- زاد إيران - المحرر
- إيران, متميز
- 63 Views
كتب: محمد بركات
شهدت إيران خلال عامها الماضي، الذي بدأ من 21 مارس/آذار 2024 إلى 20 مارس/آذار 2025، تحولات كبرى على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية، جعلته عاما استثنائيا في تاريخها الحديث، عاما تضافرات فيه الأحداث العسكرية والسياسة لتشكل مشهدا أكثر تعقيدا في منطقة معقدة من الأساس.
ففي الأول من أبريل/نيسان 2024، شنت إسرائيل هجوما صاروخيا على مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، ما أسفر عن مقتل 16 شخصا، وكان من بين القتلى محمد رضا زاهدي القائد البارز في الحرس الثوري، ومحمد هادي حاجي رحيمي نائب منسق قوة القدس، إضافة إلى 7 من قوات الحرس الثوري الإيراني.
لتقوم إيران بعدها بعدة أيام وتحديدا في 13 أبريل/نيسان، بشن عملية سمتها “الوعد الصادق” ردا على الهجوم الإسرائيلي على قنصليتها، مستخدمةً صواريخ باليستية وطائرات مسيرة، واستمر الهجوم حتى فجر يوم 14، ليكون أول استهداف إيراني مباشر للأراضي الإسرائيلية.

وفي واحد من أبرز الأحداث التي هزت إيران، شهد شهر مايو/أيار سقوط مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في منطقة أرسباران الجبلية، في أثناء عودته من زيارة رسمية لتدشين سدود مشتركة مع أذربيجان، الحادث الذي راح ضحيته عدد من المسؤولين البارزين، من ضمنهم وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان وممثل المرشد في محافظة أذربيجان الشرقية، الأمر الذي أدى إلى فراغ سياسي مؤقت، استدعى اتخاذ إجراءات سريعة لضمان استقرار الحكم.

في اليوم التالي، 20 مايو/أيار 2024، أصدر المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، بيانا أعلن فيه الحداد العام لمدة خمسة أيام، وأنه وفقا للمادة الـ131 من الدستور، فقد عيّن محمد مخبر، النائب الأول لرئيس الجمهورية، قائما بأعمال الحكومة، كما أصدر أمرا بإجراء الانتخابات خلال 50 يوما.
بعد إعلان موعد الانتخابات، بدأ المشهد السياسي يشهد تحركات متسارعة، حيث تقدم عدد من الشخصيات السياسية البارزة للترشح، من بينهم محمد باقر قاليباف رئيس البرلمان، وإسحاق جهانغيري النائب السابق للرئيس، ومسعود بزشكيان البرلماني والوزير السابق، إلا أن المفاجأة الكبرى كانت في استبعاد بعض الأسماء البارزة، مثل علي لاريجاني، رئيس البرلمان السابق، الذي رفض مجلس صيانة الدستور طلب ترشحه مجددا.
وبعد انتهاء عملية مراجعة أهلية المرشحين، أعلنت وزارة الداخلية في 11 يونيو/حزيران، القائمة الرسمية لستة مرشحين رئيسيين والتي ضمت أسماء كل من مسعود بزشكيان، ومصطفى بور محمدي، وسعيد جليلي، وعلي رضا زاكاني، وأمير حسين قاضي، وزاده هاشمي، ومحمد باقر قاليباف.
في النهاية، خاض مسعود بزشكيان الانتخابات باعتباره المرشح الأبرز للإصلاحيين، مستفيدا من دعم شخصيات سياسية مثل محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الأسبق، وعلى الرغم من العراقيل التي واجهها التيار الإصلاحي في السنوات الأخيرة، فقد نجح بزشكيان في حشد الدعم، ليحقق الفوز في الجولة الثانية من الانتخابات ضد سعيد جليلي الشخصية الأصولية الأشهر في 5 يوليو/تموز، مما شكل عودة للإصلاحيين إلى المشهد السياسي بعد 19 عاما من الغياب عن السلطة التنفيذية.

وخلال يوليو/تموز وأغسطس/آب، كانت هناك انتخابات أخرى في غاية الأهمية بالنسبة لإيران كان قد تحدد مرشحوها، فبعد نجاته من محاولة اغتيال فاشلة في بنسلفانيا وفوزه في الانتخابات التمهيدية، تم اختيار الرئيس الأمريكي السابق كمرشح نهائي للحزب الجمهوري في انتخابات 2024، في المقابل، وبعد جدل داخلي في الحزب الديمقراطي بسبب الحالة الصحية والذهنية للرئيس الأمريكي، تم ترشيح كامالا هاريس، نائبة جو بايدن، لتكون مرشحة نهائية للحزب في الانتخابات الرئاسية.

حلف بزشكيان يمينه الدستورية في 27 يوليو/تموز، لتبدأ بعدها سلسلة من الصراعات التي شهدها الداخل الإيراني، باغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، في 31 يوليو/تموز والذي جاء إلى طهران لحضور مراسم أداء بزشكيان اليمين الدستورية، في مقر إقامته شمال طهران، الأمر الذي وعدت إيران بالانتقام لأجله.

وخلال تلك الفترة، بدأت الحرب الإسرائيلية على الحليف الأقوى لإيران، وهو حزب الله، ففي 17 سبتمبر/اب قامت إسرائيل بتنفيذ عملية تفجير أجهزة النداء اللاسلكي، المعروفة بالبيجر، وأجهزة الاتصال الخاصة بحزب الله: على مدار يومين متتاليين، انفجرت الأجهزة الإلكترونية المستخدمة من قبل قوات حزب الله في مختلف أنحاء لبنان، والتي أصيب فيها مجتبى أماني، السفير الإيراني لدى لبنان، ما اعتبر تصعيدا كبيرا للحرب وضربة مباشرة لإيران.

ولم يقف الأمر عند هذا، ففي 27 سبتمبر/أيلول شنّت إسرائيل هجوما عنيفا على مقر قيادة حزب الله في منطقة الضاحية ببيروت، ما أدى إلى مقتل حسن نصر الله، الأمين العام للحزب، وعباس نيلفروشان، نائب عمليات الحرس الثوري الإيراني.

لتقوم إيران بعدها بعدة أيام بشن هجوم آخر أطلقت عليه “الوعد الصادق 2” ردا على اغتيال إسماعيل هنية، وحسن نصر الله، وعباس نيل فروشان، مستهدفةً الأراضي الإسرائيلية للمرة الثانية، وقد شهدت هذه العملية استخدام القوات المسلحة الإيرانية صواريخ هايبرسونيك لأول مرة.

هذا وقد استمرت إسرائيل في شن عمليتها تجاه محور المقاومة الإيراني، ففي الثالث من أكتوبر/تشرين الأول، قتل هاشم صفي الدين، الرجل الثاني في حزب الله اللبناني، والذي تم تعيينه أمينا عاما للحزب بعد حسن نصر الله، وذلك باستخدام قنابل خارقة للتحصينات، أيضا وفي 16 أكتوبر/تشرين الأول، قتل يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وأحد القادة الرئيسيين لعملية 7 أكتوبر/تشرين الأول، خلال اشتباك مع الجيش الإسرائيلي في منطقة تل السلطان بمدينة رفح.
كذلك، شنّت إسرائيل هجوما صاروخيا على عدة مواقع داخل إيران في 26 أكتوبر/تشرين الأول، زاعمةً أنها مرتبطة بالبرامج العسكرية الإيرانية، وذلك ردا على “الوعد الصادق 2″، حينها أفادت التقارير بأن الصواريخ أُطلقت من المجال الجوي العراقي باتجاه الأراضي الإيرانية.

وفي 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، يفوز دونالد ترامب بمنصب الرئاسة الأمريكية للمرة الثانية، الأمر الذي نقل إيران من حرب ميدانية إلى حرب دبلوماسية مع إدارة تعرف بأنها ستعيد سياسة الضغط الأقصى لتجبرها على التفاوض.

ورغم أصداء الهجمات الإيرانية والإسرائيلية، فإن الداخل الإيراني بدأ يُظهر صوته في وسط المشهد، فخلال نوفمبر/تشرين الثاني بدأت تحركات مجموعة ضغط أصولية بالمطالبة بتنفيذ عملية “الوعد الصادق 3″، حيث نظموا تجمعات تحت عنوان “صرخة من أجل إيران”، مطالبين بتنفيذ العملية، وإصدار قانون الحجاب، ومنع رفع الحجب عن الإنترنت.

وفي 15 ديسمبر/كانون الأول، وبعد جدل حول أسباب تأخر إصدار قانون الحجاب، تبيّن أن أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي أوقفت إعلانه؛ خشية التداعيات المترتبة على تنفيذه.
وفي 8 ديسمبر/كانون الأول، تعرض النظام الإيراني لضربة أخرى لأحد حلفائه بسقوط نظام بشار الأسد، بعد 11 يوما من هجوم هيئة تحرير الشام بقيادة محمد الجولاني، المعروف بأحمد الشرع، ما دفع الأسد إلى اللجوء لروسيا.

وعلى المستوى الداخلي كذلك، فقد استطاعت حكومة بزشكيان رفع الحجب عن تطبيق واتساب ومتجر جوجل بلاي، المستخدمين على هواتف أندرويد، وذلك بقرار من المجلس الأعلى للفضاء السيبراني في 24 ديسمبر/كانون الأول، ما أتاح للمستخدمين في إيران الوصول إليهما مجددا، وما اعتبر تحقيقا لأحد وعود بزشكيان.

وقد استمر الصراع الداخلي بسبب عدة أحداث، كان على رأسها سفر محمد جواد ظريف، نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية، في 20 يناير/كانون الثاني 2025 إلى دافوس في سويسرا لحضور المنتدى الاقتصادي العالمي، وخلال مقابلة مع فريد زكريا، أدلى بتصريحات عدة، لكن حديثه عن قرار الدولة عدم الضغط على النساء في قضية الحجاب أثار ردود فعل غاضبة بين الأصوليين.

لينظم الأصوليون بعدها احتجاجا في ميدان باستور، قرب مقر رئاسة الجمهورية، اتهم خلاله كامران غضنفري، إحدى الشخصيات الأصولية، ظريف بالارتباط بجهاز السافاك، جهاز مخابرات الشاه، كما قُرئ بيان منسوب إلى رجل دين متشدد يدعى حامد وفسي، تضمن إهانات لزعماء السلطات الثلاث.
وعلى الجانب الآخر من العالم، كان ترامب قد أدى اليمين الدستورية في مبنى الكونغرس، ليبدأ رسميا ولايته كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، وليأتي بعدها في 4 فبراير/شباط 2025 ويوقع مذكرة رئاسية يعيد بها سياسة الضغط الأقصى على إيران، ما مثّل عودة لاستراتيجية العقوبات والتصعيد ضد طهران.

ولم تنته صراعات الداخل، فقد عزل البرلمان الإيراني، عبد الناصر همتي، وزير الاقتصاد، في 2 مارس/آذار، وذلك بعد جلسة استجواب حضرها بزشكيان، محاولا الدفاع عن وزير حكومته، ليأتي في اليوم الثاني ويعلن ظريف، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، استقالته من منصب نائب الرئيس للشؤون الاستراتيجية.


كذلك، فقد أعلن بزشكيان على لسان نائبه، أنه لن يبلغ قانون الحجاب، وذلك بسبب عواقبه غير المحسوبة على المجتمع، ما جعل العديد من التيارات الأصولية تقيم احتجاجات أمام مبنى البرلمان تطالب رئيسه قاليباف بإقرار المشروع، متهمةً بزشكيان بعدم تطبيق أحكام الإسلام.

وفي 7 مارس/آذار 2025، أعلن ترامب أنه أرسل رسالة إلى المرشد الأعلى خامنئي، والتي سلمها أنور قرقاش، مستشار الدولة الإماراتي لاحقا، يدعوه فيه إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات، الأمر الذي رفضه المرشد عدة مرات، مؤكدا أن إيران لن تخضع لإرادة الحكومات الدولية المتسلطة.
