ثلاثة مسارات أمام السياسة الخارجية لحكومة بزشكيان.. ما هي؟

 ترجمة: دنيا ياسر نورالدين 

نشرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا“، السبت 5 أبريل/نيسان 2025، تقريرا تحليليا تناول الاتجاهات المحتملة لتغيير السياسة الخارجية الإيرانية في عهد حكومة مسعود بزشكيان. 

واستند التقرير إلى دراسة أجرتها الباحثة إلهام رسولي ثاني آبادي بعنوان: “دراسة مسارات التغيير في السياسة الخارجية لإيران  في الحكومة الرابعة عشرة استنادا إلى نموذج تركيبي للتغيير في السياسة الخارجية”، والتي نُشرت في خريف عام 2024 في مجلة “التحولات السياسية والدولية” الإيرانية. 

وقدمت الدراسة نموذجا يوضح مسارات التغيير المحتملة في السياسة الخارجية للحكومة الجديدة، مع التركيز على العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة في تلك السياسات.

مسارات جديدة

أكدت الوكالة أن حكومة بزشكيان لديها مسارات جديدة للتعامل الجيد مع العالم، وهي مسارات لم يتم استغلالها بالشكل الأمثل في السنوات الماضية، على الرغم من إمكاناتها الكبيرة في خفض التوتر وتحقيق المصالح الوطنية للبلاد.

وأعربت عن أن وصول حكومة بزشكیان إلى السلطة رافقته آمال بتغيير المسار، وتنويع وتوازن أكبر في توجهات السياسة الخارجية لإيران، مضيفةً أن فكرة خفض التوتر والاستفادة من الدبلوماسية للتعامل مع العالم، خاصةً الغرب، زادت من الآمال بفكّ قيود العقوبات الممتدة منذ سنوات طويلة عن الاقتصاد، وتحسين ظروف العيش بكرامة.

تابعت أن النقاش يدور حاليا حول ما ستكون عليه أهم مسارات التغيير في السياسة الخارجية الإيرانية خلال السنوات المقبلة.

وفي هذا الإطار، أردفت الوكالة أن مفهوم “الانتهازية” يمكن اعتباره من المفاهيم الجديدة في خطاب السياسة الخارجية لحكومة بزشكيان، وهو مفهوم لم يُطرح كثيرا في السياسة الخارجية الإيرانية في السابق.

أشارت إلى أن الدراسة تناولت احتمالات التغيير والاستمرار في السياسة الخارجية لحكومة بزشكيان، استنادا إلى ثلاثة مسارات رئيسية للتغيير في السياسة الخارجية، وهي إدخال مدخلات بديلة جديدة من مصادر داخلية أو دولية، وإدخال مدخلات موجودة مسبقا إلى جهاز اتخاذ القرار في السياسة الخارجية، والتغيير “الروائي الداخلي” من قبل صانعي القرار في السياسة الخارجية.

التغييرات المحتملة في السياسة الخارجية للحكومة 

على سبيل المثال، أشارت الوكالة إلى أن خيار التفاوض مع الغرب الذي كان يُتابع سابقا من قبل رؤساء الجمهورية مثل خاتمي وروحاني، يمكن اعتباره أحد هذه الخيارات التي يمكن التركيز عليها في هذا المسار.

كما ذكرت أن بزشكيان أشار إلى أن “التعاون من أجل التنمية والازدهار الإقليمي سيكون المبدأ التوجيهي لسياسة بلادنا الخارجية”، وأضافت أن أحد الخيارات الأخرى التي جرى اتباعها بشكل جاد في سياسات الحكومة هو تأكيد التعاون والترابط مع الصين وروسيا.

كما أشارت الوكالة إلى أن بزشكيان أضاف أن مواجهة “إيرانوفوبيا” و”إسلاموفوبيا” من خلال بناء المعايير هو أحد الخيارات الأخرى السابقة في السياسة الخارجية الإيرانية التي أشار إليها في مقاله.

شدد بزشكيان على استعداد حكومته للمشاركة في الحوارات البناءة مع الدول الأوروبية على أساس بناء علاقات قائمة على الاحترام المتبادل والمساواة في مختلف المجالات، وأضاف أن هذا التفاوض قد يكون حول القضايا المعلقة بين إيران وهذه الدول أو مسائل وميادين أخرى. وذكر أن التفاوض مع الولايات المتحدة مشروط بتغيير سلوكها وسياساتها.

وأوضح أنّ هذين البلدين في اشارة إلى الصين وروسيا، هما حليفان استراتيجيان وقيمان لإيران، وأكّد ضرورة تعزيز التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف مع هذين البلدين في إطار المنظمات والاتفاقيات الإقليمية. كما أضافت الوكالة أنّ استمرار العلاقات وإنشاء علاقات قوية مع الدول الناشئة مثل دول أفريقيا وأمريكا اللاتينية هي أيضا من الخيارات السابقة التي تُركز عليها حكومة بزشكيان.

تحليل التغييرات المحتملة في السياسة الخارجية للحكومة 

أكدت الوكالة ضرورة التزام الرئيس بالمبادئ الدستورية ودوره الوطني المحدد فيه، واستحالة تغيير السرد العام لإيران أو تغيير الدور الوطني للأمة.

وذكرت أن السياسة الخارجية لإيران، وفقا للمادة 152 من الدستور، تقوم على رفض أي نوع من التسلط أو الهيمنة، مع الحفاظ على الاستقلال الكامل وسلامة الأراضي والدفاع عن حقوق جميع المسلمين، وعدم الالتزام بالقوى الاستعمارية، وإقامة علاقات سلمية متبادلة مع الدول غير المحاربة.

وأشارت إلى أن إيران، وفقا للمادة 154 من الدستور، تدعم النضال العادل للمستضعفين ضد المستكبرين في أي مكان في العالم، مع الامتناع التام عن التدخل في شؤون الدول الأخرى.

تغير السياسات

 كما ذكرت أن “بعض سياساتنا تجاه العالم الخارجي قد تتغير، ففي السرد البيوغرافي نعرض أنفسنا كدولة طيبة أو دولة متحضرة وسلمية، ومن خلال هذا السرد يُحدد ما الذي تسعى إليه الدولة كفاعل رئيسي في السياسة الخارجية، وما الذي يجب أن تثبت عليه، وما هو دورها في الساحة الدولية”.

وأضافت أنه بناء على المبادئ الأساسية التي تشكل السرد في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، صرّح بزشكيان في مقاله بأن الأسس التي تعتمد عليها السياسة الخارجية لحكومته هي مبادئ مثل “العزة، والحكمة، والمصلحة” مع تأكيد الحفاظ على عزة وكرامة إيران على الساحة الدولية.

وتابعت أنه بناء على هذه المبادئ، فإنّ التغيير من خلال هذا المسار يمكن أن يكون ممكنا فقط من خلال “التغيير الداخلي في السرد” و”التغيير في كيفية أداء وتنفيذ الدور الوطني” بطرق جديدة. وبمعنى آخر، بجانب الحفاظ على السرد العام للنظام، يمكن لصانعي القرار الجدد تفعيل رسائل خاصة داخل هذا السرد العام لتبرير التغيير في السياسة، وتعطيل العناصر التي لا تتماشى مع تغيير السياسة.

وأشارت إلى أنّه في هذا السياق، يمكن لصانعي القرار الجدد في حكومة بزشكيان تفعيل رسائل محددة داخل السرد العام للنظام وتعطيل عناصر أخرى عمدًا، لإعادة تعريف التهديدات الأمنية وكيفية التعامل معها، وبالتالي تمكين بعض السياسات لمواجهة هذه التهديدات بشكل مشروع ومقبول.

المدخلات البديلة الجديدة

أولا: المدخلات الجديدة من المصادر الداخلية

أشارت الوكالة إلى أن مجيء أفراد ونخب جديدة إلى مواقع صنع القرار يُعدّ من أهم المدخلات الجديدة التي من شأنها أن تمهد الطريق للتغيير في السياسة الخارجية لحكومة بزشكيان 

وذكرت أنه على هذا الأساس يمكن توقع حدوث تغييرات في السياسة الخارجية الإيرانية نتيجة لاختلاف التصورات ووجهات النظر بين الرئيس ووزير الخارجية وأعضاء فريق التفاوض أو أمين المجلس الأعلى للأمن القومي.

وأضافت أن بزشكيان في مقاله الذي كتبه باللغة الإنجليزية في صحيفة طهران تايمز تحت عنوان “رسالتي إلى العالم الجديد”، قد حدد الخطوط العريضة لبرنامج حكومته ووجهتها تحت شعار “الإصلاح وتعزيز الوحدة الوطنية والتعامل البناء مع العالم”، مشيرة إلى أن كتابة المقال باللغة الإنجليزية بحد ذاته قد يفهم على أنه تجسيد لفكرة “التعامل مع العالم بلغته الأصلية”.

كما تابعت أن مفهوم “الانتهازية” يُعد أحد المفاهيم الجديدة في خطاب السياسة الخارجية لحكومة بزشكيان، وهو مفهوم نادرا ما طُرح في السياسة الخارجية الإيرانية سابقاً، وأوضحت أن بزشكيان أكد في مقاله أن حكومته تعتزم انتهاج سياسة تقوم على “الانتهازية” من خلال إحداث توازن في العلاقات مع جميع الدول بما يتوافق مع المصالح الوطنية والتنمية الاقتصادية ومتطلبات السلام والأمن في المنطقة والعالم.

ثانيا: المدخلات البديلة الجديدة من المصادر الدولية

أوضحت الوكالة أن هذا المسار يتضمن المتغير الأول وهو الصدمات والأزمات الخارجية التي تحدث على المستويين الدولي أو الإقليمي، والتي تدخل في منظومة اتخاذ القرار في البلاد كمدخلات جديدة، وقد تؤدي إلى تغييرات في السياسة الخارجية.

وأشارت إلى أنه على المستوى الإقليمي، يمكن الإشارة إلى أمور مثل: نشوب حرب في الشرق الأوسط، والنزاعات بين إسرائيل وفلسطين والمقاومة، وتغيّر مواقع قوى المقاومة، وتقلب أسعار النفط، وحدوث ثورة أو تغيير في النظام السياسي لأي من دول المنطقة، وبروز حركات وجهات فاعلة غير دولية ذات طابع إرهابي، ودخول روسيا في حرب إقليمية جديدة، أو تورّط الصين في صراعات داخل المنطقة، حيث اعتبرت أن كل حالة من هذه الحالات قد تؤثر في السياسة الخارجية الإيرانية.

ذكرت الوكالة أنَّه على المستوى الدولي، هناك متغيرات متعددة من شأنها أن تؤدي إلى تغييرات في السياسة الخارجية الإيرانية خلال حكومة رئيسي، مثل تغيّر هيكلية النظام الدولي، وتغيّر الإدارة الأمريكية وسياساتها تجاه إيران، وتغير في القواعد البيئية أو المؤسسية للنظام الدولي، أو إندلاع أزمات عالمية (اقتصادية، سياسية، بيئية…).

وأضافت  أنَّ “نوافذ الفرص” تُعدّ أيضا من ضمن المدخلات في هذا المسار، وأنَّ الإطار المعرفي لصانعي القرار في السياسة الخارجية يُعدّ متغيرا تدخليا، إذ ينبغي عليهم إدراك التغيّرات في البنية الخارجية، سواء على الصعيد الدولي أو الداخلي، والتفاعل معها بما يناسبها.

وأشارت إلى أنه في ما يتعلّق بتغيير السياسة الخارجية من خلال الروايات، فإنَّ صناع القرار يقومون من خلال التلاعب بعناصر معينة من الرواية الأصلية (بالحذف أو الإبراز) بتحديد ما الذي ينبغي تغييره ولماذا يجب تغييره.

ترحيب أوروبي

أشارت  إلى أن الترحيب الأوروبي والأمريكي بالتفاوض مع إيران، أو النزاعات المحتملة بين الولايات المتحدة والصين أو روسيا أو القوى الأوروبية، أو النزاعات بين الدول العربية في المنطقة، وكذلك تراجع النفوذ الأميركي مقارنة بالصين، كلها عوامل يمكن اعتبارها “نوافذ فرص” لإحداث تغيير في سياسة الحكومة بزشكيان الخارجية.

وأضافت أن الضغوط البيئية، التي يمكن أن تأتي في إطار “سياسة العصا والجزرة”، تعد أيضا عاملا آخر قد يؤدي إلى تغيير في سياسة الحكومة بزشكيان الخارجية، على سبيل المثال، الانتقال من سياسة الرفض المطلق إلى سياسة التفاعل النسبي مع الغرب.

وفي هذا السياق، أكدت أن رئيس الجمهورية في مقاله، أشار إلى مجالات النزاع مع الولايات المتحدة كضغوط بيئية، ودعا إلى اعتماد سياسة جديدة من قبل الولايات المتحدة تجاه إيران.

يمكن تحديد ملامح السياسة الخارجية الإيرانية في عهد رئاسة  پزشکیان من خلال ثلاثة مسارات رئيسية، حيث يتضمن كل مسار مجموعة من المتغيرات المادية والمعنوية التي تؤثر على الصعيدين الداخلي والخارجي، والتي بدورها تحدد مسارات التغيير في السياسة الخارجية.

وفي الختام، أكدت نقطتين مهمتين يجب أخذهما في الاعتبار عند تحليل التغييرات المحتملة في السياسة الخارجية لحكومة بزشكيان واستمراريتها. أولا، ضرورة الأخذ في الاعتبار المسارات الثلاثة المذكورة آنفا في وقت واحد. 

ثانيا، أن كل مسار من هذه المسارات سيؤدي إلى نتائج جديدة في السياسة الخارجية الإيرانية، والتي قد تشمل تغييرات في الأهداف أو الأدوات أو كليهما، وقد تشمل أيضا نطاقات معينة أو جميع مجالات السياسة الخارجية، مع انقطاع واضح عن السلوك السابق أو تغييرات طفيفة.

وقد تكون هذه التغييرات إما تغييرات طبيعية وتدريجية وهادئة، مرتبطة بمجالات معينة من السياسة الخارجية، وإما تغييرات جذرية وسريعة، مرتبطة بجوانب واسعة من السياسة الخارجية وتنطوي على تكاليف أكبر.