جولة تفاوضية جديدة تلوح في الأفق… وطهران تشدد على خطوطها الحمراء

ترجمة: شروق حسن

في تقرير لها سلّطت صحيفة شرق الإيرانية يوم الثلاثاء 20 مايو/آيار 2025 الضوء على تصاعد التوتر قبيل الجولة الخامسة من المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن.

كتبت الصحيفة الإيرانية “شرق” أن إيران، مرة أخرى، وبالاعتماد على الدبلوماسية الذكية وسياستها الخارجية المستقلة، رسّخت مكانتها كفاعل مسؤول وقوي في المفاوضات غير المباشرة مع الولايات المتحدة وعلى الساحة الإقليمية.

وأضافت أن تصريحات  ستيف ويتكوف الأخيرة، المبعوث الخاص للبيت الأبيض، حول الجولة الخامسة من المفاوضات في أوروبا وتشديده على الوقف الكامل لتخصيب إيران، تمثّل محاولة واضحة لممارسة ضغط نفسي على طهران قبيل محادثات حساسة.

وتابعت أن الردود الحاسمة من عباس عراقجي، مجيد تخت روانجي، نائب وزير الخارجية الإيراني لشؤون السياسية، وإسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية، إلى جانب الزيارة المرتقبة لمسعود بزشكيان إلى عُمان، تُظهر إصرار إيران على الدفاع عن حقوقها النووية وتعزيز علاقاتها مع الجيران.

الضغط النفسي

أفادت صحيفة “شرق” الإيرانية أن الضغوط النفسية التي تمارسها الولايات المتحدة تتصاعد عشية انطلاق جولة جديدة من المفاوضات. وأشارت إلى أن تصريحات ستيف ويتكوف، خلال مقابلة مع شبكة “ABC News”، والتي دعا فيها إلى وقف كامل لتخصيب اليورانيوم كشرط مسبق لاستئناف الحوار، تعكس استمرار نهج الضغوط القصوى الذي اتبعته إدارة ترامب.

وأضافت الصحيفة أن وكالة “إيرنا” نقلت عن ويتكوف زعمه بأن الرئيس السابق دونالد ترامب وجه رسالة إلى المرشد الأعلى في إيران، وأن مفاوضات غير مباشرة تُجرى حاليًا في سلطنة عُمان، مدعيًا أن واشنطن أرسلت الإشارات اللازمة لحل الملف النووي دبلوماسيًا. كما كشف ويتكوف أن الجولة الخامسة من المفاوضات ستُعقد الأسبوع المقبل في إحدى الدول الأوروبية، معربًا عن أمله في تحقيق نتائج إيجابية.

ورأت الصحيفة أن هذه التصريحات تأتي في وقت تؤكد فيه تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وحتى بعض أجهزة الاستخبارات الغربية، على الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني. وأضافت أن إصرار ويتكوف على التخصيب بنسبة صفر بالمئة لا يتعارض فقط مع المادة الرابعة من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، التي تضمن للدول الأعضاء حق التخصيب، بل يمثل أيضًا محاولة لفرض شروط غير واقعية على طهران.

واعتبرت “شرق” أن هذا الخطاب، المتناقض في مضمونه مع المواقف الأمريكية المتعددة، يعكس انعدام الانسجام داخل الفريق التفاوضي في البيت الأبيض، ومسعى لزيادة الضغوط عشية استئناف المحادثات.

البرنامج النووي

وذكرت الصحيفة أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي رد على هذه التصريحات يوم الأحد، 18 مايو/أيار 2025، خلال اجتماع “منتدى طهران”، مؤكدًا أن أنشطة التخصيب مستمرة في إيران، وأن التصريحات الأمريكية «بعيدة عن الواقع التفاوضي». وأشار عراقجي إلى أن طهران مستعدة لتقديم الضمانات المطلوبة بشأن سلمية برنامجها النووي، شريطة احترام حقوقها المشروعة، معتبرًا أن هذا الموقف الدبلوماسي الصبور أفشل محاولات واشنطن لفرض مطالب غير منطقية، ومهّد لبيئة تفاوضية قائمة على الاحترام المتبادل.

وشدد عراقجي على أن التخصيب يمثل إنجازًا وطنيًا غير قابل للتفاوض، وهو الموقف ذاته الذي تبناه مجيد تخت‌روانجي، نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية، الذي أكد أن إيران لن تتراجع عن حقها في التخصيب، مشيرًا إلى أهميته في تلبية الاحتياجات الزراعية والطبية والصناعية للبلاد.

كما اعتبر تخت‌روانجي أن تصريحات ويتكوف غير واقعية، وأن الإصرار على شرط “صفر تخصيب” سيؤدي إلى فشل المفاوضات. ولفت إلى أن بعض المسؤولين الأمريكيين، ومنهم ويتكوف وماركو روبيو، يفضلون إطلاق التصريحات الإعلامية بدلًا من التفاوض داخل الغرف المغلقة، في حين تحرص إيران على إعلان مواقفها الرسمية بوضوح أثناء الجلسات التفاوضية.

وأكد تخت‌روانجي أن إيران طورت قدراتها النووية ذاتيًا، ولن تتخلى عنها، مضيفًا أن بلاده منفتحة على مقترحات مثل تشكيل كونسورتيوم نووي مع دول الجوار إذا أصبحت المفاوضات جادة.

وفي السياق ذاته، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية إسماعيل بقائي، في مؤتمر صحفي عقد في 19 مايو/أيار 2025، إن التخصيب «حاجة أساسية» و«حق مشروع» لإيران بموجب معاهدة NPT. وأشاد بتضحيات العلماء النوويين الإيرانيين، مؤكدًا أن هذه التكنولوجيا ثمرة عقود من الجهد، ولا يمكن التفاوض بشأنها.

وشبّه بقائي السياسة الأمريكية بـ«لعبة الحية والسلم»، في إشارة إلى المواقف المتقلبة لواشنطن، التي تقوض الثقة في جديتها.

الجولة الخامسة

أشارت صحيفة “شرق” إلى أن التحضيرات جارية لعقد الجولة الخامسة من المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة الأسبوع المقبل، وسط تغيّر في الأجواء التفاوضية مقارنة بالجولات الأربع السابقة التي عقدت في مسقط وروما، برعاية وزير الخارجية العماني بدرالدین البوسعیدی.

وأفادت بأن هذه الجولات وُصفت بـ”الإيجابية للغاية” من كلا الطرفين، ما يدل على وجود إرادة سياسية مشتركة للتوصل إلى حل دبلوماسي. وكشفت الصحيفة أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أعلن، عقب لقائه البوسعیدی، أن موعد ومكان الجولة الخامسة تحددا تقريبًا وسيتم الإعلان عنهما قريبًا.

ومع ذلك، نفى عراقجي أن تكون إيران قد تسلّمت أي رسالة خطية من واشنطن عبر مسقط، وهو ما يتعارض مع تصريحات ترامب بشأن عرض أمريكي تم تقديمه بعد جولته الإقليمية. وأكد عراقجي أن بلاده سلّمت سلطنة عُمان وثيقتين تعبران عن موقفها الرسمي، ولم تستلم أي مقترحات مكتوبة من الجانب الأمريكي حتى الآن.

وفي المقابل، نقل موقع “أكسیوس” عن مصادر مطلعة أن ويتكوف قدّم وثيقة لأول مرة تتضمن رؤية واضحة لبرنامج نووي سلمي. لكن عراقجي نفى في 15 مايو استلام أي وثيقة من واشنطن، مؤكدًا أن بلاده مستعدة لاتخاذ خطوات لبناء الثقة مقابل رفع العقوبات.

وبينما اعتبر ويتكوف أن بعض المقترحات الإيرانية الأخيرة «مشجعة» وإن كانت تحتاج إلى مزيد من التطوير، نفت مصادر إيرانية عبر وكالة “رويترز” حدوث أي تغييرات جوهرية في موقف طهران، مشددة على تمسكها بشرط رفع العقوبات مقابل تسوية قضية التخصيب.

وأضافت الصحيفة أن ويتكوف وصف المحادثات الأخيرة بأنها «معقدة لكنها واعدة»، مشيرًا في مقابلة مع مجلة “ذا أتلانتیک” إلى أن «الاتفاق مع إيران قد يسبق إحلال السلام في أوكرانيا». بينما كان ترامب قد أعرب في زياراته إلى الرياض والدوحة عن رغبته في التوصل لاتفاق، محذرًا من أن عرضه «محدود زمنياً».

ورأى عراقجي أن الجولة الرابعة من المفاوضات، التي عُقدت في 11 مايو، كانت «بالغة الصعوبة»، لكنه شدد على استمرارها، محذرًا من «حرب إعلامية» ترافق المسار التفاوضي. وأشار إلى أن التناقض في مواقف واشنطن يعود إلى غياب الانسجام في أساليب التفاوض داخل الإدارة الأمريكية.

زيارة بزشكيان إلى سلطنة عمان

ذكرت الصحيفة أن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان يستعد لزيارة سلطنة عمان الأسبوع المقبل، وفقًا لما نقلته وكالة “تسنيم”، في خطوة تهدف إلى دعم جهود الوساطة التي تقوم بها مسقط في الملف النووي، وتعزيز العلاقات الثنائية.

وخلال لقائه وزير الخارجية العماني، أعرب بزشکیان عن أمله في أن تشكل الزيارة محطة مهمة في تعميق التعاون بين البلدين، مشددًا على أن سياسة “حسن الجوار” التي تتبعها حكومته تشمل أيضًا توسيع الحضور الإيراني الإقليمي، وتأكيد استقلال القرار الإيراني رغم الضغوط الخارجية.

ورأت الصحيفة أن رغم التقدم المحرز في المفاوضات، إلا أن التناقضات داخل الإدارة الأمريكية لا تزال تشكّل تحديًا حقيقيًا. ففي حين يتبنى ويتكوف خطابًا أكثر مرونة، يواصل سياسيون مثل ماركو روبيو الضغط من أجل وقف شامل للبرنامج النووي، في دور يُشبه “الشرطي السيئ”.

وأضافت أن هذه الازدواجية، التي وصفها المتحدث باسم الخارجية إسماعيل بقائي بـ«عدم اليقين المتكرر»، تقوّض الثقة في نوايا واشنطن. كما أشارت إلى استمرار الضغوط الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو، الذي يدعو إلى تكرار “النموذج الليبي” في إيران، وهو ما رفضه عراقجي واصفًا إياه بأنه «حلم مستحيل».

وأكدت “شرق” أن إيران استطاعت، رغم هذه التحديات، توسيع دائرة دعمها الإقليمي والدولي من خلال علاقاتها مع روسيا والصين، وزيارات مسؤوليها إلى السعودية والعراق، فضلًا عن دعمها في قمة بغداد التي عُقدت في مايو 2025.

آلية إعادة فرض العقوبات

أشارت الصحيفة إلى أن الجولة الخامسة من المفاوضات تأتي في توقيت حساس، وسط تصاعد التوتر مع الترويكا الأوروبية، وقرب انعقاد اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتزايد الحديث عن احتمال تفعيل آلية الزناد لإعادة فرض العقوبات.

وأضافت أن إيران، مع تمسكها بحقها في التخصيب السلمي، لا تزال مستعدة لتقديم ضمانات فنية وشفافة، شرط احترام حقوقها. كما أن تصريحات تخت‌روانجي حول استعداد بلاده لمواجهة أي محاولة لاستغلال آلية الزناد تعكس جاهزية إيران القانونية والدبلوماسية.

وفي الختام، ترى الصحيفة أن مستقبل المسار التفاوضي سيتوقف على قدرة إيران على الحفاظ على التوازن بين الحزم والمرونة، مشيرة إلى أن دبلوماسيتها النشطة، المدعومة بعلاقات إقليمية ودولية متينة، تمكّنها من التصدي للضغوط دون المساس بمصالحها الأساسية.

كلمات مفتاحية: