- زاد إيران - المحرر
- إيران, الحكومة الرابعةعشر, بزشكيان, جوادظريف, طيب نيا, متميز
- 130 Views
كتب: محمد بركات
بعد مرور أقل من عام على تشكيل الحكومة الإيرانية الرابعة عشرة برئاسة مسعود بزشكيان في أغسطس/آب 2024، بدأت ملامح أزمة داخلية تتسارع وتيرتها، تتمثل في انسحاب أو إقصاء عدد من الشخصيات الإصلاحية والبارزة من مراكز القرار، وبينما جاءت هذه الحكومة محمّلة بآمال عريضة للتغيير والانفتاح، فإن التطورات الأخيرة تعيد إلى الواجهة تساؤلات جدّية حول مستقبلها.
من ظريف إلى طيب نيا.. رموز تغادر المشهد
من أبرز المؤشرات على عمق الأزمة التي تشهدها الحكومة كانت استقالة محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الأسبق، الذي تولى في حكومة بزشكيان منصب نائب الرئيس للشؤون الاستراتيجية.
فحسب تقرير نشرته جريدة فرهيختكان بتاريخ 4 مارس/آذار 2025، فإن وجود ظريف في الفريق الحكومي شكّل رسالة واضحة على نية بزشكيان استثمار الخبرات التكنوقراطية والدبلوماسية في معالجة الأزمات المتراكمة، غير أن هذا التوجه لم يلق قبولا من الأطراف الأصولية، التي رأت في عودة ظريف امتدادا لنهج الاعتدال الذي ساد في عهد الرئيس الأسبق روحاني.

كذلك، فقد جاءت استقالة ظريف على وقع ضغوط متزايدة، سواء من داخل الحكومة أو من جهات تشريعية وإعلامية محسوبة على التيار الأصولي، وقد وصف ظريف في تغريدته التي أعلن فيها عن استقالته، تجربة عمله في الحكومة الرابعة عشرة بأنها الأصعب في مسيرته المهنية، في تعبير صريح عن حجم التضييق الذي تعرض له.
بالتوازي مع ذلك، برز تراجع دور الاقتصادي البارز علي طيب نيا، وزير الاقتصاد الأسبق، الذي وإن لم يعلن رسميا استقالته، فإن مصادر متعددة أكدت ابتعاده عن دوائر القرار، فطيب نيا، الذي دعم بزشكيان خلال حملته الانتخابية، كان يُنظر إليه على أنه ركيزة إصلاحية في الملف الاقتصادي، القائم على مواجهة التضخم وتنظيم النظام المالي.
حملة تفريغ ممنهجة أم صراع تيارات؟
إن تتابع خروج هذه الشخصيات، واللغة التي استُخدمت في استهدافها، قد دفعا صحيفة هم ميهن الإصلاحية إلى القول خلال تقرير لها بتاريخ 10 مارس/آذار 2025، بأن ما يحدث لا يمكن قراءته كتحولات طبيعية أو قرارات فردية، بل يدخل ضمن ما يشبه استراتيجية تفريغ منهجية تهدف إلى إقصاء النخب الإصلاحية من الحكومة وتحويلها إلى كيان إداري هش لا يمتلك أدوات القوة السياسية أو التفاوضية.

وحسب التقرير، فتقوم هذه الاستراتيجية على مستويين متوازيين، الأول، يتمثل في إضعاف الدائرة الاستشارية للرئيس من خلال الضغط على المقربين منه وشيطنتهم إعلاميا، واتهامهم بالعمالة أو بمحاباة الغرب بما يُفقدهم المشروعية الشعبية، والثاني، يتمثل في فرض أجندة تشريعية ضاغطة عبر البرلمان، من خلال الاستجوابات المستمرة والتصريحات العدائية التي تشكك في شرعية الحكومة.
في هذا السياق، أضاف التقرير أن البرلمان ذا الأغلبية الأصولية، خصوصا النواب المحسوبين على جبهة بايداري، الصمود، لعب دورا مركزيا في الضغط على الحكومة.
فمنذ اليوم الأول لتشكيلها، واجه بزشكيان موجة من العداء الصريح، تركز على شخصيات مثل ظريف وطيب نيا وعبد الناصر همتي، وزير الاقتصاد والرئيس البنك المركزي السابق.
دور المحيطين بالرئيس.. تناقضات ومآخذ
هذا ولم تكن كل الضغوط خارجية، فقد أشارت تقارير إعلامية إلى دور سلبي لبعض المقربين من بزشكيان نفسه، وعلى رأسهم محمد جعفر قائم بناه، نائب الرئيس للشؤون التنفيذية، الذي لعب، وفق صحيفة شرق في تقريرها بتاريخ 21 مارس/آذار 2025، دورا أساسيا في تضييق الهامش التنفيذي على ظريف.
وقد فُسّرت هذه الأدوار بأنها مؤشر على وجود صراع داخلي بين تيارات داخل الحكومة، حيث يتجاذبها من جهةٍ إصلاحيون حالمون بالإصلاح، ومن جهة أخرى براغماتيون حذرون أو حتى أصوليون يسعون للسيطرة.

وفي السياق نفسه، فقد زادت المتحدثة باسم الحكومة، فاطمة مهاجراني، من تعقيد الصورة، حين أصدرت مواقف متضاربة بشأن استمرار ظريف وطيب نيا في مناصبهم، إذ أكدت بدايةً أن ظريف لا يزال في منصبه رسميا، قبل أن تعود وتقر بخروجه، معتبرةً أن الباب لا يزال مفتوحا للاستفادة من خبراته كمستشار غير رسمي، ما يُظهر ارتباكا داخل المؤسسة التنفيذية في إدارة هذه الاستقالات.

ضغوط البرلمان.. والتشكيك في شرعية الحكومة
منذ اللحظة الأولى لتشكيل حكومة بزشكيان، تبنّى البرلمان موقفا تصادميا واضحا تجاهها، تمثل في استجوابات متكررة وانتقادات حادة طالت معظم وزرائها.
هذا التوجه بدا جليا في الهجوم المبكر الذي استهدف وزير الاقتصاد عبد الناصر همتي، متهمين إياه بالفشل في مواجهة التضخم، والتقارب مع رؤية الحكومة السابقة في الملف المالي، الأمر الذي أدى في النهاية إلى عزله في الثاني من مارس/آذار 2025، دون أن تمر ستة أشهر على توليه مهام منصبه.

كذلك، فلم يسلم ظريف، من هجمات النواب الأصوليين، مما أرغمه على تقديم استقالته للمرة الأولى من منصبه في أغسطس/آب 2024، لتستمر الانتقادات والمطالبات لعزله في كل مناسبة يظهر فيها، أبرزها بعد تصريحاته في مؤتمر دافوس الاقتصادي في يناير/كانون الثاني 2025.

هذا وقد تصاعدت الأزمة بين الحكومة والبرلمان بسبب قضايا أخرى، كقانون الحجاب، الذي قال بزشكيان إنه لن يقره، ما فجّر غضب عدد من النواب والشخصيات الأصولية، كصادق كوشكي، الذي وصف بزشكيان علنا بأنه من خوارج الإسلام ولا يريد تطبيق الشريعة.
بينما اعتبر أمير حسين ثابتي، النائب الأصولي المقرب من سعيد جليلي، أن بزشكيان يرتكب خطأ بعدم إقراره القانون، وأنه ليس من حق من سمح لشخص بالبقاء في منصبه لمدة خمسة أشهر بشكل غير قانوني، يقصد ظريف، أن يمنع الناس من التظاهر أمام البرلمان.


إلى جانب تلك التصريحات، فقد لجأت بعض التيارات البرلمانية المتشددة إلى تنظيم تظاهرات أمام البرلمان، بدعم لوجستي وإعلامي مكثف، للضغط على الحكومة في ملفات حساسة.

إصلاحيون يدقون ناقوس الخطر
هذا وقد حذرت شخصيات إصلاحية من مغبة تلك الظاهرة، حيث صرح سعيد شريعتي، الناشط الإصلاحي، خلال حديث مع صحيفة اعتماد في 12 مارس/آذار 2025، بأن الهجوم الذي يتعرض له بزشكيان من قبل التيار الأصولي لم يكن مفاجئا، بل هو نتيجة طبيعية لرغبتهم في إسقاط شخصية نجحت في إحياء خطاب الإصلاح بعد عقود من التهميش.
فحسب شريعتي، فإن بزشكيان، برؤيته المنفتحة الداعية إلى التهدئة، والتعددية، والديمقراطية، أصبح رمزا يهدد بنية الحكم أحادية الصوت التي يسعى المتشددون إلى ترسيخها.

كما يؤكد شريعتي أن الحملة ضد الحكومة بدأت بمنهجية واضحة، أولا بإبعاد رموز رئيسية مثل ظريف، وهمتي، وطيبنيا، والآن تطال الهجوم شخص الرئيس نفسه، عبر حملات منظمة واتهامات علنية يقودها رموز أصولية من داخل البرلمان وخارجه، في الوقت الذي لا يسمح فيه للتيار الإصلاحي بتأييد الحكومة كما يفعل الأصوليون خارج أبواب البرلمان.
كما أشار إلى أن التيار المتشدد لا يعترف بشرعية غالبية الشعب، بل يعتبره مجرد رعايا تتحمل الدولة وجودهم، وهم يسعون، بدعم غير مباشر من مؤسسات أمنية وإدارية، إلى تقويض أي توجه إصلاحي، خاصة إذا أعاق مشروعهم في إقامة دولة بتركيبة متجانسة ومتشددة.
كما يرى أن تمسك بزشكيان بسياسة الصبر وتجنب التصعيد قد يُفسر كضعف، ما يشجع خصومه على التمادي.
ويختم شريعتي بالتحذير من أن هذا العام سيكون صعبا بسبب الأزمات الداخلية والخارجية المتشابكة، داعيا الحكومة إلى التماسك والوضوح في الدفاع عن خياراتها، وتجنب الوقوع في فخ شعارات الوفاق التي تُستغل لإفراغ الدولة من مضمونها الإصلاحي.