خامنئي.. صاحب القبضة الحديدية المقاوم للقصف والتهديد الإسرائيلي الأمريكي

كتب: ربيع السعدني 

مع تصاعد الصراع بين إسرائيل وإيران، ظلت شخصية مركزية واحدة في بؤرة الأضواء الدولية: علي خامنئي، المرشد الأعلى لإيران.

خامنئي هو الرجل الأقوى في طهران، يملك علاقات متشعبة في العديد من الدول بالشرق الأوسط، خاصة في لبنان والعراق وسوريا، صرف ملايين الدولارات دعما لجماعات مسلحة في المنطقة على غرار حماس وحزب الله والحوثيين، فيما فرض قبضة حديدية على طهران منذ أن تولى منصب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية وأمضى ما يقرب من أربعة عقود كزعيم أعلى لإيران.

لم يستبعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استهداف خامنئي، الذي يقود إيران منذ أكثر من ثلاثة عقود، وصرح لقناة ABC نيوز الأمريكية يوم الاثنين 16 يونيو/حزيران 2025، بأن أي ضربة توجه إلى الزعيم الأعلى الإيراني لن تؤدي إلى تصعيد أوسع للحرب، بل قد تكون حاسمة بدلا من ذلك، وقال: “لن يؤدي ذلك إلى تصعيد الصراع، بل سينهيه”.

من جهته، عزز وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس هذا التوجه، مهددا بشكل علني قائلا: “سنضرب الديكتاتور الإيراني أينما وجد”، في إشارة مباشرة إلى خامنئي، إلا أن الولايات المتحدة تدخلت لمنع تنفيذ هذا السيناريو، بحسب رويترز.

وهدّد الرئيس الأمريكي ترامب، المرشد الإيراني الثلاثاء 17 يونيو/حزيران 2025، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي قائلا: “نعرف تماما مكانه، إنه هدف سهل لنا”، لكنه أضاف: “لن نقضي عليه (نقتله!)، في الوقت الحالي على الأقل”، وأضاف: “صبرنا بدأ ينفد” ومن الجدير بالذكر أن قتل زعماء أجانب محظور بموجب القانون في الولايات المتحدة.

رحلة صعود

خامنئي، الذي تعتبر رحلة صعوده من ناشط ومساعد ثوري إلى رأس السلطة ودوره في تصاعد المواجهة مع إسرائيل، وُلد في 19 أبريل/نيسان عام 1939 لعائلة دينية متواضعة الحال في مدينة مشهد، وهي مدينة مقدسة في شرق إيران، وترعرع في السنوات التي سبقت ثورة 1979 التي أطاحت بالشاه محمد رضا بهلوي، وتم اعتقاله مرارا من قبل أجهزة الأمن التابعة للحاكم البهلوي المدعوم من الولايات المتحدة، وارتقى في صفوف المعارضة الدينية كحليف مقرب من الخميني، الذي قاد الثورة وأسس جمهورية إيران.

برز خامنئي سريعا كواحد من المساعدين الأكثر ثقة في النظام الإيراني الجديد، وكان رئيسا للبلاد خلال معظم ثمانينات القرن الماضي، وعندما توفي الخميني عام 1989، تم ترقية خامنئي، الذي كان آية الله آنذاك، إلى مرتبة القائد الأعلى لإيران، حيث بدأ في ترسيخ سيطرته على الأجهزة السياسية والعسكرية والأمنية في البلاد، وقمع المعارضة لتعزيز موقعه كصانع القرار النهائي.

سلطة مطلقة 

يتربع خامنئي بصفته القائد الأعلى لإيران، فوق جميع فروع الحكومة الأخرى حين انتُخب كأول رئيس للجمهورية الإسلامية بأغلبية مطلقة من الأصوات (95%)، وفي 17 أكتوبر/تشرين الأول 1981 صادق الخميني على مرسومه الرئاسي، وأدى خامنئي اليمين الدستورية كثالث رئيس إسلامي لإيران ومنحت له صلاحيات واسعة، حيث يعين رؤساء القضاء ووسائل الإعلام الحكومية والوكالات الأمنية الرئيسية، وبموجب نظام الحكم في إيران، يتمتع خامنئي بالقيادة العليا للقوات المسلحة، وله الحق في إعلان الحرب، ويمكنه تعيين أو إقالة كبار الشخصيات بما في ذلك القادة العسكريين والقضاة.

كما يمتلك خامنئي وفقا لصحيفة نيويورك تايمز، السلطة النهائية في تحديد من يمكنه الترشح للرئاسة، ويسيطر أيضا على السياسة الخارجية والعسكرية، ومشرفا على فيلق الحرس الثوري الذي يدافع عن النظام، ويعمل بمعزل عن باقي الجيش، وعلى فيلق القدس القوي الذي يدير العمليات الخارجية لإيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ويُشرف على وكلاء، بما في ذلك حماس وحزب الله والحوثيين، وتمتد سلطته لتشمل البرنامج النووي، مما يجعله في قلب التصعيد المتزايد مع إسرائيل. 

تحت القصف

كان خامنئي في صلب السياسة الخارجية لإيران على مدى عقود، حيث وضع بلاده كقوة مضادة للتأثير الأمريكي والإسرائيلي في الشرق الأوسط، وقد دربت طهران وسلحت ومولت شبكة من القوات الوكيلة الممتدة من لبنان إلى اليمن تحت قيادته، مما سمح لطهران بإظهار قوتها ومواجهة منافسيها دون إشعال حرب على الأراضي الإيرانية، تغيّر ذلك كله عندما هاجمت حماس إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

إذ أدت حرب إسرائيل في غزة وهجماتها على حزب الله، أحد أبرز وكلاء إيران، إلى تجرؤ إسرائيل وحطمت صورة إيران كقوة منيعة، لكن هذه الاستراتيجية انهارت يوم الجمعة، 13 يونيو/ حزيران 2025 وفقا لـ صحيفة نيويورك تايمز عندما شنت إسرائيل أكبر هجوم لها على إيران، وبلغت ذروتها بالضربات ابعسكرية غير المسبوقة التي شُنّت الأسبوع الماضي ضد المنشآت النووية الإيرانية وكبار القادة العسكريين.

وقالت إسرائيل إن الحملة العسكرية كانت تهدف إلى منع طهران من الحصول على أسلحة نووية، وقد أعلن المسؤولون الإيرانيون علنا أن برنامجهم النووي مخصص لأغراض سلمية فقط وينفون صنع قنبلة نووية؛ وأصدر خامنئي، فتوى دينية عام 2003 تحرم الأسلحة النووية في الإسلام، وأشار إليها مسؤولون إيرانيون بارزون في تصريحاتهم.

هذه الفتوى، التي أُعيد التأكيد عليها في 2019، تُستخدم كأداة دبلوماسية لتأكيد السلمية، لكن تقارير غربية (مثل تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية 2023) تشير إلى أن إيران قد تكون طورت قدرات “مزدوجة الاستخدام”، مما يثير الشكوك حول الالتزام بالفتوى، ولطالما اتهمت إسرائيل والحكومات الغربية طهران بالسعي للحصول على القدرة على تصنيع قنبلة إذا رغبت في ذلك.

تحت التهديد والحراسة

وتتحكم الأجهزة الأمنية بشكل محكم في تحركات خامنئي لتأمينه، ونادرا ما يتم الكشف عن مكان تواجده، وتشرف وحدة نخبة من الحرس الثوري مرتبطة مباشرة بمكتبه على حمايته، وفقا للمحللين، ويُقال إنه نُقل الأسبوع الماضي إلى موقع سري ليبقى على اتصال مع الجيش وجاء ذلك بعد تقارير مماثلة العام الماضي 2024، عندما نُقل إلى مكان آمن بعد يوم من اغتيال حسن نصر الله، الأمين العام السابق لحزب الله اللبناني وحليفه القديم.

إن خامنئي، الذي سُجن قبل ثورة 1979 وأصيب بجراح في هجوم بقنبلة قبل أن يصبح زعيما (مرشد إيران) عام 1989، ملتزم بشدة بالحفاظ على النظام الإسلامي في إيران وهو يشعر بعدم ثقة كبيرة في الغرب.

يقول أليكس فاتانكا، مدير برنامج إيران في معهد الشرق الأوسط للأبحاث في واشنطن لوكالة رويترز: “هناك أمران يمكن قولهما عن خامنئي: إنه عنيد للغاية، ولكنه أيضا شديد الحذر، إنه حذر للغاية ولهذا السبب ظل في السلطة طوال هذه الفترة”.

قتلت إسرائيل في الأيام الاخيرة عددا من القادة والعلماء النووين وكبار المسؤولين في إيران، بمن فيهم المستشارون الرئيسيون لخامنئي من الحرس الثوري، القوة العسكرية النخبة في إيران: القائد العام للحرس حسين سلامي، ورئيس القوات الجوية والفضائية أمير علي حاجي زاده الذي ترأس برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، ورئيس الاستخبارات في الحرس الثوري محمد كاظمي، الذي كان يعرف بـ”صائد الجواسيس”.

لكن استهداف مباشر لخامنئي نفسه سيمثل تصعيدا غير مسبوق في الصراع الحالي، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز ومن شأن مثل هذه الخطوة أن تترتب عليها عواقب غير متوقعة وواسعة النطاق في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ومع ذلك فإن خسارة قادة الحرس الثوري تؤدي إلى تفتيت الرتب العليا في المنظمة العسكرية التي وضعها خامنئي في مركز السلطة منذ توليه منصب المرشد الأعلى في عام 1989، معتمدا عليها في الأمن الداخلي والاستراتيجية الإقليمية.

هل يتم إسقاط خامنئي؟

في مقالٍ نُشر في التاسع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على صفحات صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، بعنوان “الخيار الوحيد أمام إسرائيل: إسقاط نظام خامنئي“، يفتتح الكاتبان جاكوب ناجيل ومارك دوبويتز حديثهما بانتزاع الأنفاس، مستحضرين تصريحا لخامنئي، حيث تنبأ بزوال إسرائيل نهائيا بحلول عام 2040، ويؤكدان أن هذا الإعلان ليس مجرد كلام عابر، بل هو وعدٌ يسعى خامنئي لتحقيقه بكل قواه، مستعينا بحلفائه داخل إيران وخارجها، في شبكةٍ من الدعم المتشابك، ويحذران بأن هذا الطموح الخطير يستلزم مواجهة جادة وحاسمة.
وفي سياقٍ لا يقل حدة، يكشف ديفيد إغناتيوس، الكاتب الأمني البارز في “واشنطن بوست” والمقرب من المخابرات الأمريكية، في مقالٍ يقطع بأن ساعة التغيير السياسي في طهران قد دقت، في الوقت الذي يواجه فيه المرشد الإيراني علي خامنئي، واحدة من أخطر اللحظات في تاريخ إيران، فإنه يجد نفسه معزولا بشكل متزايد بسبب الخسائر الأخيرة التي تعرض لها مستشارون وحلفاء رئيسيون آخرون في الشرق الأوسط.

كلمات مفتاحية: