقر يقوم بتوقيع عقود في الدول التي يُحددها بناءً على قدراته”. وعلى الرغم من أنه لم يذكر أسماء هذه الدول، فإنه أضاف: “بالطبع، لم تكن هذه العقود بمنظور الربح والاستغلال، بل بهدف تقديم المساعدة للدول المحتاجة، وتقديم إمكانيات إيران للعالم في إطار المشاركة في المنافسة الدولية؛ لذلك تم إبرام عقود وتنفيذ مشاريع”. ووفقاً لما قاله يزدي فإن العديد من هذه الدول لم تتمكن حتى الآن من الوفاء بالتزاماتها، وما زالت مدينة للحكومة ومقر خاتم، بينما قام المقر بتنفيذ جزء كبير من التزاماته في الدول المعنية.

ووفقاً لما هو مذكور على موقع مقر خاتم الأنبياء الرسمي، فإن أنشطة المركز تنقسم إلى ثلاثو مجالات رئيسية وهي: النفط، الغاز والبتروكيماويات، زالتعمير والصناعة، ومكافحة الفقر، فكل من هذه المجالات الثلاثة يحتوي على عدة فروع أخرى. ففي مجموعة النفط، الغاز والبتروكيماويات، ذكروا أنهم يشاركون في أنشطة مثل تطوير الحقول، الصناعات التكريرية، خزانات تخزين النفط والغاز، وخطوط نقل النفط والغاز.  وفي مجال التعمير والصناعة لديهم القدرة على العمل في مجالات مثل البناء والهياكل الخاصة، والموانئ والهياكل البحرية، والأنفاق والهياكل تحت الأرض، والطرق والسكك الحديدية، والسدود والحواجز، وخطوط نقل المياه، والصناعة، والتعدين والصناعات المعدنية، والقنوات وشبكات الري والصرف. وتُعتبر مكافحة الفقر جزءاً آخر من أنشطة هذا المقر، الذي يعمل في مجالات التعمير، والثقافة والاجتماع، والزراعة. 

الشكوك داخل المجتمع الإيراني من تزايد سطوة خاتم الأنبياء:

في 14 أكتوبر/تشرين الإيراني 2014، نشر موقع “ألف” المدار من قبل أحمد توكلي، مقالة على هامش التقرير الاقتصادي لمقر خاتم الأنبياء،  تناول فيها الأداء الاقتصادي لهذا المقر. وجاء في جزء من المقالة التي واجهت رد فعل من منظمة حماية المعلومات في الحرس الثوري: “في الأصل، لا يمكن للقطاع الخاص أن يتفوق على مقر خاتم، والسبب في ذلك هو أن هذه المنافسة لم تبدأ من نقطة متساوية. فالمقر يستفيد من تكدس الإمكانيات اللوجستية المتراكمة في الحرس (بسبب ظروف الحرب) ويسير بسرعة أكبر، وكلما مضى الوقت، يتزايد الفارق مع القطاع الخاص.

إضافة إلى ذلك، يتمتع مقر خاتم بامتيازات خاصة مثل الإعفاء الضريبي الذي يسهل أنشطته الاقتصادية. فضلاً عن نفوذ المقر في الأجهزة الحكومية والمقر الاقتصادي للدولة، مما يؤدي إلى إزالة العوائق القانونية أو توجيه المشاريع. وربما الأهم من ذلك أن مقر خاتم، بخلاف غيره من الفاعلين الاقتصاديين، لا يعاني من مضايقات الأجهزة الرقابية، فوفقاً للقانون لا يسمح لديوان المحاسبة ومنظمة الرقابة العامة وغيرها من الأجهزة الرقابية،  من ضمنها منظمة استخبارات الحرس الثوري، والدخول والتفتيش في أنشطة المقر! الجهة الوحيدة المخول لها الإشراف على مقر خاتم هي منظمة حماية الحرس، والتي حتى لو أرادت، فهي ليست مهيأة أساساً للإشراف في المجال الاقتصادي ولا يمكنها إجراء محاسبة أو تتبع مالي لأنشطة المقر! في مثل هذه البيئة، ليس من المستبعد حدوث فساد”.

ورداً على ما جاء في المقال، أصدرت منظمة حماية المعلومات في الحرس الثوري بياناً موقعاً من رئيس المنظمة موجهاً إلى توكلي، وجاء في هذا  البيان: “ننوه لجمهورنا الكريم أن ما نشر في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2014 في نهاية الفقرة 2، المشار إليها سابقاً، من الصفحة الاقتصادية تحت عنوان (على هامش التقرير الاقتصادي لمقر خاتم الأنبياء “ص”) هو كلام غير مهني ويعكس نقصاً في فهم كاتب المقالة لمواضيع الحماية الداخلية للحرس الثوري، لأنه أولاً: حماية المعلومات في الحرس الثوري ليست الجهة الوحيدة المخول لها الإشراف على أنشطة المقر، حيث إن الحرس الثوري لديه العديد من الهيئات الرقابية، من ضمنها ممثلية القائد، ومنظمة حماية المعلومات، والتفتيش، والشؤون القانونية وغيرها.

وثانياً: ذكر الجملة (حتى لو أرادت، لا يمكنها) يؤدي إلى إضعاف حماية المعلومات ويضعف الإرادة والقدرة لهذه المنظمة في التعامل مع الجرائم والمخالفات، مع العلم أن “ساحفاسا” (منظمة حماية الحرس) بأدواتها وأساليبها المختلفة، قد أتمت المهام.

كلمات مفتاحية: